الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 44

ضياء الشكرجي

2022 / 4 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وَلَقَد جاءَكُم مّوسى بِالبَيِّناتِ فَاتَّخَذتُمُ العِجلَ مِن بَعدِهِ وَأَنتُم ظالِمونَ (92) وَإِذ أَخَذنا ميثاقَكُم وَرَفَعنا فَوقَكُمُ الطّورَ خُذوا ما آتَيناكُم بِقُوَّةٍ وَّاسمَعوا قالوا سَمِعنا وَعَصَينا وَأُشرِبوا في قُلوبِهِمُ العِجلَ بِكُفرِهِم قُل بِئسَما يَأمُرُكُم بِهِ إيمانُكُم إِن كُنتُم مّؤمِنينَ (93)
معروفة قصة العجل، كما رواها العهد القديم، ورواها القرآن، مع بعض الاختلافات في التفاصيل، ولا نعلم فيما يتعلق بعموم قصص بني إسرائيل، ما إذا كانت بعض حوادثها حقيقية، ثم أضيف إليها الكثير، مما حولها إلى أسطورة، أو ما إذا كانت كلها من ألفها إلى يائها عبارة عن أسطورة، بما في ذلك نفس شخصية موسى، ومن قبلها يعقوب وإسحاق، وحتى إبراهيم. وفي حال كان موسى ليس إلا شخصية أسطورية، فكيف نشأ الدين اليهودي ومتى، ومن كتب التوراة أو العهد القديم، ومتى، فهذا ما روي عنه الكثير، وليس من سبيل لمعرفة الحقيقة كما هي، إلا حقيقة انتفاء نبوتهم وبعثهم والإيحاء إليهم من الله. فيما يتعلق بالعجل، إن صدقت القصة، فنحن نعلم إن أكثر الناس الذين أرادوا أن يعبدوا الله أو أي إله، كان الكثير منهم لا يكتفون بعبادة كائن غير مرئي وغير محسوس بأي من الحواس، لذا نصبت الكثير من الأديان لها أصناما وأوثانا، إما لترمز إلى الإله، أو جعلتها هي الإله الذي تعبده، ولم تسلم الأديان التوحيدية من إيجاد ما يرمز إلى الله، أو ما تجعله مقدسا تقترب قداسته من قداسة الله، أو تشاركه فيها، فالمسيحيون عبدوا اليسوع وأمه مريم، وصنعوا لهما التماثيل كما جعلوا الصليب مقدسا، وهكذا المسلمون نراهم يقبلون الحجر الأسود ويتبركون به، وكثير من فرق المسلمين راحت تتبرك بأضرحة أئمة وصحابة وأولياء وتقدسها. ومن هنا يبدو إن بني إسرائيل الذين كانوا يرون أتباع ديانات أخرى، غالبا ما كانت وثنية يعبدون آلهة ترى بالعين وتلمس باليد، فطلبوا في غياب موسى، عندما ذهب ليختلي بالله في محادثة بينهما، أن يكون لهم إله يرى ويلمس كما لغيرهم من آلهة، فاستجاب لهم السامري، حسب القرآن، وطلب منهم جمع ما لدى نسائهم من حلي من ذهب، فصهر الحلي وصنع منها صنما على صورة عجل مجوف من داخله ليعبدوه. وتروي لنا هاتان الآيتان إن اتخاذهم العجل إلها كان بعد أن جاءهم موسى بالمعاجز والآيات البينات ودعاهم إلى عبادة الله وحده، واعتبر هذا السلوك ظلما، والظلم يستعمله مؤلف القرآن في كثير من الأحيان بمعنى ظلم الإنسان لنفسه، ومن مصاديق هذا الظلم الكفر، أو المعصية، أو الشرك في العبادة، وغيرها. وكان هذا حسب رواية القرآن بعدما رفع الله الجبل فوق رؤوسهم، حتى ظنوا أنه واقع بهم، وبعدما أتاهم موسى بالوصايا من الله، وأوصاهم أن يأخذوا بشريعته بقوة ويتمسكوا بها بشدة، ولكن «أُشرِبوا في قُلوبِهِمُ»، وهذه كناية جميلة للتعبير عن كيفية استحواذ حبهم للعجل على قلوبهم ومشاعرهم، وتعلل الآية هذا بكفرهم، والمعبر عنه بقولهم جوابا على أمر الله لهم بواسطة موسى أن يسمعوا لتعاليم الله «سَمِعنا وَعَصَينا». ومن جانب تصفهم الآية بالكفر الذي كان سبب سلوكهم هذا، ومن جانب آخر تتكلم عن ثمة إيمان كانوا يؤمنونه أو يدعونه، ولكنه إيمان على غير حق وعلى غير هدى، ومنها ختمت الآية 93 القول بـ «بِئسَما يَأمُرُكُم بِهِ إيمانُكُم إِن كُنتُم مّؤمِنينَ».
قُل إِن كانَت لَكُمُ الدّارَ الآخِرَةَ عِندَ اللهِ خالِصَةً مِّن دونِ النّاسِ فَتَمَنَّوُا المَوتَ إِن كُنتُم صادِقينَ (94) وَلَن يَّتَمَنَّوهُ أَبَدًا بِما قَدَّمَت أَيديهِم وَاللهُ عَليمٌ بِالظالِمينَ (95)
كل مدعي احتكار الحقيقة الإلهية، لسان حالهم إلم يكن لسان المقال أنهم «خير أمة أخرجت للناس»، أو «شعب الله المختار»، أو «أبناء الله وأحباؤه»، أو «المُخَلَّصون المُخلَصون»، أو «الفرقة الناجية»، أو «المذهب الحق»، وبالتالي المحتكرون لاستحقاق رحمة الله وثوابه ونعيمه وجنته «مِن دونِ النّاسِ». فالقرآن صادق فيما ينسبه إلى فريق من اليهود، ولكن هذا الخطاب ينطبق على المسلمين وعلى المسيحيين، وعلى الكثير من أتباع هذا أو ذاك الدين أو الفرقة الدينية، فحتى داخل الدين الواحد نجد مثل هذا الادعاء، فتارة تكون الدار الآخرة خالصة لـ(أهل السنة والجماعة)، وتارة لـ(شيعة أهل البيت)، وتارة لـ(أتباع ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب)، وهكذا. أما طلب الإثبات من المدعين بهذا من اليهود، أو من غيرهم، فتمني الموت لا يجب أن يكون دليلا على صدق المدعى، حتى لو كان المدعون صادقين في اعتقادهم أن الدار الآخرة خالصة لهم، فليس كل من هو صادق في اعتقاده بعقيدة ما يجب أن تكون عقيدته أيضا صادقة، أي تمثل الحقيقة. وكم رأينا من المتعصبين لعقيدتهم والإرهابيين يتمنون الموت أو القتل أو ما يعتبرونه استشهادا ويشتاقون إلى لقاء الشهادة، بينما تكون عقيدتهم باطلة. فالمطالبة بتمنيهم الموت لإثبات صدقهم في دعوى احتكارهم لاستحقاق ثواب ونعيم الآخرة، مطالبة غير منطقية. وهذا الطلب أشد ابتعادا عن المنطق من مطالبة الشاكين بالقرآن أن يأتوا بسورة من مثله، ثم يتدارك في سورة أخرى بالتحدي بأن يأتوا بعشر سور من مثله، وبينت هوان هذا الطلب في موقع آخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حتة من الجنة شلالات ونوافير وورد اجمل كادرات تصوير في معرض


.. 180-Al-Baqarah




.. 183-Al-Baqarah


.. 184-Al-Baqarah




.. 186-Al-Baqarah