الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنسان في الفلسفة الوجودية

احمد زكرد

2022 / 4 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الفلسفة منذبدايتها هي حضور دائم للتساؤل  حيال كنهالوجود، بحثا عن أسبابه  وغاياته على نحونقدي ،  ومن أهم ما أرهق الفلاسفة  في عملية البحث هاته؛ هو بلا شك البحث عن الذاتالانسانية  و الجواب عن سؤال ما الإنسان ؟       كل واحد منا كان يوما ما طفلا صغيرا لا يعرفالكثير عن ذاته، عن جسده، عن العالم وعن الآخرين، هذا الذي بدأ ينمو وينضج داخلمؤسسات اجتماعية وثقافية، تعلم، بكى، فرح ... كجميع الاطفال، صدرت عنه سلوكاتحركية، ذهنية، وانفعالية. دخل في علاقات مع محيطه بدءا من أبويه وإخوانه وعائلته...مرورا بالحي و المدرسة وباقي المؤسسات الأخرى.   طفلنا  هذا وهو أي طفل يسكن فينا،لم يفكر يوما في ذاته، و في لحظة ما من لحظات طفولته الجميلة يحقق مسألة أساسية فيحياته، هي الوعي بذاته و بالعالم الذي يعيش فيه، هنا سيضع وجوده موضع تساؤل ومساءلة، ويبحث في ذاته عن ذاته.  هذا الشعورالفجائي  يجعله ينتقل من كونه كائن إلىكونه شخص يملك مجموعة من السمات التي تميزه عن باقي الموجودات الاخرى.  أمام هذا التعدد و التعقيد يجعل أمر تقديمتعريف جامع مانع للإنسان أمر صعب جدا، لأنه صيرورة أو حركة دائمة نحو المطلق. لذاظل سؤال ما الانسان؟ هو الأول والأساس في الفلسفة، فمعرفة الإنسان  هي نقطة ارتكاز وأسمى غاية في مختلف الفلسفات منذ الإغريق ، بدءا من المدرسة  السفسطائية ( بروتاغوراس )التي اعتبر أن: الإنسانهو معيار كل الأشياء" . ثم سقراط  في دعوته للإنسان : أيهاالإنسان اعرف نفسك بنفسك "؛ هنا كانت البوادر الاولى للاهتمام بالإنسان .وسنشهد هذا بأكثر جرأة  في عصر النهضة فيما يسمي بالحركة الانسية  الذي أعادتالاعتبار للإنسان  بعدما غيب إبان القرونالوسطى تحت سيطرة الكنيسة . وقد أجمع مؤرخو الفلسفة على أن اللحظة الأساسية للبحث في (الذات/  الأنا) لم تبدأ إلا في الفلسفة الحديثة معالخطاب الديكارتي الذي رسم صورة للإنسان يلخصها قوله " أي شيء أنا إذن؟ أنا شيءمفكر . وما الشيء المفكر؟ إنه شيء يشك، ويفهم، ويتصور، ويثبت، وينفي، ويريد، ويتخيل،ويحس أيضا" لقد أصبح الإنسان في الفلسفة الديكارتية ذاتا مفكرة، هو الذي يضفيصفة الوجود على الأشياء ، فلا معنى للعالم بدون وجود الذات الواعية التي تدرك قوانينه..ولخص هذا في عبارة الكوجيطو : أنا أفكر إذن أنا موجود ".  اذا كانت لحظة ديكارت قد شكلت  منعطفا في مسيرة الفلسفة الانسانية ، فإن  الفلسفة المعاصر خصوصا الوجودية  لن تقتنع بما قدمته الفلسفة الحديثة  وما قبلها حول الإنسان ، إذ تعتبر أنه هو أكبر من كونه مجرد وعي، وسترفض أسبقية الوعي عن الوجود  التي قال بها ديكارت ، بل تعتبر ان الوجود سابقعن الوعي أو عن الماهية ؛  حيث أن الكائنيوجد  ( ينبثق) في هذا العالم ويجد نفسهمحاصر بمجموعة من المحددات الثقافية و السياسية و الاجتماعية و الطبيعية...  التي تجعله ضمن وضع بشري  محاصر باليأسو اللامعنى والموت والقلق... يأخذ هذه الأشياء جميعها على عاتقه. فليس من باب الصدفةأن يتحدث مفكرو اليوم بأكثر طواعية عن الشرط الإنساني ( الوضع البشري) منه عن طبيعةالإنسان. وهم يفهمون الشرط بقليل أو كثير من الوضوح على أنه مجموع المحددات الماقبليةالتي ترسم وضعية  الإنسان الأساسية في الكون.إن حدود ( الوضع البشري)  ليست ذاتية ولا موضوعية،هي بالأحرى ذات وجهين، وجه موضوعي ووجه ذاتي، إنها موضوعية لأنها تعترض الإنسان فيكل مكان وهي قابلة للتعرف أينما كانت ، وهي ذاتية لأنها معاشة، وهي لا تمثل شيئا إذالم يعشها الإنسان. أي إذا لم يتعين بحرية في وجوده من خلال علاقته بها.  ولهذا جاءت الفلسفة الوجودية لتعبر عن الهموم الأنطولوجية والروحية للوجود الإنساني، و تساعده  على فهم وضعه البشري ، بغيةامتلاك القدرة على الثورة عليه ، وبالتالي يصبح قادر  على تكوين ذاته  ومحدد معنى لحياته ، هذا ما جعل الفلسفةالمعاصرة فلسفة تحاول أن تجعل حياة الإنسان ممكنة، لأنها تتضمن مقولات ترتبط بالوجودالعيني للإنسان، وبها قد يستطيع أن يحقق التزاما في نمط عيشه ويرمي بنفسه في أحضانالمستقبل باعتباره مشروع يتعالى أو يتجاوز كل شروط وجوده ، ويختار لنفسه ما يحقق لهإنسانيته في صورتها الخالصة.  تتجلى قيمة تصور الفلسفة الوجودية  للإنسان في محاولتها لإخراجه من الفضاء الضيق الذييحكمه الخمول و التسليم ، فلا حقيقة للإنسان إلا في ما يشرع في العمل فيه، ويقر سارتر هذا بقوله: "ليس الإنسان شيئا آخر غير مشروعه، لا شيء آخر سوى مجموعة أفعاله ولا شيء آخرسوى حياته".  إذن فالوجودية التي يقدمهاسارتر هي الفلسفة الأكثر تفاؤلا بما انها  تعتبر أن مصير الإنسان موكول إليه هو ذاته ( تحمل مسؤولية ذاته)، وهي ليست محاولةلإحباط الإنسان عن الفعل، وبما أنها أيضا تعلن بأن الإنسان لا آمال له إلا في فعلهوأن الشيء الذي يسمح له بالحياة هو الفعل. وعلى المستوى الأخلاقي، يرى سارتر بأن الإنسانيختار أخلاقه بنفسه ويبتكرها. إذ أنه يصنع نفسه باختياره لأخلاقه وإذا كان هذا يدلعلى شيء فهو يدل على حرية الإنسان، وبهذا المعنى يصبح الإنسان عند سارتر هو المشرعلقوانينه الأخلاقية ولكل القيم التي ترتبط بحياة الإنسانية جمعاء .هكذا   فالإنسان صعب التحديد ، لكن نقول أنه يتحددكحرية متعينة في الحاضر و كوجود يستند إلى ذاته ؛ و بالتالي فالإنسان حرية تُحققنفسها داخل الشرط الإنساني .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صنّاع الشهرة - تعرف إلى أدوات الذكاء الاصطناعي المفيدة والمج


.. ماذا وراء المطالب بإلغاء نحر الأضاحي في المغرب؟




.. ما سرّ التحركات الأمريكية المكثفة في ليبيا؟ • فرانس 24


.. تونس: ما الذي تـُـعدّ له جبهة الخلاص المعارضة للرئاسيات؟




.. إيطاليا: لماذا تـُـلاحقُ حكومة ميلوني قضائيا بسبب تونس؟