الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التَّسميمُ بالأسماء

نجيب علي العطّار
طالب جامعي

(Najib Ali Al Attar)

2022 / 4 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كلُّ إنسانٍ يولدُ، بالضرورة، توأمًا لكيانٍ معنويٍ يَندرُ افتراقُه عنه؛ الإسم. ورغم أنّ الاسم قد يسبقُ المُسمّى، ويسبقُ مُوجبات وجودِه في بعض المجتمعات، لكنّ هذه التوأميّة تبدأ حين يولدُ الانسان ولادتَه الطَبَعيّة، والاسمُ المُناسب هو أوّل ما يُعطاه المولود. ومن المهمّ، في هذا المجال، دراسة العلاقة بين الحالة الاقتصاديّة للأهل المتديّنين وميلِهم الى تسميةِ أولادِهم بأسماء ذات بُعدٍ دينيّ، كنوعٍ من التفاؤلِ بمستقبلٍ كريمٍ لهذا المُسمَّى لمجرّد دينيّةِ اسمه، اذا جاز التعبير، أو كـ "اعتذار سلف" عن انجابِ/ ايجادِ طفلٍ قبل توفير شروط الحياة الكريمة له.

ليس الانسانُ وحدَهُ من يُسمَّى، فكلُّ موجودٍ إذا أُوجِدَ سُمّيَ، لكن الانسان هو الكائن الوحيد القادر على اطلاق الأسماء على المُسمّيات، لذلك يُمكننا تعريفُه، بالرسم الناقص بلغة المناطقة، بأنّه "الكائنُ المُسمّي". والاسمُ هو لفظٌ يدلُّ على تعريفٍ محدّدٍ لمُعرَّفٍ ما، نُشيرُ الى ماهيّتِه بـ "التعريف"، والى تعريفِه بـ "الاسم" الذي يُقلّصُ بدورِه الكمَّ المقول نسبةً الى الكمِّ المقصود. ولا بدَّ لقانون/ معيار "المُطابقة" أن يكون مَرعيًّا عند تعريفنا للأشياء بحيثُ تكونُ المصاديقُ شاهدةً على منطقيّةِ "التعريف" وأهليّتِه لأن يُؤخذ به.

التَّسميمُ، لغةً، هو جعلُ السُمّ في الطعام، وتسميمُ جوِّ النقاش، مثلًا، يعني تعكيرُه وافتعال المشاكل فيه. والتسميمُ بالأسماء هو اعطاؤها فاعليّةَ السُمِّيّة عبرَ إسقاطِها على غيرِ مُسمّياتِها، أي عبر تسمية التعريفات بغيرِ أسمائها الصحيحة، أو عبرَ إملاءِ تعريفاتٍ اختزاليّة وتشويهيّة للأنظمة الفكريّة/ الثقافيّة، أو الدينيّة/ الفلسفيّة، وتقديمِها لا بالصورةِ التي هي عليها وإنّما بالشكل الذي يُريدُه المُقدِّم/ المُعرِّف لها، لغرضِ التنميطِ والتصنيفِ واستثمارِهما في السيطرةِ من جهة، وتبرير ضرورة الصراع وبَداهَتِه من جهة أخرى. وتبرز خطورة هذا التسميم من خلال نتائجِه، شبه الحتميّة، التي تتفاوتُ في درجةِ الكارثيّة والتأثير التدميري للذات والآخر. فما هي آليّة هذا التسميم؟

تقديمًا للجواب سنُميّز بين نوعين من الصراع؛ تفاعُلي وإلغائي. الصراعُ التفاعُلي هو تنافس أصحاب الأفكار على الاقتراب من الحقيقة. ويُمكن أن نفسّرَه، بلغة النحويين، بأنّه صراعٌ على وزن "مُفاعَلَة"؛ أي يتطلّب وجود "آخرٍ" نتفاعلُ معه، وبالتالي لن يعملَ أحدُهما على الغاء الآخر وانّما يستفيدُ كلٌ من تجربةِ غيرِه بصورةٍ قد تكون تكامُليّة في بعض الأحيان. هذا الصراع يُسمّى اختلافًا تفاعُليًا ويكون طرفاه فاعِلَين ومُنفعلَين في الوقتِ نفسِه، على عكس الصراع الإلغائي الذي يُمكنُنا تعريفُه، بعد أن عرّفنا التفاعلي، بالقول؛ إنّه ضدُّ الصراع التفاعُلي، حيثُ يعمل كلُّ طرفٍ على الغاء الآخر، أو التحكّم به، دون اكتراثٍ للحقيقة التي غالبًا ما تكون الضحيّةَ الأكثرَ تضرُّرًا من هذا الصراع. فـ "الآخر" هنا لا يكون طرفًا نتفاعل معه وانّما مفعولًا به لفعل "ألغى"، فاعلُه ضميرٌ غائب تقديرُه "قائد"، ويكون "المَقودون" نوّابًا للفاعل. والعلاقةُ بين "توازن الرعب" وبين تبدّل حال الطَرَف من "الفعل" الى "الانفعال" هي علاقة عكسيّة. كما يُمكننا تقسيمُ الصراع الالغائي الى خامد ونَشِط؛ الخامد يبقى ضمن اطار الصراع الفكري الذي لم يتحوّل بعدُ الى صراعٍ عسكريٍ، أو يُمكننا القول بأنّه خامدٌ حتى اشعارٍ آخر، على عكس النَشِط الذي يُترجم مباشرةً من لغةِ الفكر الى لغة الاقتتال والصراع العسكري.

إنّ التسميم بالأسماء وسيلةٌ تظهر، وتتمظهر، في حالة الصراع الإلغائي وتغيبُ تمامًا عن مشهديّة الصراع التفاعُلي. ويتّخذُ الصراع الإلغائي اليوم اتّجاهين لا يتفاوتان كثيرًا في تأثيرِهما على مُستقبل السلام العالمي؛ اسلامي- اسلامي، اسلامي-لا اسلامي. وفي كلا الاتّجاهين يتمُّ، عبر التسميم بالاسماء، حصرُ خيارات المتلقّي لأفكار/ آراء الأطراف المتصارعة/ المُتلاغية في خيارَين لا ثالث لهما؛ إمّا "معنا" وإمّا "ضدّنا".

يتمُّ التسميم بالأسماء على مرحلتين متعاقبتين؛ التعريف ثم التصنيف. في حديثنا عن الصراع الالغائي القائم اليوم، يتمُّ تعريفُ الاسلام بتعريفٍ غير دقيق يعكس رغبة المُعرِّف في أن يكون الاسلام كما عرَّفه، ثم يبدأ بتصنيف الناس على أساس تعريفِه المغلوط.

في الصراع الاسلامي- الاسلامي يُشكّلُ تعريفُ "الايمان" و"الكفر" محورَ هذا الصراع، حيث يقوم كلُّ طرفٍ من الأطراف المُتلاغية بتعريف "الايمان"، عبر تحديد "أركانِه"، بتعريفاتٍ اختزاليّة/ تضيقيّة تجعل من الاختلاف في بعض القضايا مبرّرًا للـ "تكفير"، على أنّ التعريفُ القرآني للـ "ايمان" واسعٌ جدًا خلافًا لبعض تعريفات المُسلمين الضيّقة. وتعريفُ "الايمان" لا يعطي، بالضرورة، صورةً واضحةَ المعالم عن "الكفر"، لأنّه ليس كلُّ "لاايمان" كفرًا، فبعض القضايا، مثلًا، محايدة ايمانيًا اذا جاز التعبير. من هنا تبرز الحاجة الملحّة لوضع تعريفٍ جديدٍ لمفهومي الايمان والكفر وما يترتّب عليهما. فمن غير المقبول، قرآنيًا، ان يبقى "الكافرُ" طريدةً للـ "مسلمين"، و"المُرتدُّ" كائنًا خائفًا من قيام أحد المُسلمين باقامة "الحدّ" عليه.

أمّا في الصراع الاسلامي- اللااسلامي فإنّ تعريف "الاسلام" بالربط بينه وبين "الارهاب" أوتوماتيكيًا أدّى الى ظهور "الاسلاموفوبيا" بوصفِها عائقًا أمام تحقيق السلام العالمي. ونتيجةً لهذا صارت اسماء الناس تعريفًا لهم ومعيارًا لتصنيفهم على اساس "التعريف الغربي/ الأميركي الرسمي" للاسلام على أنّه من مترادفات "الارهاب". فلا بدّ ايضًا من وضع تعريفٍ منطقيٍّ وعلميٍّ لكلمة "ارهاب" يأخذُ بعين الاعتبار أن اطلاق وصف "إرهابي"، وربطَه بأديانٍ محدّدة، بشكلٍ عشوائي/ لامعياري، هو ضربٌ من ضروب الإرهاب أيضًا.

يقولُ نيتشه ما معناهُ؛ أن تُسمّي يعني أن تكون لكَ سلطة. فكيف اذا كانت السلطات هي من تقوم بالتسمية مُضيفةً بذلك سلطةً الى سلطتِها؟ إنّ وضعَ تعريفاتٍ واضحة، منطقيّة وحقيقيّة للافكار/ الأسماء هو ما يجب أن ننطلق منه في طريق الاصلاح الدينيِّ وتحقيقِ أكبر قدرٍ ممكنٍ من السلام والأمن العالميين، لأنّه بذلك نحول دون "تنويع الانسان" المختلف معنا وتصنيفه وتبرير الصراع معه وإلغائه/ إبادته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها


.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال


.. تعمير- هل العمارة الإسلامية تصميم محدد أم مفهوم؟ .. المعماري




.. تعمير- معماري/ عصام صفي الدين يوضح متى ظهر وازدهر فن العمارة