الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصور الفكرية في ميزان العقل

محمد رياض اسماعيل
باحث

(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)

2022 / 4 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يواجه الانسان المشاكل منذ نعومة اضافره، من أيام الطفولة والصبا، في محاولة منه لفهم ما يحيط به، والقواعد التي تسير وفقها نمط الحياة من حوله، وتبرز المشكلة جلية في المدرسة، حين يواجه القراءة والحساب ويجد الصعوبة في الفهم والاستيعاب. ثم تبدأ عنده سلسلة صعاب يتمرس فيها على ثقافة المشاكل وتنوعها خلال مسيرة الحياة، وكلما ظهرت مشكلة في المسيرة تعقدت حياته. فهل من الممكن وجود حياة بلا مشاكل! هناك اناس تستصعب حل المشاكل والبعض منهم يرى الحل مستحيلاً، اعتمادا على مقدار ثقته بنفسه. وكثير من المشاكل تظهر لنا بسبب العصبية وعدم الرضا والضغط والتوتر.. نحن بشر رغم اختلاف الواننا ولغاتنا واشكالنا وادياننا، وإنما وعينا هي مسالة تتعلق بالآخرين وليست حصرية بنا، فمثلا هناك مشاكل تأتي من تناقض بين ربك ورب الاخرين افرزتها المعتقدات، لقد كانت الأرض تحتضن الحضارات البشرية كالأم التي تحتضن اطفالها، ولكن تَصارعْ الانسان عليها، أدت الى سفك الدماء..
كما ان الانسان خلال مسيرة حياته يُكَون صور فكرية عن نفسه وعلاقاته مع الاخرين، ان خلق الصور الفكرية ضرورية لصقل الشخصية ضمن متطلبات توفير الامن والأمان. ففي الوقت الذي تعينه تلك الصور على معرفة نفسه وافراد عائلته وأصدقائه وجغرافية بيئته وانماط العلاقات وغيرها، تقسم تلك الصور شخصيته وتصقلها خارج معايير الصفات الإنسانية، كالتقسيم الوطني، التقسيم الاقتصادي، تقسيم الأفكار، التقسيم الديني وغيرها، يمتلك الدماغ كل هذه الصور الفكرية التثقيفية. عندما يكون لديك صورة فكرية واحدة عن شيء ما فإنها تمنحك الأمان، وتثبُتْ في الذاكرة بصورة شبه دائمة، لتركن في ظله الى الأمن والطمأنينة طوال الحياة. إذا ولدت في العراق، على سبيل المثال، بظروفه وانقساماته (العرقية، الدينية، المعتقدات، والثقافة الوطنية ...)، ستعيش مع تلك الصور طالما توجد هذه الانقسامات ماثلة امامك. التحرر من الصور هي الحرية بحق، الحرية الحقيقية الخالصة، لكنه صعب المنال للغاية. البشر في مختلف ارجاء البسيطة متشابهون في الصفات الإنسانية من حب وكراهية ورحمة وغيرة وحنان والعواطف، الا انهم مختلفون في الصور الفكرية، أي الشخصية التي يصقلها المحيط البيئي في الفرد، وهي التي تخلق الانقسامات، التي هي شرارة كل جرائم التاريخ البشري والتباغض الاجتماعي والفرقة بين الملل والشعوب. فهل من الممكن إيقاف (او عدم تسجيل) الصور الفكرية في ذاكرة العقل؟ اي ان لا يكون في العقل ذاكرة (سجل استشارات) عن المشجعات والمحبطات لتستقي منها البيانات اللازمة لصنع القرارات خلال مسيرتك الحياتية! فعلى سبيل المثال إذا شتم أحدهم دينك، ستاتي رد فعلك وفق ما تخزنه من صورة فكرية عن الدين في ذاكرتك، وتحس بان هناك هجوما على تلك الصور التي تكتنزها، وبالتالي تحبط اعتباراتك الشخصية (وليس الإنسانية) فتأتي رد فعلك سريعا، بهجوم مقابل قد تفضي الى شجار وقتل! ونفس الشيء يقال إذا أشاد بك أحدهم او امتدحك في احدى صفاتك الشخصية، فسيأتي على رد فعل حميد وتودد تجاه ذلك الشخص. إذا محوت (افتراضاً) تسجيل الصور الفكرية، سوف لن تتعرف على محيطك من البشر، وتفقد طريقك الى البيت.. نعم بالإمكان عدم تسجيل بعض الصور النفسية واقتصارها على الامور المهمة جداً، ولكن حين ترغب ان تكون مهندساً كهربائياً مثلا، وجب عليك ان تسجل في ذاكرتك علوم الرياضيات والفيزياء والمعادن والإدارة الهندسية والكيمياء والحاسبات بالإضافة الى العلوم الكهربائية، كي تصبح مهندساً. كذلك هي التكامل في تسجيل الصور الفكرية عموما.. الاقتصار على المفيد هو المرجو اساسا في علاقاتنا، ولكن انتقاء تسجيل الصور الفكرية تؤثر على عملية التكامل.
الذكريات تخزن في العقل، فحين تتزوج فإنك تتذكر التاريخ والمناسبة التي سجلت بها ذلك الحدث طول حياتك. اذن من الصعب التحرر من تسجيل الصور الفكرية. نواجه في هذه الحياة، الكثير من المشاكل والاحزان والافراح والرغبة والسعادة والتعاسة، ونخزن الكثير من الصور الفكرية عنها. نحن نحب اشياء معينة، نحب الناس، نحب امتنا، نحب البساتين، نحب الاكل الكثير، فما هو الحب؟ الحب ليست فكرة، حب الله هو فكرة، كذلك حب الجامع والكنيسة والرموز مثل العَلَم، الذي هو رمز البلاد، حيث تقاتل من اجله، وتنافس به الامم الأخرى، ويتكون في عقولنا صورة فكرية للرمز، وبما أنك خلقت هذا الرمز، فإنك ستحبه، لان الذهن خلقت صورة فكرية جميلة بخصوصه. ان خوارزمية البقاء في عقل الانسان (في الذاكرة الخلقية للإنسان منذ ولادته)، يدفع سلوكه باتجاه تنفيذ كل ما يصدر من قرارات العقل، تلك القرارات التي جاءت على خلفية الصور الفكرية المخزونة في الذاكرة، وجاءت الصور الفكرية من احداث معقدة جعلت حلولها يشعره بالأمان والطمأنينة والسعادة والاحتواء، فأصبحت راسخة في الذاكرة. ليست وظيفة العقل التمييز بين النور والظلام او بين الصح والخطأ او بين الخير والشر، بل وظيفته تنفيذ كل ما يصدر من عقل الانسان (الذي يحمله جسمه)، حرفيا وبدقة والدفاع عن صاحبه ظالما او مظلوما، أي ليست وظيفته افراز الحق عن الباطل، بل كيف يجعل صاحبه ان ينجوا ويركن الى بر الأمان والطمأنينة، مهما كانت الوسائل، وتبدع في إيجاد الوسائل من خلال المخزون التكاملي المسجل في ذاكرته. مثل الام التي تدافع وتبرر لابنها الشقي الذي اعتدى على ابن جارتها وتسبب في فشخ راسه! انها تتصرف وفق صورها الفكرية التي تأتي لها بالأمن والسعادة والاحتواء وبحسب متعلقاتها الشخصية. وهناك سراق يحلفون ببراءتهم من جرائم سرقة ارتكبوها بتبريرات مفبركة من العقل، أي القرار المستمد من مخزون الصور الفكرية المسجلة في ذاكرة العقل خلال مسيرة حياته. وكلما زادت كمية تلك الصور الفكرية، كلما كان تبريره موهما للآخرين وأكثر قبولا.
تهيمن الرغبة والحب والوعي ومشاعر السعادة على انتقاء الحكم من بين الكم الهائل للصور الفكرية المسجلة في الذاكرة (البيانات)، وحيث يوجد الحب هناك الخوف، الحسد، الغيرة ايضا..... وسوف اتطرق لكل ذلك مستقبلا، وأود الإشارة الى انني امضي في كتاباتي على أساس القاعدة التي تقول" العبرة للمقاصد والمعاني وليس للألفاظ والمباني".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيسة وزراء إيطاليا في ليبيا لبحث التعاون المشترك بين البلدي


.. العراق.. زفاف بلوغر بالقصر العباسي التراثي يثير استفزاز البع




.. المخاوف تتزايد في رفح من عملية برية إسرائيلية مع نزوح جديد ل


.. الجيش الإسرائيلي يعلن أنه شن غارات على أهداف لحزب الله في 6




.. إنشاء خمسة أرصفة بحرية في العراق لاستقبال السفن التجارية الخ