الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفن الصخري: التأريخ والدلالة

وديع بكيطة
كاتب وباحث

(Bekkita Ouadie)

2022 / 3 / 29
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يتوازى تطور الخيال مع التقدم الإنساني، فكلما تطورت سعة الخيال، تجاوزنا أعقد إشكالات المعرفة نظريا وعمليا. والتأويل باعتباره سيرورة هذا التخييل، الذي هو فعلُ الخيال، يسمح بإمكانات لا حصر لها من الاكتشافات، التي تفصح عن جوانب تكون غائبة إلى حين، في دراستنا لأي أثر إنساني، وتُعيد صياغة وبناء تصورنا عنه.
وكما يقول الكاتب المغاربي "سعيد ناشيد": " الاستمتاع بالفن هو فرصة لترويض الوحش الذي لا يزال يسكن داخل كل إنسان وتعود أصوله إلى عصر الكهوف، هو فرصة للأناقة واللياقة واللباقة، وفرصة لأنسنة الإنسان". عنوان المنشور: الفن كحاجة أخلاقية. 23-03-2022.
هذا المقال The Mystery of Cave Paintings: Early Animation? للباحث كورت ريدمان Kurt Readman والمنشور بموقع https://www.historicmysteries.com والذي عنونته بـ"الفن الصخري: التأريخ والدلالة" يقدم قراءة في الفن الحجري باعتباره نموذجا للترفيه:
تعتبر رسومات الكهوف أهم أثر تركه لنا الإنسان القديم، وهي توجد في العديد من المواقع حول العالم، ويعود تاريخها في الغالب إلى العصر الجليدي، أو العصر الحجري القديم الأعلى، والذي استمر من حوالي 40.000 إلى 14000 عام مضت. وقد وجدت بعض هذه الرسومات في موقع التاميرا في إسبانيا، وعُثِر على أخرى في كل من فرنسا وإسبانيا والبرتغال وإنجلترا وإيطاليا.... الخ.
أنجزت هذه الرسومات من أصباغ حمراء وسوداء، وباستخدام معادن مختلفة محلية كانت موجودة آنذاك. وغالبًا ما كانت تُصنع هذه النقوش باستخدام الأصابع على الجدران اللينة، أو باستخدام أدوات الصوان للأسطح الأكثر صلابة.
الرسومات التي يتم تمثيلها في الكهوف هي في الغالب لحيوانات، تُظهر بضع العلامات النادرة للبشر، وبعض صور الأعضاء التناسلية المعزولة، مع بعض آثار اليد مثل كهف غارغاس الشهير في جبال البرانس في فرنسا. لكن الأكثر غرابة في بعض هذه الرسومات، خاصة تلك الموجودة في فرنسا، أنها تصور الحيوانات بشكل واقعي، ولكن برؤوس وأرجل إضافية. لماذا قد يفعل الرسامون القدامى هذا؟

نحن نرسم ما نعرف.

تشكل الأشكال الحيوانية دائمًا غالبية الصور في جميع الحقب. ومنها، رسومات الكهوف الفرنسية، التي جسدت أكثر الكائنات الحيوانية رعبا في ذلك الوقت؛ مثل الماموث والأسود والنمور والدببة. كما تدل الرسومات التي تعود إلى وقت لاحق في هذه الفترة على تهجين الإنسان لمجموعة من الحيوانات مثل: الخيول وثور البيسون والوعل، وقد ظهرت رسومات للحيوانات البحرية والطيور، مما يؤكد أن آفاق الإنسان العصر الحجري الحديث آنذاك كانت قد توسعت وتطورت.
رسومات كهف بيسون في التاميرا، إسبانيا (توماس كوين/CC BY-SA 2.0)
تمت مناقشة وظيفة الفن على مر السنين، لكن معظم المؤرخين وعلماء الآثار اتفقوا على أن فن الكهوف يعتبر شكلا من أشكال الترميز أو التدين، له علاقة بالمعتقدات والممارسات الشمانية، التي كانت سائدة آنذاك. مثلا، جرى أن توجه الإنسان القديم إلى كهف عميق لحضور طقس، يدخل فيه الشامان في حالة نشوة (trance) يتصل فيها بعالم الروح ليشجع حضور الأرواح الخيرة.
لكن لماذا مكان هذا الطقس قد يعرف هذا النوع من التأثيث؛ شبه ظلام وضوء خافت؟

تطور الإنسان

يعطينا الفن الصخري نظرة ثاقبة عن البشر الأوائل، وعن الكيفية التي عاشوا بها مع المجال المحيط بهم. وقد خلصت دراسات الأحافير والخرائط الجينية إلى أن الإنسان العاقل تطور منذ 200000 عام في إفريقيا. وبالرغم من شبهه بالإنسان المعاصر، إلا أكثر التقديرات أن طريقة تفكيرهم كانت مختلفة، مثلما كانت عليه أدوات العيش، التي استعملوها.
وهو ما يمكن أن نجده هنا:
-Cucuteni Trypillia: Why Did These Ancient Europeans Burn Their Homes?
ـ كوكوتيني تريبيلا: لماذا قام هؤلاء الأوروبيون القدماء بحرق منازلهم؟
ـ Chaco Canyon Polydactyly: A Thousand-Year-Old Foot Fetish?
ـ شاكو كانيون بوليدكتيلي: ألف عام من نشوة القدم؟
أظهرت القدرة على صنع الأدوات والتفكير المسبق والتخطيط أن الإنسان العاقل كان لديه مرتبة أعلى من الوعي، مما مكنه من السيطرة على جماعات بشرية أخرى أقل تطورا. سمحت هذه الأدوات بميزة تنافسية كبيرة في البرية، فقد أتاحت لمجموعات بشرية بالبقاء على قيد الحياة والتطور، وتسببت في انقراض أنواعًا أخرى. أما على مستوى الوعي، فإن الجماعات البشرية الأكثر وعيا، خلقت أنماطا أكثر تطورا من أنماط التدين، وفتحت الباب للعوالم الروحية.
تعد هذه الرسومات دليلا على التحول المعرفي داخل هذه الجماعات البشرية، وهي مؤشر على أن العقل البشري المبكر كان نشطًا وحيويًا في عصور ما قبل التاريخ.

