الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رمضان، محطّة مُهمّة للتمرُّدِ على عِبادَة الشّهوات والرّغبات.

ازهر عبدالله طوالبه

2022 / 4 / 3
المجتمع المدني


ثمّةَ دُفعة حيويّة -مُخيفة- تُسيطر على النَّفس، يُسمّيها عُلماء التّحليل النفسيّ ب "طاقة الليبيدو"*، تُضعِف الإنسانَ وتجّعلهُ كغصن يذّبل ؛ بسببِ ما صنعهُ لنفسهِ مِن شذوذ، حين آمن بالاستهلاكيّة وكُلّ ما هو صناعيّ، بدلًا مِن طبيعيتهِ وحيويّته التي يتنعَّم بها مِن كُلّ مواردِ الطبيعة المُسخرة لهُ ؛ لديمومتهِ . فاستمرار هذه الطّاقة، يعني أنّ هناكَ ثمّة حالة من الإضطِراب ستُصيب الإنسان، وستُحكِم قبضتها على الجسَد والرّوح، وما مِن شيءٍ يُحرِّر الإنسان مِن جحيمِ هذه الطّاقة ؛ سوى الصّوم . فالصّوم، زيادةً على أنَّه عبادة فرديّة، يتقرّب بها العبد لربهِ، ويتخلَّص مِن خلالها مِن الأكوام المُتصبِّرة فوقَ قلبهِ، فإنّهُ يأتي لمواجَهة هذا الإضطراب، ويضَع حدًّا لجبروتهِ الذي تعجَز الحضارة الاستهلاكيّة، بكُلّ مُنتجيها ومُنتجاتها، عن إيقافهِ، وردعهِ عن التقدُّم.

وعليه، ‏وفي سبيلِ التصدّي لُكلّ ما يُحاول أن يُرزِحني تحتَ وطاة "الشهوانيّة والاستهلاكيّة والماديّة"، فإنّني دائمًا ما أُردِّد على نفسي، كلّما أرادَت "الرّغبات" أن تتملَّكني، أو حتى أن تفرض قيودها عليّ، التي هي أصلًا تجّعلني عبدًا لها، على عكس ما تظُن نفسيَ المُتضخِّة، التي تعتَبر قيامها بكُلّ ما ترَغب، هو أساس الحُريّة، بل هو "مُطلَق الحُريّة"، فكرةً مفادها:
‏أنّهُ كلّما كنتُ قادِرًا على التفلُّت/الهُروب من هذه الرّغبات، كنتُ أكثرَ حُريّة، وكنتُ أكثرَ إدراكًا لمفهوميّ "الحُريّة" و "العُبوديّة" . ودونما أيّ شَك، فإنَّ إدراك هذين المفهومين، يجعلني صلبًا وقويًّا، من حيث عدم الإنصياع والرّضوخ للنّفسِ وما تحملهُ مِن رغباتٍ وأهواء.

إنَّ فِكرة الإنصياع للشهوانيّة، وتلبيَة كُلّ ما تشتهيه النَّفس، هي فكرةٌ لا تجعل الإنسان حُرًّا كما يظُن، على الإطلاق، بل هي فكرةٌ تؤدّي غرضًا عكسيًّا لما يظُن ؛ إذ أنّها تجعلهُ سجينًا في سجنٍ شيَّدهُ بنفسهِ، وفرضَ على نفسه فيه، أن يكون السجّان والسجين في آن واحد.

فلذا، أقول لنفسيَ، ومِن ثمّ لكُم:
توقّفوا عَن صُنعِ أدوات العبوديّة بأيديكُم، تجاهلوا كُلّ تقليدٍ يُضعِف روحانيّتكم، واغسِلوا قلوبَكم مِن كُلّ فكرٍ أو موعِظة تُشظّيكُم، وتجّعلكُم داخلَ غُرفةٍ مُظلِمة، تنتَظِرونَ فيها مصيركُم الذي أخبركُم بهِ لسان رجل دينٍ لا يعرِف مِن الدّين إلّا ما يُستدار على الرأس مِن قِماش.. كونوا مَع الله، مَع الله فقَط، فالله هو النّعمة الوحيدة في حياتنا . كونوا مَع الله، ودعوا كُلّ من يعتلونَ المِنابِر، وهُم ليسوا أهلًا لها، يخرِّفونَ بما شاؤوا، فهُم ليسوا بأوصياء عليكُم، ولا بحرّاس لا لله ولا لدينهِ، ولا حتى بوكلاء الله على الأرض.

صوموا شهركم، وتعبّدوا فيه بأيِّ طريقةٍ تُناسبكُم، خاطبوا الله كما تُحبّون، وقِفوا بينَ يديه وتجرّدوا مِن ماديّاتِ الحياة كُلّها، وقولوا لهُ "نُخطئ يا الله ونرتَكب الذّنبَ تلوَ الذّنب، لكنّنا نُحبّك، ونُحبّك حبًّا تنفَذ أمامهُ كلّ مياه البِحار"..
صوموا شهركم، وصلّوا صلواتكم، و"تجاهلوا كُلّ جِدالات الفكِر، ومسألة الصّوأب والخطأ، ودوسوا على كُلّ ما يُحاول أن يحرِمكُم أو يُعيق أرواحكُم مِن الإرتقاءِ والعُلو."

*الاحتياج للتكيف مع المجتمع والسيطرة على الرغبة الجنسية التي تؤدي إلى التوتر والاضطراب لدى الفرد، ما يدفع إلى استخدام دفاعات الأنا لتبديد الطاقة النفسية لهذه الاحتياجات غير الملباة واللاواعية في الغالب إلى أشكال أخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يصف قرار اعتقاله بالفضيحة وتشريع أمريكي يهدد المحكمة


.. الأونروا تغلق مجمع مكاتبها في القدس بعد إضرام إسرائيليين الن




.. نزوح جديد في رفح وأطفال يتظاهرون للمطالبة بحقهم في التعليم


.. الأونروا تنشر فيديو لمحاولة إحراق مكاتبها بالقدس.. وتعلن إغل




.. د. هيثم رئيس بعثة المجلس الدولي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة