الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 42

ضياء الشكرجي

2022 / 4 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وَلَقَد آتَينا موسَى الكِتابَ وَقَفَّينا مِن بَعدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَينا عيسَى بنِ مَريَمَ البَيِّناتِ وَأَيَّدناهُ بِروحِ القُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُم رَسولٌ بِما لا تَهوى أَنفُسُكُم فَفَريقًا كَذَّبتُم وَفَريقًا تَقتُلونَ (87) وَقالوا قُلوبُنا غُلفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللهُ بِكُفرِهِم فَقَليلًا مّا يُؤمِنونَ (88)
ليس هناك دليل على أن ما لدى كل من الديانات الثلاث المعروفة بالأديان الإبراهيمية من كتب مقدسة عندهم، تسمى بكتب سماوية تمثل الوحي الإلهي إلى كل من موسى وعيسى ومحمد، بأنها حقا من وحي الله، لا، بل نستطيع القول أن أدلة امتناع صدورها عن الله من المتانة بمكان، بسبب تعارض كل هذه الكتب، بنسبة أو بأخرى، مع العدل الإلهي والحكمة الإلهية، وكذلك مع الحقائق العلمية، وتعارض أحكامها مع المساواة والمثل الإنسانية، علاوة على إخلالها بالسلام والتعايش. ثم من المفارقة الغريبة أن الإسلام يقر بوجود كتابين منزلين من الله على كل من نبي اليهود موسى باسم التوراة ونبي المسيحيين الذين ينعتهم القرآن بالنصارى عيسى باسم الإنجيل، ولكنه في نفس الوقت لا يعترف بكل من الكتابين الموجودين بين يدي أتباع كل من الديانتين، إذ يعتبر الكتابين أو الكتب الموجودة لديهم قد حرفت عما نزل على كل من موسى وعيسى، ولم يأت بما يدعي أو يعتقد أنهما الكتابان المنزلان قبل تحريفهما. وهنا تتكلم الآية 88 عن اليهود بقولهم «قُلوبُنا غُلفٌ»، ولعلهم قالوها تهكما، بمعنى أنهم لا يفهمون ما يقوله لهم محمد، أو لأنهم فعلا لا يريدون سماع شيء عن دين جديد، ينقض دينهم أو ينسخه، وهكذا هم الكثير من المسلمين الذين يرفضون سماع ما ينقد أو يدحض أو ينقض دينهم. فهذا هو حال معظم المتشددين في التمسك بدينهم، أو حتى بمذهبهم، أو بصورة فهم مغايرة لدينهم من داخله أو ليس من خارجه. أما قول الآية «بَل لَّعَنَهُمُ اللهُ بِكُفرِهِم فَقَليلًا مّا يُؤمِنونَ»، فعجيب أمر الأديان كيف تستسهل اللعن على من لا يؤمن بما يؤمن به أهل ذلك الدين، عدم الإيمان هذا، الذي قد لا يعدو عدم القدرة على الاقتناع، وليس بالضرورة المعاندة، مما يمتنع عقلا أن تنالهم لعنة الله، واللعن لا يعني بالمعنى القرآني ولعله بعموم المعنى الديني إلا حرمان المصبوبة عليه لعنة الله من أي قدر من الرحمة، فاللعنة هي النفي المطلق للرحمة، أي النقيض لها، وهذا لا لشيء، إلا لأن إنسانا ما، أو مجموعة ما من الناس لم يستطيعوا أن يؤمنوا بأمر غيبي عرض عليهم ينفي ما يعتقدون به مما ورثوه، أو يناقض قناعتهم وفهمهم. أما عبارة «بَل لَّعَنَهُمُ اللهُ بِكُفرِهِم فَقَليلًا مّا يُؤمِنونَ» قد تعني أن عدم الإيمان جاء كنتيجة للعن الله لهم، وهنا يشكل على المعنى أن الله هو الذي لعنهم، ثم حالت لعنته دون إيمانهم، ثم يعذبهم عذابا أبديا بسبب عدم إيمانهم، الذي كان أمرا جبريا فرضته عليهم لعنة الله. أما إذا قصدت الآية أن الله لعنهم لأنهم كفروا، أي لم يؤمنوا، فهذا بحد ذاته لا يستحق اللعن الإلهي ومن ثم العذاب الأخروي الأبدي، لأن الإيمان وعدم الإيمان، والاقتناع وعدم الاقتناع أمر في أغلب الحالات غير اختياري، ومعاقبة إنسان على أمر غير اختياري خلاف العدل البشري النسبي، ناهيك عن العدل الإلهي المطلق. وبقيت عبارة «فَقَليلًا مّا يُؤمِنونَ» تحتمل احتمالين، حالها حال الكثير من آيات القرآن، إما إن القليل منهم الذين آمنوا بالدين الجديد، وحقنوا دماءهم بذلك، أو إن إيمانهم قليل، بمعنى ضعف الإيمان، أو بمعنى الإيمان الجزئي، أي دون الإقرار برسالة محمد وإلهية القرآن.
وَلَمّا جاءَهُم كِتابٌ مِّن عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِّما مَعَهُم وَكانوا مِن قَبلُ يَستَفتِحونَ عَلَى الَّذينَ كَفَروا فَلَمّا جاءَهُم مّا عَرِفوا كَفَروا بِهِ فَلَعنَةُ اللهِ عَلَى الكافِرينَ (89)
يكرر القرآن قوله إن الدين الجديد، والكتاب المنزل على نبي هذا الدين جاءا مصدقين بما لديهم من توراة وإنجيل. وسبق وأشرنا إلى المفارقة في هذا الادعاء، فهو تصديق بكتابين مفترضين غير محرفين، وليس تصديقا بما لدى كل من اليهود والمسيحيين من كتابين أو كتب، في حال التعدد، والتعدد قائم عند أتباع كل من الدينين. والآية تحدثنا عن كون اليهود كانوا من قبل يستفتحون، أي يتحدثون عن قرب ظهور النبي الجديد، أمام (الذين كفروا)، وهنا المقصود استثناءً المشركين، لأن الكلام يجري عما قبل الإسلام، أما بعد الإسلام فأصبح مصطلح (الذين كفروا) لا يعني إلا غير المسلمين. وتتجدد اللعنة هنا على من لم يؤمن بالإسلام، فيترك دينه ليتحول إلى الدين الجديد، فالمرء يجد نفسه أمام خيارين، إما يقتنع بالدين الجديد ويتحول إليه بترك دينه فيكون من (الذين آمنوا)، وإما لا يقتنع فيبقى على دينه أو عقيدته فيكون من (الذين كفروا)، فيستحق اللعن والعذاب الأخروي، علاوة على هدر دمه في الدنيا، عندما يوضع ككتابي أمام ثلاثة خيارات، الإسلام، أو الجزية، أو القتل، بينما غير الكتابي ليس أمامه إلا خياران، الإسلام أو القتل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حتة من الجنة شلالات ونوافير وورد اجمل كادرات تصوير في معرض


.. 180-Al-Baqarah




.. 183-Al-Baqarah


.. 184-Al-Baqarah




.. 186-Al-Baqarah