الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التطرف الديني في مواجهة الدولة المدنية - العراق نموذجاً -

باسم عبدالله
كاتب، صحفي ومترجم

(Basim Abdulla)

2022 / 4 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


التطرف الديني
في مواجهة الدولة المدنية
“العراق نموذجاً ”

مند سقوط النظام العسكري الاستبدادي في العراق علي يد القوات الأمريكية عام 2003 تبدل الهيكل المدني للدولة العراقية وتحولت مؤسسات الدولة المدنية وقوانينها الى نمط فوضوي تمثل في انفلات التطرف الديني وغلو ايديولوجيته فانكسر الفكر العلماني والتقدمي وصارت اجهزة الدولة في واجهة التطرف الديني تقوده احزاب لا علاقة لها بالدولة المدنية، ولا بتعاليم القيم الروحانية التي بشرت بها تعاليم الفلاسفة واصحاب الفكر التقدمي عبر التاريخ، فتراجع الفكر التنويري وحلت محله نزعات الصراع على نظام الحكم حتى بات الحاكم الديني شكل الله وظله في الارض، هكذا يجري التاريخ المعاصر في العراق كما كان خلال الفترة المظلمة في اوربا. لم يعرف العراق الى عهد قريب قبل سقوط نظامه العلماني على يد القوات الامريكية شكل التقسيم الطائفي في كثير من شؤونهم الى ماهو ديني او غير ديني، الى ماهو شيعي وماهو سني، فلم يكن في ركائز دولتهم تعليمان ديني ومدني، ولا قضائان احدهما شرعي والأخر غير شرعي، ولا سلطتان دينية ومدنية، بل كان الدين هو المجتمع المدني غير التعصبي ولم ينتم للفكر الطائفي في تقسيم المواطن على اساس الطائفية التي تحدد مدى ولائه للحاكم الديني وليس للدولة المدنية. تاريخياً وجد خلفاء وامراء وملوك ركنوا الى الدنيا وانحرفوا عن الدين حتى اضاعوا الكثير من قيمهم الدينية على مدى التاريخ الديني الذي امتد منذ انبثاق النبوة في الجزيرة العربية، لكن ظل الإسلام هو الأصل في عدم التقسيم الطائفي، وبقي شكل الحياة المدنية قائماً منه التشريع والقضاء، وقيم الولاء للدولة، ولقد وجد على مسار تاريخه الديني من وجد من اهل العلم ونسبوا اليهم علماً وعملاً في تطوير مدنية الدولة في زج قوانينها للمواطنة واحترام الصياغة الدستورية، فلم تكن فرضية الصياغة الدينية في قمع الفكر المدني العلماني وزجه في متاهات الوهم من اجل نيل رضى الحاكم الديني فحسب بل تمجيد تبعيته للاحزاب التي حولت الفكر الديني المسالم الى مليشيات مسلحة تدين بالولاء ليس داخل حدود العراق الجغرافية انما بالتبعية لقوى خارج الحدود الوطنية للدولة. تركز التخلف على حماية الزعامة الدينية ووضعت لها الامكانيات المالية والامنية ما يجعل الدولة الدينية تستولي على المال العام لصالح هذه الزعامة.

فهذا التغيير الهائل في بنية المجتمع العراقي، هدم الكيان المدني وحول مؤسساتها الى اقبية دينية قمعية تفرض وجودها بقوة السلاح وتدفع بديمقراطية الانتخابات الى شكل تعسفي مارق هدفه قمع الفكر التقدمي وتأييد السلطة المدنية بغض النظر على اهلية او عدم اهلية القائد الديني. بيد ان من المهم ان نعلم ان النخبة التي تسلمت مقاليد الحكم بعد سقوط النظام قد ابتدأت من يومها الأول طريق التقسيم الطائفي فلم يكونوا هؤلاء اهل دين ولا اهل دولة، حاربوا وحرضوا وانتموا الى اجندة خارج حدودها الوطنية فصاروا هم ادواة قمعية، فهم حراس المال العام وسراقه، ولا غرابة ان وجدنا ان التدين صار فخاً خطراً يقع في دهاليزه المظلمة من قتل وتشريد لرجال دين يمتلكون حس الإنتماء للدولة، حاولوا محاربة التطرف الديني فكان مصيرهم المنتظر بقتلهم على يد المليشيات المسلحة التابعة للنخبة الدينية. لا غرابة ان نجد الطبقة الدينية التي فرضها المحتل بالتقسيم الطائفي قد نجح الى حد بعيد بتراجع الدولة المدنية في ابسط خدماتها لصالح المواطن فتقـوّض الفكر وبقي المستعمر حتى بعد رحيله بآثاره الخبيثة، الصراع الديني كان هو المحصلة والهدف المرسوم، فأتباع المراجع الدينية يرون في المرجع الديني قدوةً وكائناً مقدساً وقائداً معصوماً تجب له الطاعة والولاء فيما يقول ويأمر.

ان من صفات الظلم الطائفي التعصب لرأي الذات، اذ يحمل المتطرّف على التشبث برأيه والغاء الآراء الاخرى فالإيمان والحق ليس إلا ما يراه هو ولا يجتهد بالحق إلا هو فالطابع الديني ليس بهدف مسار القيم الإسلامية التي تعارف عليها المسلمون على مدى التاريخ بل ان شرائع الدين وقوانينه بما يراها المتعصب الطائفي ومن يخالف ذلك يكون غالباً مصيره القتل. هذا الغلو في التعصب من اخطر مظاهر التطرف الديني وقد عايش المسلم العراقي فواجع التطرف الى يومنا هذا وستبقى مأساته الى عودة العلمانية والدولة المدنية للحكم بالطرق الديمقراطية وتشكيل انظمة عادلة على اساس قيم المواطنة. من مظاهر التطرف الديني التكفير، ابتدأ التكفير بالخوارج حينما قتلوا علياً، فلقد ادعى تكفيرهم الى خروجهم من الملة، فلقد عملوا السيف في المسلمين ليس فقط في القتل وترويع المجتمع المسلم انما في الفكر العدواني التعسفي، وهذا حال المليشيات المسلحة التي تجدد كل يوم قوائم سيناريو الدم للمعارضين لنظام الدولة الطائفية، ان قوائم الدم في حال الدولة العراقية تكرار للفكر الارهابي بكل ما كان يحمله الخوارج وقتئذٍ، في عصرنا وان اختلفت مسيمات التكفير والطائفية إلا انه نتاج الفكر المنحرف في نكرانه للحق المدني واختياره الحر للمعتقد الديني. ان ما يقلل التطرف الديني في اي مكان هو وهب الحرية للمجتمع اما اتخاذ اسلوب العنف وترويع المجتمع فلا يؤسس غير انفصال الدولة عن الدين، ويحمّل الدين مأساة مظالم النخبة، ويولّـد المزيد من حركات التطرف.

