الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجربة الإرتقاء الروحي.. ما هي وسائلها ؟

عدنان إبراهيم

2022 / 4 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل يحتاج الإنسان لله ؟
هذا لا شك فيه.. لأنه ينمو ويتطور بهذا.. حين يدرك بُعده الغيبي فإنه يجذب ما يريده بالفعل، بالنية.. فيشعر بالكمال، يشعر بالسلام، بالإكتفاء.. وبأن الكون مسخر له، وأنه ليس فوقه غير الله.

في المقال السابق قلت أن متطلبات العصر في فجر الإسلام كانت تستلزم خطاباً شديد اللهجة لإحلال السلام مكان الحروب والفتن.
ولكن هل الله بالصورة التي يصورها القرآن بالفعل ؟ الجواب لا "قطعاً".. لأن مصادر المعرفة الغيبية لا تنحصر في القرآن.
لقد ذكر القرآن نفسه شخصية تسمى "الخضر" تتميز بعلم يسمى "العلم اللدني"
فمن هو الخضر وما هو العلم اللدني؟ الخضر ليس شخصاً آخر غير موسى وسافر موسى ليبحث عنه الخ القصة المعروفة، وذلك لسبب بسيط هو أن موسى بلغ مرتبة النبوة، وبالتالي لا يحتاج إلى تنمية مصدر المعرفة لديه لأنه يستقي من المنبع أو المصدر. ولو قيل أن ذلك كان تربية له من حيث أن هناك من هو أعلم منك بمجمع البحرين، فالإجابة: أن موسى كان شخصية متواضعة ولم يكن يزهو بعلمه، انظر لقول فرعون له: (وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين) يعني قتل المصري بالخطأ لما وكزه (قال فعلتها إذاً وأنا من الضالين) لم يكابر وكان يستطيع لأنه تربى على يديه في حجره وحجر امرأته، ولكنه اعترف بالحق، والنبي يعرف يقيناً أنه ليس إلا مظهر لله، فهو عبد العليم وليس العليم، فكيف يزهو بعلمه ؟ أعتقد أن الحديث الذي ذكر جملة (أن بمجمع البحرين رجل أعلم منك) من وضع الفقهاء والقصاصين.
ولكن كيف يكون الخضر هو موسى نقسه ؟
الخضر هنا هو رمز للمصدر.. هو أنت عند محو بطاقتك الشخصية وماقبل الولادة.. لأن الأرواح خلقت قبل الأجساد، وعاشت أعماراً مديدة وتجسدات عديدة قبل التجسد الحالي.. فالخضر هو الروح المجرد الملَكي أو ما يسميه الفلاسفة بالنفس الناطقة.
من خلال ملاحظة الخضر: تصل إلى الله وتحوز المعرفة والتنال الفيض الأقدس وتنصب عليك الأفكار العُليا العظيمة المستنيرة، وتستطيع أن تميز بين ما هو حق وباطل.
لأن الخضر هو الواسطة بينك في تلك الحضرة المادية الخَلْقية وبين الحضرة الإلهية الحَقية، هو نقطة التقاء بحر الحق ببحر الخلق أو "مجمع البحرين" كما عبر عنه القرآن.. ولذلك يجب أن نعلم أن القرآن فيه علوم عالية ومفيدة جداً للتطور والنمو الروحي نحن نحتاجها، وليس من الصواب القول بأنه كله آيات قتال ووعيد.. فرموزه مفيدة جداً لمن يفهمها ويقرأ تفاسير الصوفية لها.
خير الناس الذين تمرسوا في تجربة "الخضر" هم الصوفية.. وهم رجال أهل حب واستقاء للمعرفة من خلال الكشف (لكي تفهم هذا لا غنى لك عن قراءة كتاب "المنقذ من الضلال" لأبي حامد الغزالي فقد حكى طوافه بين الطوائف وكيف استقر على التصوف ومدحه للغاية).
ربى رسول الله ص علي بن أبي طالب على علم الباطن، وربى علي طبقة من الصحابة حوله على تلك العلوم، ثم انتشرت في البلاد مع الفتوحات الإسلامية ونمت جيلاً بعد جيل من خلال عمل المتصوفين الكبار الذين بلغوا درجة الإجتهاد والتحقيق في هذا العلم : مثل محي الدين بن عربي وجلال الدين الرومي وتاج الدين بن عطاء الله السكندري الخ.
عند هؤلاء القوم نجدهم يتحدثون عن ذات جمالية مختلفة كل الإختلاف عن الذات الجلالية التي يصورها القرآن.. فهل هناك تعارض ؟ ليس هناك تعارض، لأن الصوفية يقولون أن لله أسماء جمال وأسماء جلال أيضاً وأسماء كمال.
وهو يظهر لكل عبد في نفسه بأسماء جماله أو بأسماء جلاله بحسب اعتقاده.. (اقرأ في قانون الجذب لتفهم هذا بلغة معاصرة) لكن الأمر أكبر من قانون الجذب، لأن هذا القانون يتحدث عما تجذبه في الخارج حولك.. ولكن التجلي يعني أن تجذب ما تريده فيك لتكونه.
هذا هو الله الحقيقي الواقعي باختصار.. هو مصدرك الذي أنت ظهوره.
ومن اللطيف والجميل أن نغير لفظة (عبد) بلفظة (مظهر) لأنها تعبر أكثر عن الحقيقة.. ةلسنا مقيدون بألفاظ سادت منذ ألف أو ألفين سنة لنظام رق انتهى من مائتي سنة!
فالبشرية تتطور.. وليس هذا قدحاً في القرآن، فالقرآن فيه علوم عظيمة كما قلنا، ولكن يجب أن نعلم أن النبي أوصى أن يكون القرآن من يفسره مع كل جيل (لأن النبي متصل بمصدر المعرفة ونبعها الصافي النقي، وهذا المصدر يعلم أنه لابد من تجديد مستمر للنص) فقال رسول الله : (وإني تارك فيكم ثقلين (كتاب الله.. وغترتبي أهل بيتي) بمعنى أن من أهل بيته لابد من إمام متصل بالمنبع مُلهم ينطق بالحكمة، تجتمع حوله الأمة ليفسر النص بما يقتضيه العصر.. ولكن الفقهاء والحكام ومختلف عوامل التاريخ وأدت هذا الحديث ومعه هذا المفهوم، واستبدلوه بحديث ضعيف لم يرد في الكتب الستة وهو (كتاب الله وسنتي) يعني نصوص بلا حصر ومؤبدة.. فعلى من يقع اللوم ؟ نحن الذين نصنع التاريخ أيها الإخوة وليس الله..

الخلاصة: أن تجربة الإرتقاء الروحي وإدراك الذات، من الصعب أن تكون من خلال النص.. ولكنها تكون من خلال الممارسة المباشرة.. لا تتكل على أحد آخر يتحدث لك عن الله ثم تقعد، لأنك لن تستفيد منه مثلما تستفيد من خلال التواصل المباشر مع "الخضِر" في مجمع البحرين..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس مؤسسة -إسلام فرنسا- غالب بن الشيخ: مصطلح الجالية الإسلا


.. شاحنة تعرض رسائل معادية للإسلام في تورونتو




.. عضو حزب الاستعادة الفرنسي: حضارتنا الأوروبية ليست مبنية على


.. توافد الحجاج لزيارة المسجد النبوي بعد إتمام مناسك الحج في مك




.. القس دوماديوس: الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تعاقب الراهب المص