الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأخلاق: منطق التفاهة

داود السلمان

2022 / 4 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


التافه لا يرى ما يقوم به من عمل يخادع به الناس إنّه: تفاهة لا ترتقي للعمل السويّ، وللخلق الرفيع أيضًا، بل يعدَّ ذلك من باب الغلبة والانتصار على خصومه.
فالتفاهة، بمعنى آخر عمل يناقض المنطق السليم، أي يخل بالأخلاق والآداب العامة، لا يرتضيه العقل، مخالف لسنن المبادئ الحقة.
والتافهون موجودون في كلّ زمان ومكان، أي لا يخلو منهم زمان ولا مكان، يتصرفون كما يتصرّف البُلهاء، غير عابئين بما يجري من حولهم من قضايا: أخلاقية ومصيرية، سواء ما تتعلق بهم أو بغيرهم، لأنّ نظرتهم للحياة وللناس ليس لها معنى، بحكم تفاهتهم.
فالشخص التافه ليس له قيمة وسط المجتمعات، والتي تهتم بقضاياها المختلفة، وتؤمن بتطورها وتحافظ عليها من جميع المخاطر المحدقة بها، أو التي قد تضر بها بطريقة أو بأخرى، من الذين يتربصون بها، من اعداء وخصوم، كون الشخص التافه امرؤ غير مبالي، ينظر الى قضايا مجتمعه من وجهة نظر قاصرة، أي لا يمتلك بُعد نظر.
ومُمكن أن نعرّف التفاهة بأنها العمل الذي لا قيمة له، ولا فائدة ترجى منه، فهو عمل لا يخدم الناس، لأن قيمته معدومة، فالتفاهة، إذن، بمعنى آخر بلا محتوى لحقيقة نرتجي الركون اليها لتحقيق هدف، أو لأجلاء غموض، وما شاكل.
لذا تجد موقف التافهين متذبذب، وقراراتهم متفاوتة، ومشاعرهم مخادعة، لا يثبتون على قرارات معينة، بل حتى لا يعرفون كيف يفكرون، وإذا واجهتهم مخاطر لا يستطيعون كيفية الخلاص منها، بحيث يخرجون وهُم في أحسن حال، واتمّ وضع، لا يتأثرون بما جرى لهم، كونهم وجدوا لهم المخرج الصحيح، وتخلصوا من المأزق الذي يواجههم.
التافهون قد يكونون جهلة وسّذج، وقد يكونون مثقفين ومتعلمين، فالتفاهة، إذن، توجد بين الجهلة والمتعلمين، وليس للتعليم أن يحصنهم من داء الجهالة، لأن التفاهة هي نوع من المرض الوبيل، بل هي أشدّ من المرض، والسبب كون ثمة أمراض تُعالج بالمضادات الحيوية وبالحُقن إلى أن يشفى الشخص المريض، إلّا إن التفاهة لا يمكن أن تشفى حتى لو عالجناها بأنجع الأدوية، وبأشراف أمهر وأحذق الأطباء.
تظهر علامات التافه على محياه، وتبان من خلال تصرفاته ومواقفه، بحيث ترى شخصًا ساذجًا وغير مبال عما يجري من حوله بأحداث لها مساس بالأخلاق العامة والآداب، وهذا الشخص تراه كأنّ الأمر لا يمسه من قريب ولا من بعيد، فأعلم أنّ هذا الشخص هو قمة في التفاهة.
نعم، قد نستطيع أن نشفي الشخص المصاب بداء التفاهة، لكن بشروط، ولو أنّ هذه الشروط تكون صعبة وقاسية على المريض. ومن هذه الشروط هو أن يعطينا عهدًا بأن يغيّر جميع تصرفاته المتعود عليها. ومنها أيضًا أن لا يستعجل بإعطاء القرارات بصورة مستعجلة، بل عليه أن يتأنى ويصبر قليلا، وإذا وجد الفرصة سانحة بإعطاء رأيه فليفعل. ومنها أيضًا كذلك هو أن يتصف بحسن الأخلاق، فلا يتنصت على الناس ولا يهتم بالأمور التي لا تعنيه، وأن لا ينقل الحديث من شخص إلى آخر مهما كانت الأسباب، لأنه أن فعل ذلك فأنه سيصبح منافق، والمنافق لا يقل شأنا عن الشخص التافه.
هذه الأمور، وغيرها لو طبقها الشّخص التافه بحذافيرها، واقلع عن ماضيه القديم، بإصرار وتحدّ فنحن على يقين بأنه سيصبح إنسانًا سويّ.
تمرّ على كل إنسان مواقف صعبة وفي ذات الوقت تمرّ مواقف سهلة يسيرة، فالإنسان العاقل يتعامل مع تلك المواقف بحكمة عالية، فيقيس الأمور بعقله ولا يتسرّع بالحكم؛ وأما الإنسان التافه المستعجل المتسرّع، فيتخذ قراراته سريعًا، وربما بعصبية وبلامبالاة، فبدل أن يكسب خيرًا تكون وبالا عليه؛ وهذا هو الفرق بين الجاهل الأحمق التافه، وبين الإنسان العاقل السّويّ.
التافه يرى الأمور بصورة معكوسة، فيتأثر بتلك الصورة وفق رؤياه، على اعتبار أنّ تلك الصورة هي الحقيقة التي يراها هو نفسه، لا ما يراها الآخرين، فيحددّ موقفه منها على ذلك الاعتبار، بدون أن يحسب للواقع حساب، فتظهر تفاهته على علاتها، وتبان للناس.
أحياناً تجد التافه منشرح الأسارير، مطمئن البال خال الوفاض، لا يتأثر باعتبارات إنسانية يجدها تدور من حوله، كأنه يعيش في عالم آخر، عالم مثالي لا تشوبه أحزان ولا تكدرّ صفوه جذوة ألم عابرة، فهو ميت بجسد حيّ، تجسّدت فيهه كلّ معاني التفاهة.
وبعكم العقل أنّ لكلّ أحد لابد من علامة أو سمة يتسم لها، وهذه العلامة أو السّمة هي ما تميزه عن الآخرين، بحيث أن الناس يعرفونه بها منذ لحظة مجيئه وحضوره في مكان وزمان معيّنين. وعلامة وسّمة التافه، أنّه دائمًا يضحك ويكركرّ عن أبسط المواقف، حتى وإن كانت في غير محلها، أي حتى في المواقف الحزينة التي لا تدعو للضحك أو الاستهزاء، أو غير ذلك من المواقف، الحرجة وغير الحرجة، فتلك هي علامة وسمات التافه.
التافهون هُم من يعبث بمشاعر الآخرين، ويترفعون عنهم بمنطق تفاهتهم، ذلك لأنهم – أي التافهون – لا يعيرون أهميّة بما يقدم الاخرون من منجز فكري أو علمي أو أدبي أو فلسفي، ويعدّون هذه العلوم مضيعة للوقت، لأن موقف التافهين ازاء هذه العلوم موقف شك وريبة، فقط ما يفكرون هُم به، وما يعملونه يحسبونه هو العمل الصحيح، القائم على الواقع، المتبني لما يقوّم أود الحياة، معتبرين أنّ القضايا المادية المحسوسة، والتي تدرّ عليهم أموالاً هي من يجب أن نعير لها أهمية في واقعنا المعاش.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل