الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاصولية الاسلامية : مرتكزاتها واسباب ظهورها ومناهضتها

حسن نبو

2022 / 3 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الاصولية الاسلامية :

مرتكزاتها ، اسباب انبعاثها ، وسائل مكافحتها .

الحديث عن الاصولية الاسلامية لايعني ان الاصولية مسألة خاصة بالديانة الاسلامية وحدها ، فالديانتان السماويتان (اليهودية والمسيحية ) تحتويان ايضا على الاصولية التي تعني التمسك بالتفسير الحرفي للنصوص الالهية والتمسك بالاقوال القديمة وجعل الحاضر متحكما بشكل كلي من قبل الماضي ، وان مايتبعه انصار كل دين هو الصحيح وماعداه هو خطأ يجب التصدي له .

سوف اتناول في هذا المقال الاصولية الاسلامية ، ولاحقا سوف اتناول الاصولية اليهودية والاصولية المسيحية في مقال خاص بهما .

تشكل الاصولية الاسلامية تحديا كبيرا للمجتمعات الاسلامية ، لأن الجماعات والتنظيمات الاصولية تعمل على اعادة الشكل التنظيمي والاداري والسياسي للمسلمين الذي كان قائما ايام الخلافة الاموية والعباسية والعثمانية وترفض الشكل الحديث للدولة التي انتجتها الحضارة الغربية التي اثبتت تقدمها في ميدان العلوم والاختراعات والفكر السياسي والقانوني ..الخ.

تعود بدايات الاصولية الاسلامية الى الامام الشافعي في رسالته الشهيرة التي سماها (رسالة في الاصول) وكذلك احمد بن حنبل الذي يعد اشهر من ناهض المعتزلة حين اصبح مذهب الاعتزال مذهبا رسميا في الدولة العباسية في عهدي المأمون والمعتصم .

وفي العصر الحديث تعد الوهابية التي ظهرت في شبه الجزيرة العربية على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب اول حركة سلفية . لكن اول حزب سياسي سلفي فقد تأسس في مصر بمدينة الاسماعيلية ، وهو حزب او جماعة الاخوان المسلمين على يد الشيخ حسن البنا ردا على انتشار التيار العلماني المتأثر بالثقافة الغربية ، تجسد هدف الحزب في بناء المجتمع الاسلامي واقامة الدولة الاسلامية ، وقد عرف الشيخ البنا الاسلام بأنه (عبادة وقيادة ، دين ودولة، روحانية وعمل، صلاة وجهاد، مصحف وسيف) وجعل السياسة المباشرة من واحبات المسلم، لايتم اسلامه الا اذا كان سياسيا . وقد لعب "سيد قطب" الذي اعدمه نظام عبد الناصر سنة 1966دورا كبيرا في هذا المجال وقد اتهم المجتمع بالجهل والكفر، وكفر الدولة ودعا الى التشبه بالسلف الصالح ، وكان قطب متأثرا بالشيخ " ابو اعلى المودودي" المنحدر من من مدينة لاهور التي تتبع باكستان حاليا .

وقد اعتبر هؤلاء وغيرهم الذين ساهموا في التنظير للأصولية ان الاسلام نظام شامل متكامل معلل لايحتاج الى دليل منطقي ، وان العقل قاصر عن كشف الحقيقة بعيدا عن الوحي .

تعتبر الاصولية الاسلامية ان القرآن والسنة النبوية يمتلكان كامل الحقيقة ، وبالتالي فليس هناك مجال للتغيير او التبديل فيهما ، بل المهم في تطبيقهما كماوردا ودون اي تحريف او تغيير ، انها اي : الاصولية بهذا المعني وكما يقول الكاتب العراقي "كاظم حبيب" : رؤية نقلية وليست عقلية ، رؤية نصية جامدة وليست رؤية حركية واعية للمتغيرات وحركة الزمن .

ترتكز الاصولية وفق ماجاء في "موسوعة الحركات الاسلامية في الوطن العربي وايران" لمؤلفها الدكتور " احمد الموصللي " استاذ العلوم السياسية في الجامعة الامريكية في بيروت على المبادئ التالية :

1- لاجدوى من التفلسف وان الفيلسوف وضع نفسه في المكان الخاطئ ، ولامخرج من هذا الخطأ الا بالعقل الذي لايتفلسف ويتمنطق في المسائل التي أقرها الوحي .

2- ان معرفة الله لاتحيط بها العقول البشرية ، لأن العقول البشرية قاصرة عن ادراك حقائق الوحي .

3- ان الاسلام نظام متناغم مع الطبيعة والفطرة الانسانية ، ويتخطى كونه دينا مجردا ، انما يعبر عن قوانين الكون ، ولذا لايجب الاقتصار في فهمه على الاعتقاد والتعبد والتعامل بين الناس فحسب ، بل يجب الايمان بقدراته النهائية على تنظيم شؤون الحياة والتصدي لمشكلاتها النهائية .

4- طرح الدين بدلا لكل شيئ واعتباره الاطار والمرجعية النهائية التي يجب العودة اليها في كل قصور وتصرف .

أما المبادئ السياسية التي ترتكز عليها الاصولية حسب موسوعة الحركات الاسلامية الوارد ذكرها فهي :

1- عالمية الاسلام اي ان الاسلام رسالة سماوية خاتمة الى كل البشر ، وامام هذه العالمية لامعنى ولااهمية  للحدود والجغرافيا ، فالكون كله هو وطن المسلم ، ولهذا فإن الدعوة الى الاسلام يجب ان تكون قائمة  طوال الوقت لكي يتم فرض الحاكمية الإلهية التي تعني عدم جمع الاسلام مع غيره من الاديان او الافكار في نظام سياسي واحد .

2 - جاهلية الاسلام ، اذ يرى الاصوليون ان العالم يعيش في جاهلية، وان الحضارة الغربية الحاد ، وان المجتمعات الاسلامية نفسها قد انزلقت الى هذه الجاهلية بسبب نقص الايمان فيها وانغماس غالبية المسلمين في حياة مادية صرف وتطبيقها لنظم سياسية واجتماعية واقتصادية وضعها البشر .

3- يرى الاصوليون ان جهاد الطلب اي غزو العالم الذي يطلقون عليه اسم الفتوحات يجب ان يستمر حتى يتم نشر الاسلام في هذا العالم الجاهل حسب نظرتهم .

4- يرى الاصوليون ان السلام في العالم لايتحقق الا بخضوع الجميع للنظام العالمي الاسلامي بدون ابتزاز واكراه ، وهذا الامر لايمكن تطبيقه الا بقهر العالم واخضاعه للمفاهيم السياسية عند المسلمين . وهذا يعني ان الاصوليين لايهدفون بالضرورة الى ادخال جميع الناس في الاسلام ، وانما اخضاع جميع الناس للشريعة اما بإقامة شرائع الدين واركانه عند المسلمين او بالجزية والمحاربة لغير المسلمين . اي : ان الاسلام السياسي يجب ان يسيطر على الحياة العامة ، فالدخول الى الاسلام ان كان عملا فرديا لاإكراه فيه الا ان الخضوع لشريعة الاسلام هو عمل فردي وجماعي لايتحقق الا طوعا وكرها .

5- عدم الايمان بالديمقراطية ، اذ يرى الاصوليون انها نظام حكم فردي كفري لأنها تقر ان السيادة للشعب وليست لله ، وان الشورى هي بديل الديمقراطية في الاسلام ، وهذه الشورى يحب ان تكون مقيدة بما تفرضه الشريعة .

فالاصولية اذاً من خلال المبادئ التي تعتمد عليها لاتؤمن الا بنظام الخلافة ، ولكي يتمكن المسلمون من اقامة هذا النظام فعليهم ان يقضوا على الحضارة الحديثة التي نشأت في الغرب الاوروبي والتي لاتسمح بإحياء الخلافة الاسلامية .  وقد كانت هجمات ارهابيي القاعدة على برجي التجارة العالمي بنيويورك  في الحادي عشر من ايلول 2001 ليست سوى تجسيدا لفكرة اقامة الخلافة الاسلامية التي لايمكن اقامتها لدى الاصوليين  الاسلاميين  الابهدم الحضارة الغربية أومراكز نفوذها الاقتصادية والعسكرية والسياسية .

يعتقد المفكر والفيلسوف المصري" مراد وهبة" : ان سبب نقل بن لادن المعركة الى داخل امريكا هو كتابات سد قطب التي قال فيها ان الحضارة الغربية مصابة بمرض عقلي اسمه (الفصام النكدي) هو مرض يفصل المصاب به عن الواقع ويدفعه نحو عالم خيالي ، وان سبب اصابة الغرب بهذا المرض حسب رأي سيد قطب هو الاصلاح الديني الذي حرر العقل من السلطة الدينية . اما عن تدمير برجي التجارة العالمي في نيويورك بالذات يقول المفكر مراد وهبة : ان تدمير هذين البرجين يرمز لى اعادة البشرية الى ماقبل عصر الاصلاح الديني الذي حرر العقل من السلطة الدينية، والى ماقبل عصر التنوير الذي حرر العقل من كل سلطة خارجية ماعدا سلطة العقل ، وكذلك الى ماقبل الثورة الصناعية والتكنولوجية التي حررت الانسان من عصر الاقطاع المتحالف مع السلطة الدينية، أي : اعادة البشرية الى عصر الزراعة حيث يمكن اقامة الخلافة الاسلامية التي نشأت في عصر الرعي البدوي والزراعة وفقا لظروف وشروط ذلك العصر . ويضيف المفكر والفيلسوف وهبة : ان الاصولية الاسلامية هي ضد الحضارة وتريد جرنا الى الماضي المظلم اللاانساني ، الى عصر ماقبل الحضارة فتسود دولة الخلافة وتتحكم في الانسان وحريته وعقله لصالح تطبيق الشريعة .

لقد كتب الكثير عن اسباب انبعاث او ظهور الاصولية الاسلامية او مايسمى بالصحوة الدينية ، ويمكن تلخيص هذه الاسباب فيمايلي :

1-احتكاك المجتمعات الاسلامية المتخلفة مع الغرب المتطور ، وقد أدى هذا الاحتكاك الى حدوث صدمة ادت الى شعور المسلمين بتفوق الغرب عليهم في مجالات العلوم والاختراعات والالات العجيبة ، هذه الصدمة جعلت مؤسسي الاصولية امثال سيد قطب وحسن البنا وغيرهما من اصحاب الفكر الصولي بفقدون الامل بركب التطور الغربي معتقدين ان المسلمين لهم طريق وحيد بالتفوق على الغرب يتمثل بالرجوع الى اصول الاسلام الذي عاش عصرا ذهبيا حسب اعتقادهم في عهد الرسول والخلفاء الراشدين لتطبيقهم للتعاليم الاسلامية بحذافيرها .متجاهلين اختلاف الظروف مابين ذلك العصر وعصرنا الحالي ، وان ماحدث في ذلك العصر لايمكن ارجاعه كما كان .

2- فشل الانظمة السياسية (العلمانية) الحديثة التي جاءت بعد رحيل الاستعمار في تحقيق التنمية والتطور والالتحاق بالغرب ، كذلك فشل الانظمة الملكية التي تطبق الشريعة لكن لاتطبق مبدأ الخلافة على اساس الشورى ، بل تطبق مبدأ الوراثة في الحكم .

3- يمكن القول ان الصراع الاسرائيلي العربي او الفلسطيني تحديدا ، وقيام دولة اسرائيل وانتصاراتها الساحقة على العرب هو ايضا سبب من اسباب انبعاث الاصولية الاسلامية ، حيث رأى الاصوليون الاسلاميون ان انتصار اسرائيل على العرب يمثل انتصار اليهودية على الاسلام ، وباعتبار ان الاسرائيليين شرعوا في بناء دولة اسرائيل بديانتهم وانتصروا فلماذا لايرتكز المسلمون على مبادئ دينهم ليحققوا النصر . وهذا السبب هو الذي يقف وراء نشوء الحركات الفلسطينية ذات المضمون الاسلامي كحركة حماس وحركة الجهاد الاسلامي .

4- وصول الاصولية الشيعية في ايران ونجاحها في الاستمرار في الحكم صمودها اما الانظمة الغرببة ، مما خلق الامل لدى الاصولية السنية في تحقيق نموذج اصولي سني في العالم العربي .

لقد قلت في بداية المقال ان الاصولية الاسلامية هي تحد للمجتمعات الاسلامية في تطبيق النموذج الغربي للنظام السباسي القائم عل الديمقراطية وحقوق الانسان وتحقيق الرخاء الاقتصادي في غالبية الدول الغربية ، لأنها دعوة قائمة على مناهضة الحضارة الغربية في كل خياراتها الفكرية الفلسفية والفكرية والسياسية والاقتصادية والقانونية ، لأنها دعوة لإعادة القديم وقيمه التي التي لامحل له في عالم  اليوم . ولهذا يقول المفكر سعيد المصري في كتابه "تراث الاستعلاء" : لامجال من التعافي من التطرف والتعصب في العالم الاسلامي الا بالتحرر التام الا بعد التحرر التام من اختزال كل آفاق المستقبل في اوهام استعادة الماضي المتمثلة في استعادة الدعوة الدينية من خلال الغزوات والحروب ضد الكفار . ويضيف : لايتوقع انحسار التطرف الذي تقوم عليه الاصولية الدينية في المجتمعات العربية مادامت الحكومات القائمة تحرص على الشأن الديني وتعمل على استخدامه في ترسيخ شرعية وجودها من خلال الاحتفاء برجال الدين واظهارهم في المناسبات السياسية مما يمنح تيارات الاصولية مساحة للمزايدة وتسييس الدين .

وهذا يعني ان المعركة ضد الاصولية الاسلامية يجب ان تتخذ موقفا جريئا من الاصوليين من خلال فضح افكار الاصولية الاسلامية عن طريق المناهج التعليمية وجميع مؤسسات  وجمعيات موازية تقوم بهذه المهمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم


.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا




.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت