الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قلعة الكصير الأثريّة ..القصّة الكاملة

يوسف المحسن
كاتب، روائي

(Yousif Almouhsin)

2022 / 4 / 19
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


جدران ومنذ مئات من السنين تنتصب وسط صحراء لانهاية لها بمواجهة التقلّبات المناخية والسيول الجارفة في مواسم الامطار، حزينة تُخفي قصص الوقوف بوجه الغزوات، تحتفظ بحكايات المحاصَرين فيها، وآثار المهاجمين على اسوارها الخارجية، هي قلعة الكصير في بادية السماوة، مرّ بها الرحّالة وكتب عنها الاثاريون، البعض اسماها حصناً، والبعض يراها حامية، اما المتبقّي منها فينتظر العون... استخدمت لصد هجمات عدة عبر التاريخ ضمن رقعة تتوسط المدن القديمة الثلاث.. البصرة ..الكوفة..الشام.

هيكل يعوم في بحر رملي :

حصن بُني من الآجر المرصوف بمادة الجص والقار على مساحة 1806 م2 يتألف من جدران تتراوح ارتفاعاتها بين مترين وثلاثة امتار، في زواياها بنيت أبراج اسطوانية الشكل تستخدم للمراقبة وحماية الجدران التي شُيدت على ربوة (كاره ـ بالكاف اليمنية) تحيط بها منخفضات رمليّة(فيضات)، يقول الخبير الاثاري الاستاذ الدكتور متعب الريشاوي في معرض وصفه " تكاد تكون مربعة الشكل، اطوال اضلاعها تتراوح بين ثلاثة واربعين مترا واثنين واربعين مترا واسوارها الخارجية بسمك 3,8 م اما التباين في ارتفاعاتها فيعود الى عوامل التعرية طوال العقود الماضية وتراكم الاتربة والرمال مضافاً الى ذلك عوامل التآكل التي اصابت الجدران، واغلب بناياتها مهدّمة بسبب الاهمال الذي حوّلها الى اكداس حجارة ".
المكتبة التاريخيّة حفلت بالكثير من الاشارات عن وجود القلعة حيث اورد لها الدكتور رجوان فيصل غازي الميالي في الفصل الاول من اطروحته للماجستير (القلاع في وسط وجنوب العراق عمارتها وتخطيطها خلال فترة الاحتلال العثماني) ذِكراً في المبحث الاول من بين سبعة مباحث احتوتها الدراسة للقلاع الشاخصة والتي مازالت باقية وهي الكصير والرحبة وقلعة شلال وقلعة ذرب وقلعة الشعيبة وقلعة الخميسية وقلعة عبد العزيز الفواز. ويشير الميالي "دراسة هذه القلاع تهدف للتوغل في اعماقها لكي نصل الى غاية ما تحتويه من فلسفة علميّة مزدوجة بين الاثار والتاريخ فهي دراسة حضاريّة تاريخيّة في ذات الوقت وبجوانب سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة مستقاة من الوظيفة العسكريّة للقلاع والحصون". فيما المؤرخ عبد الجبّار الراوي اعطى وصفاً مقتضباً لها في كتابه البادية بأنها تقع الى الشمال الغربي من عين ماء غزيرة، كذلك وصفها عالم الاثار العراقي ومترجم ملحمة كلكامش من الاكادية الى العربية طه باقر بالقول "إن قلعة الكصير تقع على مبعدة كيلومترين من منطقة الكصير في بادية السماوة وسميت نسبة الى الوادي الذي شيدت فيه".
وقد تباينت الآراء والروايات حول تاريخ انشائها، وفي وقت لم تحدد مديرة الاثار في المثنى ايثار قاسم مشكور الحقبة التاريخيّة حتى تستكمل عمليات التنقيب والدراسة حولها يقول الخبير الآثاري متعب الريشاوي ان الروايات حول تاريخ بناء القلعة اختلفت فمنهم من يقول انّها محمية ساسانيّة لحماية حدود الامبراطوريّة الساسانيّة من هجمات البدو مثل الرحالة البرتغالي بيدرو تاكسيرا (تيخيرا حسب اخرين) الذي زار العراق ومنطقة الشرق الاوسط في القرن السابع عشر والذي ذكر انّها تعود الى الشيخ محمد بن راشد ال مغامس حاكم البصرة قبيل الفتح العثماني".

طراز معماري ودور تاريخي :

ينحاز طرازها العمراني الى النمط الكلاسيكي المتعارف عليه والذي يرجح الغاية من بنائها كحامية للجنود في حقب زمنيّة مختلفة وهو ما يُقصي فرضيّة كونها قصراً وسط صحراء شاسعة تتوسط الطرق الواصلة بين المدن القديمة، وفي داخلها توزّعت بقايا مهدّمة ومتضرِّرة لجدران غرف ومسجد ومخازن وقاعة كبيرة فيما الدلائل واللقى تُشير لحضور أشكال زخرفيّة على الجدران الداخليّة المغمورة كخليط من الريازة العربيّة والساسانيّة والرومانيّة، وتصفها ايثار قاسم وهي متخصّصة في الاثار القديمة ورسامة فخار اثري سبق لها العمل في التنقيب مع البعثة الالمانيّة بمدينة الوركاء القديمة قبل ان تتسلم مهمّة مفتش اثار المثنى بالقول "الحصن قديم وبُنيَّ على فترتين تاريخيتين، واحدة من الآجر القديم وأخرى من الحجر الطبيعي، يحتوي على ابراج نصف دائريّة من جهاته الاربع، وهو بناء شاخص وكبير وعلى درجة من الاهميّة التاريخيّة". ويضيف الريشاوي " لعبت هذه القلعة والملحق الذي اقامه آل ظفير بالقرب منها دوراً في صد الهجمات الوهابيّة على العشائر العراقية مطلع القرن العشرين وماتزال هناك بقايا لمقبرة تضم رفاة المهاجمين الذين قتلوا على يد آل ظفير".
ومن خلال البحث يمكن القول ان القلعة كانت مسرحاً لمعارك الأمراء والولاة المتصارعين في العهد العباسي الثاني 334هـ 656 هـ .

عزلة لا تنتهي :

الى الجنوب من قضاء الخضر وبمسافة تزيد على خمسة وستين كيلومتر وبين تموّجات الارض الرمليّة الزاحفة شُيدت القلعة (الحصن) لتتوسط المسافة الصحراويّة للبادية، وعلى الرغم من زحف المدن واتساع شبكات الطرق وما جلبه من عمليات استزراع للأراضي الصحراويّة بالاعتماد على المياه الجوفيّة إلا ان الحصن(القلعة) مازال يغطُّ في اطول عزلة لشاخص عمراني، سيما وان سجلّات الحكومة العراقيّة لم تشر اليه إلا في العام 1966، وتعرّض هذا الموقع الأثري المهم للتخريب ولأكثر من مرة من قبل الباحثين عن الآثار والمهربين لها فيما تهدّمت أجزاء مهمّة من جدرانه، وقد شهدت المنطقة المحيطة بالقلعة الأثريّة عمليات نبش واسعة بحثاً عن لقى تاريخيّة تعود للعصر الهجري الوسيط.


استراحة هواة الصيد :

الصياد (صفاء بسيطة) وهو واحد من الناشطين في ميدان حماية التنوّع الاحيائي ومن هواة الصيد الذين يجوبون البادية الجنوبيّة لممارسة هوايته قال " إننا نأتي إلى قلعة الكصير من اجل التقاط الصور والتمتع بتاريخ هذه البلاد، ومن أعلى أسوار القلعة يمكن إن نتمتع بمناظر جميلة عند الغروب لكنّنا نشعر بالمرارة حين نرى هذا الصرح الحضاري وقد تعرّض للتخريب والنهب". أما زميله رحمن حمودي كاطع وهو صياد للصقور ويرأس فرع جمعية الصيادين ومربي الصقور في المثنى فقد دعا الجهات الحكوميّة ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية المهتمّة بالآثار للعمل المشترك من اجل حماية قلعة الكصير من التدمير واتخاذها مرفقاً سياحيّاً هو عبارة عن استراحة في وسط الصحراء خاصة وإن المنطقة (وادي الكصير) تستقبل الصيادين العراقيين وكانت تستضيف القادمين من دول الخليج العربي، فيما تمثل المساحات المحيطة اماكن رعي وافر يستوطن بها البدو الرحل، فالقلعة تأكيد على حضارة متأصِّلة أما أجواء الصحراء المحيطة بها فخلابة ولم أشاهد مثلها سابقا".
فريق من (شبكة الإعلام العراقي في العام 2010) اكتشف وجود أجزاء بقياس 100سم ×75سم من جدران القلعة الأربعة مرفوعة بعناية حيث أكدّ الصياد صفاء بسيطة إنها" رُفعت وحُملت إلى جهة مجهولة واعتقد إن على هذه الأجزاء كُتبت معلومات تاريخيّة مهمة تحكي قصّة هذه القلعة ".
خطة لدائرة الاثار والحفاظ على التراث:

ويتّفق باحثون ومتخصّصون في الشأن التاريخي ومن بينهم الدكتور الريشاوي على ان المزيد من عمليات التحرّي والكشف يمكن ان يخرج بنتائج مهمّة حول الحقبة التاريخيّة التي شُيدت فيها والدور الاقتصادي والسياسي الذي شغلته فيما تفيد دلائل على وجود اجزاء ملحقة بالقلعة دُفنت واندثرت بفعل عمليّات التعرية والسيول المائيّة التي الحقت ضرراً بالجدران الخارجيّة، حيث يضيف" من المحتمل لو اجريت عمليّات تنقيب بالقرب منها العثور على دلائل مجمعات سكانيّة قديمة كونها تقع فوق مرتفع يطلُّ على وادي ابو غار وهو امتداد قديم للخليج العربي ومن الممكن صيانتها وتحويلها الى معلم سياحي وتراثي يعود بالفائدة وبشكل مماثل لما حصل مع حصن الاخيضر في كربلاء خاصة وانه يتوسط مساحة غنية بمخزون المياه الجوفيّة العذبة التي تسمح بإقامة المتنزهات".
ولا يمكن الاقرار بهذه المشاهدات قبل استكمال عمليّات الكشف والدراسة والتنقيب التي تُخطط لها مفتشيّة الاثار، حيث تقول المديرة ايثار قاسم ان النيّة تتجه لصيانة الحصن وهي بانتظار الموافقة من دائرة الاثار والحفاظ على التراث سيما وان الموقع كبير ويقع في منطقة نائية ، وتضيف "من الممكن ان يتحوّل الحصن الى مكان سياحي في حال انجاز ما نخطط له من اعادة تأهيل وكشف وحماية ليكون المعلم الاكثر جذباً للدارسين والسواح في البادية الجنوبيّة".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا