الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيادة السوبر تخلف

حسن عجمي

2022 / 4 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في العقد الأخير، إنتصر السوبر تخلف و سادت آليات إنتاجه. ثمة فرق بين التخلف والسوبر تخلف. فالشعب المتخلف لا ينتج شيئاً بينما الشعب السوبر متخلف فمُنتِج لآليات تطوير التخلف. يكمن السوبر تخلف في تطوير التخلف ما يتطلّب وسائل إنتاج متطوِّرة كالتكنولوجيا لصياغة ظواهر متقدِّمة في تخلفها. من هنا، الشعوب السوبر متخلفة هي تلك التي تطوِّر التخلف فتُقدِّم العِلم على أنه جهل وتُقدِّم الجهل على أنه عِلم من خلال اعتماد تكنولوجيات متقدِّمة لإنتاج التخلف ونشره. بات السوبر تخلف سيداً و حاكماً مطاعاً في الشرق والغرب معاً. و تطوّر السوبر تخلف في العشرية الأخيرة بتطوير مناهج نشر التخلف وسيادته على الشعوب. مثل ذلك الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي على الأنترنت من أجل الترويج للتعصب الديني والعِرقي والتنظير لمشروعية الحروب الأهلية والصراعات بين الدول والشعوب.

الحرب في سوريا مثلاً لا توجد على الأرض السورية فقط بل منتشرة أيضاً و بأبعادها كافة على صفحات التواصل الاجتماعي بِكل ما تحمل من عنف وتعصب وقتال ودمار. هكذا تحوّلت التكنولوجيا كتكنولوجيا الأنترنت إلى أداة إرهابية لشنّ الحروب واغتيال إنسانية الإنسان ما يبرهن على تطوّر آليات السوبر تخلف الكامنة في اعتماد التكنولوجيا من أجل نشر التخلف و ما يتضمن من عنف وإرهاب. فالسوبر تخلف قائم على استخدام التكنولوجيا من أجل إعلاء رايات الجهل والتجهيل وصناعة الصراعات والحروب. من هنا، السوبر تخلف لا ينفصل عن السوبر إرهاب الذي يُقدِّم الإرهاب على أنه خلاص للفرد والجماعة و هوية أساسية للبقاء. فأصل الصراعات والحروب هو الجهل الذي تمارسه الشعوب السوبر متخلفة كالجهل بأنَّ كل البشر يمتلكون هوية واحدة لا تتجزأ ألا و هي الهوية الإنسانية.

أما معادلة السوبر تخلف فهي التالية: التخلف يساوي التكنولوجيا مقسومة رياضياً على العِلم. فإن كان التخلف يساوي التكنولوجيا مقسومة رياضياً على العِلم، فحينئذٍ يزداد التخلف ويتطوّر كلما ازداد استخدام التكنولوجيا و قلّ العِلم وقبوله و قلّت المشاركة في إنتاج العلوم. و هذا ما حدث ويحدث في العالَم العربي وانتشر أيضاً في الغرب. استخدامنا للتكنولوجيا قد تزايد بشكل كبير و بات الفرد لا يفارق هاتفه الذكي ومواقع التواصل الاجتماعي المعتمدة على التكنولوجيا طبعاً ولكن في الوقت عينه تقلّص قبولنا للعِلم وتضاءلت المشاركة في إنتاج العلوم ما حتّم سيادة السوبر تخلف الفائق المبني على استعمال التكنولوجيا لنشر الجهل وانتصار التجهيل. أمست هذه الظاهرة في العقد الأخير سائدة في الشرق والغرب معاً.

مثل ذلك أنه بدلاً من الاعتماد على قراءة الكتب للحصول على المعارف أصبح النظر إلى المعلومات المنشورة على الأنترنت مصدراً للمعارف الكاذبة لدى العديد من أهل الشرق والغرب ما أدى بدوره إلى أن تخسر المعاهد التعليمية والجامعات دورها الأساس في تثقيف المجتمع والارتقاء به. و أمسى ذلك واضحاً فيما نشهده من تناقص في أعداد الطلاب و في محاربة التعليم الجامعي كما ورد ذلك على العديد من مواقع التواصل و في محطات تلفزيونية متعدّدة حيث ينظِّر بعض المشاهير لعدم أهمية التعليم والتعلّم الجامعي وإمكانية ارتقاء الفرد ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً بلا الاعتماد على أية ثقافة جامعية. من هنا، في العقد الأخير تجسّد السوبر تخلف أيضاً في رفض المؤسسات التعليمية واعتبار ثقافة الكتب والكتّاب ثقافة ماضوية لا قيمة لها. فتحوّل مثلاً الفيلسوف أفلاطون إلى مريض نفسي من جراء قوله بأنَّ الكون المادي مجرّد وهم وظلال للحقائق الفعلية في عالَم المُثُل و تحوّلت العلوم كالفيزياء والبيولوجيا إلى مجرّد أقاويل بلا سياق قالها الأسلاف بشِعر ٍ أو نثر ٍ مختصر.

في العشرية الأخيرة، القيمة فيما لا قيمة له والغنى فيما يتداوله الناس من تأثير زائل و رأسمال زائف وسلطات كاذبة. في العشرية الأخيرة، أصبح الكاتب يخجل مما كتب وأمست أشعار الشعراء عاراً عليهم وأضحت نظريات العلماء والفلاسفة دعوة لاغتيالهم معنوياً ومادياً. هذا لأنه في زمن السوبر تخلف النجاح للذي يتلقى تفاعلاً على الأنترنت و إعجاباً افتراضياً على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع تقييم الأساتذة والعلماء الجامعيين الشبيهة بمواقع تقييم البضائع الاستهلاكية ما حتَّم رضوخ المثقفين والعلماء لِما يجذب انتباه وإعجاب المتفاعل الافتراضي على صفحات الأنترنت أو الهاتف الذكي بدلاً من أن يكون النجاح كامناً في صياغة نظريات علمية أو فلسفية قادرة على تحليل المفاهيم وتفسير الظواهر. هكذا أصبح المثقف عبداً لتكنولوجيا الشركات الكبرى كالفيسبوك والتويتر. وبذلك بات السوبر تخلف مُنتِجاً للمثقفين الكاذبين حين أمست التكنولوجيا هي المُحدِّدة للثقافة بدلاً من أن تكون الثقافة هي المُحدِّدة للتكنولوجيا. من هنا أيضاً شهد العقد الأخير سيادة السوبر عبودية الكامنة في القرار الحرّ في أن نستعبد أنفسنا من خلال رضوخنا لِما يتطلبه النجاح في العوالم الافتراضية التي أنتجتها التكنولوجيا.

أما انهيار العديد من الدول والمجتمعات واقتصادها كانهيار لبنان اقتصادياً واجتماعياً فليس سوى نتيجة حتمية لسيادة السوبر تخلف. حين ترفض الشعوب العِلم و لا تشارك في إنتاجه تتعصب لمعتقداتها فترفض الآخر ما يؤدي لا محالة للانهيار الكلي لأية ثقافة واقتصاد لأنَّ الظواهر الثقافية والاجتماعية والاقتصادية ليست سوى تفاعل إنسانوي ناجح بين الأنا والآخر قائم على القِيَم الإنسانوية كقِيَم قبول الآخر والعدالة المتمثلة بالحريات والمساواة. لا يقينيات في العِلم لأنَّ النظريات العلمية تُستبدَل باستمرار بنظريات علمية أخرى. وبذلك مَن يرفض العِلم و لا يشارك في صياغته يتعصب لمعتقداته فيعتبرها يقينية غير قابلة للشك والمراجعة والاستبدال. من هنا، مَن لا يشارك في بناء العلوم يصبح ضحية التعصب فالانغلاق الاجتماعي والثقافي والاقتصادي ما يحتِّم انهيار المجتمع وثقافته واقتصاده.

الشعوب التي لا تنتج علوماً شعوب ميتة. والذين لا ينتجون العلوم غير مُنتِجين حقيقيين في الحقول الإبداعية الأخرى كالفلسفة والأدب والفنون فكل الحقول المعرفية والإبداعية تشكِّل حقلاً معرفياً و إبداعياً واحداً لا يتجزأ فتؤثِّر في بعضها البعض و تُبنَى على ضوء بعضها. الحضارة علوم وفلسفات وآداب وفنون ولكنها أمست في العشرية الأخيرة مجرّد حضارة افتراضية تُحدِّدها الشركات التجارية الكبرى كشركات اليوتيوب والفيسبوك والتويتر ومواقع تقييم المنتجات والبشر على الأنترنت. فالأخطر من فيروس كورونا هو العقل الكوروني الذي يرفض العِلم ويقاتل العلماء ويعتمد على التكنولوجيا كأداة لنشر الجهل والتخلف وسيادة التعصب و رفض الآخرين و شنّ الحروب.

من ظواهر السوبر تخلف أيضاً تكريس وجود الأنظمة الديكتاتورية في العشرية الأخيرة و تطوير أدوات قمها للشعوب أكان قمعاً بيِّناً أم خفياً كتمثله في حكم الطاغية أو حكم الحزب الواحد في الشرق أو حكم الأحزاب الكبرى في الغرب وإقصاء الأقليات وأصواتها وحقوقها. في زمن السوبر تخلف الفائق، تحوّلت الديمقراطية إلى ديكتاتورية كديكتاتورية حكم الأكثرية أو حكم الحزبيْن الكبيريْن ضمن الدولة الواحدة بدلاً من حكم الشعب وحقوقه. وهذا أقصى تطوّر للسوبر تخلف وسيادته على سلوكيات الدول والمجتمعات. أما الديمقراطية الحقة فهي حكم الحقوق الإنسانية وليست حكم الأكثرية أو حكم الأحزاب السائدة. بات الإنسان كينونة افتراضية في المتخيَّل الأنترنتي تماماً كما أمست الديمقراطية ديمقراطية افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي بدلاً من أن تكون ديمقراطية فعلية ومعاشة. وختام سوبر تخلف البشرية في العشرية الأخيرة نشوء الميتافيرس Metaverse أي ما وراء الكون ككون افتراضي وبديل عن كوننا الواقعي والعيش فيه بدلاً من أن نحيا في الواقع. هكذا لا يغتال السوبر تخلف الإنسان فقط بل يغتال الواقع أيضاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد قضية -طفل شبرا- الصادمة بمصر.. إليكم ما نعرفه عن -الدارك


.. رئيسي: صمود الحراك الجامعي الغربي سيخلق حالة من الردع الفعال




.. بايدن يتهم الهند واليابان برهاب الأجانب.. فما ردهما؟


.. -كمبيوتر عملاق- يتنبأ بموعد انقراض البشرية: الأرض لن تكون صا




.. آلاف الفلسطينيين يغادرون أطراف رفح باتجاه مناطق في وسط غزة