الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 41

ضياء الشكرجي

2022 / 4 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بَلى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَت بِهِ خَطيئَتُهُ فَأُلائِكَ أَصحابُ النّارِ هُم فيها خالِدونَ (81) وَالَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُلائِكَ أَصحابُ الجَنَّة هُم فيها خالِدونَ (82)
هاتان الآيتان تتكلم كما الكثير غيرها في القرآن، وفي غيره مما يسمى بالكتب المقدسة عن فريقين، فريق خالد في العذاب، وفريق خالد في النعيم، عذاب الفريق الأول في النار التي فصل القرآن كثيرا من عذاباتها، ونعيم الفريق الثاني في الجنة التي فصل القرآن كثيرا من متعها هي الأخرى. عن الفريق الأول المتوعَّد بالعذاب يجري الكلام عن الفعل السيئ فقط تارة، وهو الفعل السيئ بمعايير القرآن مع الإصرار، مع الإصرار، وتارة عن العقيدة فقط، أي لمجرد عدم الإيمان. وعن الفريق الثاني الموعود والمبشَّر بالنعيم يجري الكلام عن العقيدة والفعل، فالعمل الصالح لا يكفي فاعله ليستحق الثواب بالنعيم، كما يفترض أن يوجبه العدل الإلهي، بل عمل الصاحات لا يثاب فاعله إلا باقترانه بالإيمان، ويا ليته عُنِي به الإيمان بالله وحسب، بل مصطلح «الَّذينَ آمَنوا» في القرآن لا يعني إلا الإيمان بالله وتوحيده، وبمحمد رسولا، وبالقرآن وحيا منزلا من الله، وبالإسلام دينا، لا يقبل من الله سواه بحكم الآية «وَمَن يَّتَّخِذ غَيرَ الإِسلامِ دينًا فَلَن يُّقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآخَرَةِ مِنَ الخاسِرينَ». وعدم قبول غير الإسلام دينا من الناس لا يقتصر على عدم قبوله من الله في الآخرة، بل لا يقبل منهم في الدنيا أيضا، كما تؤكده كل آيات الدعوة لمقاتلة غير المسلمين مثلا أهل الكتاب «الَّذينَ لا يَدينونَ دينَ الحَقِّ [أي الإسلام] وَلا يُحَرِّمونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسولُهُ»، أي ما حرمته الشريعة الإسلامية. ولا نريد هنا أن نتناول الخلود في الجنة والنعيم، بل لا يمكن أن نتصور إلها عادلا رحيما يعاقب معاقَباً بعذاب أبدي غير منقطِع وغير مُخَفَّف عذابه. المؤمنون بالقرآن يبررون ذلك، أنه لو عاش ذلك الذي يستحق هذا العذاب أبدا لبقي يرتكب السيئات أبدا، ومن هنا يستحق العذاب الأبدي. والأقل مقبولية من ذلك من يعاقب بسبب عقيدته، وهذا ما سيناقش في مكانه، لأن هذه الآية تتكلم حصرا عن الفعل السيئ دون أن تتطرق لمسألة الإيمان وعدم الإيمان، الذي يسميه القرآن بالكفر، وليس الكفر عنده إلا الكفر بالإسلام، مهما كان إيمان (الكافر) بالله ومهما التزم بالمبادئ الأخلاقية والمثل الإنسانية.
وَإِذ أَخَذنا ميثاقَ بَني إِسرائيلَ لا تَعبُدونَ إِلَّا اللهَ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا وَّذِي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكينَ وَقولوا لِلنّاسٍ حُسنًا وَّأَقيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيتُم إِلّا قَليلًا مِّنكُم وَأَنتُم مُّعرِضونَ (83)
قبل تناول المعنى، لنتناول بعض غرائب اللغة هنا، إذ يجري التحول من الفعل المضارع (لا تعبدون) إلى الحال (إحسانا) ثم إلى فعل الأمر (قولوا، أقيموا، آتوا). ثم لماذا الإحسان (بِـ)ـالوالدين، وليس الإحسان (إلى) الوالدين؟ ثم لكل من التولي والإعراض معنى واحد. فإما «لا تَعبُدونَ إِلَّا اللهَ وَتُحسِنونَ بِالوالِدَينِ وَذِي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكينَ وَتَقولونَ لِلنّاسٍ حُسنًا وَّتُقيمونَ الصَّلاةَ وَتُؤتونَ الزَّكاةَ» أو «لا تَعبُدوا إِلَّا اللهَ وَأَحسِنوا بِالوالِدَينِ وَّذِي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكينَ وَقولوا لِلنّاسٍ حُسنًا وَّأَقيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ»، أو «ألّا تَعبُدوا إِلَّا اللهَ وَأَن تُحسِنوا بِالوالِدَينِ وَّذِي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكينَ وَتَقولوا لِلنّاسٍ حُسنًا وَّتُقيمُوا الصَّلاةَ وَتُؤتُوا الزَّكاةَ»، بل يجب اتخاذ قرار إما بذكر من يحسن إليهم بالجمع أو بالمفرد، فكان المفروض أن يقول «ذوي القربى» وليس «ذي القربى» مازال كل من سواهم ذكروا بالجمع. أما القصة عن بني إسرائيل حسبما يسردها القرآن، فالله أعلم فيما كان منها وما لم يكن، ثم هل الذين (تولوا وهم معرضون) هم نفس جيل الذين أخذ منهم ميثاقهم، فلا يبعد أبدا أن يكون الكلام عن جيلين، ربما نسبيا متباعدين زمنيا، فإذا كان الأمر كذلك فهذا خلاف المبدأ السليم والدقيق الذي ثبته القرآن بعبارة «لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِّزرَ أُخرى». وهذا ليس مستغربا من القرآن، فكثيرا ما يضع عناوين إجمالية تمثل مبادئ صحيحة، لكنها تنقض في التفاصيل.
