الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رمضان والدولة المدنية

منى نوال حلمى

2022 / 4 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


--------------------------------------

لا أدرى لماذا تزداد السلبيات التى نود التخلص منها لنرتقى انسانيا ، وثقافيا ، وحضاريا ، فى شهر رمضان ، وتصبح وكأنها تتحدى كل مقومات التحضر ، والاتساق مع النفس ، والتواضع ، والأدب ، ومراعاة حقوق الآخرين ؟؟.
لماذا لا نصوم فى هدوء ، ونصلى فى هدوء ، ونمارس ما نؤمن به من طقوس دينية دون استعراض ، أو استعلاء أو وصاية ؟؟.
ألا تبغون من الطقوس الدينية ، مرضاة الله ، أم تراكم تبغون مرضاة الناس ؟؟.
ان كنتم تبغون مرضاة الله كما تقولون ، فالله لا يحتاج الا الى ممارسة شخصية هادئة من الانسان ، ليس فيها زعيق ، ولا صخب ، ولا استعراض ، ولا استعلاء ، ولا وصاية على الآخرين .
أما اذا كنتم تبغون مرضاة الناس ، و أغراضا أخرى غير مرضاة الله ، فهذه قصة
أخرى . قصة محزنة ، مؤلمة ، متكررة ، بكل أسف ومرارة .
وفى شهر رمضان ، ترتفع شدة الميكرفونات ، ويطول وقت الدعاء ،
والتسبيحات ، والابتهالات ، وقراءة القرآن ، كله فى الميكرفون المرتفع .
لا أدرى ، مافيش جهة فى البلد ، تراقب هذه السلوكيات المتناقضة مع
الصلاة والصوم والطقوس الدينية ، وتمنع هذا الاستخدام الغير حضارى ،
من قبل المساجد ، والجوامع ؟؟.
مافيش جهة فى البلد ، تعلم هؤلاء شيئا اسمه احترام قدسية حرمة البيوت ،
والسكن ، وخصوصية الحق فى الهدوء ، والسكينة ، وعدم الازعاج ؟؟ .
مافيش جهة فى البلد ، تحمينا من هؤلاء الذين لا يعرفون حاجة اسمها
" العيب " ، و " الخلق القويم " ، و " ادراك أنهم ليسوا وحدهم فى المجتمع " ،
و " أن المجتمع ليس عزبة خاصة لهم " ؟؟.
تناقض فج صارخ ، ليل نهار ، كل يوم ، على مدار السنة ، بين المفروض من ممارسة الطقوس الدينية ، فى تعليم الأدب والتهذيب واحترام البشر ، وبين غياب
بديهيات الأخلاق القويمة ، لمنْ يحرصون على أداء الطقوس الدينية ، واطلاق مواعظ الصراط المستقيم علينا .
اللغز الذى يحيرنى ، هو كيف مع انتشار ، واستمرار الوازع الدينى ، وفى كل شبر فى مصر ، ويخيف الناس من العقاب الالهى المتربص ، الشديد ، لو تركوا الطريق المستقيم ، نجد أن الطرق غير المستقيمة المتعصبة تزداد ؟؟.
كل سنة مع بداية رمضان ، تتجدد الدعوة الى تشريع ، أو قانون ، يجرم الافطار
جهرا فى نهار رمضان . هل يتوافق هذا مع " لا اكراه فى الدين " ، أم أنه ارهاب
من الدرجة الأولى ، باسم الصوم ، والفرض الالهى ؟؟ . هل نحن نتقدم فى الانفتاح ،
والتعدد الحضارى ، أم نمشى الى المزيد من التعصب ، والتطرف ، والتحكم فى الناس ، والارهاب ، تحت اسم فرض " الصيام " ، وممارسة الطقوس الدينية ؟؟ .
وما منفعة وفائدة الطقوس الدينية ، اذا لم تعلم الانسان الأخلاق الرفيعة النبيلة ،
والحساسية لاحترام حقوق الآخرين والأخريات ، فى كل مجال ؟؟.
وكل عام تقرر وزارة الأوقاف ، تنظيم فوضى مكبرات الصوت فى المساجد ، والجوامع ، فى شهر رمضان ، وهذا لم يحدث ، ونسمع أصواتا غاضبة ، مستاءة ، تعتبر مثل هذا القرارات ، قلة ايمان ، وقلة اسلام ، وقلة تدين . وكأن الايمان ، والاسلام ، والتدين ، لا يكتمل ، ولا يؤدى رسالته ، الا بانتهاك خصوصية البشر ، فى أكثر أماكنهم حميمية ، " بيوتهم " ؟؟.
كان لابد لمجتمعاتنا ، بكل طقوسها الدينية ، وصوتها المرتفع بالميكرفونات ، أن تصبح أفضل المجتمعات أخلاقيا ، هذا لم يحدث .. لماذا ؟؟. لماذا لم يؤدى الصوم المتراكم فى رمضان ، عبر زمن طويل ، الى الصوم عن مفاسد الدنيا ، ومتاعها الزائل ، وغرورها الأحمق ، وانتهاك حريات الآخرين ؟؟.
لست قلقة على حالنا من الناحية الاقتصادية . فكل أزمة اقتصادية ، معروفة السبب ، والحلول . ولا يخلو أى مجتمع من المعاناة الاقتصادية ، مهما عظم شأنه ،
وازدهرت قدراته ، وموارده . بل ان بعض التعثر الاقتصادى ، ضرورى ، لاستنهاض
الهمم ، وتحفيز الارادة الكامنة ، الى المزيد من الانجازات .
كما أننى لست قلقة ، على انتشار كورونا ، فالأمصال متاحة ، ومتوفرة .
لكننى قلقة ، على حالتنا الأخلاقية ، وتدنى السلوكيات الحضارية ، التى وصلنا
اليها ، رغم أننا نصلى ، ونصوم ، ونحج ، ونزكى ، ونعتمر ، ونقيم صلوات التراويح ،
ونمسك السبح ، ونبسمل ونحوقل ، ونرسل ذريتنا الى مدارس وكتاتيب تحفيظ
القرآن ، ولا شئ يسعدنا قدر تغطية النساء ، بالأقمشة ، وذكورية القوانين الجائرة .
ما جدوى الاقتصاد المزدهر ، طالما الذى ينعم به ، انسان فقد نقاء الأخلاق ،
ونزاهة الأخلاق ، واتساق الأخلاق ؟.
انسان " صائم " ، عن لذات الطعام ، والشَراب ، والجنس ، لكنه " يفرط "
فى التهام نبل الخلق ، ورقى المشاعر ، وأدب السلوك . انسان " ممتنع " عن
دخول أى شئ يدنس الفم ، يسرع للتطعيم ضد كورونا ، لكنه " مرحب " ، بكل الأشياء التى تدنس النفس ، والعقل ، والقلب ، ما فائدته ؟؟.
أمر آخر ، يتناقض مع ما يقال عن فائدة شهر رمضان ، فى الاحساس بالفقراء ،
وأن هناك ملايين محرومين من رفاهية الأطعمة والحلويات والمشويات والمحمرات ،
وهو التحريض الاعلامى اليومى المكثف ، من خلال الاعلانات التجارية ، على الاستهلاك ، والانفاق ، وشراء الشقق والمنتجعات ، وتوفير التبرعات ، وكفالة الأيتام ، وغيرها من الممارسات التى لا تتم ، الا بفتح المحفظة الدسمة بالفلوس .
فى شهر رمضان ، من كل عام يتأكد لى أن الدولة المدنية الخالصة ، التى نسعى اليها ، أمامها مشوار طويل ، بل ويزداد هذا المشوار وعورة ، وتصحرا .
-----------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال




.. تعمير- هل العمارة الإسلامية تصميم محدد أم مفهوم؟ .. المعماري


.. تعمير- معماري/ عصام صفي الدين يوضح متى ظهر وازدهر فن العمارة




.. تعمير- د. عصام صفي الدين يوضح معنى العمارة ومتى بدأ فن العما