الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لمسة الإبهام

بشير عثمان

2022 / 4 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


—-
الذين يحددون علاقة الاله بالبشر يتبعون تعاليم قديمة ، فكل ما نعرفه عنها اخبرنا عنه اشخاص سابقون ولدوا في بيئات اقل علم ومعرفة بالوجود المادي الذي نعرفه اليوم، كان خيالهم بسيط ومتواضع، بعد آلاف السنين من البداية بعض الالهة عمر طويلاً - مثل الاله زيوس - ثم مات ، وبعضها لا يزال حياً الى اليوم.
تصورنا للإله يختلف من مجتمع الى اخر، ومن حقبة الى اخرى.
اختلطت آلهة الاغريق بالبشر في علاقة اقل التباسا من بقية الالهات، فقد كانت تتألم ، تفرح، وتحزن ، تغضب، وتحب . استمتع الاغريق بتلك العلاقة وارتبطوا بها عاطفيا وليس فكرياً فقط، واستمتعنا بها ايضا ونحن نقرا الميثلوجيا الاغريقية، ومن لا يعرف افروديت وابولو وهيرا واثينا، ولم يستمتع؟!.

عندما كنت مراهقاً احببت "اثينا " بشكل خاص، كنت مولعا بنضالها ، اثينا - نقيضة ارتميس - الهة متعددة المهام، الحرب والحكمة، يقال ان الاغريق استولوا عليه من ثقافات ما قل هيلينية، واياً يكن فأثينا العذراء والتي لا يمكن السيطرة عليها من قبل إله اخر آسرة المخيلة للغاية. في ملحمة الالياذة والاوذيسة شاركت اثينا في القتال والتخطيط وجرحت افروديت ( معركة هيكتور وأخيل). افروديت كانت قد انتصرت لباريس وحبه، وبالمناسبة ايضا اهم الالهات العاطفية اليوم هي التي اخترعها الاغريق مثل افروديت، والتي انعكست لاحقا في المجتمعات الاخرى كالرومانية، الهة الاغريق العاطفية تعكس طبيعتنا البيلوجية الرومانسية والتي لاتزال بدورها تنعكس على حياتنا المعاصرة بمظاهر مختلفة ، اختلاط الالهة الاغريقية بالبشر نفعا فلسفيا واسعاً، ناهيك عن تدوين النشاط البشرى الذهني وتفكيره وخياله.

الإله في الهند يلعب دور الشافي من المرض، بالاضافة الى ادوار كثيرة متعددة بتعدد الالهات الهندية. الهنود اغنوا الحياة الدينية بالتعدد، فقد اخترعوا الهات خادمة لشرائح طبقية معينة وللمجتمع، الهات تصل الى مرتبة الحقيقة، وتحكي اصل العالم والنبات والحيوان. بعضها اجترحت مآثر ومغامرات تتصف بالنبالة والتضحية، وربما شاهدتم بعض الافلام الهندية التي تتعلق بذلك، في كل مكان تذهب اليه في الهند او وانت تتجول هناك سوف تسمع اسطورة هندية متداولة عن المكان. الإله الجميلة ساراسواتي ، آلهة المعرفة والموسيقى والفن والحكمة والطبيعة الاكثر حظوراً ، تمثل التدفق الحر للفن وللحكمة والوعي لدى الهنود الى اليوم، بوليود الهندية وذلك الشغف الموسيقي حضور للالهة المحبوبة ساراسوراتي.
الرقص والغناء في الهند اسلوب حياة لصناعة الفرح.

الهنود لم يكتفوا بذلك بل احترموا حياة كل الكائنات المحيطة بهم لتنتج ثقافتهم الدينية خليطا من الهات تتشكل بنصف حيوان ونصف بشر واحيانا حيوان كامل . تاثير الثقافة الزراعية المسالمة التي نشأت في الهند قبل 8000 - 9000 ( الزراعة نفسها تعود الى هذا التاريخ) انعكاس للثقافة الدينية. والمجتمع الهندي مثل بقية البشر فسر الوجود المادي بشكل اسطوري وخرافي .

الصينيون القدامى اعتنوا بفلسفة الاخلاق والتنظيم السياسي للمجتمع وقواعد السلوك والعلاقات الانسانية والفيزيائية المختلفة .
ترتدي سيدة جميلة رداء ابيض متدفق وقلادة جميلة، وفي يدها اليمنى جرة ماء ( احد الرموز البوذية الثمانية)، انها الالهة جوان يين، آلهة الرحمة واللطف والحب وهي بمثابة الام، البياض الذي ترتديه رمز النقاء والصفاء.
وفي تمثال اخر لمسة الابهام تشير إلى التدريس والحجة الفكرية والنقاش، فلمس الإبهام السبابة يكمل دائرة الفهم ، بينما تبقى الأصابع الأخرى ممدودة. ازدهرت الثقافة الدينية في الصين قبل 5000 عام قبل الميلاد، ورغم ظهور العديد من الاديان الا ان الكونفوشيوسية هيمنت على العقل الصيني، تركز العديد من تعاليم كونفوشيوس على أفضل طريقة لتنظيم المجتمع وتناغمه وعلى أساس الأسرة كوحدة أساسية للبناء. ووفقاً لذلك يجب أن تقوم العلاقات داخل الأسرة على احترام الابناء للاباء، مما يعني أن أفراد الأسرة الأصغر سناً يجب أن يحترموا ويكرموا ويطيعوا والديهم واقاربهم الأكبر سناً وكذا سلافهم ، وانعكست هذه الثقافة على الاحترام لكل المجتمع من الاسفل للاعلى. وهو ما يمكن اختصاره بالتعاليم الكنفوشية المكونة للتسلسل الهرمي ، او الفضائل الخمس التي يتمحور حولها الدين الصيني: " اللياقة، الحكمة، المعرفة، والجدارة بالثقة، والنزاهة" .
عادات مثل المأتم والعزاء وايام الافراح اتت الى ثقافتنا من الثقافة الدينية الصينية.
الصينيون القدماء آمنوا بالعديد من الالهات والكائنات السحرية وكذا الاشباح.
لكن الصين اغلقت نافذة الدين الى حد كبير واختارت ركوب قطار العلم السريع بالإضافة الى بعض الماضي الذي تتخلى عنه بالتدريج.

في الشرق الاوسط اهتم الكهان بحياة ما بعد الموت، واثمر هذا الاهتمام الموروث منذ الفراعنة اختراع الهه ميتافيزيقية قاسية، بجلوها وضخموها ثم قدسوها بتفاني منقطع النظير، الهة تتعطش للعنف والعقاب ونشر الامراض والاوبئة والاعاصير والفيضانات، تعكس بيئة الشرق الاوسط المناخية القاسية والتسلطية ، إله مثل "ياهو " في الثقافة اليهودية هو إله دموي مخيف (بوصف فرويد) ويعود اصل ياهو الى إله البراكين والعذاب عند المصريين القدامى.
الله في الثقافة البدوية هو اسم لاله جبار منتقم وشديد القسوة يعد لعبادة الجحيم الذي سوف يحرقهم فيه الى الأبد.

في النهاية وعينا القائم ماهو الا انعكاس ثقافي لما اخبرنا به السابقون عن طبيعة الالهات وليس اكثر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah