الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أهو ذئب في ثوب حمل؟

أكرم شلغين

2022 / 4 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من المعروف أن سلوك أي إنسان منا نحن البشر هو حصيلة لما في جيناتنا وكذلك ما اكتسبناه بهذا الخصوص منذ وُلِدنا لهذه الدنيا. جاء التقدم العلمي في قراءة كروموزومات البشرية ليحكي الكثير عنا حتى وإن لم يظهر بأي شكل من الأشكال في تصرفاتنا ونهجنا. ليس من زائد القول هنا أنه حين اقترحت بعض الدول الغربية ومنها الولايات المتحدة وبريطانيا ـ قبل نهاية القرن الماضي بقليل ـ إدراج الخارطة الجينية لكل فرد في هويته الشخصية عارضت دول أوربية ومنها ألمانيا وإيطاليا ذلك لأن فيه ما يفضح المستور ويُشكّل عقبة أمام المرء الذي يحمل في جيناته خاصية عنيفة أو شريرة في أن يحظى بنفس الفرص في الحياة من حيث العمل والمكانة الاجتماعية مثل من لا يحملها ولهذا أُسقِطَت تلك الفكرة. يبقى الأمر الأجدر بالنقاش في هذا الخصوص هو ذلك الذي يتمحور بالتحديد حول ما إذا كان الحامل لجينات العنف والشر والأذى حتما سيخرجها ذات يوم أم أنها ستبقى هناك دون أن تجد لها تهوية مناسبة لتنتعش وتفعل ما تفعله من تخريب وسوء! ولا أرى عاملا مفصليا أكثر لتهوية تلك الخصائص من تنشئة تظهر ما هيتها عند مواقف، ردود أفعال، وكذلك وسط بيئة اجتماعية تنتج وتفرز السوء.
أن يكون بداخل واحدنا العوامل التي تجعل منه نشازا إن خرجت للعلن هو أمر واحتمالية أن تخرج تلك الكوامن لتدمغه بهذا الطابع فذلك أمر آخر. والسؤال الذي ينبثق هنا هو هل في استخدام المرء لما بحوزته مرة يعني أنه سيستخدمه كل مرة وأنه أصبح نمط حياة بالنسبة له أم أن ما بداخله اضطر للخروج مرة بحكم ما ولن يُعاد؟ سأتطرق لعمل أدبي وأنا مدرك لحقيقة أن العمل الأدبي ليس خيالا مترفا منفصلا عن المجتمع بل هو على علاقة تتعشّق وتتداخل معه وبه، يعطي للمجتمع والناس ويأخذ منهم، يصنع فيهم وبالعكس. في العمل المقصود هنالك فتاة ارتكبت جرم بمكان ما وهجرت المكان وهي نادمة تشعر بالذنب وتتمنى أن تمنحها قادمات الأيام فرصة لتعيش حياة عادية تملؤها المحبة والتعاون وعمل الخير. في المكان الذي هاجرت إليه أظهرت كل ما يجعلها الأنثى المرغوبة المحبة وهذا كان يكفي لأن يقع في حبها شاب مشهود له بالخلق والدماثة والطيبة. كان هو المحب الفَرِح بما وهبته الحياة وكانت هي العاشقة الممتنة للحياة التي أعطتها الفرصة لتعيش أيامها طبيعية غير مدموغة أو موسومة بالإجرام...
بقيا هكذا لسنوات ولكن شريكها يكتشف بمحض الصدفة عما حدث من إجرام في ماضيها... لقد قتلت مرة في حياتها...هل هذه المرة توقفت عند هذا الحد والعد أم أنها ستتكرر!؟ ماذا كان دافعها وهل سيكون هناك دوافع أخرى!؟ وتبدأ مرحلة صراعاته النفسية التي تتلخص بفضوله وتوقه لمعرفة إن كان يعيش مع حبيبته الحلم أم أنه يعيش مع غول مُقَنّع!؟ هل ما يراه منها هو حقيقتها وجوهرها أم أن ماضيها هو حقيقتها وجوهرها!؟ هل يستمر معها مخاطرًا بنفسه أم يتوجب عليه أن يتركها ويهرب ناجيا بحياته!؟ وهنا المعضلة التي يصعب حلها أو قراءة ما يمكن أن تجلب مستقبلا...يتساءل القارئ عن دافعها في القتل والإجرام إن كان قد جاء وفقا لما هو كامن من عنف في داخلها ومن المحتمل أنه جاء مرة لسبب ما واختفى إلى الأبد...أم لا! لا يستطيع واحدنا تجاهل ألمها ورغبتها في أن تتابع حياتها عادية، ولكن كيف لنا أن نثق بأنها ليست إلا بشر وقد تفعلها ثانية!؟
بالرغم من كل ما تحتويه محاولة الجواب عن هذا السؤال من تعقيدات واحتمالات، إلا أننا لا نستطيع أن نتجاهل ما نراه من واقع فيه البشر مهيئة لتقوم بأعمال طبيعة الواحد منها تتناقض مع الآخر وفقا للبيئة والظروف والشروط الذاتية والموضوعية المتعلقة بالأمر. أعود هنا وأكرر أن مسألة اقتراف أي عمل نقوم به هو ناتج عما هو متأصل في التركيبة الجينية للفرد وراعيته الاجتماعية المسؤولة عن التربية والتنشئة، أكان ذلك في نطاق التعاون والتعاضد البشري أم في حقول القتل والأذى والدمار. ويقودنا هذا بدوره إلى محاولة فهم من ارتكب ما يكفي من الفظائع لدمغه بالمجرم أو القاتل أو المؤذي ــ بالحد الأدنى ــ ويحاول طرح نفسه بأن حاضره مختلف كليا عن ماضيه...أو ربما لا يكلف نفسه في حتى الكلام عن الماضي إما لاعتقاده أن لبقية البشر ذاكرة دجاج فهي تنسى ما حصل معها قبل لحظة أو لأنه يرى نفسه أكثر ذكاء ممن أساء إليهم أو أجرم بحقهم! من هنا فإن السؤال ذاته يُوَلّد أسئلة لا يُخمد الرغبة في الجواب عنها الكلام المعسول ومصدره ولا النوايا فالأقوال التي لا تترجم أفعالا لا يُعوّل عليها! وللحديث عن العنف والإجرام يعود لذاكرتي الحدث الإجرامي في التاريخ البريطاني القديم والذي سطر عنه ت.س.إليوت مسرحيته "جريمة قتل في كاتدرائية" وهو حول الملك هنري الثاني الذي قتل، توماس بيكيت، أسقف كاتدرائية كانتربري داخل الكاتدرائية نفسها وندم لاحقا للفعل الإجرامي الذي ارتكبه فراح يحاول عمل شيء من شأنه التكفير عن ذلك إذ بقي يمشي حافيا ليس فقط لفترات وفي أماكن محددة بل استمر أيضا كذلك حتى نهاية حياته... لا نطالب أصحاب السوابق ممن أجرموا بحق شعب ما بالمشي حفاة مثل هنري الثاني؛ ولا نتوقع منهم أن يسيروا على نهج الضابط الاندونيسي ويرانتو، الذي شارك في الأعمال العسكرية في تيمور الشرقة وراح ضحيتها الآلاف والذي أثقل صدره بهموم وأحزان العنف والقتل الذي اقترفته يداه فترك عمله في الجيش وراح يعمل بحملات حقوق الإنسان وصار يغني للحرية وللإنسانية؛ ولا نتوقع من هؤلاء أن يكونوا مثل زوربا كانتزاكي الثائر الذي قتل متباهيا بثوريته يوماً ليبكي كزوربا الإنسان في الأيام التي تلت حين رأى امرأة تتسول وأطفالها في زاوية شارع وعرف أنها أرملة ذلك الذي قتله فبكى وأفرغ كل ما لديه تبرعا لها ولأطفالها ومن ثم انتهج فلسفة أخرى بشأن الثورة والإنسان...! بل كل ما نتوقعه وهو المفترض وفي الحدود الدنيا إظهار ما يثبت أن هذا المجرم المسيء بالأمس هو الصديق المحب للخير اليوم!
كل عمل، وكل قول، يصدر عن أي شخص يشغل موقع المسؤولية هو ليس للحظة يموت بها بل للتاريخ لتبقى آثاره. وحين أقول للتاريخ لا أقصد ذلك الذي يكتبه الأقوياء بل ذلك التاريخ الذي حفرته الآلام في رؤوس وقلوب المساكين والذي يُفترض أن يُعَلّمه هؤلاء لأبنائهم دون نسيان أو إسقاط لأي جزئية منه.
إن الثبات في تبيان الفرق والتمييز بين فعل الماضي وقول الحاضر يدفعني لأتذكر كيف تهافتَ الكثير للتعامل مع من ضلع في الفساد لمجرد أن أصبح خارج الدائرة المعروفة بأنها تقود الفساد والإجرام دون أن ترف له عين...وهذه نقطة ضعف أستطيع تأطيرها ضمن ما تستحق ولكن لا أبرر لها ولا أتقبلها ولست على استعداد لأن أجامل بها.
بكل الأحوال، ومع علمنا أن المحاسبة الذاتية أو النهج الجديد لن يعيد ميتاً الى الحياة ولن يزيل الأحزان من القلوب التي ارتبطت بالماضي وشناعته..، يبقى أن نعيد ونخلص بقوة أهمية ما يقوم به المرء بمقاطعة الماضي أو محاولة التكفير عما فعل في السابق فيما إن كان ذلك يعني تغييراً جوهريا في الشخص الذي تسبب في موت الآخرين أو قتلهم مباشرة أم أن ذلك يأتي لأسباب أخرى نجهل تاكتيكها واستراتيجيتها!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كأس الاتحاد الإفريقي - -أزمة القمصان-.. -الفاف- يتقدم بشكوى


.. نيكاراغوا تحاكم ألمانيا على خلفية تزويد إسرائيل بأسلحة استخد




.. سيارة -تيسلا- الكهربائية تحصل على ضوء أخضر في الصين


.. بمشاركة دولية.. انطلاق مهرجان ياسمين الحمامات في تونس • فران




.. زيلينسكي يدعو الغرب إلى تسريع إمدادات أوكرانيا بالأسلحة لصد