الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هوامش اجتماعية على احتلال العراق

محمد لفته محل

2022 / 4 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تمر الذكرى العشرين على احتلال العراق وفي الحلق غصة وفي الصدر حسرة وفي البال ذكريات مؤلمة ليس على الاحتلال فقط انما على ماجرى بعده من خراب شامل وفرص ضائعة كان يمكن استثمارها، خراب مابعد الاحتلال كان استكمالا او ربما اكثر وقعا وخرابا من الاحتلال نفسه. ويزيد الهم والغم ان الاحتلال كان نتيجة لخراب سابق وزاد عليه خراب لاحق.
سقوط النظام الصدامي كان كاشفاً لعودة المجتمع الى جماعاته الاولية (العشائرية او الطائفية او الدينية او القومية) لمواجهة اوضاعا غير طبيعية من غياب الشرعية السياسية واختلال العقد السياسي والأمن الغذائي والحكم العائلي للسلطة. ثم جاء الاحتلال وقام برعاية عقد سياسي جديد للدولة يمأسس هذه الانقسامات الجماعاتية (التي ظهرت نتيجة للاختلال!) لينقل المشكلة من المجتمع الى السلطة السياسية. وبذلك اصبحت السلطة هي الممثل لعلل المجتمع المنقسم على ذاته. اي جمع العصبيات ماقبل الدولة لتكوين دولة! ورغم ان هذه الانقسامات عززت التنابذ والصور النمطية السلبية واشعلت حرب اهلية طائفية، بالرغم من كل ذلك اُبرم الدستور على قوننة هذه الجماعات بدل جمعها في امة واحدة.
ان المشاهد الجماعية للسلب والنهب والحرق للمؤسسات العامة التي رافقت الايام الاولى للاحتلال وشاهدها العالم اجمع عبر البث الفضائي، اختزلت هذه المشاهد الخراب الاجتماعي العام بصورة مكثفة. بدءاً من اغتراب الفرد عن السلطة الى غياب الشرعية السياسية للنظام المومياء والذي لم تكن له سوى شرعية السلاح (الجيش، الحرس الجمهوري، فدائيو صدام، الاستخبارات والبعث الخ) الذي ابتلع الدولة وقاد هذا الابتلاع الى تساوي الدولة والسلطة لدى العراقيين مثل وجهان العملة، فعمل المواطن على تدميرهما معاً، وهذا عدم الفصل (بين السلطة والدولة) استمر حتى بعد تشكيل السلطة المنتخبة ليس بين افراد الشعب انما بين النخب السياسية ايضاً (من خلال سلوكهم وتفكيرهم).
وبغياب اي شرعية سياسية كانت شرعية الجماعة هي البديل الاساسي لها، يحمل الفرد السلاح دفاعاً عنها، وملزم اخلاقياً باتباع اوامرها، ويقدم انتمائها هوية اولية له.
ولان هذه الجماعات المتقوقعة تتفاوت بينها بالكم، اصبحت الجماعة الاكبر عدداً وسلاحاً هي الاقوى سياسياً واجتماعياً، تفرض واقع سياسي جديد بالاكراه (بعد الاحتلال) بفعل العنف فقط. اي ان ما ادعى الاحتلال تغييره يدور ويعود الى نقطة الصفر بنظام شرعيته الوحيدة هي قوة السلاح.
ان هذه الجماعات قديما وحديثا لم تقبل التنوع او التساوي في الاختلاف، انما سورت نفسها بنرجسية التفوق والصور النمطية السلبية عن الآخرين، ولها محاولات في احتواء او نبذ الآخرين كلما توفرت وسائل القوة لها. ولم ترضخ إلا بالتعايش بحكم الجوار الجغرافي فقط.
مشهد آخر يختزل الخراب وهو النخبة السياسية وهي تجيء مع المحتل على دبابته لتعلن يوم الاحتلال كيوم تحرير للعراق! ثم تتدافع على غرار الشعب لنهب املاك الدولة ومؤسساتها بالاستحواذ عليها وتقسيمها بين الاحزاب وتقاسم الوزارات كغنائم، والقيام بحل الجيش وتقوية الميليشيات الحزبية، وتقديم مصالح الدول المجاورة على مصالح وطنها وارتهان القرار السياسي العراقي لدول الجوار (ايران، تركيا، الخليج) نخب دينية قومية عشائرية لاتعتقد بالدولة القومية ولا بالديمقراطية ولا بالقانون المدني. نخب مثلت الانقسامات وبررتها ولم تمثل الأمة.
نخب سياسية تمتطي الدولة وتمتص دمها على غرار القمل، وتبقيها منقوصة الاركان وتتحكم بها خلف الكواليس لمجرد الحفاظ على الاعتراف الدولي الذي يديم بقائها. فالسلطة مجرد ديكور والنخبة المسلحة هم المخرج يملك سلطة الكواليس. دولة لاتحتكر العنف ولا القانون ولا الثروة الاقتصادية وحدودها مخترقة وقضائها مسيس، باختصار دولة بلا أمة.
لان للجماعة شرعية الدم والتاريخ وغياب اي شرعية سياسية لم يساهم الفرد في بناء الدولة بعد الاحتلال حتى بعد انتخابها، وبقي يتعامل معها باستغلال وفق المثل العامي "حجي كليب" يطالب بحقوق منها (تعيين، رواتب، خدمات اساسية) دون ان يكون ملزما اخلاقيا وعرفيا بأداء واجباته بحقها (البطالة المقنعة بالوظيفة، التهرب من فواتير الخدمات والضرائب، عدم احترام القانون) وهكذا كان يطالب من الاحتلال ان يبني بلده نيابة عن العراقي وعندما لم تتحقق هذه الامنيات راح يحمل المحتل مسؤولية الخراب مبرئا نفسه من اي مسؤولية!.
ورغم مسؤولية كل فرد بتدمير الدولة بنصيب ما، فإن كل مواطن تقريباً يشكو من الدولة سواء بالاعلام او المكان العام ويتهمها بالفساد والتقصير واللصوصية واحيانا ينكر وجودها "ماكو دولة" وهو يمارس الفساد والتقصير وانكار الدولة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا بعد موافقة حماس على -مقترح الهدنة-؟| المسائية


.. دبابات الجيش الإسرائيلي تحتشد على حدود رفح بانتظار أمر اقتحا




.. مقتل جنديين إسرائيليين بهجوم نفذه حزب الله بطائرة مسيرة


.. -ولادة بدون حمل-.. إعلان لطبيب نسائي يثير الجدل في مصر! • فر




.. استعدادات أمنية مشددة في مرسيليا -برا وجوا وبحرا- لاستقبال ا