الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 37

ضياء الشكرجي

2022 / 3 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وَإِذِ استَسقى موسى لِقَومِهِ فَقُلنَا اضرِب بِّعَصاكَ الحَجَرَ فَانبَجَسَت مِنهُ اثنَتا عَشرَةَ عَينًا قَد عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَّشرَبَهُم كُلوا وَاشرَبوا مِن رِّزقِ اللهِ وَلا تَعثَوا فِي الأَرضِ مُفسِدينَ (60)
عصا موسى أصبحت يضرب بها المثل، عندما ينتظر من شخص ما أمر هو غير مقدور عليه، فيكون جوابه «ليست لديّ عصا موسى»، فهي تفعل كل شيء، تفجر العيون من الحجارة، وتستحيل أفعى، فتلقف أفاعي سحرة فرعون، وتفلق البحر لتشق لموسى وقومه طريقا يبسا، ثم تغرق فرعون وقومه. وهذه القصص الخارقة، وكل ما يسمى بالمعجزات، ليس من دليل على حدوثها، إلا دعاوى التوراة والقرآن، وهي كتب تحتاج نفسها إلى دليل من خارجها على صدق دعوى إلهية مصدرها. المهم حسب هذه القصة، أو الأسطورة، قام موسى باستسقاء ربه لقومه، فكان جواب الله (كليم موسى) أن طلب من موسى أن يضرب الحجر بعصاه ذات المعجزات غير المحدودة، لتتفجر اثنتا عشرة عينا، لكل من أسباط أو قبائل بني إسرائيل الاثنتي عشرة عين خاصة بتلك القبيلة. وقد روت ما يسمى بالكتب المقدسة للأديان الثلاثة وغيرها العديد من قصص، يقوم بموجبها نبي أو قديس أو جمع من المؤمنين بالتوجه إلى الله بثمة أدعية أو صلوات خاصة للاستسقاء، فيستجيب الله لهم وينزل عليهم المطر، بعد الجفاف.
وَإِذ قُلتُم يا موسى لَن نَّصبِرَ عَلى طَعامٍ وّاحِدٍ فَادعُ لَنا رَبَّكَ يُخرِج لَنا مِمّا تُنبِتُ الأَرضُ مِن مبَقلِها وَقِثّائِها وَفومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَستَبدِلونَ الَّذي هُوَ أَدنى بِالَّذي هُوَ خَيرٌ اهبِطوا مِصرًا فَإِنَّ لَكُم مّا سَأَلتُم وَضُرِبَت عَلَيهِمُ الذِّلَّةُ وَالمَسكَنَةُ وَباؤوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ ذالِكَ بِأَنَّهُم كانوا يَكفُرونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقتُلونَ النَّبِيّينَ بِغَيرِ حَقٍّ ذالِكَ بِما عَصَوا وَّكانوا يَعتَدونَ (61)
والقرآن يعرض بني إسرائيل بأنهم يعودون مرة بعد أخرى إلى كفران نعم الله عليهم، رغم كل الدلال الذي يحظون به منه، ليس لاستحقاق منهم لأفضال الله المتتابعة عليهم، ولكن لكون الله قد وعد جدهم يعقوب (إسرائيل) بذلك، كما وعده وإياهم بالأرض الموعودة، حسبما جاء في العهد القديم. وهنا تروي لنا هذه الآية، رغم فضل الله عليهم بإنقاذهم من فرعون وقومه، لم يكونوا شاكرين وقنوعين بما أنعم الله عليهم من مَنٍّ وسَلوى، ووطن ومأوى، فبطروا نعم الله، وطلبوا من موسى أن يدعو ربه بأن يخرج لهم من الأرض أطعمة غير التي لديهم، فعددوا بعضا منها. فكان جواب موسى «أَتَستَبدِلونَ الَّذي هُوَ أَدنى بِالَّذي هُوَ خَيرٌ»، وهذه حالة من الحالات العديدة التي يحصل لدى مؤلف القرآن تقديم المؤخر وتأخير المقدم، حيث ينبغي أن يكون قوله «أَتَستَبدِلونَ الَّذي هُوَ خَيرٌ بِالَّذي هُوَ أَدنى»، وسنجد العديد من هذه الحالات من الاستبدال بين المتقدم والمتأخر. المهم هنا أيضا يستجيب الله لشعبه المدلل، ويدعوهم للانتقال إلى بلد آخر ليجدوا فيه ما يبتغون. ولكنه بعد هذه الاستجابة والتلبية لطلباتهم كتب عليهم المذلة والفقر والعوز وأوقع عليهم العذاب، عقوبة لهم. والذنوب التي عاقبهم الله عليها حسب هذه الآية، هي أولا تكذيبهم بآيات الله، ثانيا قتلهم الأنبياء، وثالثا عموم العصيان، ورابعا السلوك العدواني، لا نعلم تجاه غيرهم، أم تجاه بعضهم البعض. من غير المفهوم أن الآية تتكلم عن جريمة قتل النبيين بغير حق. فلا ندري أي معنى لإضافة كون هذا القتل قد وقع بغير حق. فهل هناك قتل للنبيين بحق، حتى تحدثنا هذه الآية عن حالة قتل النبيين بغير حق؟ القتل عموما هو بغير حق، ومن قبيل الأولى يجب - وفق الفهم الديني - أن يكون قتل النبيين بغير حق، لأن النبيين يفترض أنه قد جرى اختيارهم من الله، ومن يختاره الله لا بد أن يكون إنسانا صالحا بسبب إيمانه وتقواه واستقامته، مما جعله مؤهلا لاختيار الله له. وهذه حالة من الحالات الكثيرة في القرآن، التي نرى فيها إضافة عبارة أو عبارات، لا معنى لها، فهي أقرب إلى الحشو، منه إلى كونه مكملا ضروريا للمعنى المراد.
إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَالَّذينَ هادوا وَالنَّصارى وَالصابِئين مَن آمَنَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَعَمِلَ صالِحًا فَلَهُم أَجرُهُم عِندَ رَبِّهِم وَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ (62)
هذه واحدة من الآيات التي تشتمل على معنى التسامح مع أتباع الديانات الأخرى، والانفتاح عليهم، والتعايش معهم. لكن علينا أن نتدبر الآية جيدا. قبل كل شيء يمثل النص في هذه الآية أحد أهم الأدلة على أن المصطلح القرآني «الذين آمنوا»، لا يعني إلا المسلمين، إذ يعني المصطلح تحديدا الذين آمنوا بمحمد رسولا وبالقرآن كتابا منزلا من الله وبالإسلام دينا، وبالتالي يكون معنى مصطلح «الذين كفروا»، الذي سيرد كثيرا في القرآن هو غير المسلمين. لكن آية الانفتاح والقبول والتسامح هذه هنا تتجنب نعت غير المسلمين بـ «الذين كفروا» مقابل «الذين آمنوا»، بل أسمت الفرق الأخرى من أتباع الديانات الأخرى بأسمائهم، على الأقل حسب تسميات القرآن لهم، فهي تذكر اليهود بمصطلح «الذين هادوا»، والمسيحيين بمصطلح «النصارى»، و«الصابئة». ما يلاحظ على هذه الآية ثلاثة إشكالات. الأول وعدت الآية أربعة فرق حصرا بأنهم سيكونون ناجين من عذاب الله، وسيكون حالهم يوم القيامة، أنهم لن يكونوا خائفين مما هو مقبل عليهم، ولا حزينين على ما فاتهم في الحياة الدنيا، لما سيجدون من تعويض بثواب الآخرة، هذه الفرق الأربعة هم المسلمون واليهود والمسيحيون والصابئة. ويمكن أن يرد بعض المفسرين أو المدافعين عن القرآن أن ذكر هؤلاء لم يأت على سبيل الحصر، بل من قبيل الأمثلة. ولكننا لن نجد في القرآن دليلا على هذه الدعوى. الإشكال الثاني هو أن هذا الوعد بنجاة هؤلاء في الحياة الأخرى مشروط بثلاثة شروط، هي الإيمان بالله أولا، والإيمان باليوم الآخر ثانيا، والعمل الصالح ثالثا. فهنا يجري اعتبار الإيمان أو عدم الإيمان بأمور من عالم الغيب، أو عالم ما وراء الطبيعة، معيارا للثواب والعقاب الإلهي، بينما يوجب العقل أن العدل الإلهي لا يضع في ميزان الجزاء، ما هو غير اختياري، وكون الإيمان وعدم الإيمان في أغلب الأحيان هو أمر غير اختياري، لأنه إما يُورَّث، فلا يملك أكثر الناس إلا أن يكونوا على دين آبائهم، أودين البيئة التي يعيشون فيها، وحتى في حال اختيار إنسان ما عقيدته بمحض إرادته، فلا ضمان أن عقله سيوصله إلى الحقيقة، بما هي حقيقة عند الله، لأن الإنسان لا يستطيع أحيانا إلا أن يقتنع بشيء، أو يجد نفسه غير قادر على الاقتناع به أو بشيء آخر، قد يكون هو الأصح والأحق، وليس كل من اعتنق العقيدة الخطأ اعتنقها اتباعا للهوى، وليس كل من لم يقتنع بالعقيدة الصحيحة، على فرض وجودها، كان منكرا لها رغم علمه بأنها حق من قبيل المعاندة. أما الإشكال الثالث، فهو إن هناك الكثير من الآيات التي تنقض هذه الآية ومثيلاتها، من حيث عدّ تلك الآيات كل غير المسلمين كفارا، يجب مقاتلتهم «قاتِلُوا الَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِاللهِ وَلا بِاليَومِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسولُهُ وَلا يَدينونَ دينَ الحَقِّ مِنَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ حَتّى يُعطُوا الجِزيَةَ عَن يَّدٍ وَّهُم صاغِرونَ»، ونعتهم بأنهم شر الناس «إِنَّ الَّذينَ كَفَروا مِن أَهلِ الكِتابِ وَالمُشرِكينَ في نارِ جَهَنَّمَ خالِدينَ فيها أُلائِكَ هُم شَرُّ البَرِيَّةِ»، ولوجود الآيات الناسخة ومعظمها مدنية، وهي آيات التكفير والدعوة لمقاتلة غير المسلمين؛ ناسخة للآيات المنسوخة ومعظمها مكية، وهي آيات الاعتراف بالآخر والتسامح والسلام. ثم ذهب العديد من المفسرين، حتى غير القائلين بكون هذه الآية ومثيلاتها منسوخة، بأن المقصود باليهود والمسيحيين والصابئة هنا، هم أولئك الذي كانوا على تلك الأديان قبل نزول الإسلام، ولن يقبل منهم اعتناقهم لأي من تلك الديانات، بعد قيام الحجة عليهم بنزول الدين الإسلامي الناسخ لما قبله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن خلال حفل -شهر التراث اليهودي-: الحرب على غزة ليست -إبا


.. -الجمهورية الإسلامية في #إيران فرضت نفسها في الميدان وانتصرت




.. 232-Al-Baqarah


.. 233-Al-Baqarah




.. 235-Al-Baqarah