وَأَخَذنا ميثاقَكُم لا تَسفِكونَ دِماءَكُم وَلا تُخرِجونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيارِكُم ثُمَّ أَقرَرتُم وَأَنتُم تَشهَدونَ (84) ثُمَّ أَنتُم هاؤُلاءِ تَقتَلونَ أَنفُسَكُم وَتُخرِجونَ فَريقًا مِّنكُم مِّن دِيارِهِم تَظاهَرونَ عَلَيِهم بِالإِثمِ وَالعُدوانِ وَإِن يَّأتوكُم أُسارى تُفادوهم وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيكُم إِخراجُهُم أَفَتُؤمِنونَ بِبَعضِ الكِتابِ وَتَكفُرونَ بِبَعضٍ فَما جَزاءُ مَن يَّفعلُ ذالِكَ مِنكُم إِلّا خِزيٌ فِي الحَياةِ الدُّنيا وَيَومَ القِيامَةِ يُرَدّونَ إِلى أَشَدِّ العَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعمَلونَ (85) أُلائِكَ الَّذينَ اشتَرَوُا الحَياةَ الدُّنيا بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنهُمُ العَذابُ وَلا هُم يُنصَرونَ (86)
اليهود اختلفوا، حالهم حال أتباع بقية الأديان، إلى فرق شتى، وكفر بعضهم بعضا، وسفك بعضهم دماء بعض، وهجر بعضهم بعضا، وهكذا فعل المسيحيون فيما بينهم، والمسلمون لم يكونوا أحسن حالا من أتباع كل من الديانتين. فلطالما سفك المسلمون دماء مسلمين آخرين، ولطالما أخرج مسلمون مسلمين آخرين من ديارهم، ولطالما تظاهر وتعاون مسلمون مع مسلمين آخرين أو مع غير مسلمين على مسلمين آخرين بالإثم والعدوان، وهذا لم يحصل بعد قرون من تأسيس الدين الإسلامي، بل حصل في وقت قريب جدا بعد وفاة مؤسسه. أما الخطاب الموجه لليهود «أَفَتُؤمِنونَ بِبَعضِ الكِتابِ وَتَكفُرونَ بِبَعضٍ»، فبلا شك هو ما قد وقع فيه اليهود، لكنه ينطبق أيضا على المسلمين انطباقا كبيرا، كما ينطبق على أتباع كل الديانات، وأحيانا على الكثير من أتباع العقائد غير الدينية أيضا. إنها الازدواجية التي يقع في مرضها الكثير من الأفراد، بل تتفشى أحيانا في مجتمع أو فرقة دينية، فتتحول إلى ما يقترب من الظاهرة العامة الغالبة، مع عدم جواز التعميم والإطلاق على أي شعب أو فرقة دينية أو غير دينية. أما الوعيد الدنيوي والأخروي لمن يقع في مثل هذه الازدواجية بقول «فَما جَزاءُ مَن يَّفعلُ ذالِكَ مِنكُم إِلّا خِزيٌ فِي الحَياةِ الدُّنيا وَيَومَ القِيامَةِ يُرَدّونَ إِلى أَشَدِّ العَذابِ»، فيجب أن ينطبق على كل من يمارسه، وليس حصرا على المخاطبين بهذه الآية هنا، ولو إن العذاب الأخروي المصور في القرآن لا يمكن أن يصدر من الله بصوره القرآنية، أو بصور ما يسمى بالكتب المقدسة الأخرى، خاصة عندما تؤكد الآية التالية أنه «لا يُخَفَّفُ عَنهُمُ العَذابُ وَلا هُم يُنصَرونَ».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah