الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غياب الفلسفة في عصر الدين والتدين

مهند صباح
كاتب

(Mohanad Sabah)

2022 / 4 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أعتقد أنه من الخطر تجاهل التشوهات الفكرية والمعرفية داخل مجتمعاتنا العربية ، التي ابتليت اليوم بالأمية والفقر والتخلف ، وغير قادرة على اكتشاف العلاجات وخصوصاً العلاج لأمراضها الثقافية والفكرية المستعصية. لذلك ، أعتقد أن الحل يكمن في التركيز على التعليم الحقيقي ، وأن التعليم هناك يجب أن يركز على نوع حديث من التعليم الذي يفتح الأبواب للثقافة والأفكار غير المألوفة في مثل هذه المجتمعات . لسوء الحظ ، فإن المجتمعات العربية المعاصرة هي مجتمعات أمية فلسفياً وثقافياً ، وبالتالي فهي غير مستعدة للتعامل مع الصعوبات والتغيرات العديدة التي تواجهها ، بما فيها الجهل والتخلف.

"العقول القوية تناقش الأفكار ، العقول العادية تناقش الأحداث ، العقول الضعيفة تناقش الناس."
- سقراط
وما أكثر العقول الضعيفة التي تناقش الناس في مجتمعاتنا البائسة ،
العقل العربي يخلو من الفلسفة ولا يكاد يفهم شيئاً عنها ، والسبب لأن الإنسان العربي بسجيته يعتمد على تراث ديني ، وهذا التراث لن يؤهله أن يكون قادراً على حل مشاكل مجتمعه بسبب قلة التعليم . بل ليس التراث وحسب وإنما الثقافة العربية عامة لا تشجع على الإبداع والتقدم ، تحديات اليوم تتطلب أفضل تعليم بل تعليم متقدم جداً ، وليس تراثاً قديماً. فكل هذا التراث العربي الديني يتعارض تماماً مع عصر التقدم والانفتاح والنمو اليوم ، لأن المعرفة الموجودة في المجتمعات العربية مستوحاة من المعرفة الدينية ولا تعتمد على المنهج العلمي أو البحثي ، ولا تقوم على أي منطق حقيقي أو إطار عقلاني .

لا أظن أنني أبالغ عندما أقول إن المجتمعات العربية مجتمعات قاحلة وغير صالحة للنمو العلمي . ستجد فيها العديد من الأطباء والمهندسين والمدرسين والمحامين وغيرهم من المهنيين وأصحاب الشهادات ، لكنهم جميعاً يفتقرون إلى المعرفة والثقافة الحقيقية والعلم الحقيقي ولا يفهمون الفلسفة ؛ نتيجة لذلك ، النسبة المئوية من العلماء والفلاسفة تكاد تكون شبه معدومة ، وهذا دليل واضح على أن الأرض العربية أو المجتمع العربي بشكل عام غير مناسب لغرس العقلية العلمية . والسبب في ذلك هو أن المنهج العلمي المتبع هناك منهج قديم لا يعزز ترسيخ عقلية علمية أو كفاءة فلسفية في أذهان الأجيال القادمة . أعتقد أن أجيالنا ولدت منفصلة عن العلم والفلسفة وبصورة أخرى تولد متقاعدة عن العلم ، ومتباعدة عن الفلسفة.. لهذا على المجتمعات العربية أن تتجه صوب العلوم التجريبية الحديثة لأن مجتمعاتنا تعاني من أزمة معرفية وتعاني من أمية في العلم وليست أمية في القراءة والكتابة ، لذلك من المخيب للآمال أن نجد العقلية العربية تجهل وجهات النظر العلمية والنظريات العلمية ، وتجهل تماماً الفلسفات العلمية الحديثة ، وغير مهتمة بأي بحث أو تحقيق علمي ، وهذا في رأيي أمية حقيقية لا يمكن التغافل عنها .

