الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في المُدرَكْ السوسيولوجي لجغرافيا العراق 4

علي وتوت

2006 / 9 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


استهلال:
هذه محاولة في استكناه المُدرَكْ السوسيولوجي لجغرافيا العراق، بأبعاده المختلفة، السياسي والتاريخي والديموغرافي والإيكولوجي، وكيف أثرت هذه الجغرافيا في صياغة تاريخه الحديث وإشكاليات حاضره، مثلما تساهم في صياغة مزاج أفراده وجماعاته، وصناعة أنساقهم Systems، وأساليب حياتهم Styles of Their Lives. وسنحاول أن نعرض في مقالنا هذا لكل بعدٍ منها. فالطبيعة الجغرافية والمناخية للعراق لعبت دوراً حاسماً ليس في تاريخه بل حتى في تكوين مجتمعه، مثلما يشير أحد الباحثين( ).

رابعاً – في البعد الإيكولوجي لجغرافيا العراق:
لقد تمت استعارة مفهوم التبيوء Ecologyمن البايولوجيا، حيث يعني وسائل دراسة العلاقات بين الأنساق العضوية للكائن الحي والبيئة Environment. فهو مرتبط بالعوامل الطوبوغرافية والظروف المناخية بقوة، إلا أنه مرتبط في الوقت نفسه بالموارد الطبيعية النباتية والحيوانية على حد سواء، مثلما هو مرتبط بالكوارث الطبيعية( ). وهو في استعماله البايولوجي يتضمن نوعين من العلاقاتُ أولهما بين الكائن العضوي (بمفرده) والبيئـة، وثانيهما بين الجماعات العضوية والبيئـة. أما في العلوم الاجتماعية فهو يتقيد بدراسة النوع الثاني من العلاقات، أي العلاقات بين الجماعات البشـرية وبيئاتها، فهو يتحدد بدراسـة العلاقات بين الجماعات البشـرية (أو السكان) وبيئاتهم الخاصة، لا سيما بيئاتهم المادية( ).
و(العراق) في القراءة الإيكولوجية لبيئته الطبيعية هو وادٍ خصب ولكنه يحتاج إلى ريٍ وبزلٍ دائمين، وإلاّ عَلَتْهُ طبقات ملحية بيض. ونهرين يغيران مجرييهما باستمرار، ولا يكفان عن الفيضانات المدمرة، وكان أسوءها حل عام 1954 حينما غرقت بغداد( )، مثلما كان الغرين المجلوب من أعالي النهرين وروافدهما الكثيرة يسدَّ المنافذ الاصطناعية، ويكوّن بتوالي القرون دلتا الرافدين العظيمة( ). ولكن، وعلى الرغم من أن العراق يملك هذين النهرين العظيمين، واللذين يشكّلان على طول امتدادهما واديـاً ظل مسرحاً للحضارات البشرية الأولى التي نشأت وازدهرت على الأرض ما بينهما، فإن هذا السهل محاط بسلاسل جبلية من الجهتين الشـمالية والشـمالية الشـرقية والتي يصل ارتفاعها إلى حوالي (3550) متراً فوق مستوى سطح البحر، تشكل ما نسبته (5 %) من مسـاحة العراق الكلية، مثلما هو محاط بصحراء شاسـعة، تقع في الغرب والجنوب وتشكّل ما نسـبته حوالي (40 %) من مسـاحته الكلية( ).
أما مناخ العراق فإنه يتسم بخصائص قارية متطرفة لوقوعه بعيداً عن المحيطات والبحار. فحرارة الصيف وجفافه، وبرودة الشتاء وأمطاره تعد ملامح مناخية رئيسة. وتنقسم فصول السنة في العراق إلى ثلاثة فصول هي الشتاء والصيف والخريف، باعتبار أن فصل الربيع قصير الأمد مندمج في فصل الصيف. ويبدأ فصل الشتاء من ديسمبر (كانون الأول) حتى منتصف شهر فبراير (شباط)، ويعد يناير (كانون الثاني) أكثر شهور الشتاء برداً. بينما شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب) هما أكثر أشهر السنة حرارةً في العراق( ).
