الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المنظور الوضعي للضبط الاجتماعي

سعد سوسه

2022 / 4 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في بداية القرن العشرين وبعد انتشار معالم الثورة الصناعية وظواهر التصنيع التي بدات في انكلترا وسرت الى دول اوروبا الغربية كالمانيا وفرنسا ثم الى كافة ارجاء العالم ، باتت مظاهر التصنيع تغير الكثير من مظاهر الحياة اليومية من مهن واساليب معيشة. واحدثت الكثير من التحولات المادية والقيمية التي يتكون منها التركيب الاجتماعي للمجتمع كالمؤسسات الاقتصادية والدينية والسياسية والعائلية والثقافية والعسكرية، وهذا بدوره اثر في تغيير الكثير من القيم والعادات والتقاليد الاجتماعية من شكل لاخر ، وفي تغيير البناء الطبقي للمجتمع كما اثر سلبا في وحدة الجماعات التقليدية وتماسكها وفاعليتها كالاسرة والقرابة والجيرة والمجتمع المحلي وهذا بدوره ادى الى تزايد حدة المشكلات الاجتماعية وخطورتها في كل ارجاء المجتمع( 1 ) .
ومع زيادة انتشار الصناعة في ارجاء المجتمع كان لابد من البحث عن وسائل واساليب للضبط تخفف من حدة هذه المشكلات وتقلل من اثارها الاجتماعية وتضع الحدود والقواعد التي تمنع بها الافراد من الخروج عنها بالردع والجزاءات الاجتماعية التي تفرضها على المسيئين في المجتمع كل ذلك دفع علماء الاجتماع والاجرام الى التصدي لها بوسائل اجتماعية بحتة نابعة من داخل المجتمع ومن صنع المجتمع ، كالاعراف والقوانين والعادات والتقاليد، وكان من اول المهتمين بهذا الموضوع هو عالم الاجتماع الامريكي (ادورد روس Ross) واعقبه اخرون مثل كولي وسمنر وغيرهما. وسنتحدث في هذا المبحث عن نخبة من العلماء الذين اهتموا بقضية الضبط الاجتماعي لنقف على ماهية الضبط الاجتماعي في الفكر الوضعي من حيث مكوناته واساليبه وقواعده ومبادئه التي يستند اليها.
اولاً : نظرية روس Ross
يعد العلامة Ross من اوائل المهتمين بموضوع الضبط فقد ادخل موضوع الضبط الاجتماعي الى ميدان علم الاجتماع وبشكل مؤطر بعد ان كانت دراسته مشتتة ومبعثرة في موضوعات اجتماعية شتى وذلك من خلال اصداره كتابه المعنون (الضبط الاجتماعي) عام 1901 إذ حدد فيه اهم وسائل الضبط الاجتماعي من خلال شرحه لفكرته عن النظام الطبيعي وتلى ذلك تفرقته بين العوامل الاخلاقية والاجتماعية المؤثرة في الضبط الاجتماعي وبين وسائله الاخرى كالقانون والعرف والدين والراي العام والفن والقيم . ويرى Ross ان الضبط الاجتماعي قائم على العوامل الاتية :
اولاً : العوامل الاخلاقية
يرى Ross ان التعاطف الوجداني Sympathy وان لم يكن العامل الاساسي في بناء المجتمع الا انه يُعد بلا شك اساسا في تكوين الاسرة بوصفها نظاما اجتماعيا اذ انها تدعم الروابط الجنسية والوالدية كذلك فان للتعاطف فاعلية مهمة بالنسبة للجماعة الاجتماعية لانه يعمل على تقليل حدة التقلبات كما انه يؤهل المجتمع الى حالة النظام الاجتماعي والتوازن ( 2 )
ثانياً : العوامل الاجتماعية :
يرى روس ان اولى هذه العوامل عنده هو عامل (الراي العام) Public opinion الذي يرى فيه بانه رد فعل من جانب المجتمع تجاه اي سلوك يسئ اليه. فالراي العام يمارس تاثيره في نطاق واسع وهو بذلك يكمل وظائف القانون اما القانون Law في نظرية روس فهو اداة متخصصة ومحددة تحديدا دقيقا فهو يستعمل كاداة قاطعة ونهائية بالنسبة للذين يسيئون التصرف بالاعتداء على المجتمع وافراده كما انه ملزم ويجب تنفيذه وينطبق بصورة متساوية على كل الاشخاص الذين ارتكبوا نفس الفعل( 3 ) . ويعد الدين من اهم وسائل الضبط الاجتماعي وقد فرق بين نوعين وهما الدين الرسمي Legal religion وهو الذي اطلق عليه المعتقد، والدين الاجتماعي وهو الاقتناع بوجود رابطة من العلاقة المثالية Ideal relationship بين اعضاء مجتمع معين. اما الايحاء الذي يعد وسيلة مهمة من وسائل الضبط الاجتماعي لتوجيه الافراد الى الغرض الذي يريده وبذلك يمكن الاستغناء جزئيا عن استعمال الجزاءات ايا كان نوعها .
ويعمل العرف على تنظيم حياة الافراد وتوجيهها نحو طرائق معينة تتمثل في عادات ولغة وملابس إذ ينظر (روس) الى العرف بوصفه قوة متسلطة ومتحكمة في القوى التي يلتزم بها الفرد .
وكذلك يعدُّ الشخصية احد وسائل الضبط الاجتماعي وكذلك يضع أهمية كبرى للفن Art بوصفه وسيلة للضبط الاجتماعي اذ ان الفن ينشر التعاطف الوجداني ويصحح الرموز الاجتماعية وبالتالي فان إنموذج الفنان يمكن ان يصبح عاملا من عوامل تدعيم الضبط أوانهياره .
ثانياً : نظرية لابير Labiera
لقد اوضح المفكر الفرنسي لابير نظريته في كتابه المشهور "نظرية في الضبط الاجتماعي" سنة 1920 A theory on social control إذ تعد اراؤه من احدث الاراء والتطورات في حقل الضبط الاجتماعي .
فقد اوضح لابيير ان نظريته تعالج (القوة الثالثة Third Force ) التي تسهم في تكوين الفعل الاجتماعي Social action والسلوك الانساني فضلا عن القوة الاولى وهي التنشئة الاجتماعية Socialization التي تتضمنها شخصية الفرد الذي يقوم بالفعل والقوة الثانية هي التفاعل الموقفي، والقوة الثالثة هي مجموعة العوامل الخارجية التي تفوق الموقف وتؤدي وظيفة الضبط ( 4 ) . وينظر لابيير Labiera الى المكانة الاجتماعية social position بوصفها احدى العوامل التي تحدد طريقة امتثال الفرد ويعرف المكانة Status بانها الوضع الذي يحتله الفرد في مجتمعه. ان ميل الفرد الى ان يرى نفسه دائما كما يحب ان يراهُ الاخرون هو الذي يجعله اكثر احساساً بالضبط الاجتماعي، وتشكل معايير جماعة المكانة، القانون الذي يحكم سلوك الاعضاء سواء فُرادى أم مجتمعون . فهو يرى ان جماعة المكانة الاجتماعية او الجماعة مانحة المركز status groups تتميز بالعلاقات المباشرة والقوة بين اعضائها فهو يعتقد اننا جميعا باحثون عن المراكز الاجتماعية منذ الطفولة وحتى الكبر، ولكي نستطيع ان نتبوء تلك المراكز فلا بد لنا ان نثبث للناس باننا خير من يطبق ضوابط المجتمع. وخير من يطبق ضوابط تلك المراكز وهكذا سوف يفضلوننا على غيرنا ويمنحوننا ذلك المركز. ولكننا بعد ان نحتل المركز نحاول الاستمرار فيه . وهذا لايتم الا اذا برهنا باستمرار للمجموعة مانحة المركز باننا خير من يحافظ على ضوابط المركز والضوابط الاجتماعية الاخرى.

ثالثا : نظرية بارسونز T.Parsons
تتضح نظرية العالم بارسونز من خلال نظرته الى المجتمع على انه كل متكامل، وهو ينطلق من فكرة النسق الاجتماعي Social system ، فالمجتمع ما هو الا كل يتكون من نظم متفاعلة تتميز بقدر من الاستقرار والتوازن، وتفرض على الافراد مجموعة من الوسائل (والميكانزيمات) التي قسمها الى (ميكانيزمات التنشئةSocialization Mechanism ) و (ميكانيزمات) الضبط الاجتماعي Social control. ( 5 )
إذ يرى بارسنز ان الافراد بوصفهم اعضاء في النسق الاجتماعي تتم تنشئتهم اجتماعيا عن طريق النظام التربوي الذي يعدهم لممارسة ادوارهم المتوقعة منهم في مجتمعهم مستعملاً مجموعة من الجزاءات الايجابية والسلبية لتحقيق ذلك، وبذلك اوضح بارسونز العلاقة بين الشخصية والبناء الاجتماعي ودور التنشئة الاجتماعية في تحقيق التوازن في المجتمع من خلال ما سمّاه (بميكانيزمات) التنشئة الاجتماعية ( 6 ) .
إذ يتعلم الفرد ما هو متوقع منه في المواقف الاجتماعية المختلفة والالتزام بالنسق القيمي لمجتمعه وهذا بدوره يساعد على الضبط الاجتماعي الذي يعمل على تماسك الافراد داخل البيئة الاجتماعية مما يؤدي الى الاستقرار الاجتماعي .
وبالتالي سوف يعمل على تجنب حدوث أي صراع او تعارضات في اداء الواجبات وتحمل المسؤوليات ومراعاة للحقوق ومايرتبط بهما من علاقات وتوقعات، ولاسيما حين يجسد العضو لدور او عدة ادوار معينة ومختلفة داخل نطاقه الاجتماعي ( 7 ) .
اما (ميكانيزمات) الضبط الاجتماعي وهي التي تستعمل لوضع بعض الضغوط او القيود على بعض الاعضاء الذين يظهرون بعض الاستعدادات والميول للانحراف كما تستعمل لتنظيم تفاعل الاعضاء وضبط سلوكهم داخل النظام الاجتماعي .
واكد بارسونز اهمية صياغة القوانين والمعايير داخل الانظمة الاجتماعية لتصبح الامور الاجتماعية ومايرتبط بها من علاقات وتوقعات اكثر دقة وانضباطا وفهما من جانب كل عضو وذلك بالتركيز على الاهتمام بالقيم والمعايير الاجتماعية التي ينتمي اليها والتي تعمل على تشكيل الانظمة الاجتماعية في المجتمع. وهكذا يمكن انجاز درجة عالية من التكامل بين التوجيه الفردي والتوجيه الجمعي داخل النظام الاجتماعي ويمكن ايضا المحافظة على معايير النظام الاجتماع .
وبذلك يصبح من الضروري وجود نظام للمكافات والحوافز والجزاءات والعقوبات لمعاقبة الاشخاص او مجازاتهم على افعالهم وسلوكياتهم ذات الجوانب السلبية التي تضر بالنظام الاجتماعي وبذلك يصبح كل نظام اجتماعي في حاجة ماسة الى إثابة أو معاقبة أعضائه.
فقد يعمل نظام الثواب والعقاب على تنظيم افعال الاعضاء وضبط سلوكهم مما يساعد على تحقيق التكافل والتوازن للنظام الاجتماعي كله .للمقال بقية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا