الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آوان ازدهار الجنس البشري (3-7)

راندا شوقى الحمامصى

2022 / 4 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من أجل وضع أسس لحقوق الإنسان والتى تصاغ بواسطة هيئات أممية وترويجها لتصبح قواعد ومعايير عالمية لابد من إعادة تعريف وصياغة العلاقات والصلات الإنسانية بصورة جوهرية. إذ أن المفاهيم الحالية لما هو طبيعى ومناسب فى العلاقات والصلات بين البشر وبعضهم، وبين الناس والطبيعة، وبين الفرد والمجتمع، وبين أفراد المجتمع ومؤسساته تعكس مستويات وعى وصل إليها الجنس البشرى خلال مراحل سابقة من تطوره كان فيها أقل نضجاً وإدراكاً. إذا أردنا للبشرية أن تبلغ سن رشدها فعلاً وإذا كان لسكان المعمورة أن يصبحوا شعباً واحداً، وإذا كان للعدل أن يكون المبدأ المسير للنظم الاجتماعية، فلابد للمفاهيم القائمة حالياً والتى نشأت فى ظلال من عدم المعرفة بهذه الحقائق والوقائع البارزة من إعادة صياغة فى قوالب جديدة.
يكاد يكون التحرك فى هذا الاتجاه قد بدأ وسيؤدى بدوره إلى مفاهيم جديدة عن طبيعة الأسرة وعن حقوق وواجبات كل فرد فيها، وسيحدث تحولات جذرية فى دور المرأة على كل المستويات وستكون له آثار كاسحة فى تغيير مفهوم الناس لعلاقاتهم بالعمل الذى يمارسونه ولفهمهم لدور الأنشطة الاقتصادية فى حياتهم وسيؤدى ذلك حتما إلى تغييرات بالغة الأثر فى التحكم فى شئون البشر وفى المؤسسات التى تدير هذه الشئون، وبتأثيره فإن أعمال المنظمات غير الحكومية والتى تتكاثر وتنتشر الآن سريعاً ستصبح أكثر عقلانية وسيؤكد ضرورة وضع قانون ملزم يكون من شأنه حماية البيئة وفى نفس الوقت يلبى احتياجات البشر التنموية من موارد بيئية. وسيؤدى إلى تغيير وإعادة هيكلة أنظمة الأمم المتحدة - وإن ذلك قد بدأ فعلاً - وسيقود فى خاتمة المطاف إلى تأسيس اتحاد ائتلافى بين الأمم ( نوع من الفيدرالية ) تكون له هياكله ومؤسساته التشريعية والقضائية والتنفيذية.
إن الركيزة الأساسية لإعادة صياغة مفهوم العلاقات بين البشر هى ما تفضل وأشار إليه حضرة بهاء الله بالمشورة، إذ تفضل حضرته ناصحاً بما معناه: "التشاور مهم فى كل الأشياء. ". " وبلوغ أوج موهبة الفهم يتم بالتشاور."
إن مستوى تحرى الحقيقة التى تتطلبه عملية التشاور هذه أسمى بكثير من نماذج المحادثات والحلول الوسط التى تتصف بها المناقشات الجارية اليوم عن أوضاع البشرية. لا يؤدى أسلوب الاحتجاج المنتشر فى المجتمعات المعاصرة إلى الوصول إلى مثل هذا المستوى. إن أشياء كالمناصرة والدعاية والطرق المناوئة وكل وسائل الممالأة والتحيز التى أصبحت الآن من السمات الرئيسية للعمل الجماعى، كلها ضارة أساساً ومنافية للهدف والغرض من المشورة والوصول إلى إجماع وإلى أفضل الخيارات المتاحة.
يدعو حضرة بهاء الله إلى أسلوب من التشاور يسمو فيه الأفراد ويتجاوزون عن وجهات نظرهم الخاصة ولا يصرون على التمسك بها ليحق لهم أن يكونوا أعضاء فى كيان له هو أيضاً اهتماماته وأهدافه وغاياته. فى جو كهذا تسوده روح الصراحة والإخلاص واللطف والأدب فإن أفضل القرارات التى يمكنك التوصل إليها هى تلك التى تنبع من أفكار لا تنسب إلى الأفراد الذين صدرت منهم أثناء النقاش بل إلى المجموعة ككل سواء أأخذت المجموعة بما جاء فى الاقتراح بحذافيره أو عدلت فيه أو ألغته. إن نجاح التشاور يقاس بالمدى الذى يؤيد ويساند به المشاركون فيه القرارات التى يتوصلون إليها بغض النظر عن أفكارهم وآرائهم الفردية المسبقة التى يدخلون بها إلى ساحة النقاش. فى جو وظروف كهذه يمكن إعادة النظر فى أى قرار سابق إذا ما أبانت التجربة عن قصور فيه.
على ضوء ذلك فإن التشاور هو الأداة المعبرة عن العدل فى الشئون البشرية. أن المشورة لفى غاية الأهمية لنجاح الجهود الجماعية إذ أنها العمود الفقرى لوضع أى استراتيجية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية تكون قابلة للبقاء والاستمرار طويلاً. بما أن نجاح مثل هذه الاستراتيجية يتوقف ويعتمد على التزام ومجهودات الناس فإن مشاركتهم لن تكون فعالة ومؤثرة إلا إذا ما اتُخِذَت المشورة مبدأً وأساساً لتنظيم وتنفيذ أى مشروع. وشهادة لهذا يتفضل حضرة بهاء الله بما معناه: " لن يبلغ الإنسان ما قدر له من مقام إلا بعدله. ولا قوة إلا بالاتحاد ولا يحصل الفلاح و لا الصلاح إلا بالمشورة."(وثيقة ازدهار الجنس البشري)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات موجعة للمقاومة الإسلامية في لبنان القطاع الشرقي على ا


.. مداخلة خاصة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت




.. 108-Al-Baqarah


.. مفاوضات غير مباشرة بين جهات روسية ويهود روس في فلسطين المحتل




.. حاخامات يهود يمزقون علم إسرائيل خلال مظاهرة في نيويورك