ويقع العراق معظم أيام السنة تحت تأثير منطقة ضغط عالٍ تعمل على هبوط رياح دافئة جافة من طبقات الجو العليا. وتستمر حركة الهواء هذه في فصل الصيف من الشمال والشمال الغربي مكونة رياحاً حارة جافة (الشمال) تهب معظم أيام الصيف بنسبة لا تقل عن (90%) ولكن تيار الهواء هذا لا يستمر على وتيرة واحدة في فصل الشتاء، إذ غالباً ما ينقطع هبوبه بفعل مرور الأعاصير وما يصاحب ذلك من هبوب رياح متغيرة الاتجاهات. وهذه الأعاصير جزء من دورة الرياح الغربية غير المنتظمة التي يكون مصدرها من البحر المتوسط، الجزيرة العربية، أوروبا، سيبيريا، البحر الأحمر، المنخفض الهندي الموسمي وهي معروفة في تأثيراتها الطقسية المناخية على العراق في دوراتها الفصلية ولا بد أن هنالك تطرفاً في بعض المواسم نتيجة تأثيرات هذه المنظومات الضغطية سواء في ارتفاع درجات الحرارة أو انخفاضها وكذلك في كثرة أو قلة الأمطار وندرتها( ). فيما ينتقل سير هذه الرياح في فصل الشتاء جنوباً بتأرجح نطاق الضغوط العالية شبه المدارية في هذا الاتجاه. ويبلغ معدل عدد الأعاصير المارة بالعراق في الفصل البارد من السنة (120) إعصاراً. ويقترن سقوط معظم الأمطار على العراق بمرور هذه الأعاصير الضعيفة. وقد يتطور بعضها ويتسع من حين إلى آخر ويبقى مستقراً في البلاد عدة أيام( ).
وتسبب هذه الأعاصير هبوب رياح بحرية على العراق مصحوبة بهطول أمطار غزيرة على مناطق السهول وسقوط كميات كبيرة من الثلوج على الجبال. وتزداد عموماً كمية الأمطار الساقطة تدريجياً، كلما اتجهنا نحو الشمال الشرقي، إذ تزداد كميتها من (50) ملم في الزاوية الجنوبية الغربية من العراق إلى (1000) ملم في المنطقة الجبلية العالية الواقعة في الشمال الشرقي منه. وتعزى كثرة تساقط الأمطار في هذه المنطقة إلى تأثير عامل مزدوج من النشاط الإعصاري والحاجز الجبلي، ولكن درجة تذبذب الأمطار السنوية عالية جداً، إذ لا يظل الحد الجنوبي لمنطقة الزراعة الديمية محتفظاً بموضع ثابت، فبعض فصول الشتاء جافة، في حين بعضها الآخر وافر الأمطار. ويعد الاختلاف الجغرافي والزمني لهطول الأمطار من الحقائق المهمة بالنسبة إلى الزراعة الجافة. فسقوط كميات إضافية من الأمطار في الربيع يترك آثاراً إيجابية في إنتاج القمح والشعير، يضاف إلى كل هذا أن هناك اختلافاً في مقادير ما يسقط من الأمطار شهرياً( ).
إذن مناخ العراق قاري وشبه صحراوي متطرف بارد شتاءً حار جاف صيفاً، ممطر شتاءً، تؤثر فيه منظومات ضغطية متطرفة (ضغط عال وضغط واطئ) من مصادر عدة، كما سبقت الإشارة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سليم مطر: العراق وخصوصيات الموضع والموقع (مقالات في الهوية)، بغداد، صحيفة الصباح، الثلاثاء، 20/ يناير/ 2004، ص 3
(2) علي وتوت: بيئة الإنسان من منظور الثقافة والمجتمع، بغداد، بيت الحكمة، دراسات اجتماعية (دورية)، العدد (12)، السنة الأولى، شتاء (1999)، ص127
(3) Julius Guold and William L.Kolb (Edited by) , A Dictionary of The Social Sciences, The Free Press, A Division of Macmillan Publishing Co., Inc. New York, 1964., P. 215
(4) http://www.iraqandiraqis.com/about_us.htm
(5) حسين محمد عجيل: رحلة في التاريخ الطويل، جنيف، الإنساني (دورية) تصدر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، العدد (25)، 2003، ص 16
(6) طه الهاشمي: المصدر السابق، ص 22
(7) نفسه، ص67
(8) عواطف مدلول: زائر مفاجئ اقتحم ابوابنا دون ان يطرقها، ما الذي يتحكم بالتغييرات المناخية ؟ موقع صحيفة الصباح البغدادية وفق الرابط: http://www.alsabaah.com/paper.php?source=akbar&mlf=interpage&sid=18198
(9) موقع دار بابل للدراسات والإعلام، وفق الرابط: http://www.darbabl.net/geographical.htm
(0 ) نفسه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تعلق كل المبادلات التجارية مع إسرائيل وتل أبيب تتهم أر


.. ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا




.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين: جامعة -سيانس بو- تغلق ليوم الجمعة


.. وول ستريت جورنال: مصير محادثات وقف الحرب في غزة بيدي السنوار




.. ما فرص التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل الحرب الدائرة في غزة