الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 43

ضياء الشكرجي

2022 / 4 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بِئسَمَا اشتَرَوا بِهِ أَنفُسَهُم أَن يَّكفُروا بِما أَنزَلَ اللهُ بَغيًا أَن يُّنَزِّلَ اللهُ مِن فَضلِهِ عَلى مَن يَّشاءُ مِن عِبادِهِ فَباؤوا بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَّلِلكافِرينَ عَذابٌ مُّهينٌ (90)
هنا تبين الآية أن سبب عدم اعتناقهم للدين الجديد، هو الحسد، الذي تعبر عنه الآية بالبغي، ولو إن البغي يعني الظلم والعدوان، لكن استعمله القرآن أحيانا بمعنى الحسد، بمعنى أنهم كانوا ربما سيؤمنون، لو كان النبي الجديد واحدا منهم. وهذا لا يبعد أن يكون سببا من الأسباب، على الأقل عند فريق منهم، وليس عندهم جميعا، لأنه حتى لو ادعى واحد من بني إسرائيل (أحفاد يعقوب) النبوة، فبكل تأكيد لم يكن كل اليهود أو بني إسرائيل سيؤمنون به، بل سيؤمن به فريق، وينكر نبوته فريق آخر. نعم إذا كان هناك من لم يتبع النبي محمدا، فقط لأنه ليس منهم، فالظاهر إنهم كانوا أو كان قسم منهم سيؤمن بالنبي والدين الجديدين. لكن لا أحد يستطيع أن يخمن كم كانت نسبة الذين سيؤمنون، فهو مجرد افتراض، لا دليل على تحققه. رد القرآن على الذين اعترضوا على نزول القرآن على شخص قرشي من أهل مكة، وليس من قوم آخرين بـ«أَن يُّنَزِّلَ اللهُ مِن فَضلِهِ عَلى مَن يَّشاءُ مِن عِبادِهِ». هذه الـ «مَن يَّشاءُ مِن عِبادِهِ» سواء هنا أو كون الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، أو كونه يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، دافع عنها فريق من المفسرين أو علماء الكلام، الذين يعتمدون بنسبة ما التفسير العقلي والتأويل، بأن قضية أن يشاء الله أو لا يشاء ليس عشوائية، باعتبار أن الله حكيم وعادل، بل لأنه يعلم من يستحق أو لا يستحق الهداية أو الاجتباء أو الرزق أو الرحمة والمغفرة. لكن مؤلف القرآن جعل العذاب على مخالفيه سواء كانوا أناسا طيبين أو كانوا سيئين، من حيث تعاملهم مع الناس، وبمقدار ما يلتزمون أو لا يلتزمون به من الأخلاق الحسنة والعدل والإحسان، بقطع النظر عن عقيدتهم، لأن العقيدة هي المعيار الأول عند الإسلام، وهكذا هو عند معظم الأديان. فهنا الذين لا يقتنعون بنبوة محمد وبدين الإسلام إلا كونهم «باؤوا بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَّلِلكافِرينَ عَذابٌ مُّهينٌ». فاللعن الإلهي والغضب الإلهي والعذاب الإلهي والهوان والتحقير هو مصير من لا يؤمن.
وَإِذا قيلَ لَهُم آمِنوا بِما أَنزَلَ اللهُ قالوا نُؤمِنُ بِما أُنزِلَ عَلَينا وَيَكفُرونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الحَقُّ مُصَدِّقًا لِّما مَعَهُم قُل فَلِمَ تَقتُلونَ أَنبِياءَ اللهِ مِن قَبلُ إِن كُنتُم مُّؤمِنينَ (91)
المخاطَبون بالدين الجديد يعتقدون بكتاب ودين أنزله الله عليهم، والمخاطِبون يعرضون عليهم ما يقولون أنه كتاب ودين قد أنزلهما الله عليهم، ثم يلام المخاطَبون على عدم تركهم لما يعتقدون أن الله قد أنزله عليهم ليتبعوا ما يدعي الداعون لهم إلى الدين الجديد بأنه قد أنزله الله عليهم. وليس من دليل على إنزال الله على أولئك أو على هؤلاء كتابا أو دينا أو شريعة. ثم ما معنى الإنزال الذي يتكلم عنه القرآن، فهل إن الله فوق وهم تحت؟ وهل للكون أصلا فوق وتحت؟ وعلى فرض وجود الأعلى والأسفل مكانا، أفليس القرآن هو القائل وهو الحق إن الله ليس كمثله شيء؟ هل لله مكان، حتى يصح الكلام عن وجوده أعلى منا؟ سيقول البعض إنه علو معنوي وإنزال معنوي. وهذه إحدى مشاكل القرآن، ألا هي عدم علمنا في الكثير من نصوصه، ما جاء فيه بالمعنى الحقيقي، وما جاء بالمعنى المجازي.
معظم أتباع الدين، أي دين، الذين يعتقدون جازمين أنهم وحدهم الذين يملكون الحق المطلق والحقيقة المطلقة، لا يقبلون ترك دينهم إلى دين آخر، إلا ما ندر. فالمسلمون هم أيضا «إِذا قيلَ لَهُم آمِنوا بِما [ثبت صدقه بدليل العقل] قالوا نُؤمِنُ بِما أُنزِلَ عَلَينا وَيَكفُرونَ بِما وَراءَهُ وَ[مع احتمال أنه] هُوَ الحَقُّ [وليس ما عندهم]». أما كون ما يعتقد المسلمون أنه أنزل إليهم أنه جاء مصدقا بما لدى اليهود، أو ما لدى المسيحيين، فقد مر ذكر المغالطة والمفارقة التي يشتمله مثل هذا القول.
ثم تحدثنا هذه الآية كما في مواقع أخرى في القرآن إن بني إسرائيل كانوا يقتلون أنبياء الله. فيشكل على هذا القول أكثر من إشكال. قبل بيان تلك الإشكالات، لا بد من تثبيت أن القتل جريمة لا يمكن أن تبرر، وهي مدانة في كل الأحوال، لاسيما القتل بسبب العقيدة. أما الإشكالات التي تسجل على هذا القول، فأولا هؤلاء الذين يفترض أنهم أنبياء الله، فبلا شك إنهم لم يكونوا كذلك بالنسبة للذين قتلوهم، فمن غير المعقول أنهم يؤمنون بكونهم أنبياء الله ثم يقتلونهم، هذا إذا كان هناك أصلا أنبياء ورسل لله، مما لا دليل عليه. الإشكال الثاني إن المخاطَبين هنا ليسوا هم الذين قتلوا من يعدهم القرآن أنبياء الله، بل أجيال سابقة من أسلافهم، فلماذا يعتبرهم هم الذين قتلوهم؟ نعم، يمكن أن يصح ذلك، إذا كان الجيل المخاطَب يعلم بحدوث ذلك وراض عنه، بل وهو على استعداد لفعل ما فعله السلف منه. أما الإشكال الأخير، فهو أن يوجه هذا السؤال إلى المسلمين أيضا - من غير تعميم طبعا -، وهو لماذا تقتلون كل مجدد وكل مسلم تنويري وكل مفكر يختلف معكم في بعض ثوابتكم، ولماذا تقتلون الذين ينقدون الدين حتى لو كانوا مؤمنين بالله موحدين له ومنزهين له؟ فالقتل كانت الجريمة التي ارتكبها في طول التاريخ المتعصبون والمتطرفون والرافضون بل المعادون لأتباع كل عقيدة مغايرة لعقيدتهم. من هنا إدانة المسلمين لغيرهم بما قاموا ويقومون هم به أيضا إدانة غير موضوعية، لأن إدانة الفعل يجب أن تشمل كل مرتكبيه، بقطع النظر عن دينهم وعقيدتهم، ولا يتعامل معه بازدواجية المعايير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حتة من الجنة شلالات ونوافير وورد اجمل كادرات تصوير في معرض


.. 180-Al-Baqarah




.. 183-Al-Baqarah


.. 184-Al-Baqarah




.. 186-Al-Baqarah