الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموروث والسردية الإسلاميان : ملاحظات حول إشكالية المصداقية والموثوقية

جدو جبريل
كاتب مهتم بالتاريخ المبكر الإسلامي والمنظومة الفكرية والمعرفية الإسلامية

(Jadou Jibril)

2022 / 4 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كان أثر العقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية خطيرا ومدمرا على المنظومة الفكرية والمعرفية الإسلامية بفعل اغتيال المنهج النقدي مع الإصرار والترصد . ولازال تغييب السؤال والتساؤل والمساءلة يكبّل تطور هذه المنظومة، وإن لم يتغيّر الوضع سيكون المآل التهميش وعدم المشاركة الفعلية في تطور البشرية. فقد انكشف أمر نهج الاتبّاع والتقليد والتكرار والاجترار، كما أن نتائجه أضحت بادية للعيّان. وببساطة ، لأنه مسار يعاكس الفطرة الإنسانية الفضولية أصلا إذ تجعل الإنسان طوّاقا لمعرفة ما حوله وما يحيط به . ألم يتّضح هذا بجلاء في أسطورة الخلق التي اعتمدها القرآن بعد الكتب السماوية السابقة، لاسيما قصة شجرة المعرفة في جنة عدن. فبالرغم من نهي الله آدم وحواء عن الاقتراب من شجرة المعرفة، فقد فضّل الزوجين العلم بالشيء على الجهل به، رغم أن الانعكاسات كانت مؤلمة ، الولادة بالنسبة لحواء والعمل المتعب لتوفير سبل العيش بالنسبة لآدم.
الشفاهية
لا وجود لمصدر أصلي مكتوب وموثق يمكن الرجوع إليه. فكلّ ما وصلنا عن التاريخ المبكّر للإسلام وعن القرآن وتدوينه وعن حياة النبي وسيرته، مصدره الأوّل شفاهي.
إن المصدر الأصلي للموروث والسردية الإسلاميين مبني على السماع والنقل عبر الأجيال، أي وصلنا بالتواتر. وليس خاف على أحد أن التراث الشفاهي، الديني والعقائدي، هو أصلا عرضة للمبالغة والزيادة والنقصان والتبجيل والتحسين، وأيضا للتحريف والتحوير خدمة للسلطة والنظام القائم واستمرار الدين واتساع رقعة المؤمنين به. وهذا بالنسبة لكل الأديان، والإسلام لم يكن عن منأى من هذه القاعدة رغم إصرار العقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية على نفي ذلك واستثناء الإسلام من القاعدة بفعل حفظ خالقه له.
ظلت المصادر الإسلامية الشفوية في عيون مجمل الباحثين، ذات موثوقية بسبية جدا كما بقيت قابلة للتأثر بأكثر من عامل وسبب وجهة وغاية. هذا علاوة على فعل تلاقح الثقافات والحضارات.
المصداقية والموثوقية
ظلت المراجع الإسلامية مطبوعة بالتبجيل والتبرير. كما أن تدوين الأحداث والنوازل، جاء متأخرا عن وقوعها بكثير. إن أوّل سيرة نبوية معروفة، تعود لابن إسحاق (80 هـ - 699 م / 151 هـ - 769م)، بعد مرور حوالي 120 سنة من وفاة النبي (10 هـ - صيف 632 م)، ولم تصلنا. فما وصلنا هي صيغة من هذه السيرة، قيل منقحة ومعدلة كما جاء على لسان صاحبها ابن هشام (متوفى في 218هـ / 834 م) الذي أقرّ أنه قام بتعديل وتنقيح سيرة ابن اسحاق وأزال منها الشوائب المسيئة لشخصية النبي محمد.
كما أن الأحاديث، لم تُدَوَّن في حياة النبي الذي نهى بل منع عن كتابتها حسب السردية الإسلامية. فعملية جمع الأحاديث وتدوينها لم تتم إلا في القرن الحادي عشر الميلادي.
التكلس
إن مما يثير الاستغراب في السردية والموروث الإسلاميين، ما يقبله طرف يرفضه آخر في الكثير من القضايا، واستمر الجدل على امتداد فترة طويلة جدل سعى عبره كل طرف تحقيق هدفه ومسعاه، النصرة والغلبة. وتم اللجوء في هذا الجدال إلى استخدام كل الوسائل المتاحة، من خطابة ومخادعة ومغالطات أحيانا، هذا عوض أن يكون الأساس والمنطلق محاولة الاقتراب من الحقيقية دون أفكار مسبقة حتى لا يتم لَيُّ الكلام لإثبات ما هو مُفَكّر فيه قبلا رَغْبَة في نصرته عوض تمحيصه. وساهمت طبيعة العقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية تكلّس هذا الجدال.
وقد انجرفت الكثير من الروايات ووصف الأحداث والنوازل الواردة في السردية والموروث الإسلاميين إلى التحريف أو الستر أو الاختلاق والكذب أحيانا. و ساهم النقل والتكرار والاجترار عبر قرون إلى إثبات ما لا أصل له.
فكل امرئ يجد في القرآن على وجه الخصوص ما يطلبه، وكل الاتجاهات المتعارضة تدعم مواقفها استنادا على الكتاب والسنة. كما يجد أمامه هامشا واسعا من مئات بل آلاف الأحاديث كأداة لنصرة موقف وإضعاف موقفه مع تشغيل آليات تقوية أو تضعيف تلك الأحاديث. ففي متناوله محيط زئبقي من الأحاديث يمكنه اغتراف منه ما يلائمه وإبعاد ما لا يلائمه حسب الظرفية. فهناك إمكانية الطعن والتشكيك، بشكل أو بآخر، في سلسلة الأسانيد والنيل من ثقة أو موثوقية أحد الرواة ما دام الأمر متعلق ببشر. علما أن ما يسمى بعلم الأنساب والأسانيد ما فتئ يظهر عوراته ومحدوديته، مما جعل بعض الباحثين ينعتونه بعلم مخروم . وهذا لكونه لا منهج التنقيب والتمحيص وإنما على القيل والقال والنقل والاجترار عموما. وبالتالي عندما يجد المرء نفسه أمام اختلافات وتباينات يختار بسهولة ما يتماشى مع ما يربو إليه ويرد الباقي. وهذا أمر ساهم بشكل كبير في تعميق العقلية الزئبقية في صفوف المسلمين.
إن جميع الفرق تستند على القرآن والسيرة، وكل فرقة تعتبر نفسها هي الفرقة الناجية التي ذكرها الحديث وباقي الفرق في ضلال.
وربما لهذه الأسباب وغيرها، تكلّست السردية الإسلامية إلى أن تتحول إلى مجرد اجترار وتكرار جيل بعد جيل.

التضخيم – الحديث نموذجا
خلال القرن التاسع الميلادي، ظهرت فجأة آلاف الأحاديث ، وفي منتصفه بلغ العدد الإجمالي للأحاديث والروايات المبكرة عن النبي عشرات الآلاف. وحسب السردية الإسلامية نفسها، أن تلك الأحاديث كانت كثيرة متكثرة لدرجة أن الخليفة الحاكم طلب من البخاري (194 هـ - 810 م /256هـ - 870م) جمع الصحيح منها، ولم يحتفظ إلا بما يناهز 2 % من العدد الإجمالي، أي ما يقارب 7400 حديث مع التكرار وما يناهز 2800 حديث دون تكرار. فقد تخلى البخاري على ما يقارب 98 % كانت متداولة آنذاك. وهذا يدعو إلى أكثر من تساؤل.
فما هو الداعي إلى التفكير في الاهتمام بالأحاديث وجمعها بعد مرور 250 سنة من وفاة النبي، ثم الاضطرار إلى الفرز والاختيار؟
أليس هذا يدل على حضور اختلافات والابتكار والفبركة لخدمة أغراض سياسية وغيرها أو أهداف بعينها؟
وهل الأحاديث الموضوعة والمفبركة كانت كلها متواترة منذ وفاة النبي، أم هناك ما تمّ وضعه وفبركته زمن الفرز والتجميع والتدوين؟
وما زاد الطين بلّة ، أن معيار الفوز والاختيار ارتكز بالأساس على ما يسمى علم الرجال، وهو علم مخروم ونسبي جدا، لأن جوهره هو السند وسمعة الرواة ، وهذا أمر لا يمكن الفصل فيه بيقين سيما وأن الصراع على السلطة ظل حاضرا بقوة منذ وفاة النبي.
إن مراجع الموروث الإسلامي ظلت مطبوعة بالتضخيم. فمن الغريب حقا ، أن نجد نازلة أو واقعة في مرجع قديم مقتضبة جدا، في حين في مرجع لاحق – بعد مرور 30 أو 50 سنة – معروضة بتفاصيل دقيقة، كأن اللاحقين أعلم من السابقين بما جرى . فكيف تمّ المرور من شحة المعلومات بخصوص نازلة إلى غزارة ووفرة تفاصيلها الدقيقة؟
ولعل أحسن مثال بهذا الخصوص، أعمال الواقدي (130 هـ - 747 م / 207 هـ - 823م) القرن التاسع الميلادي.
والحالة هذه، كيف يمكن التعاطي معها من حيث القيمة والمصداقية والموثوقية؟
والأغرب من هذا وذاك، أن التفاصيل الواردة في المراجع اللاحقة أكثر طقة من المعلومات المقتضبة الواردة في المراجع السابقة.
كما هناك جملة من التناقضات والتعارض و التضارب يتخلل الكثير من مراجع الموروث الإسلامي. وقد يكفي الاطلاع على كتابات الطبري (224 هـ - 839 م / 310 هـ - 923م) . فهذا الأخير امتاز عن غيره، بدرجة من المصداقية إذ عرض الروايات المختلفة حتى المتضاربة أحيانا لنفس النازلة. وهذا أمر مربك، فما الذي يجب استبعاده وما يجب الاحتفاظ به من تلك الروايات؟
فلا يوجد دليل مادي موثق يثبت آلاف الأحاديث المتوفرة اليوم، و لم تعرف التدوين والتجميع إلا بعد مدة طويلة من وفاة النبي. لا نتوفر اليوم إلا على الإسناد والعنعنة. وهذا الإسناد نفسه تفتقر للموثوقية رغم كل ما بذله الفقهاء المسلمون من مجهود في محاولة تقعيد ما يسمى بعلم الرجال، والذي ظل زئبقيا بامتياز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها


.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال


.. تعمير- هل العمارة الإسلامية تصميم محدد أم مفهوم؟ .. المعماري




.. تعمير- معماري/ عصام صفي الدين يوضح متى ظهر وازدهر فن العمارة