النقد والانتقاد هو فهم واضح لمشكلة ابتليت بها المجتمعات ؛ ومع ذلك ، لا نتساءل كيف نحصل على هذا النقد عندما لا نكون على دراية بالفلسفة والعلم ونحن نقمع ولا نسمع لأهل الفلسفة والعلم ؟ لقد ظهرت جلياً الدول التي لا تلتفت إلى العلم ولا تقدر التعليم هي دول خارجة من الركب المتحضر للعالم المتقدم وباتت تتخلف الآن وراء القافلة . تتطلب المشكلة فهم كل جوانب المعرفة من علوم وآداب وفنون ، ونحن للأسف نفتقر تماماً كل هذه المجالات. هل يؤلمنا حقاً أن نقبل حقيقة أننا جاهلون وغير مدركين للمعايير الدولية والعالمية ؟ هل نجرؤ على منح أطفالنا القدرة على التصرف واتخاذ القرارات بأنفسهم ؟ هل نحاول إقناعهم بدراسة الفلسفة ؟ هل نحن ، نعتبر أنفسنا أمم وشعوب كالأمم والشعوب المتقدمة الأخرى؟ ، هل نقدر ونحترم العلم في مجتمعاتنا ؟ العديد من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها ، وبعد كل شيء ، نشعر بالصدمة والدهشة لأننا أميين وجاهلين وغير متعلمين .

متعة المعرفة لا تأتي إلا من خلال العلم والتعليم الحقيقي ، من دون علم قد تفهم المشكلة لكن مع العلم تفهم المشكلة بصورة أكبر وأشمل ، وهذا ما يستلزم التوجه له ، وبما أن المجتمعات العربية أرض جافة إذن هي بحاجة إلى أفكار جديدة لتنتعش وتزدهر وهذه الأفكار لا يمكننا الحصول عليها إلا بواسطة الفلسفة والفلاسفة ، لأن الفلسفة تستطيع أن تقود جيلاً جديداً إلى مستقبل أكثر إشراقاً فهي قادرة على تزويدنا بالأفكار الجديدة والتي نحن بحاجة ماسة لها.

الفلسفة مهمة جداً من دون فلسفة لن تستطيع أن تصل إلى دقة في الفهم ، لأن نتاج الفهم مرتبط بإدراكك إلى الفلسفة ، بدون فلسفة ، لا يمكن إنشاء حضارة ذات مُثُل أخلاقية عليا . وبالتالي من الصعب غرس المبادئ الأخلاقية في الآخرين ما دمت تفتقر إلى حب الحكمة والتفكير ، لأن الحكمة هي بنت الفلسفة والفلسفة أم العلوم.

الفلسفة هي أفضل مبيد فكري يكافح آفات الرجعية ، وأزمات القيم الثقافية ، وهي مضاد عقلاني للفايروسات الدينية التي تصيب المجتمع وتفتك به. فالمجتمعات التي لا تسلك مسارات تؤدي إلى آفاق جديدة ، هي حتماً مجتمعات مهمشة عبارة عن مقابر وجثث مكفنة لا تمتلك فلسفة قديمة ولا جديدة ، وبالتالي فاقد الفلسفة لا يعطي أفكار متمردة أو مهمة . والنتيجة تكون مجتمعات مهزومة وعاجزة عن تغيير واقعها وحاضرها فتلجأ للعيش في حاضرها ولكن بأدمغة أجدادها وآباءَها وأسلافها الغابرين. لذلك أنا أدعو الإنسان العربي أن يلجأ إلى الفلسفة لأنها خير علاج ووقاية ، الفلسفة تبني وتهذب أخلاق المجتمع ، وتطور شخصية الفرد ، وتنمي المستوى الفكري لديه ، لذلك أي نظام تعليمي لا يتضمن مادة الفلسفة هو نظام تعليمي ناقص ولا يرتقي إلى مستوى عالٍ من التعليم.

