الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنسان المتعثر في مثاليته .

سامى لبيب

2022 / 4 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


- المثالية حالة فكرية تخيلية تأمل فى الكمال والصفا والسلام والنقاء التام لتبتعد عن أرض الواقع ناشدة حالة من الإكتمال خالقة لفكرة المطلق دون أن يكون لها أى سند ووجود حقيقي .
- الفكر المثالي يلغي جدلية الحياة المتمثلة فى وجود الضد فهو يفترض حالة تخيلية لوجود ذو حالة منفردة متفردة لا يضاهيها أى وجود آخر بينما الحياة تتواجد من النسبية وصراع الاقطاب والأضداد .
- الإنسان الذي أبدع وتخيل الحالة المثالية تعثر فيما إفترضه عنها فتخبط بين فرضياته بل صارت هذه الفرضيات مناقضة لما تعلمه من مُفردات الحياة لتنحو فرضياته نحو اللاجدوي والعبثية .
- فكرة الإله لا تخرج عن المثالية المفرطة التى تحاول أن تكسر منطقية وصرامة الوجود المادي لتحلق منفردة بأجنحة التخيل والوهم ناشدة حالة من الإكتمال تتحدي بها واقعها المادي أو قل هو البحث عن وجود متخيل غير خاضع للنقص والنسبية .
- فلننظر لفرضية الإله الأزلي الأبدي لنجدها فرضية وتخيل لا يوجد ما يثبتها سوي رغبة إنسانية فى رسم صورة يتحدي يها واقعه وموته بوجود آخر يمتلك الوجود السرمدي , ولكن هذه الفكرة والتخيل يناقض مفهومه عن الحياة ليصير هذا الوجود الأزلي السرمدي بلا جدوي ولا معني .
- إنعدام الجدوي والمعني يطل فى وجود بلا إنتهاء فلن نُدرك حينها معني الحياة والوجود فنحن نعرف ونعشق ونستمتع بالحياة من وجود الموت .. أى أن الإنتهاء يعطي معني وتعريف للحياة والوجود أما إستمرار حالة وجودية بلا توقف وإلى مالانهاية فلا يمكن توصيفها بحياة ولتسأل هنا عن تعريفها وجدواها .
- فلتنظر وتتأمل فى الفكرة المثالية بالعلم والمعرفة المطلقة لتكتشف عبثية هذا الفرض من منطلقين , المنطلق الأول أن قيمة ومتعة العلم والمعرفة يأتي من التغلب علي جهل فهكذا تعامل الإنسان مع العلم والمعرفة بينما الفرضية الإلهية تنفي الجهل ليكون العلم والمعرفة الإلهية المفترضة أرشيفية بلا جدوي .. ولك أن تتأمل فى فرضية ان الإله يعلم عدد البيض فى بطن كل حشرة وعدد أوراق الشجر والثمرات علي كل شجرة ألخ .. فما جدوي هذه المعرفة وماذا أفادته هذه المعرفة الأرشيفية .
- المنطلق الثاني أن العلم والمعرفة ليس زينة وترف فمنهما يأتي التطور والإرتقاء وذلك بتراكم المعرفة وتصويبها , بينما فى الفرضية الإلهية فالعلم والمعرفة ليس لهما أى قيمة وجدوي , فالإله المفترض لا يسعي نحو التطور بحكم فرضية أن ما أنتجه كامل ومثالي لتتوقف هنا أمام معني وجدوي هذه المعرفة التى لن تزيد عن ارشيف مدون على قرص مدمج .
- المعرفة والعلم المطلق المسبق ليس بذات معنى.. فالأمور ستكون بمثابة أرشيف أو c.d كبير مُخزن عليه المعلومات بشكل هائل بلا أى معنى ولا جدوي , فما قيمة معرفة عدد البيض فى بطن كل سمكة أو ذبابة فهل ستكون وظيفة الإله أن يراجع عدد البيض ويراها تتطابق مع معرفته ؟!.. ما معنى مشاهدة أفلام قديمة مرة ثانية مُدرك كل القصة والسيناريو والأحداث والكادرات ليجدها كما يعرفها لم يختل فيها شيئ ولم يعتريها التغيير.!
- إشكاليات المطلق .. هناك تناقض صارخ وفج فى الصفات عندما تتحلي كل صفة بالمطلق , فهناك تناقض بين صفة العدل المطلق والرحمة والمغفرة المطلقة , فالعدل المطلق لن يمرر أى هفوة بدون عقاب , والرحمة والمغفرة المطلقة ستبدد أى عدل وعقاب مهما كان كبيراً , فصفة المطلق فى كلتاهما لا تحقق وجود الصفة الأخري , كذا هناك إشكالية كبيرة بين القدرة المطلقة والعلم والمعرفة المطلقة , فالقدرة المطلقة ستحقق قدرة الإله عن فعل أى شئ دون أن يحوله شي , بينما المعرفة المطلقة ستبدد القدرة الإلهية المطلقة فالإله مُجبر على تحقيق معرفته المسبقة لتحوله عن أي قدرة مغايرة مخالفة لعلمه .
- المطلق والمثالي والصمت والوحدة .. من مواصفات المطلق أن يكون متفرداً منفرداً فلا يكون له زوجة ولا حبيبة ولا ولد ..لا يكون له من يحاكيه ويسامره فلن يكون هناك أحد فى مقامه ليجالسه ..سيكون الآمر الناهى فقط ولن يُسمح لأحد أن يكون له صديقاً أو حبيباً يتشاور معه فهكذا الآلهة سرمدية أزلية قبل كل الوجود ليست فى حاجة لأحد ولا يدنو من مقامها أحد
- الإله يعيش وحيداً فوفق الميثولوجيا الدينية التى تعلن أن الإله كائن قبل الكل .. أزلى أبدى وهذا يعنى أنه كان وحيداً منفردا ً منذ الأزل بلا صاحب ولا ونيس ولا خادم يؤنس وحدته .. فحتى الملائكة والشياطين والعفاريت لم تكن متواجدة معه منذ الأزل فلو تواجدت فهذا يعنى أنها ليست مخلوقة وتنافسه فى الألوهية .!
هكذا تعثر الإنسان فى المثالية التى أنتجها ليجعل فكرة الإله وحيداً منعزلاً صامتاً لا يتحدث مع أحد ولا يتواصل مع أحد ليعيش الصمت التام والوحدة القاتلة ليفقد الفكرة معني الحياة ! وليتعثر الإنسان ثانية فى مثاليته ويدعي بأن هناك أحباب الإله من أنبياءه فالفكر المثالي يحمل التناقض ولا يصمد كثيراً !
- المطلق المثالي والمشاعر والإنفعال . المطلق المثالي لا يجب أن يكون صاحب مشاعر ولا منفعلاً متفاعلاً مع الأحداث , فالمشاعر هي أحاسيس وردود فعل بشرية تتأثر بالأحداث بينما الإله المفترض فوق الأحداث بل هو خالقها فرضاً فلا يجب ان بنقعل ويتفاعل مع الأحداث .
الإنسان المتعثر في مثاليته جعل الإله صاحب مشاعر ففي الميثولوجيات الدينية رسم الإله منفعلاً متفاعلاً بل عصبياً فهو يحب ويكره ويغضب وينتقم وينحاز ويندم ألخ من مشاعر إنفعالية فهكذا الإنسان يهبط بالمثالية على أرض الواقع ليتعايش معها .
- المطلق والتطور . دعك من نظرية التطور البيلوجية ولتتعامل مع فكرة وفلسفة التطور التى تعني التغيير والتحديث والتقدم والتى تعني حيوية وحراك الحياة , لتجد أن المطلق لا يعتريه أى تغيير او تحديث فالأمور كاملة لا يعتريها النقص كما أن العلم الإلهي كامل وليس بحاجة للإستزادة والتعديل والتبديل لنصل لحالة مفترضة من الوجود صماء تفتقد للحياة .
- الصفات وغياب الضد والآخر. يغفل الفكر المثالي ان الصفة والكينونة لا تتحقق إلا بوجود أضداد ومنافسين وكينونات أخري فالقول بأن الله غني ومالك الملك ومهبمن ألخ لا معني ولا قيمة لها , فالغني يكون من وجود آخرين يمتلكوا قسطاً من الغني أو الفقر فمن هنا تتحقق صفة الغني لأتذكر هذا المخبول فى القصة الفنتازية الذي عاش وحيداً على الارض ليصرخ بأن كل الأراضي والسهول والجبال ملكي ! ومن هنا يتعثر الإنسان في مثاليته ليسقط تخيلاته على أرض الواقع بتعسف وعدم منطقية .

دمتم بخير .
المثالية فكر خيالي متوهم فلا يوجد فى الوجود شئ مثالي فكل الأشياء تتعاطي مع المادة والنقص والنسبية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هذا الوجود ؟
على سالم ( 2022 / 4 / 12 - 20:44 )
استاذ سامى من المؤكد ان هذا الوجود معقد جدا ومحير ومربك عقليا ونفسيا وعلميا , ابداء الاراء ظاهره صحيه لكن لن نستطيع ابدا كشف السر فى وجود هذا الكون الصعب فهمه والغامض وماهو الهدف من وجوده ؟ تأثرت جدا بذبح كاهن الاسكندريه القمص ارسانيوس ؟ انها دائما العقول الاسلاميه المتربسه الدمويه الغبيه الجامده ؟ ماذا جنى هذا الارهابى الداعشى من ذبح انسان مسالم كان يساعد شحات مصرى ببعض النقود ( وما اكثر الشحاتين فى مصر) ؟ تابعت ايضا الاخبار من الباكستان عندما عزل البرلمان الباكساتى الرئيس عمران خان من منصبه , سرحت قليلا وقارنت مصر بالباكستان من حيث الفساد والاستبداد والديكتاتوريه وهل ممكن ان تفعل مصر هذا الفعل وتطيح بالرئيس الابله الحمار , من المؤكد ان البرلمان المصرى فاسد وعفن وكلهم عصابه مجرمه منحطه وتم تعيينهم بواسطه الرئيس وعصابته من اللصوص المجرمين البلطجيه ولن يستطيعوا ابدا عزل الرئيس بسبب جهله واستبداده وتخلفه العقلى


2 - لا هدف للكون بل تفاعلات فيزيائية كيميائية تقابلت
سامى لبيب ( 2022 / 4 / 13 - 17:27 )
أهلا استاذ علي سالم
نعم توجد ألغاز كبيرة عن الكون وإن كان العلم قد حل بعضها لأتحفظ على قولك ما الهدف من وجود الكون فليس هناك أى هدف أو غاية من وجوده فالنمل لا يسأل هذا السؤال بينما يسأله الإنسان لكونه واعيا يبحث عن المعني والغاية,فالغاية فهم وسؤال إنساني ولايعني هذا وجود غاية وراء الأشياء فليس غاية الاكسجين أن يصدأ الحديد ولو تاملت أى مشهد وجودي فلن تجد غايات وتخطيط وراءها بل هي تفاعلات فيزيائبة كيميائية تقابلت..أنا مهتم جدا بلاغائية الحياة والوجود وقد كتبت كثيرا فى هذا الشأن
مهموم كعادتك بالشأن المصري لتشير لمقتل قمص الأسكندرية على يد إرهابي فبالرغم أن موجة التطرف قد خبت فى مصر لكن ليس هناك شئ مضمون طالما بقت الثقافة الإسلامية الإرهابية متواجدة وظل التخاذل عن مواجهة التراث بل تمجيد التاريخ الاسود الدموي.
بالنسبة لإدانتك الدائمة لنظام السيسى فأتفق معك كونه نظام عسكري ولكن أشير انه لا يوجد بديل لهذا النظام لضعف الأحزاب المدنية وتخاذلها فالبديل للأسف هو اليمين الرجعي الإسلامي الذي سيقضي على كل اخضر ويابس.
للأسف موقف الجيش من الإخوان والإسلاميين ليس حفاظ على مدنية مصر بل صراع على السلطة.


3 - لا هدف للكون بل تفاعلات فيزيائية كيميائية تقابلت
سامى لبيب ( 2022 / 4 / 13 - 19:12 )
أهلا استاذ علي سالم
نعم توجد ألغاز كبيرة عن الكون وإن كان العلم قد حل بعضها لأتحفظ على قولك ما الهدف من وجود الكون فليس هناك أى هدف أو غاية من وجوده فالنمل لا يسأل هذا السؤال بينما يسأله الإنسان لكونه واعيا يبحث عن المعني والغاية,فالغاية فهم وسؤال إنساني ولايعني هذا وجود غاية وراء الأشياء فليس غاية الاكسجين أن يصدأ الحديد ولو تاملت أى مشهد وجودي فلن تجد غايات وتخطيط وراءها بل هي تفاعلات فيزيائبة كيميائية تقابلت..أنا مهتم جدا بلاغائية الحياة والوجود وقد كتبت كثيرا فى هذا الشأن
مهموم كعادتك بالشأن المصري لتشير لمقتل قمص الأسكندرية على يد إرهابي فبالرغم أن موجة التطرف قد خبت فى مصر لكن ليس هناك شئ مضمون طالما بقت الثقافة الإسلامية الإرهابية متواجدة وظل التخاذل عن مواجهة التراث بل تمجيد التاريخ الاسود الدموي.
بالنسبة لإدانتك الدائمة لنظام السيسى فأتفق معك كونه نظام عسكري ولكن أشير انه لا يوجد بديل لهذا النظام لضعف الأحزاب المدنية وتخاذلها فالبديل للأسف هو اليمين الرجعي الإسلامي الذي سيقضي على كل اخضر ويابس.
للأسف موقف الجيش من الإخوان والإسلاميين ليس حفاظ على مدنية مصر بل صراع على السلطة.


4 - أسئلة لابد منها
حميد فكري ( 2022 / 4 / 29 - 02:25 )
تحية للسيد سامي ولصديقه الوفي علي سالم
تحية تقدير لمجهوداتك المتواصلة بلا كلل أو ملل.
ملاحظتي البسيطة ،تتعلق بما كتبته قائلا: (, فما قيمة معرفة عدد البيض فى بطن كل سمكة أو ذبابة فهل ستكون ... عدد البيض ويراها تتطابق مع معرفته ؟!.. ما معنى مشاهدة أفلام قديمة مرة ثانية مُدرك كل القصة والسيناريو والأحداث والكادرات ليجدها كما يعرفها لم يختل فيها شيئ ولم يعتريها التغيير.!)
أقول هناك اختلاف بين أن تشاهد نفس الفيلم مرات عديدة ،فتكتشف في كل مرة معنى وفكرة معينة ، لأن القراءة تتغير باستمرار ،وبين إله يعرف كل شيء مرة واحدة ،فتظل معرفته هي هي دون أي تغيير .في الحالة الأولى ،أنت تستمتع باكتشافك للجديد وهذا ما يدفعك لإعادة مشاهدة الفيلم أو إعادة قراء الرواية أو الكتاب أو سماع ذات الأغنية ،لكن في حالا الإله الأمر يتغير فلاجديد ولا متعة ، لأن الإله عرف كل شيء وانتهى الأمر ،ولهذا يمكننا أن نستنتج بأن المعرفة الإلاهية هي معرفة جامدة ،والسؤال كما طرحناه من قبل ، إذا كان الإله يعرف كل شيء مسبقا ،فضلا عن أنه خلق كل شيء مسبقا ،ألا يعني هذا أنه الأن لم يعد يفعل أي شيء ، فقد صار في حكم الأموات .
تحياتي


5 - الحياة بلا معني وعلينا أن نخلق فيها قضية ومعني
سامى لبيب ( 2022 / 5 / 9 - 16:19 )
أهلا استاذ حميد فكري بعد غياب
تثني على مجهوداتي بلا كلل ولا ملل وقد أخطأت فى هذا التقدير فقد اصابني الملل القترة الماضية لأتغيب عن الكتابة لأكثر من شهر فقد إعتراني حالة نفسية وذهنية من العدمية وإنعدام المعنى مخلوطا بحالة من الإحباط واليأس فيبدو أن التأمل الفلسفي يصيب الإنسان بحالة إنعدام الوزن والعدمية ولكني فى سبيلي الخروج من هذه الحالة بالعودة لقضيتي التى أتبناها لأجعل من عقلي ووجودي معني .
بالنسبة لمداخلتك فقد أثرت النقطة المثارة عن معني وجدوي المعرفة الإلهية لأضيف أن الإله إذا كان موجودا فهو مسخ بلا تاريخ لأستحضر مقولة أن الإنسان كائن ذو تاريخ وهذا ماجعله يتطور من البدائية لعصر المعلومات.
نعم المشاهد المكررة كمشاهدة الفيديو مرارا لا يعني إنعدام التفكير فالماء لا يجري فى النهر مرتين فدوما هناك إنطباعات متجددة وهذا سر تفوقنا بينما فى فرضية الإله فالنهر لا يتحرك.
أنا شاكر حضورك فقد منحتني حالة جعلتني أتجاوز عدميتي وإحباطي .


6 - أجل فالنهر يتغير باستمرار
حميد فكري ( 2022 / 5 / 11 - 17:08 )
تحياتي أستاذ سامي
كلنا نصاب باليأس والإحباط والملل، ونمر بلحظات من السعادة والفرح والحيوية ،وهذه حالة طبيعية تسري على كل إنسان.
من المعلوم أيضا أن من يشغل عقله باستمرار ،يعيش دوما قلق المعرفة والسؤال ،والعكس صحيح ،وهذا ما تفطن إليه الشاعر الكبير المتنبي بقوله :
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله ...... وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم .
تحياتي

اخر الافلام

.. استئناف مفاوضات -الفرصة الأخيرة- في القاهرة بشأن هدنة في غزة


.. التقرير السنوي لـ-مراسلون بلا حدود-: الإعلام يئن تحت وطأة ال




.. مصدر إسرائيلي: إسرائيل لا ترى أي مؤشر على تحقيق تقدم في مسار


.. الرئيس الصيني يلتقي نظيره الصربي في بلغراد ضمن جولة أوروبية




.. جدل بشأن هدف إنشاء اتحاد -القبائل العربية- في سيناء | #رادار