ان الوضع الراهن في العراق تمثل في عزل الحياة المدنية عن المواطن فردأ كان او جماعات فلا يكون للدولة سلطان في تسيير قوانينها المدنية لانها خضعت لمعايير ومتلازمات اقليمية تابعة لدولة دينية سيرت مقدرات العراق بحسب حساباتها الاقليمية، خلال فترة الاضطهاد الديني للطبقات الدينية في العراق قبل سقوط النظام عام 2003 حارب نظام الحكم المراجع الدينية فاعتقل واعدم وشرد العديد من الرموز الدينية ومن عموم المؤمنين فكان لا يميز بين الطوائف الدينية بقدر ما يهمه البقاء في الحكم، وما ان انهار النظام وتم تقسيم العراق على اساس طائفي، حتى تحول القائد الديني المظلوم في زمن النظام الى تابع لحسابات اقليمية وطائفية، فلقد اختفى الولاء للوطن من اجندة الحاكم الديني، ولم يعد الايمان بالله وانبيائه اساس التقييم الديني للمسلم، بل صار الولاء للطائفة. تندرج اسماء في القائمة الدينية للنخبة التي حكمت الدولة العراقية، شيعية المذهب الى شخصيات كانت خارج حدود العراق فعادت لتغتنم ليست فرصة تأسيس النظم المدنية للدولة انما لتعميق الفرقة الوطنية وانتشار الفقر والحرمان في عموم المجتمع. لا شك ان التطرف الديني والفكري يمثلان اكثر القضايا التي تدفع بالشعوب الى النزاع الطائفي وتتسبب في الحروب عندما تتقاطع الايديولوجية الدينية مع الضوابط المدنية للدولة التي تحافظ على مساواة الافراد في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن انتمائاتهم الطائفية والعرقية والقومية.

عندما تنهار ايديولوجية الدولة في الحفاظ على امن المواطن يؤدي ذلك الى تفكيك المجتمع وتمزيق نسيجه الاخلاقي ويحل محله العنف وسلب حقوق المواطنية وتكريس آليات التخلف. لهذا جلب التطرف الديني تقديس الشخصية الدينية في النخبة الى ظهور الارهاب الفكري الذي تمارسه طائفة تتمتع بالاغلبية في هرم السلطة يتم ذلك تحت غطاء ديني متشدد يقترف ابشع الجرائم وقد ادى ذلك الى زيادة كفائة المليشيات المسلحة وتحوليها الى قنوات ارهابية متخصصة، شديدة الدموية ما جعل الدولة تنكفأ على ذاتها وتنهار مؤسساتها في الفن والادب والديمقراطية ومشاعر الإنتماء للدولة الوطنية، فتكون واجهة خطرة تهدد الامن القومي والوطني، ادى التطرف الطائفي الى تسمّم العلاقات الوطنية بالاحقاد للمجتمع الواحد، فعمت الكراهية والجهل بمختلف السبل وايجاد الذرائع لإقصاء وازالة وجود غير المنتمي للولاء الطائفي بالترهيب والترغيب او بالقتل. اننا حيال مؤسسة دينية تستند على قوة مسلحة خارج اطار الدولة المدنية وبتشريع غير برلماني، فصفة الدولة المدنية الغاء المظاهر المسلحة وعدم الانفاق عليها من المال العام، ذلك ان التطرف يتبنى اتجاهاً عقلياً يسمى بالتعصب يقود الى انقياد العقل للفكر التكفيري والإرهابي، ان اهم ما يميز الدولة المدنية عدم تقديس الشخصيات الدينية اذ ان الدين يجسد المحتوى الغيبي لعلاقة الفرد بالقوى الغيبية، بينما الدولة المدنية تجسد الواقع الميداني للقوانين التي تمثل واقع التعامل الآني، لهذا ليست هناك قدسية للحاكم الديني بقدر ما يكون اداة فعالة لتطبيق شروط عمل الدولة المدنية فحسب.
كيف يمكن فهم الهوية الدينية في الدولة الدينية؟ يتنسى ذلك من خلال دفع مؤسسات الدولة في اتخاذ الفكر المضاد للمدنية والحداثة ولمحاربة الديمقراطية وقمع الطوائف الدينية الاقل نصاباً في التمثيل البرلماني والاقليات الدينية والقومية هم يعيشون في رعب دائم لان التطرف الديني يعمل على تغيير هويتهم الوطنية واستبدالها بالانتماء الديني القسري وتقديس الشخصية الدينية التي تستولي على الكتلة النيابية فتحرم الفكر من التحرر وتزجه في اتون التخلف. ان السلطة الدينية مهما حاولت كسر الهوية المدنية للمواطن وبذلت ما تبذله من قمع وتسخين آلة الاغتيال فلن تستطيع بكل قوتها وجبروتها وامكاناتها المسخّرة لأغراضها ان تسجن الشعب والغاء كيانه داخل فكرها الديني المسيّج بالوهم بمفاهميها المغلوطة. الصراع حول الهوية الدينية صنع التطرف بكل اشكاله العدوانية خاصة عندما تضعف الانتماءات الوطنية وتسود بدلاً عنها هويات تمجد الدين وتستغل تخلف المجمتع لصالح المنافع الشخصية، تلك المليشيات المسلحة لا تؤمن بالدولة الوطنية، فنحن على اعتاب انهيار ايديولوجية الدولة المدنية في العراق، فلم يعد الولاء للدولة هاجس المواطن بقدر ما تحول هدف المواطن ايجاد حياة بديلة خارج حدوده الوطنية، ذلك ان صلة الانتماء الوطني انعدمت اذ اخفقت السلطة الدينية في احتواء الوطن والمواطن، بل اخفقت في تأمين ابسط شروط الحياة للبنية التحتية للمواطن. اننا بحاجة الى فكر تنويري فاعل يؤدي الى استنباط محاور فكرية تقدمية وبسطها للحوار في المنتديات واللقاءات الفكرية وفي وسائل الإعلام من اجل بث روح الوعي بالفكر المتمدن، يجب على الطبقات المثقفة ان تقف اليوم في محاربة التطرف الديني، ونطالب بدولة مدنية تنقذ العراق فلقد كان في عصور سابقة مصدر الإشعاع الفكري والتنويري في الشرق.

الطائفية بهذه المواصفات ايمان لبعض القادة والتكفير لغيرهم، فهل الصراع قائم بين السنة والشيعة على نوع نظام الحكم؟ ام على صالح المواطن والحرص على حياته وحرية تفكيره ورفع الضرائب عنه وجعل المال العام بيد سلطة مدنية مستقلة لا علاقة لها بالانتماءات الدينية؟ ان واقع الامر عقيدة غريبة لا سنية ولا شيعية، تمثلت في جعل المجتمع العراقي مليشيات مسلحة انعدمت فيها الخدمات وتسببت في انهيار الأمن الشخصي للمواطن، تخلفت فيه البنية التحتية فلم يعد الدين الطائفي وحده عائقاً لتخلف المجتمع العراقي، انما عسكرة الطائفية وحماية النخبة والانفاق على مؤسساتها المسلحة كي تحمي صرح الرجعية والظلم الى اطول مدى ممكن. ان الشرق المسلم في دولة كالعراق ليس لديه اي مبررات منطقية لقبول الطائفية او اي نهج مباشر او غير مباشر للتبعية وليس لديه اي مبررات لقبول القائد الديني وتمكينه رغم جهله من التسلط والهيمنة على جعل الدولة دينية الإتجاه بما يؤهل الدين في مواجهة الحداثة، فالتغريب في العراق، هي ان الفكر الديني صار واجهة للتخلف والمصالح الشخصية وللميول الطائفية وابتعد شكل الدولة عن التطور والحضارة وتراجعت قوانينها الوضعية فصار الاصل في نظام الحكم الديني، اننا في مجتمع وإدارة تتخبط في الوهم، مجتمع فوضوي، ضائع، مقطع الاوصال، يعيش على ثقافة الخوف والإحباط، بمؤسسة دينية لا حكومة وطنية، تسترخص ثمن المواطن تدور به في رحى الاحداث الطائفية في ايام وسنين تكرس عمره المرير المعتم بأوجاع الشقاء، فلا انتماء ولا هوية، ذلك ان علاقة الاسلام بالدولة العراقية شكل تاريخي فقد بريقه، وعلاقة المسلم العراقي بنظام النخبة فقد انتمائه وعاش انفصاماً لا في المحتوى فحسب بل في البحث عن دولة كان اسمها العراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24