الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسألة الملك والأخلاق والكتابة عند عبد الرحمن بن خلدون

محمد بقوح

2022 / 4 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


1 - ضرورة الاجتماع الإنساني
يعتبر عبد الرحمن بن خلدون (1332-1406)، كرائد لفكر الاجتماع، حياة التجمع المدني المنظم بقواعد، أساس الوجود الطبيعي للأشياء والأحياء. وهو ما يسميه بالعمران الذي يعني عند ابن خلدون الوضع الطبيعي المدني للإنسان بالضرورة. لهذا، دافع صاحب المقدمة عن أطروحته الفكرية بخصوص مسألة الاجتماع الإنساني، اعتمادا على ثلاث مرجعيات أساسية، تتناغم في فكره ونظرته للأشياء بشكل متكامل، إلى درجة تكاد تشكل مجتمعة هوية فكرية وفلسفية موحدة، نعني بهذه المرجعيات:
١ المرجعية العلمية والفلسفية التي تحظى بقيمة كبرى في طرحه، كما تبدو متجلية من خلال تحليله المنطقي وتصوره الفلسفي و لغته العلمية المفهومية الواضحة.
٢ المرجعية الدينية المرتبطة عند صاحبنا باستكمال المعنى الفلسفي حول قضية تحليله بالتفسير الديني، كنعته مثلا للإنسان بالكائن المنظم الذي خلقه الله ليكون خليفة له على الأرض، وأيضا، على صورة ما يحتاج إليه، وما يتطلبه الواقع الطبيعي للوجود حوله. أي وصفه للإنسان ولقدرته على الفعل والعمل وفق إرادة الله ومشيئته.
٣ المرجعية الواقعية المادية التي غالبا ما يختم بها الرجل تحليله العلمي و الفلسفي، دعما وتأكيدا و دفاعا عن أطروحته الفكرية كقضية الاجتماع البشري. ومن تم، فابن خلدون هنا يفكر ويحلل بطريقة محايثة لا تختلف كثيرا عن طريقة اسبينوزا (1632-1677)، خاصة فيما يتعلق بمفهوم الضرورة و المشترك الطبيعي للأشياء والأحياء.. رغم اختلاف الرجلين على جميع المستويات.. نفسيا واجتماعيا و تاريخيا، لكن يبقى الجانب الفكري قابلا دوما أن يقرأ هنا، من منظور ما يمكن نعته بوضعية ديمومة الأفكار وتلاقح الرؤى الفكرية والفلسفية بعيدا عن شروط عصورها، تلك التي تتميز بقدرتها الكبيرة على اختراق الأمكنة و الأزمنة..
هكذا، يختم ابن خلدون طرحه وتحليله لقضية الاجتماع الإنساني، فضلا عن المرجعيات السابقة، باستحضار ذكي لمنظومة القيم التي لا بناء وتأسيس لأية حياة طبيعية، دون اعتمادها كأساس للوضع البديهي المأمول، وينصح ذلك حين يربط الرجل بين ضرورة الانطلاق من التعاون والتفاعل الإيجابي بين الأفراد والجماعات لتحقيق التعايش، ومن تم، تطور وتقدم النوع البشري باعتباره امتداد طبيعي لكل أنواع تجليات الحياة..
2- وازع الملك
يعني الملك عند عبد الرحمن بن خلدون السلطة، وفعل القيادة، والحكم الذي يحتاج إلى حاكم يخضع اتباعه لحكمه.
وقد تحدث صاحب المقدمة عن مفهوم الملك، باعتباره نزعة طبيعية مشتركة بين الحيوان والإنسان. فالميل إلى السلطة والسيطرة طلبا للغلبة و الهيمنة، من مواصفات النوع الحيواني، كالنمل والنحل والأسد مثلا، وذلك بمقتضى الفطرة والطبيعة، عكس الوضع بالنسبة للنوع البشري الذي يحضر عنده هاجس الملك وحب السلطة وقيادة الجماعة، بفعل دهاء الفكر و فعل السياسة.
يفسر ابن خلدون حضور مسألة الملك كنزعة حب قيادة الجماعة وحكمها، بضرورة الاستجابة للقانون الطبيعي في عالم الغابة، بالنسبة للجنس الحيواني، و للنظام الإجتماعي المتضمن في إطار القانون الطبيعي، بعالم العمران والحضارة بخصوص الجنس البشري، دفعا للظلم و العدوان في حياة الأفراد والجماعات.
3- مسألة الأخلاق
إذا كان المتن الفلسفي النيتشوي يقر بأن الإنسان هو صانع قيمه وأخلاقه، بل ويتحكم فيها كما يريد وفق طبيعة قوته وقدراته، فإن الطرح النظري الخلدوني يفكر في مسألة الأخلاق من مظور مختلف ومضاد تماما. بحيث ينظر صاحب المقدمة إلى عنصر الطبيعة، بمختلف تجلياتها كأصل وحيد للأخلاق والقيم الإنسانية. فالشجاعة مثلا ناتجة حسب تحليله المادي، عن الأصل الطبيعي البدوي للإنسان. فكلما اقترب الفرد من الحياة الطبيعية بمعناها المتوحش، ارتفع منسوبه الشخصي من قوة الشجاعة، وزادت قدرته على تحصيل الغلبة وتحقيق الحياة الآمنة، والعكس صحيح تماما. كلما ابتعد الإنسان عن أصله الطبيعي البدوي والجبلي، اقترب من أخلاق الهشاشة و الضعف كالخوف والتحايل والحذر المركب، تلك الأخلاق التي يعتبرها ابن خلدون متحولة ومشوهة عن أصلها الطبيعي، لأنها أصبحت بعد حال التحول تنتمي إلى عالم المدينة المختلف والغريب، الذي يحتاج فيه المرء إلى قدرات أكثر قوة، ومن نوع مختلف للتعايش معه. وما يتطبق على الأفراد وكذلك الحيوان ينطبق على الجماعات والأمم، لهذا قال: (من كان من هذه الأجيال أعرق في البداوة وأكثر توحشا كان اقرب إلى التغلب على سواه). المقدمة - ص 138.
هكذا يتضح، أن العلامة عبد الرحمن بن خلدون يفكر في مسألة الأخلاق، من منظور ثابت، بسبب معالجته للقضية المطروحة بفكر الثنائيات (بادية - مدينة) و هوية الانواع غير المنسجمة في أصلها (البشر - الحيوان)، إلا أن تحليله الشمولي و المتعدد الأبعاد، كان يتم في سياق تفكير عصره و زمنه التاريخي، الأمر الذي يضفي قيمة علمية، و منهجية وحضارية على أطروحته الفكرية الخلدونية.
4- منهجية الكتابة
يمكننا رصد مفهوم الكتابة عند عبد الرحمن بن خلدون، خاصة في مؤلفه القيم (المقدمة)، انطلاقا من ملاحظة أهم مرتكزات منهجيته في تحليل القضايا والظواهر التي يطرحها، ويتخذها كموضوع للتفكير، ندرجها على الشكل التالي:
أ- المرتكز العلمي، يبدأه بتشريحه للظاهرة الإجتماعية أو الثقافية التي يطرحها للنقاش، كما يشرح العالم مادته العلمية في مختبره، بكيفية مستقلة، ومجردة عن ذاته، أو ذوات الآخرين المحيطين به. كتفسيره مثلا، لقضية العصبية، في سياق علاقتها الجدلية بالطبيعة الجافة للبيئة المحيطة بالفرد والجماعة.
ب- المرتكز الفلسفي، يستحضر فيه ابن خلدون أقوال الحكماء وحكم الفلاسفة، خاصة (جالينوس) وشيخ فلاسفة الإغريق (سقراط).. إضافة إلى تحليله الفلسفي الذي يراهن ضمن أسسه المتعددة والمختلفة، على الأسلوب الحجاجي الواضح المعالم، واللغة المنطقية الصارمة، والتفكير النقدي الذي يمكن أن يصل به أحيانا إلى درجة التفكير الجذري.. إلخ.
ج- المرتكز التاريخي والديني، بحيث لا تجد نصا لصاحب المقدمة، دون أن يستعين في تحليله العلمي والفلسفي/ الإجتماعي للقضية المطروحة للنقاش، بعنصر الحجة الدامغة من تربة الواقع الإجتماعي و التاريخي للناس. فالتحليل عند الرجل، لا يقتصر على التفكير النظري، بل لابد أن يمتد وينتهي إلى الواقع التاريخي حيث تكمن حقيقة دينامية العيش اليومي للإنسان في صلته بتفاصيل الحياة.
كما نجد ابن خلدون يختم دوما وأبدا مقارباته الفكرية وتحاليله التاريخية والاجتماعية، باعتماد قرينة النص الديني (الله أعلم) الذي يعتبر المرجع الأساس ضمن كلية تحليله التاريخي والثقافي للظاهرة المطروحة، تأكيدا لنسبية خلاصاته الفكرية، وكذلك لابد من الإشارة إلى استحضاره المنهجي لبعض الأحاديث النبوية و الأقوال الفقهية، يدعم بها طرحه النقدي و الفلسفي المعنى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و