الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقاش حول مسألة النهضة العربية من منظور وجيه كوثراني

حنضوري حميد
كاتب وباحث في التاريخ

(Hamid Handouri)

2022 / 4 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


عاش العالم العربي مرحلة مخاض امتدت من القرن التاسع عشر إلى القرن العشرين، كان يرمي من خلالها إيجاد طريق نحو الخلاص من ثقل الماضي المقتصر على الثقافة الداخلية التقليدية للبلاد، ومحاولا النهوض بالأمة، والسير بها نحو الأمام، وجعلها منخرطة في مسلسل الحداثة و الإصلاح. وهذا الوعي بضرورة الإصلاح والنهضة، لم يأت من محظ الصدفة عند الدول العربية، بل أتى من خلال احتكاكها مع الغرب، أو ما سمي بصدمة الحضارة. وكذلك ما فرضه الاستعمار الغربي وخاصة الفرنسي والانجليزي على الدول العربية من أفكار نهضوية، في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وقد عرفت هذه المرحلة مجموعة من الدراسات والأبحاث قام بها مؤرخون ودارسون مهتمون بالشأن العربي من كافة جوانبه. ومعلوم أن هؤلاء الدارسون انطلقوا من خلفيات متنوعة. فهناك من حاول أن يدرس مشروع النهضة العربية من خلفية إصلاحية إسلامية، وهناك من حاول تناولها من وجهة نظر لبرالية غربية. وهناك من جمع بين تيارين بنظرة توليفية وتوفيقية. وقد أفضى هذا التنوع في المرجعيات إلى انتاج مجموعة من المفاهيم تكاد تتفق في المعنى.
وهكذا دعيت هذه المرحلة بالنهضة واليقظة والصحوة... فعدم تحديد دقة معاني ودلالات المصطلحات، يربك الذاكرة، ويشوش على إدراك الباحثين لمعاني هذه المصطلحات، مما أدى إلى الاختلاف والجدل بينهم، ليس من ناحية المفهوم اللغوي فحسب، بل امتد الخلاف حول هذا الأمر إلى أبعاد أخرى سياسية وإيديولوجية وثقافية...
والأمر الذي زاد الالتباس سوءا انكسار قنوات التواصل والتفاعل بين الكتاب أو الباحثين العرب. لدرجة يسأل معها الواحد منهم هل ثمة قراءة متبادلة، ومتأنية للكتّاب العرب فيما بينهم ليسهلوا عملية التواصل، وبناء جسور الحوار، وصولا إلى احتمال ردم الالتباس، وضبط أوجه الاختلاف في إطار الحوار البناء.
ولهذا الغرض نجد الباحث اللبناني وجيه كوثراني تناول مشروع النهضة العربية والإسلامية بنوع من الشمولية، حيث وضعها في إطار عام، وسياق تاريخي، مدمجا فيها كل الخلفيات التي تناولت هذا الموضوع بنظرية توفيقية بينها، حيث لخصها في ثلاثة أزمنة دون أن يغفل إشكالية الاختلاف في استعمال المصطلحات التي تصب في موضوع الدراسة.
وفيما يتعلق بالنهضة العربية أو الإسلامية حتى، بدا للغرب أنه كان السبب في ظهورها داخل المجال العربي والإسلامي، وليس غريبا أن يفعل الغرب ذلك، فهو من آمن بأن كل شيء صادر عنه بحكم إيمانه بالمركزية الأوربية égocentrisme européen، كما ادعى بعض مفكري النهضة أن مشروع الإصلاح ذاتي ومحلي ومن بُنات أفكارهم. وفي هذا الخضم، وجمعا لهذه الأفكار المتفرقة، حاول وجيه كوثراني أن يتناول الموضوع في ثلاث مراحل زمنية، وبمواصفات وقضايا خاصة بكل مرحلة. وهذا ما سنتطرق إليه في هذه الورقة ولو بشكل وجيز، ومحاولا أن نضع بعض المقاربات لما تطرق إليه الدكتور وجيه كوثراني من خلال الدراسة التي قامها عن مشروع النهضة العربية. إدن فما هي هذه الأزمنة؟
الزمن الأول: زمن التوفيق بين الإصلاحية الإسلامية واللبرالية الغربية أواخر القرن 19م. والنصف الأول من القرن 20م.
الزمن الأول الذي سماه الباحث وجيه كوثراني " زمن التوفيق بين الإصلاحية الإسلامية واللبرالية الغربية أواخر القرن 19م. والنصف الأول من القرن 20م." حيث شهد هذا الزمان على حد تعبير كوثراني، تيارين متناقضين حاولا أن يقدما أجوبة واقتراحات من أجل الإصلاح. الأول الليبرالي العلماني الذي تمثل في التجربة الغربية وتأثر بها حيث حاول روادها أن ينقلوا التجربة الغربية بالحرف، ودعوا إلى قطيعة شبه كاملة مع الماضي الإسلامي، الذي أثقل كاهل الأمة العربية الإسلامية. بما عاشته من استبداد وقمع للحريات، ومحاربة للفكر العقلاني، وتشجيع للانحطاط، وغلق لباب التطور والتقدم.