تأريخ الفن الصخري

لسوء الحظ، من الصعب تأريخ فن الصخور. يمكن استخدام التأريخ بالكربون المشع على الكميات الضئيلة من المواد العضوية المستخدمة في الرسومات، ولكن هذا قد يكون غير موثوق به، وقد لا يعطي تدقيقا زمنيًا للفن، فكلما قل الكربون كلما قلت دقة البيانات. كما لا تستخدم بعض رسومات الكهوف أي مادة عضوية، وبالتالي لا يمكن تأريخها بهذه الطريقة.
عمل عالم الآثار والكيمياء الجيولوجية الدكتور ماكسيم أوبير Maxime Aubert على جعل التأريخ أكثر دقة، وقد استند على تأريخ للصخور بدلاً من الأصباغ الموجودة في الرسومات، وقد أنجز ذلك عن طريق قياس اليورانيوم المشع الموجود في العديد من الصخور بكميات ضئيلة. وبالتالي أمكنه وأمكن العلماء المختصين من مقارنة العناصر المختلفة في الصخور للكشف عن عمرها.
طور أوبير طريقة جديدة لتحديد الأعمار الدنيا والقصوى. بدأ بتحليل الطبقات الرقيقة المقطوعة من جدار الكهف التي يقل سمكها عن ملليمتر واحد، واستخدم مبيان يحدد تواريخ الصخور، بحيث تعطي هذه الطريقة معرفة أكثر دقة بزمن هذه الرسومات، مما يسمح لنا بمعرفة بدء التطور البشري، الذي يتزامن مع زمن إنشائها.

هل يمكن أن تكون اللوحات رسوم متحركة؟

تمثل العديد من هذه الرسومات حيوانات لها رؤوس أو أرجل متعددة، وهي تتبع دائما المنحنيات الطبيعية للصخور، وأكثر جوانب الحيوان حركة، هي الرأس والذيل والساقين، وهي الأكثر شيوعًا. تخلق هذه الأطراف الإضافية إحساسًا غريبًا حتى اليوم، حتى عندما نتواجد في هذه الأمكنة الخاصة بها.



- Pecked from the Rock? The Art of the Nooitgedacht Glacial Pavements.
ـ نقوش صخرة؟ فن من العصر الجليدي.
- Ain Dara’s Foot-print-s: Did Gods Once Walk Among Us?
ـ آثار أقدام عين دارا: هل سار الآلهة بيننا ذات يوم؟
يعتقد مارك أزيما Marc Azema ـ الباحث في العصر الحجري القديم والمخرج السينمائي ـ أن هذا كان مقصودًا لإنشاء بعض الأمثلة المبكرة للرسوم المتحركة. يدعي أن فناني العصر الحجري قد صمموا هذه الرسومات لخلق نظام من السرد، يمكن أن يصور العديد من الأحداث التي تحدث لحيوان واحد أو لمجموعة منهم. وقد توصل إلى هذا الاستنتاج من خلال تغيير طريقة مشاهدة هذه الرسومات.
فن الكهوف في شوفيه، فرنسا. تم رسم وحيد القرن العلوي عدة مرات، مما يخلق وهمًا بالحركة مع الضوء الخافت (كلود فاليت/(CC /BY SA-4.0
من قبل، كان الباحثون ينظرون إلى هذه الصور مباشرة عند مصادفتهم لها أو زيارتها؛ وهذه ليست بالطريقة الصحيحة، لذلك يجب عرض لوحات الكهوف مع ضوء نار خافت، فعندما يتم عرضها على هذا النحو، تخلق الأطراف الزائدة تأثيرًا للرسوم المتحركة. ومع السياق الطقسي أو الاحتفالي، ستظهر الحيوانات وكأنها تتحرك. توجد دلائل أخرى لهذه النظرية، مما يجعها مقنعة؛ ففي كهف لاسكو Lascaux الشهير بفن الكهوف في بفرنسا، اكتشف أكثر من مائة مصباح حجري داخل الكهف.
نحت كهف توك ادوبيرت Tuc d’Audoubert في فرنسا، نموذج للواقعية في النحت (Chatsam /CC BY-SA 3.0).

تركيب:

قد تكون هذه الرسومات المتحركة تحت تأثير الضوء الخافت وسيلة للترفيه وطريقة للتعبير الرمزي، وهي شكل متطور ومدهش من الترفيه، قد عرفه أسلافنا في الحقب الماضية، والذين احتاجوا إلى الكثر من الخيال من أجل ترويض بيئتهم وتعديلها حسب إرادتهم.
أنظر النص الأصلي على موقع https://www.historicmysteries.com/cave-painting-animation/ مرفقا بالصور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عواقب كبيرة.. ست مواقع بحرية عبر العالم يهددها خطر الاختناق


.. تعيش فيه لبؤة وأشبالها.. ملعب غولف -صحراوي- بإطلالات خلابة و




.. بالتزامن مع زيارة هوكشتاين.. إسرائيل تهيّئ واشنطن للحرب وحزب


.. بعد حل مجلس الحرب الإسرائيلي.. كيف سيتعامل نتنياهو مع ملف ال




.. خطر بدء حرب عالمية ثالثة.. بوتين في زيارة تاريخية إلى كوريا