الفلسفة كانت دائمًا في قلب أعظم التحولات في الفكر والتاريخ البشري على مر العصور ، وهي إحدى علامات النجاح والتطور عند الأمم والشعوب ، لذلك الشعوب التي تريد أن تحظى بمكانة رفيعة وتكون بمستوى الأمم المتقدمة عليها بالفلسفة لأنها هي جوهر الفن ومعدن الحكمة فمن توضأ بماء الفلسفة صلى باتجاه المعرفة ، أن الفلسفة تخاطب عقولنا وتوسع مداركنا وتجعلنا نتعامل بإنسانية كاملة مع الآخرين ، تنظف عالمنا وواقعنا الداخلي من الاغبرة والأتربة الرجعية ، وتمهد الطريق لنا للانسجام مع العالم الخارجي ، فالمجتمع بلا فلسفة هو مجتمع غير متسامح ولا يؤمن بالتعدد والتنوع ، لذلك هذه الفضائل الثلاثة "التسامح ، التعدد ، التنوع" هي أشبه بنباتات فلسفية عقلانية هذه النباتات لا تعيش في أرض تغزوها حشرات الدين من كل حدب وصوب لأنها أرض غير صالحة للنمو الفكري والفلسفي.


إن ورثة الوعي هم أكثر أتباع الفلاسفة تكريساً للفلسفة ، أن المجتمعات التي مزقتها حروب الدين هي مجتمعات فقدت كل فضائل التسامح والتعددية والأهم من هذا أنها فقدت هويتها الإنسانية ، وحملت هوية دينية بديل هويتها الأصلية ، فكانت النتيجة مروعة فالهوية الدينية أنتجت لنا أمة أمية غير متعلمة فلسفياً وعلمياً ومعرفياً ، أمة عنيفة تتعامل بعنف وقسوة شديدة مع الفلسفة والفلاسفة ، وتقمع كل منطق ، لا خير في أمة تؤمن أن المنطق زندقة وإلحاد ، المجتمعات العربية لا زالت تعتقد أن المنطق أو الفلسفة هي زندقة لأن قول أبن تيمية لا يزال عالق في رؤوسهم ، [قال أبن تيمية: من تفلسف فقد تمنطق، ومن تمنطق فقد تزندق. أي: أن الفلسفة تؤدي إلى المنطق ، والمنطق يؤدي إلى الزندقة والإلحاد.] وهذا هو السبب الذي جعل العرب يرون الفلسفة كفراً وزندقة.

إذا كنا حقاً جادين في محاربة الجهل والتخلف ، يجب أن نجعل الفلسفة مادة أساسية في المدارس العربية ، يقول الفيلسوف اليوناني سقراط:
"التعليم هو إضرام اللهب ، وليس ملء إناء."
- سقراط
وهنا يؤكد سقراط إن التعليم ليس حشو وترديد في رؤوس الناس ، وإنما إن توقد قنديلك المنطفئ.

ويقول أيضاً الفيلسوف اليوناني أبقراط
"قبل أن تشفي شخصاً ما ، اسأله عما إذا كان على استعداد للتخلي عن الأشياء التي تجعله مريضاً."
- أبقراط
- فهل العرب على استعداد للتخلي عن الأشياء التي تجعلهم مرضى؟

عندما تتحد العقول المتنوعة ، فإنها تصبح قوة هائلة . أن مواجهة مشاكلنا في القرن الواحد والعشرين ، تحتاج إلى فهم وتطوير ثقافتنا الفلسفية وأن نسعى من أجل المنطق لأن الحياة بلا منطق هي حياة بلا حكمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: هل تستطيع أوروبا تجهيز نفسها بدرع مضاد للصواريخ؟ • فر


.. قتيلان برصاص الجيش الإسرائيلي قرب جنين في الضفة الغربية




.. روسيا.. السلطات تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة| #ا


.. محمد هلسة: نتنياهو يطيل الحرب لمحاولة التملص من الأطواق التي




.. وصول 3 مصابين لمستشفى غزة الأوروبي إثر انفجار ذخائر من مخلفا