الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعض عوامل تقدم المجتمع الإنساني

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2022 / 4 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


فيما يلي بعض العناصر الإيجابية التي إن توافرت في المجتمعات الإنسانية ساعدتها على التقدم:
1- المرونة بما يسمح بالاستجابة للمستجدات التي تفرضها ظروف داخلية كرغبة بعض القوى في التجديد والإصلاح أو خارجية؛ مثل التفاعل مع المجتمعات الأخرى، أو بعض التغييرات في السياسة الدولية أو الاقتصاد العالمى.
والمجتمع الفاعل يجب أن يستجيب لهذه التغيرات من أجل تحقيق أهداف المجتمع، أو تقليص السلبيات التي يمكن أن يتعرض لها المجتمع، ثم العودة إلى تحسين آثار هذه السلبيات، والعمل على التعامل معها على أساس كونها من الأمر الواقع، أو تحويلها إلى إيجابيات. وإن اقتصر الأمر على مجرد التصدى للسلبيات والعمل على تلافى تداعياتها لأقصى حد، فإن هذا يكون نوعًا من الإيجابية.
وحتى في حالة فشل المجتمع في التصدى لهذه التحديات الخارجية والتراجع تحت وطأتها، فإنه يستسلم مرحليًا، ويوجه بعد ذلك قدرته من أجل التصدى لهذه التحديات. ويمثل الغزو العسكرى أبرز نموذج لهذه التحديات، ولكن المجتمع الإيجابى بعد السقوط تحت وطأة الغزو — أو التحدى الخارجي عمومًا — يلجأ المجتمع إلى حشد جهوده، وقوته لدفع هذا التحدى؛ فيما يمكن أن نسميه "مجتمع المقاومة". وبطبيعة الحال، فإن مجتمعًا كهذا لابد له وفى النهاية أن يحقق الانتصار الكامل أو الجزئى على هذا التحدى. وما بين الفشل أو النجاح في المقاومة وما بين تحقيق الانتصار الكلى أو الجزئى على التحدى تتراوح المجتمعات في إيجابيتها.
2- إطلاق الحريات الفردية: الفرد حر يفعل ما يشاء من السلوكيات والتصرفات في المجتمع من دون الأضرار بالآخرين أو الحد من حرياتهم أو الاعتداء عليها. هكذا هو فكر المجتمع الإيجابى تجاه مسألة الحرية الشخصية. ولما كان المجتمع يعبر عن رغبات أفراده/ فإن هؤلاء الأفراد لا يتبنون الهدام من الأفكار التي تؤثر بالسلب على تطور هذا المجتمع؛ فالعلاقة متبادلة بين المجتمع كمنظومة من العلاقات، والقيم والمعايير وبين الفرد كدافع لهذه المنظومة، ومستفيد منها، ومطور لها وتسمح هذه السمة بإطلاق حرية الفكر الأمر الذى يعود بالإيجاب على كل من الفرد والمجتمع ويؤدى إلى غزارة الأفكار الراغبة في تطوير المجتمع مما يوفر بدائل متنوعة للمشروع التطويرى الذى يتبناه أي مجتمع سوى في العالم.
3- المشاركة الاجتماعية: تنبع هذه السمة من إطلاق الحريات الفردية؛ حيث أن المجتمع الحر ينبغى أن يسمح لأفراده بالمشاركة في صياغة توجهاته سواء السياسية والاقتصادية، وكذلك على المستوى الأخلاقى والاجتماعى.
4- الاعتماد على المؤسسات: لما كان المجتمع حرًا يشجع صور المشاركة الاجتماعية، فإن هذه الحرية ينبغى أن تؤدى إلى بناء مؤسسات، من أجل مراقبة سلوكيات الفئة القائدة في المجتمع والتى أتت بناء على رغبة الأفراد من أجل تحقيق الطموحات الفردية والاجتماعية.
وتختلف هذه المؤسسات حسب النظام السياسى والاقتصادى الذى يتبناه المجتمع، وإن كان في الغالب نظامًا ديمقراطيًا على المستوى السياسى، ومفتوحًا حرًا على المستوى الاقتصادى، إلا أن النماذج المختلفة تؤكد عدم ضرورية أن يكون الاقتصاد حرًا أو النظام ديمقراطيًا كي يستمر المجتمع في الحياة. ومن أمثلة ذلك ملكيات العصور القديمة التي استطاعت تأسيس حضارات؛ لم تستطع الحضارة الإنسانية الحالية تأسيس مثلها، إذا ما أخذنا في الاعتبار حجم الإنجاز قياسًا على التقدم الإنساني العام، وتكون هذه المؤسسات حاملة للمعايير والقيم والمبادئ التي وضعها المجتمع، وحامية لها باستخدام عدد من الأطر والقواعد التي يضعها الأفراد.
5- النضج: يتسم هذا المجتمع بالنضج وهو ما يمثل في تنازل بعض أفراد المجتمع عن رغباتهم جزئيًا في حالة تعارضها مع التيار العام السائد في المجتمع أو تعديلها بحيث تتلائم مع الحاجات والأهداف العامة للمجتمع إلا أن هذا لا يعنى إلغاء ذاتية الأفراد حيث يتمثل النضج في ناحية أخرى وهى تعطيل "بعض" الأهداف العامة لمصلحة الأفراد والنقاش بين المؤسسات وبين الأفراد من أجل الوصول لصيغة مشتركة تؤدى إلى الصالحين العام والخاص.
6- التقدم العلمى والتكنولوجى: ينبغى لكل مجتمع يسعى إلى النمو والاستمرار الفاعل في المجتمع الإنساني الكبيران يكون على قدر كبير من التقدم في المجالات العلمية والتكنولوجية من أجل الوصول إلى المزيد من الوسائل التي تعمل على تحقيق كل أهدافه بصورة أسرع، إلى جانب إيجاد أهداف جديدة؛ تضمن المزيد من التطور الإيجابى للمجتمع، وتصنع بدورها أفقًا من التقدم ينبغى الوصول إليه لتحقيق هذه الأهداف الجديدة؛ أي أن التقدم يقود إلى التقدم، ويكون المجتمع في هذا مرنًا يتقبل كل إبداع جديد، ويعمل على الاستفادة منه في تطوير واقع حياة الأفراد والمجتمع عمومًا.
7- التطور الثقافى والفكرى: يبلغ المجتمع الإيجابى في النمو قدرًا من الرقى يتيح له إنتاج منجزه الثقافى والفكرى العام الذى يحمل صبغة هذه المجتمع، ويُعَدّ إضافة متميزة للإنجاز البشرى العام.
ويأتي هذا التطور الثقافى والفكرى في مختلف فروع المعرفة والفن والفكر؛ بحيث لا يقتصر الإنجاز على جانب دون الآخر، ويعلى هذا المجتمع من قيمة الإنجاز الثقافى في حد ذاتها دون النظر — في الغالب — إلى المردود المادى منها.
ومن أبرز النماذج على هذا التقدم الشامل الحضارة الفرعونية التي لم تترك مجالاً من مجالات الفكر والثقافة والآداب بل والفلسفة دون أن تضع فيه بصمتها. ويعبر هذا المنجز عن خصوصية المجتمع/ ويبلغ من فرط رقيه أن يجمع بين الخصائص المميزة لهذا المجتمع، والسمات الإنسانية العامة؛ فيخرج من إطار المحلية إلى العالمية. ويضيف هذا المنجز قوة إلى المجتمع، وفى الغالب نجده في المجتمعات التي بلغت رفاهية مادية عامة، أو لديها إشباع روحى عن طريق انتشار فكرة الدين فيها؛ فكل من الإشباع المادى والمعنوى منفردًا يبرز إبداع الفرد، ونرى أقصى الإبداع في المجتمعات التي يتوفر فيها هذان النوعان من الإشباع معًا.
8- حيازة منظومة أخلاقية: من الضرورى لكل مجتمع أن يحوز منظومة أخلاقية متكاملة من أجل أن ينطلق منها نحو التقدم والتطور وضرورى أن تكون هذه المنظومة على قدر كبير من المرونة من أجل أن تكون قادرة على مواكبة أي تطويرات يحتاجها المجتمع في مستقبله.
أيضًا من أوجه الإيجابية من امتلاك المجتمع لمنظومة أخلاقية متكاملة متماسكة أنها تسهم في التطور الفكرى والثقافى والعلمى، وتُعَدّ مرجعًا للمجتمع في حالة حصول تجاوز معين في أثناء عملية النمو الاجتماعى؛ بحيث لا يؤدى التفوق العلمى إلى غياب الأخلاقيات ومن ثم انهيار المجتمع عامة؛ فلا مجتمع متماسك من دون أخلاقيات متماسكة.
ويعتبر الدين أبرز المنظومات الأخلاقية التي يمكن للمجتمعات الإنسانية أن تحظى بها؛ وبخاصة الأديان السماوية؛ لأنها تقوم على التوحيد وفكرة الاله الواحد القادر، ورأينا في تاريخ المجتمع العربى كيف صنع الإسلام من عرب الجاهلية أصحاب دولة ونواة حضارة شملت أجناس مختلفة من غير العرب
وفي العموم، لا تؤدى الأخلاقيات إلى بناء المجتمعات بصورة مباشرة، ولكنها تساعد على ذلك وتحمى المجتمع من خطورة الانحراف والفساد والتحلل.
هذه هي أبرز السمات التي حالما توفرت في مجتمع بصورة أو بأخرى، كان هذا المجتمع عن طريق التقدم نحو النمو الإيجابى النموذجى. وفى هذا نشير إلى إمكانية وجود صفة من هذه الصفات في مجتمع ما، دون باقى الصفات، أو نجد بعضها بدرجات متفاوتة. وحسب هذا التواجد، كمًا وكيفًا، يمكننا أن نحدد موقع المجتمع وسط الرقى الاجتماعى، ولكن هذا لا يأتى عن طريق حساب رياضى لعدد الصفات، وحجم تواجدها، وإنما يقاس بالإنجاز العام للمجتمع في الحضارة الإنسانية، ومدى كفايته لحاجات سكانه وأفراده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون يعلن البدء ببناء ميناء مؤقت في غزة لإستقبال المساع


.. أم تعثر على جثة نجلها في مقبرة جماعية بمجمع ناصر | إذاعة بي




.. جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ


.. ما تأثير حراك طلاب الجامعات الأمريكية المناهض لحرب غزة؟ | بي




.. ريادة الأعمال مغامرة محسوبة | #جلستنا