وفي هذا الصدد نجد مجموعة من النخب التي تأثرت بالفكر الغربي، عندما انفتحت على قراءة فكر الأنوار بشغف، أمثال شبل الشميل(1850ــ 1917م.) ، وفرح أنطوان ولطفي السيد... وغيرهم من الباحثين الذين كانوا متمكنين من اللغات الأجنبي. فهؤلاء لهم نفس الطرح وأكدوا كلهم أن اللبرالية هي الحل الأنسب والمثالي لخلق الديموقراطية والتحديث من أجل إصلاح وضع الدول الإسلامية. على النهج والمنوال الحرفي للتجربة التي خاضها الغرب. وأكثر من هذا، هناك من دعا إلى إدخال الاستعمار الأجنبي كحل منقذ من الجور الفردي للحاكم، وهي أساس من الأسس وركيزة مهمة في بناء نظام ديموقراطي جديد. وقد استمر هذا الجواب في المنهج والعقلية السياسة العربية منذ أن سيطرت الإمبريالية في الشرق العربي والإسلامي وطرحته بصفته حلا للمعضلة العربية.
لكن سرعان ما تحول هذا الأمل إلى سراب ليقع نوع من خيبة الأمل لدى الدول العربية الإسلامية، عندما لم تساعدها الدول الغربية على تحقيق هذا الأمل، وخاصة بعد الحربين العالميتين حيث شنت دول الغرب حروبا عدائية ضد الشعوب العربية؛ وكذلك عندما قامت دولة إسرائيل فكان هذا الأمر اعتداء على الكينونة الحضارية الإسلامية. ورغم ذلك لا زال انجذاب وعودة العقول العربية إلى الفكر الليبرالي كمرجعية حضارية، وأنموذج يجب استيراده وتطبيقه في الزمن المعاصر.
أما الجواب الثاني فقد كان من دعاة الإصلاحية الإسلامية، المتمثل في المفكرين الإسلاميين الكبار الذين انفتحوا على الغرب، وتشربوا فكره وثقافته، فقد حاول هؤلاء القيام بدارسة دقيقة للشرق العربي الإسلامي لتشخيص المرض، ووضع الأصبع على مكمن الخلل، مستحضرين أنموذجين مختلفين وجاهزين، يمثل الأول المرجعية الغربية والثاني التجربة الإسلامية التاريخية، حيث قدموها بنظرة استقصائية توفيقية من أجل وضع أنموذج ذي طابع جديد يحمل مشروعا إصلاحيا للواقع الإسلامي. وضمن عملية التوليف والاستيعاب جاءت الأجوبة من قبل هؤلاء المفكرين الإصلاحيين العرب الذين يحملون مشروعا نهضويا ملتصقة بالماضي. ويمكن تقسيم تصورهم ومخططهم الإصلاحي من أجل النهوض بالعرب، وبقية الشعوب الإسلامية عموما إلى ثلاث مداخل أساس شملت كل مواقف رجالات الإصلاح.
مدخل الثورة من خلال إقناع الحاكم بضرورة الإصلاح، وهذا التيار يمثله جمال الدين الأفغاني، الذي كرس حياته لهذا الغرض ودافع عنه، بما أوتي من قوة، وذلك بنشره لمقالات وكتب تصب في نفس الاتجاه. أما المدخل الثاني فهو إقامة الدولة الدستورية المركزية على مبدأ الشورى، حيث دافعت هذه الجمهرة من المصلحين على مبدأ الحرية الشخصية، وعلى الوحدة والتضامن البعيدين عن كل الانتماءات والقوميات المحلية. كما أدرجوا كذلك قضية الديموقراطية البرلمانية المتمثلة في العدل والحرية والمساواة ومحاربة الفساد، وكل أنواع الاستبداد. وهذا التيار مثله ودافع عنه الكواكبي وحسين نائيبي...
أما المدخل الثالث فهو مهتم بالتعليم والتثقيف وبناء المؤسسات الاجتماعية. حيث ركز هذا المدخل بالأساس على بناء وتكوين جوهر الإنسان وخدمته عضويا، وتطوير الفكر النقدي عنده. وتزعم هذا التيار كل من الطهطاوي وقاسم أمين ...
الزمن الثاني: زمن الاشتراكية ـ القومية، أو زمن الاستقلالات الوطنية، والمد القومي بعد الحرب العالمية الثانية
أما فيما يخص الزمن الثاني فهو " زمن الاشتراكية ـ القومية، أو زمن الاستقلالات الوطنية، والمد القومي بعد الحرب العالمية الثانية " فزمن أو فترة الحرب العالمية شكلت نقطة تحول جذرية في سياسة الدول الإمبريالية ذات التوجه الاستعماري. فكان التسابق بين هاته الدول حول المجال الحيوي للدول المتخلفة، حيث صعدت بعد الحرب العالمية الثانية قوتان كبيرتان. الولايات المتحدة الأمريكية التي جمعت حولها الرأسمالية الأوروبية بفضل مشروع مرشال 1947م. لإعادة تعمير أروبا. وكذلك لتأسيس حلف عسكري قوي تمثل فيما عرف بـ "الحلف الأطلسي" الذي كان من مهامه حماية العالم الحر. وقوة الحلف الاشتراكي المتمثلة في روسيا والدول التابعة لها، والصين حيث حاول هذا الحلف الدفاع عن مصالحه، وتأسيس قوة مواجهة للحلف الأطلسي الذي شكلته الدول الرأسمالية. وقد

عمل هذا الحلف الاشتراكي على تشجيع الثورات في مستعمرات الحلف الرأسمالي، وعمل على استمالة الدول المستقلة والتحالف معها عسكريا واقتصاديا وإيديولوجيا، ومن هذه الدول التجربة الناصرية في مصر والبعثية في سوريا والعراق.
لكن الثنائية الاشتراكية الرأسمالية سرعان ما انتهت مع تفكك الاتحاد السوفياتي، لتتغير المعادلة، ويصبح المعسكر الرأسمالي هو المتحكم الوحيد في مقدرات العالم. ولا عجب مع هذا إذا وجدنا صامويل هنتغتون كتب عن مسألة صدام الحضارات clash of civilisation في بداية التسعينيات من القرن الماضي، بعد أن سقط المعسكر الاشتراكي، وانفرد المعسكر الرأسمالي بتدبير العالم كقطبية أحادية مهيمنة. حيث فطن إلى أن حضارة العالم الإسلامي بفكرها الثوري، وذات المرجعية الراغبة في إصلاح الوضع، هي التي ستكون أحد أطراف الصدام الحضاري مع المسكر الغربي. ورأى أن المعسكر الغربي عليه أن ينأى بنفسه عن الحضارة الإسلامية، ويحذر المواجهة معها، لأنها هي من تشكل الخطر المستقبلي عليه.
الزمن الثالث: المشروع التعبوي في الصحوة الإسلامية
أما الزمن الثالث الذي طرحه الباحث وجيه كوثراني، ليكمل به الرؤية حول مشروع النهضة العربية، وتكون الدراسة شاملة إلى حد ما في إطارها التنظيري. فقد سمى هذا الزمان الثالث ب" المشروع التعبوي في الصحوة الإسلامية". فهذا الزمان عرف ظهور مختلف الجماعات الإسلامية من انتماءات تاريخية متعددة ومختلفة. وتبنت العنف مشروعا لها من أجل التحرر من قيود الاستعمار، وللوصول إلى سدة الحكم وتطبيق الشريعة

الإسلامية. وهذا فكر (الإخوان المسلمين) الذي انتشر من خلال العودة إلى فكر التيار الإسلامي القديم الذي دعا إليه سيد قطب في نصوصه. والذي ساهم أيضا في بزوغ هذه الجماعات هو تعثر التجارب الثورية للتيارات القومية واليسارية في أقطار وبلدان عربية عديدة. وكذلك تعثر الحلول الترقيعية التقليدية، وظهور مجموعة من الاتفاقيات السياسية غير الموفقة في تقديم حلول سليمة ذات أفق واضح. وهذا الأمر أفضى إلى توجيه فكر الشباب إلى إيديولوجية مغلفة بالدين. وفي السياق التاريخي الذي ظهر فيه هذا الفكر الديني السياسي الجديد نجحت الثورة الإيرانية، الشيء الذي شجع على تدريس هذا الخطاب الأيديولوجي على المستوى الأكاديمي بصفته حركة ثقافية لإنتاج الفكر الإسلامي على صعيد واسع، من خلال إعادة نشر المقالات والكتب لأشهر المفكرين الإسلاميين، التي انفتحت على ميادين علمية عديدة كالفلسفة والتاريخ ومناهج المعرفة...الخ، حيث استطاع هؤلاء المفكرون من خلالها شحن عقول الشباب الصاعد وتحريضهم واكتساب عقولهم، وتأطيرهم فيما سماه كوثراني المشروع التعبوي.
فهذا البراديم التاريخي للحركة الإسلامية أطلق عليه الدكتور وجيه كوثراني تعبير الصحوة مستندا على مجموعة من الانتفاضات الثورية، والموجهات ضد الحركة الإمبريالية الصهيونية على نطاق واسع من الأراضي العربية، وخصوصا فليسطين التي أحيى فيها المناضلون من جديد، فكرة الجهاد والشهادة. ليبقى هذا الفكر الجهادي مشكلا منعطفا حاسما ومصيريا في العالم العربي، ومانحا المشروعية والتبرير لأي عمل جهادي ولو كان

انتحاريا. وهذا سلوك ناتج عن الوعي التاريخي الإسلامي المحبط الذي رافق الفكر العربي خصوصا، والإسلامي عموما على مر الزمان، بعد الانتكاسات والهزائم التي تعرض لها المسلمون في كل المجالات، وعلى كافة الأصعدة.
فهؤلاء الدعاة الهادفون من خلال دعوتهم إلى وحدة السلطة والأمة لمواجهة الاستعمار، اصطدم تفكيرهم بواقع مر ومعطيات محبطة. ذلك أن الخلافة مسألة اجتهاد وبذلك ستكون موضع الاختلاف. وحتى مسألة ولاية الفقيه لم تحظ بالإجماع. وعندما نفحص قراءات رجالات الصحوة للأوضاع نجدهم يرجحون عدم إمكانية إقامة الخلافة وعدم نزع الخلاف. وكذلك ولاية الفقيه فهي الأخرى مما يستحيل الاتفاق حوله. وهذا ما ذهب إليه أمثال الشيخ سعيد شعبان والسيد محمد الحسين فضل الله في لبنان.
الخاتمة
وفي الختام يمكن القول إن هذه المشروعات الثلاث للنهضة العربية عبر أزمنة ثلاثة، شكلت أهم المحطات التاريخية لدى العرب خاصة والمسلمين عامة، في محاولة النهوض من التخلف وتجاوزه. لكن وبالرغم من هذه المحاولات، وعبر هذه الأزمنة لم يحقق العرب والمسلمون أيا من أحلامهم في الثورة والتغيير، وبقيت الأوضاع على حالها من فقر واستبداد وتخلف في كافة الميادين. وبهذا كذلك فشلت كل المرجعيات في تحقيق أي نهضة للعرب، وبقيت مجرد فكر يتداوله التاريخ، وليس فيه ما يؤدي إلى النهوض والتطور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناخبون في تشاد يدلون بأصواتهم لاختيار رئيس للبلاد


.. مقتل 4 جنود إسرائيليين بقصف لحماس والجيش الإسرائيلي يبدأ قصف




.. الانتخابات الأوروبية: أكثر من نصف الفرنسيين غير مهتمين بها!!


.. تمهيدا لاجتياحها،الجيش الإسرائيلي يقصف رفح.. تفاصيل -عملية ا




.. تهديد الحوثي يطول «المتوسط».. خبراء يشرحون آلية التنفيذ والت