الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني الفصل السادس القضية الكردية في الشرق الاوسط وسبل الحل المحتملة 1-20

عبدالله اوجلان

2006 / 9 / 12
القضية الكردية


تشهد بلدان الشرق الأوسط الأخرى التي لها النمط التركي نفسه وتحديثه بشكل متأخر وتنفيذه ضمن مجال ضيق، تناقضات مشابهة للتناقض الذي تحدثنا عنه وهي تناقضات أعمق، إن الدول العربية التي يسيطر عليها بقايا نظام الإقطاع، تلقت قليلاً من التربية على يد الحضارة الغربية لتواصل وجودها بشكل مستسلم تماماً، ويسري ذلك في الدول ذات الحكم الملكي والأميري، ومثلما لم يستطع الداعون إلى الحداثة والذين ظهروا بمزاعم تحولات متطرفة والحركات التي تعتمد في أساسها على البرجوازية الصغيرة، أن يتجاوزوا النظام الإقطاعي، كذلك لم يستطيعوا أن يبلوروا توجهاً واضحاً نحو تحقيق ديمقراطية منسجمة وكأنهم لم يستطيعوا أن يلعبوا أي دور أكثر من أن يكونوا ملكية معاصرة، وبذلك لم يستطع هؤلاء أن يكونوا ذو قدرة على تأسيس أي رابطة ذات معنى سواء مع الأسس التاريخية للشرق الأوسط أو مع المعايير الديمقراطية التي توجهت إليها الحضارة المعاصرة، بل اكتفوا بسياسة أساسية معتمدة على التوازنات الدولية قوامها حركة إنقاذ آنية باستخدام القومية العربية ضد القومية الإسرائيلية، لذلك تعاني مجتمعاتهم من صراع مرير ضد المشاكل الاقتصادية والسياسية والديمقراطية والثقافية والاجتماعية التي تتفاقم يوماً بعد يوم، ولم يستطيعوا إظهار الأهلية أو الموهبة الضرورية في تمثيل الخصائص الإيجابية للحضارة الغربية وإظهار أصالتهم الذاتية، حتى وإن لم يظهر وضع النمط التركي المتناقض الأكثر عمقاً في هذه الدول بشكل واضح بسبب عائدات البترول، فإنه سيعبر عن نفسه على شكل انفجارات اجتماعية كبرى مع الانخفاض في الدخل، وسيواصل وجوده حتى يتم خلق الحلول الخاصة به على أساس إيجابي باعتباره وضعاً راهناً، وذلك إما عن طريق التحول الديمقراطي الكامل أو بالتفسخ والتأزم المستمر.
وأما بالنسبة لبقية الدول مثل إيران وباكستان وأفغانستان، فإنها بالرغم من كل التناقضات التي تعيشها، تشهد وضعاً مشابهاً، فلقد شعرت هذه الدول بحاجتها للإسلام عندما لم تنفع معها المناهج الكمالية التي جربوها منذ بدايتها وحتى الربع الأخير من القرن العشرين، و يعبر هذا الوضع عن فشلها وهزيمتها أمام الحضارة الغربية، كما أن الجهود التي بذلت لتجاوز الوضع الاستسلامي القائم عن طريق ردود الفعل الإسلامية، لم تستطيع أن تفعل أي شيء أكثر من وضعها خارج حدود العصر كما يلاحظ في النموذج الأفغاني، أما الصراع الدائر بين الطغمات الحاكمة من عسكرية ومدنية تحت الستار الإسلامي في باكستان، لم تستطع ايجاد مخرج ناجح، إذ أن الوضع القائم لهذه الكليشات لا تعبر عن أي شيء أكثر من كونها مؤسسات أوليغارشية رجعية، وبالرغم من نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية التي ظهرت على شكل ردود فعل شعبية ضد نظام الشاه الاستسلامي والمتأزم، فإنها تشهد الآن مشكلة أساسية في مسألة التحول الديمقراطي، من الملاحظ أن هذه الدول لم تستطع الخروج من التناقضات العميقة التي تشهدها، لأنها لم تعتمد في مواقفها الإيديولوجية والسياسية التي جربتها على الثوابت الحضارية الديمقراطية لأجل الوصول إلى الجوهر، سواء أكانت متسترة خلف القومية أو الاشتراكية المشيدة أو خلق الستار الإسلامي، ولهذا لم تستطع التخلص من تناقضاتها العميقة، وهكذا نرى أن على كافة دول الشرق الأوسط، إما أن تلتقي مع المعايير الديمقراطية وتتواصل بجوانبها الإيجابية مع الحضارة المعاصرة، وبذلك تجد حلولاً لتناقضاتها وتبدأ السير في طريق التقدم، أو تتابع الأساليب التي جربتها حتى الآن وتتعمق أزماتها، وبذلك تبقى ضمن حدود الاستسلام.
لقد كان جانب الاحتلال الاستعماري هو الغالب على أوروبا، وتسارع في بدايات القرن التاسع عشر، اذ كان العامل المحرك الأساسي في ذلك هو الهيمنة والطمع اللامحدود من أجل الربح، وكان الهدف الأساسي هو الانتصار على الشرق الأوسط وإرضاخه، لقد قابل الكرد هذا الشكل الجديد من الاستعمار الذي يعرفونه سابقاً منذ العصور الأولى والعصور الوسطى، في الفخ الذي أوقعوهم فيه، حقيقة إن "المصيدة الكردية " من المصطلحات السياسية الواجب تحليلها بشكل جيد، حيث تمتد جذور هذا الشرك / الفخ/ حتى عهد الاستيطان السومري، حيث تم إعداده بكل عناية وخبرة، وهدفنا من الإطار التاريخي الذي رسمناه سابقاً، هو شرح هذه المصيدة ومحاولة تحديد عوامله الأساسية، ولن نكرر ما شرحناه سابقاً، بيد أن المصيدة الأكثر خطورة هي التي تم تعزيزها بيد الرأسمالية الغربية، وبالتالي فإن تعريف تحليل الأسس التاريخية " للمصيدة الكردية" بالإضافة للمصيدة التي تم اعدادها اعتماداً على الرأسمالية، يكتسب أهمية كبيرة، فماذا تعني هذه المصيدة التي تم نسجها وتقويتها من جديد منذ مائتي عام.. ؟‍.
الجانب الأول، انه بدلاً من إسقاط الإمبراطورية العثمانية الذي سيؤدي إلى وضع لا يمكن الخروج منه ولا يمكن إنقاذه، قام النظام الرأسمالي بربط السلطان العثماني وشريحة مهمة من البيروقراطيين بنفسه، ووجد أن ذلك يتوافق ومصالحه، وبواسطة هؤلاء استطاع أن يطور سيطرته على المنطقة من جهة، وأن يؤدب الشعوب المتمردة من جهة أخرى، وأول من جرب هذا الأسلوب كانت بريطانيا وبهذه الطريقة أطالت عمر الإمبراطورية العثمانية مائة عام، وكانت مواقف فرنسا وألمانيا مشابهة من حيث الجوهر لهذه الطريقة، ولم يكونوا يعكسون الخلافات الموجودة فيما بينهم على التوازن الموجود في الشرق الأوسط، حيث كان السلطان المرتبط بهم جيداً والبيروقراطية المقسمة فيما بينهم هو الأكثر تلائماً لمصالحهم وأهدافهم في القرن التاسع عشر، وهكذا كان أفضل طريق بالنسبة لهم هو ضرب المعارضين لهم بالعصا العثمانية حتى يكون قد تحقق لهم التوسع خطوة بخطوة، وبهذا الشكل تم تقوية ذراع المصيدة.
وأما الجانب الثاني والأهم، أو ذراع المصيدة: فقد تم تطويرها اعتماداً على الشعوب ذات الأصول المسيحية، وأدعى الاستعمار الغربي أنه يعمل على إنقاذ هذه الشعوب مثل الروم والأرمن والآشوريين، بمصيدة هي أخطر طريق لتصفية هذه الشعوب في المنطقة، وقد تم تحويل كافة شعوب الشرق الأوسط إلى ضحايا هذه اللعبة، وبذلك تم تحويل التقليد الذي كان سائداً في بعض الأزمنة والذي يعتمد على تضحية الآباء بأبنائهم لرد الكوارث، إلى التضحية بالشعوب ولكن هذه المرة ليس من قبل الآلهة بل من قبل أبناء الجنس الواحد الذين يدعون بأنهم أصدقاء، ويقوم المستعمرون بواسطة حفنة من العملاء بتهجير الشعوب من أوطانها التي بنتها على مدى آلاف السنين، وبسلخهم عن ثقافاتهم وتحويلهم إلى أعداء لبعضهم بعضاً.
إن وضع الكرد في هذه اللوحة أشبه ما يكون بالكابوي، حيث سيكون الآلة الأكثر استخداماً من غيرها من قبل كافة صنوف المستعمرين، وسيلعب الكرد الذين سيتم استخدامهم كملقط، اعتباراً من بداية القرن التاسع عشر، دور الرافعة من أجل ربط الحكام الأتراك والعجم والعرب بالإنكليز بشكل خاص، ويتم تطبيق سياسة " أطعم الكلب للكلب "أو سياسة إصابة أكثر من عصفور بحجر واحد، فمن جهة يكسبون عملاء كرد ومن جهة ثانية يعززون تبعية الحكام الأتراك والعجم والعرب، الذين يخافون الكرد، ومن جهة ثالثة يجبرون الشعبين الأرمني والآشوري، اللذين يتعرضان لضغوطات وقمع العملاء الكرد الإقطاعيين، على اللجوء إليهم، وقد كان السلاطين والشاه والملوك يلعبون هذه اللعبة على المستوى الأدنى، أي أنهم كانوا ينفذون سياسة "دع الكلب يفتك بالكلب" ضد الفئات المعارضة لهم، وأما الشعوب التي وقعت ضحية لكل ذلك، فلم تلعب أي دور باستثناء تطبيق ما يؤمرون به، والقيام بمتطلبات اللعبة.
بالرغم من أن الكرد كانوا على رأس ضحايا المصيدة، فقد أوقعوا كافة شعوب المنطقة في المصيدة، مبرهنين على المثل القائل "ما تفعله بجارك ستراه في ديارك"، وقد أدى افتقار الكرد إلى الإمكانات الإستراتيجية، والانقسام المتطرف وعدم قدرتهم على توحيد قواهم إلى أن يكونوا أداة رخيصة لهذه اللعبة، إن المواقف الرأسمالية للركض وراء الربح الذي لا يعرف أية قاعدة ـ وقد اتبعت سياسات مشابهة في التاريخ ـ كل ذلك أدى إلى وقوع الشعوب في مواقع سلبية جداً، حتى وإن كانت اللعبة تستند إلى أسس فلسفية فمن الممكن أن ينطبق على ذلك المثل القائل "أهرب يا أرنب والحق به يا كلب الصيد"، وهكذا تستخدم الأطراف التي ترى بأنها تسبب مشكلة لها، حتى الرمق الاخير، وترهقها، وفي النهاية تلعب دور المنقذ كي تستخدمها من جديد وقت الحاجة، وعندما تحدثنا عن الكابوي فقد كنا نقصد هذه الحقيقة المؤلمة، لا شك أن طابع العمالة الذي اعتادت عليه الطبقة الكردية العليا، كان عاملاً هاماً في ذلك، وقد شكل وضع الشعب الغارق في الجهل وتشتته وصراعه الداخلي المستمر الذي تم تحريضه، أرضية مناسبة لذلك، لقد طُبقت هذه اللعبة على كافة الحركات المتمردة الكردية، التي تصاعدت تحت ظل الاستعمار الرأسمالي خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، ونجحت اللعبة في مهمتها، إذ أن الأسباب العادلة للتمردات لا تعبر عن شيء، فالمهم هو لصالح من كانت نتائجها، ومن هم أكثر المستفيدين منها.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا تحطم الرقم القياسي في عدد المهاجرين غير النظاميين م


.. #أخبار_الصباح | مبادرة لتوزيع الخبز مجانا على النازحين في رف




.. تونس.. مؤتمر لمنظمات مدنية في الذكرى 47 لتأسيس رابطة حقوق ال


.. اعتقالات واغتيالات واعتداءات جنسية.. صحفيو السودان بين -الجي




.. المئات يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة بإقالة نتنياهو ويؤكدون: