الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإفطارُ الرمضاني على المائدة الإنجيلية

فاطمة ناعوت

2022 / 4 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



واحدةٌ من عاداتنا الرمضانية الجميلة كلَّ عام، أن نكسرَ صيامَنا على مائدة الكنيسة الإنجيلية في مدينة نصر على صوت الشيخ “محمد رفعت” يؤذن لصلاة المغرب. لم يُخلف قادةُ الطائفة الإنجيلية عهدهم بدعوتنا إلى مائدتهم كل رمضان، ولم نُخلف أبدًا تلبية الدعوة الكريمة بكل فرح. شكرًا للصديق القسّ د. "عزت شاكر" على الدعوة الطيبة. مشهدٌ مبهجٌ تحتشدُ فيه مصرُ بجميع أطيافها على مائدة واحدة تُقامُ على شرف حبّ الوطن، وشرف التضامّ على قلب الإنسانية، وعلى قداسة الإيمان بإله واحد؛ نصبو إلى نوره جميعًا، كلٌّ عبر معتقده ووفق إيمانه. نسمعُ أذان المغرب فيصطفُّ مشايخُ الأزهر الشريف مع قامات الفكر والسياسة والإعلام في ساحة الكنيسة، يولّون وجوههم شطر القِبلة ويقيمون الصلاة. ثم نأكل لقمة هنيّة مع أشقائنا المسيحيين بجميع أطيافهم على "مائدة المحبة".
أنظرُ حولي لمن يشاركني مائدتي فلا أميّز أيّنا مسلمٌ وأيّنا مسيحيّ. نحن "مصريون" وكفى. نحن "إنسانٌ" وكفى. مظلّةُ الوطن الكريم تجمعنا وسماءُ الإنسانية تُظلّلنا وعينُ الله ترعى جمعنا الطيب، وتلوّح لنا شمسُ الغروب قبل رحيلها تلويحةَ الرضا والسلام، بعد أن ترجو لنا صومًا مقبولا وإفطارًا طيبًا. وفي كلّ قلبٍ نجوى لرب العالمين الذي يتوجه إليه سبعة مليار إنسان يعمّرون هذه الأرض، كلٌّ حسب ميراثه وقلبه وعقله. تلك خطّة الله لبني الإنسان. أن نتعدّد ونتعارفَ ونتآلف ونتحابَّ، نختلفٌ ولا نتخالف. الاختلافُ ثراءٌ والتخالفُ ويلٌ وفناء. “ولو شاءَ اللهُ لجعلكم أمّةً واحدة". فكيف نشاءُ، نحن البشر الضعفاء، غير ما يشاءُ اللهُ تعالى، فيصرُّ دعيٌّ مراهقُ العقل أن يفكرَ الآخرُ كما يفكّر هو، ويعتنقُ سواه ما يعتنق هو، وإلا السيف والمغايظة والظلم؟!
لا أشعر بالدفء في إفطار رمضانيّ، قدر ما أشعرُ به مع أصدقائي المسيحيين. لأن رمضان الكريم لحظتها يأخذ بُعدًا إنسانيًّا أشملَ وأوسعَ وأجمل. تظلّلنا الآن مظلة "الإنسانية" الأرحب، ويكون جمعُنا على محبة الخالق العظيم الذي شاء أن نتحاب ونُعمّر ونشيّد، لا أن نتباغضَ ونهدم ونقتتل.
المفكر الصهيوني "داڤيد بن جوريون"، أول رئيس لوزراء إسرائيل بعد قيامها عام 1948، تساءل عن كيفية كسر شوكة العرب المحيطين بدولته الوليدة، حتى يعيش هذا الكيان المحتلُّ في أمان وسط الدول الرافضة وجوده. فقدّم له "موشيه شاريت"، وزير خارجية إسرائيل دراسة تقول إن السبيل الأوحد للحفاظ على إسرائيل، وسيادتها ليكون لها اليد العليا في المنطقة، هو تدمير ثلاث دول محددة: العراق، سوريا، مصر. قال في دراسته: “قوّتنا كإسرائيل لا تكمن في القنبلة النووية، لأنها تحمل في طيّاتها أسبابَ فنائها. بل يكمن نصرُنا في تفتيت ثلاث دول عربية كبرى حتى تتشرذم إلى دويلات صغيرة متناحرة على أسس طائفية وعرقية: شيعة وسنّة في العراق، علويون وسنّة وأكراد في سورية، مسلمون ومسيحيون في مصر. ونجاحنا في هذا لن يعتمد على ذكائنا، إنما يعتمد على غباء الطرف الآخر”. ومفهوم مَن المقصود بالطرف الآخر دون شك. لكن "بن جوريون" ردَّ عليه قائلاً: "بوسعنا النجاح فى العراق وسوريا. ولكن فى مصر لن يُكتب لنا النجاح؛ لأن الكتلة الشعبية الصلبة فى مصر من المسلمين والمسيحيين من العسير تفتيتها.”
ويأتي هذا الإفطار المصري للمسلمين والمسيحيين في إحدى ليالي رمضان، وصلاة المسلمين وتكبيرهم في ساحة الكنيسة، ليؤكد صحة كلام "بن جوريون”. أن المصريين كتلةٌ صلبة لا تنفصم.
يتكرر المشهدُ المتحضر كلَّ عام في رمضان على أرض مصر الطيبة. يفتح المسيحيون كنائسهم لصلاتنا، ويولمون الولائم لنتناول إفطارنا. يصومون صيام القيامة المجيد، ونصوم رمضاننا، ونرفعُ للسماء وجوهنا معًا لندعو اللهَ أن يمدّ يده الطيبة ليحفظ مصر وجيش مصر ورئيس مصر العظيم "عبد الفتاح السيسي" الذي خلّص مصر من ويل الإخوان وراح يشيّد "الجمهورية الجديدة" على أسس المواطنة والعدالة والتحضر والرقي الفكري، وواجه بحسم نبتة الإرهاب السوداء القبيحة التي زرعها المجرمون في دورنا وشوارعنا ومؤسساتنا وفي قلوبنا.
شكرًا على المحبة التي لو غمرت جموعَ المصريين ما قدرت علينا شياطيُن العالم. وشكرًا للرئيس العظيم "عبد الفتاح السيسي" الذي نجح في هدم الفجوة التي صنعتها سياسياتٌ عنصرية خاطئة بين المسلمين والمسيحيين. وشكرًا لكل مستنير يبني الوطن ويكرّس وحدتنا ولا يسمح للشتات أن يخترق كتلتنا المصرية الصلبة، والخزي والعار لكل مُغرض عميل يحاول تفتيت كتلتنا وشق صفنا. وخالص العزاء في الشهيد العزيز الأب القمص "أرسانيوس وديد" كاهن كنيسة السيدة العذراء وماربولس بالأسكندرية. “الدينُ لله والوطن لجميع أبناء الوطن.”

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 145-An-Nisa


.. د. حسن حماد: التدين إذا ارتبط بالتعصب يصبح كارثيا | #حديث_ال




.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟


.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى




.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت