الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل قام المسيح أو رُفع؟

عادل صوما

2022 / 4 / 15
المجتمع المدني


يلاحظ المسيحيون الذين تخطوا الخمسين من عمرهم فتور أو تجاهل المسلمين لمعايدتهم، خصوصاً في عيد القيامة، وهي ظاهرة لم تكن موجودة بالشكل الذي نراه اليوم عندما كانوا أطفالا.
على سبيل المثال، كان المسلمون في لبنان منذ أكثر من خمسين سنة يقولون للمسيحين في عيد القيامة Joyeuses Pâques، ما يعكس الثقافة الفرنسية للبنانيين، والتعليم في مدارس كانت تجمع الأديان والملل والمذاهب كافة، وكانت حتى قلة من النساء الدرزيات في لبنان يذهبن إلى الكنيسة لحضور طقوس جنّاز المسيح يوم الجمعة العظيمة، ولم يزل في صور ذاكرتي بكاء بعضهن تأثراً من التراتيل الحزينة، التي تحفزهن أيضا على تذّكر موتاهن، فكلٌ يبكي موتاه في الواقع في هذا القداس ولا يبكي المسيح، بمن فيهم المسيحيون.
كان لبنان ببساطة بلداً لم تغزه بعد إيديولوجية "إزالة الحالة الاستعمارية" التي ينادي "حزب الله" بها، وضمناً تيار الصحوة السُنّي التكفيري.
أصبحت أثار حالة الصحوة وعقيدة "إزالة الحالة الإستعمارية" منتشرة في الشرق الأوسط وليس في لبنان فقط، وهاجر شرق أوسطيون بهذه العِلل النفسانية وتشوهاتها السلوكية إلى كل دول العالم، وأصبح طبيعياً تجاهل أو فتور معظم المسلمين لتهنئة المسيحي في مناسباته في كل القارات، وليس في الدول ذات الغالبية المسلمة فقط.
دعاة تيار الصحوة السُنّية وملالي "إزالة الحالة الإستعمارية"* زرعوا ما زرعوا في النفوس، وإذا سأل مسلم بحكم عادة رجوعه إلى الفقهاء التي أصلّوها حتى في خصوصياته وملابسه وشؤون صحته وطعامه وعلاقته بالآخر، وكما ورد على سبيل المثال في موقع "الإسلام سؤال وجواب": ما حكم تهنئة النصارى في أعيادهم بكلمة "كل سنة وأنتم طيبون". أي نتمنى أن يكونوا طيبين، أي لا يؤذونا في ديننا، وليس بغرض تهنئتهم على شِركَهم، كما أذيع عند بعض المشايخ؟
يأتيه الجواب: قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى (488/2): "لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء ، مما يختص بأعيادهم ، لا من طعام، ولا لباس ولا اغتسال، ولا إيقاد نيران، ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة، وغير ذلك، ولا يحل فعل وليمة، ولا الإهداء، ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك، ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد، ولا إظهار زينة".
تاريخ وواقع
واضح أن ما يُقال يعكس تاريخ بيئة لا تشبه بيئتنا، ويستحيل تطبيقه في واقع ومستقبل الشعوب، فقد أصبحت الأعياد والمناسبات صناعة وسياحة وتجارة تدر الملايين، كما يستحيل تطبيق ما قيل سوى في صحراء تعيش فيها أفراد قبائل متباعدة ذات ثقافة تقوم على الغزو، ويتحركون أينما كان الكلأ والماء ولا يعيشون في أوطان، ويطبخون على حطب ويغتسلون من الينابيع، ويعتمدون على الدواب وسيلة تنقل، بينما كوكبنا اليوم يسكنه أكثر من سبع مليارت من البشر، يتحرك الناس فيه بطائرات وسيارات ويستعملون أفران غاز الطبخ والكهرباء والمايكرويف والهاتف الخلوي والأكل المحفوظ والمجلّد، ويستقرون كمواطنين داخل أوطان وليس كرّحالين إلى مواطىء الكلأ.
أعود إلى ذكرى القيامة التي أصبحت تهنئة المسلم للمسيحي مستحيلة فيها، كما يهنئه في الكريسماس حياءً، فكثير من أولاد المسلمين أصبحوا بسبب الإنترنت والفضائيات يطلبون شجرة الميلاد وزينته في بيوتهم، بل أصبحت دول إسلامية تحتفل به كمناسبة سنوية تسويقية وترفيهية وسياحية كبرى.
لا يهنىء المسلم المسيحي في عيد القيامة، لأنه يعتبر أن هذه التهنئة اعتراف بقيامة المسيح، الذي يقول القرآن عنه أنه رُفع ولم يُصلب وبالتالي لم يقم.
سواء قام المسيح حسب معتقدات المسيحيين، أو رُفع حسب معتقدات المسلمين طبقاً لتفاسير الآيات، يجب ان يفرح المسلم بهذه المناسبة ويهنىء نفسه أولاً، فالمسيح أعطاه الأمل تطبيقياً وعملياً بوجود حياة أخرى، سواء قام أو رُفع، والمسلم يؤمن بالله ورسله واليوم الآخر.
تناسق وتنافر
كشخص غير مؤمن، أجد أمراً مثيراً للإهتمام بين القيامة والرفع حتى على المستوى الأسطوري، فالرواية المسيحية أقرب للتصديق منطقياً من الرواية الاسلامية.
في المسيحية رواية متناسقة عبر المسيح فيها الموت، ثم عاد بجسد نوراني ممجد، وفي الرواية الاسلامية رُفع المسيح منذ أكثر من 2022 سنة إلى سماء أبدية نورانية، مُفترض فيها استحالة حياة انسان بجسد ترابي، حيث لا نوم أو أكل وشرب يشبه ما نأكله على الأرض، وحتى لا مكان لقضاء الحاجة لو أكل بشكل عجائبي من مأكولات الأرض.
كما أن الرواية المسيحية أكثر قبولاً وعدلاً من تفاسير إلقاء الشبه على شخص آخر، وإبدال ذاكرته وصوته وتغيير شكل ولون شعره وتقصير قامته أو إطالتها ليطابق مواصفات المسيح، ثم يُصلب على جريمة لم يفعلها.
المجتمع المدني
المفترض على كوكب يعاني كوابيس بيئية ووبائية وسياسية وعسكرية، ويشهد إحلال الفوضى بإسم الحرية محل الثقافات، وموجات هجرة ستُفقر أكثر دولها المتخلفة التي خرجت منها، وتنهك المجتمعات المتقدمة التي تذهب إليها، وشح قريب في الموارد الطبيعية يقابله زيادة مفرطة في عدد الناس، ألاّ يُضاف كابوس غيبي إلى كوابيسه الحقيقية يصنّف الناس أعداءً لبعضهم بعضاً، عوضاً عن التعايش والتعاون في حياة واقعية صعبة للغاية، فيها مصالح متبادلة وكوابيس مشتركة.
حياة واقعية يُخلص كل إنسان فيها لغيبياته ويحترم غيبيات غيره، أما تجييش المؤمنين بمرويات صحرواية لكراهية عدم المؤمنين بها، فاتجاه عفى عليه الزمن ويجب وضعه في دفاتر التاريخ، لأننا نعيش في مجتمعات مدينية تجمع ملايين البشر بغيبياتهم كافة، وليس في أديرة أو جوامع أو معابد تجمع ديناً أو مذهباً واحداً.
*هي في واقع الأمر حالة تنويرية، كانت دول الشرق الأوسط فيها بحالة أفضل من أيام الاحتلال العثماني، وبواسطتها دخلت إلى عصر العلم والأدب والفن بفروعه كافة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي