الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هيكل سليمان بين الخرافة والدين

هيثم طيون
باحث بالشأن التاريخي والديني والميثولوجيا

(Hitham Tayoun)

2022 / 3 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تُجبرك قصة النبي سليمان على طرح الكثير من التساؤلات وإشارات التعجب حول مصداقية القصة وحقيقتها، ابتداءً من الأحداث الخرافية التي تشبه فلم هوليودي موجه للأطفال لا يوجد فيه أي حدث واقعي أو قريب للواقع.
في البداية لنأخذ اسم النبي سليمان الذي ينطق بالعبرية שְׁלֹמֹה بمعنى شلومو/ شالوم أو شالام/ سلام مان/ أي "رجل السلام"، وفي التوراة هو أحد أهم ملوك مملكة إسرائيل ابن الملك داود.
وهذا الاسم قريب من الاسم "شلمنصر" أو كما يقرأ (شلمانو)، وهو اسم ملوك آشوريين كثيرين، ويتطابق تاريخياً مع اسم للملك الآشوري شلمان-صر الثالث/ شلمان أشارئيدو المعروف باسم (شلمان الشارد). وأعتقد أن اليهود اعتمدوا على هذا الاسم لنسب الآثار والممالك العراقية والفلسطينية لهم في ضمن الأكاذيب والسرديات المختلفة التي وردت في الإسرائيليات.
بالإضافة إلى أنه لا يوجد أي دليل أثري تاريخي حتى الآن يدعم حقيقة وجود هيكل سليمان هذا أو معبده الأسطوري، فلو كانت هناك مملكة بهذا الحجم لأمكن رصد أدلة أثرية تشير إلى وجودها حيث أن هناك تاريخ موثق عن كافة الممالك التي تواجدت في المشرق المنتمية إلى ما قبل الميلاد، كما أننا لم نجد أي أثر مادي لهذه المملكة العظيمة ولا أثر لذكرها عند الممالك الأخرى التي يفترض أنها كانت تجاورها كالفراعنة أو الأشوريين.
أما بالنسبة للقصة التوراتية التي تتكلم عن مُحاصرة الملك البابلي "نبو خذ نصر" لمدينة أورشليم و تدمير هيكل سليمان، ثم إعادة بنائه على يد الملك الفارسي (كورش/ قورش) (سفر عِزرا، أصحاح 1-3) فهي قصة أسطورية لمدينة أسطورية "سماوية"، ونجد قصة تاريخية شبيهة لها تتحدث عن حصار الملك الآشوري سنحاريب لمدينة بابل و تدميره لهيكل/ معبد كبير الآلهة ثم إعادة بناء المعبد من قبل الملك الآشوري أسر حدون [1].
كما أن قصة الملكة بلقيس "ملكة مملكة سبأ" يصعب العثور على أي سجل تاريخي لها، ويمكن القول أن اسم (بلقيس) هو اسم مشتق من (يلمقه) و أن بقليس هي لقب اشتهرت به (قصران بالبون يلمقه و هي بلقيس) [2]، و (يلمقه) هو أيضاً اسم مُشتق من "المقه" و هو المعبود اليمني السبئي (إيل مقه أو إل-مقة/ مكة) إله القمر الشهير [3].
لن ندخل في تفاصيل تخيل مملكة كبيرة يشارك في حكمها وتسييرها الحيوانات والجن فضلاً عن البشر، ويفترض أنها كانت ذات أثر إقليمي، ومع ذلك لا علم للممالك المجاورة بها، ولكن هناك تفصيل يثير الاستغراب، لماذا هدد سليمان مملكة سبأ بالحرب عليها لأنها لا تؤمن بالله في حين أن الممالك بجواره كانت وثنية، فلماذا لم يحارب الممالك المجاورة ليخضعهم ويجبرهم على دينه؟.
المهم أن سليمان قرر إخضاع مملكة سبأ هذه فوراً ودون تردد واعاد إرسال الهدهد الذي أنبأه عنها برسالة تطلب من ملكتهم بلقيس الخضوع لحكمه, وبعد مداورة لإحضار عرش بلقيس إلى مملكة سليمان قبل أن تحضر هي وبناء قصر ذي أرضية زجاجية لإدهاشها، تنتهي القصة باستسلام بلقيس للملك سليمان وخضوع مملكتها لسلطته.

ومن الظريف هنا أن الملكة بلقيس قد قبلت أن تكون شريكة لـ 99 امرأة يُحكى أن سليمان كان ينكحهن في ليلة واحدة.

قصة موت سليمان لا تخلو من التعجب و الاثارة، حيث يُحكى أنه كان متكئاً على عصا يراقب الجن وهم يعملون، ومات على وضعه متكئاً وبقي هكذا لمدة سنة دون أن تهتز جثته ولا تتحرك دابة أو تجوع أو تعطش، حتى جاءت نملة وأخذت تأكل عصاه حتى سقط أخيراً، فعرف الجن أنه مات وأدركوا أن الله يخبرهم أنهم لا يعلمون الغيب ولا يستطيعون نيله، بحسب ما ورد في القرآن: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى? مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ ? فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِين).

ألم يكن لسليمان وزراء لإدارة شؤون الامبراطورية العظيمة؟ , هل من المعقول ألا يسأل أحدهم عن سليمان طيلة عام كامل أو يكلمه وهو واقف أو يشاوره في شؤون ملكه؟
ألم يكن لسليمان 100 زوجة؟ هل من المعقول ألا يسألن عن زوجهن لمدة عام كامل؟.

لقد أنهكت إسرائيل نفسها في التنقيب عن أثر لهيكل سليمان المزعوم, أو أي آثار لتثبت القصة الدينية لمملكة سليمان دون جدوى, هناك حضارات مثل الآرامية والفينيقية والمصرية والبابلية كلها تواجدت على نفس الخط الزمني لمملكة سليمان حسب الزعم التوراتي الذي اقتبس منه القرآن، ومع ذلك لا نجدها تذكر شيئاً عن مملكة سليمان في أي من الآثار المنسوبة إليها.
في النهاية أود أن أشير إلى أن كلمة "هيكل" في الأصل مُشتقة من الكلمة الأكدية "إكَالو" المُستعارة بدورها من الكلمة السومرية "إيغال" و التي تعني: "البيت العظيم" بالتالي ليس هناك من معبد أو بناء وإنما عبارة عن حفنة من الأكاذيب رواها أحبار اليهود في كتبهم ليسيطروا على الشعوب باسم شعب الله المختار.
المصادر:
[1] ف.آ.بيلافسكي، أسرار بابل، ترجمة رؤوف موسى جعفر الكاظمي، ص 26 - 31
[2] أبي محمد الحسن الهمداني، الإكليل، الجزء الثامن، تحرير نبيه أمين فارس، ص 85
[3] سيّد القمني، الأسطورة و التراث، ص 151








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي