الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 46

ضياء الشكرجي

2022 / 4 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أَوَكُلَّما عاهَدوا عَهدًا نَّبَذَهُ فَريقٌ مِّنهُم بَل أَكثَرُهُم لا يُؤمِنونَ (100)
بلا شك إن نقض العهود مدان من كل القوانين والشرائع والمواثيق، علاوة على أنه مدان أخلاقيا. جميل من هذه الآية أنها لم تعمم نبذ أو نقض العهود على كل اليهود، كما يفعل القرآن غالبا، بل ذكرت أن فريقا منهم فعل ذلك، وإن كانت العقوبة، حسب بعض الروايات، قد شملت كل اليهود آنذاك. ولكننا نعلم إن نقض العهود لم يمارس من قبل أتباع دين ما، كاليهود هنا، بل نجد هذه الظاهرة داخل كل دين وكل قومية وكل ثقافة وكل شعب، بقدر أو بآخر. أما تعليل نبذ العهود بعدم الإيمان، فالتاريخ والواقع ينبئاننا بعدم صدق الادعاء بهذا التلازم، فداخل المسلمين المؤمنين الملتزمين من يحفظ العهود، ومن ينقض العهود مرة بعد مرة رغم إيمانه وتدينه وعباداته، وهكذا نجد النوعين من الناس داخل اليهود المتكلَّم عنهم هنا، وداخل المسيحيين، وداخل الملحدين واللاأدريين والمؤمنين اللادينيين. صحيح إن الإيمان بالله عموما، ينبغي أن يكون عاملا لتحلي المؤمن بمكارم الأخلاق، لكونها مما يحبه الله، ولكن واقع الحياة ينبئنا بعدم التلازم بين الإيمان وحسن الخلق، وبالتالي بين عدم الإيمان وسوء الخلق، والذي يعتبر الالتزام بالعهود والعقود والمواثيق من لوازم حسن الخلق.
وَلَمّا جاءَهُم رَسولٌ مِّن عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِّما مَعَهُم نَبَذَ فَريقٌ مِّنَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهورِهِم كَأَنَّهُم لا يَعلَمونَ (101)
مضمون هذه الآية سبق وناقشناه، مما يجعلنا نستغني عن الإعادة.
وَاتَّبَعوا ما تَتلُو الشَّياطينُ عَلى مُلكِ سُلَيمانَ وَما كَفَرَ سُلَيمانُ بَلِ الشَّياطينُ كَفَروا يُعَلِّمونَ النّاسَ السِّحرَ وَما أُنزِلَ عَلَى المَلَكَينِ بِبابِلَ هاروتَ وَماروتَ وَما يُعَلِّمانِ مِن أَحَدٍ حَتّى يَقولا إِنَّما نَحنُ فِتنَةٌ فَلا تَكفُر فَيَتَعَلَّمونَ مِنهُما ما يُفَرِّقونَ بَينَ المَرءِ وَزَوجِهِ وَما هُم بِضارّينَ بِهِي مِن أَحَدٍ إِلّا بِإِذنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمونَ ما يَضُرُّهُم وَلا يَنفَعُهُم وَلَقَد عَلِموا لَمَنِ اشتَراهُ ما لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ وَّلَبِئسَ ما شَرَوا بِهِ أَنفُسَهُم لَو كانوا يَعلَمونَ (102)
هنا تنتقل الآية من الكلام عن حال اليهود وقت نزولها المفترض إلى الكلام عن أحوال أسلافهم زمن النبي المفترض سليمان. وهنا يرد ذكر شياطين سليمان، وفي الوقت الذي استخدم مصطلح الشيطان بمعناه السلبي، كعاص لله، وموسوس للإنسان بالمعصية، ومجمل له للأعمال السيئة، يرد هنا ذكر (الشياطين) بمعنى الجن، والذين أخبرنا القرآن أن فيهم الكافرون الشريرون، وفيهم المؤمنون الخيرون، بل فيهم من آمن بمحمد وبالقرآن. وهنا تحدثنا هذه الآية وآيات أخرى في القرآن عن قصة غريبة في تسخير الله لفريق من الشياطين أي من الجن لخدمة سليمان. ولكن هؤلاء الشياطين المسخرون من الله في خدمة سليمان لم يكونوا كلهم مؤمنين مطيعين، بل تصفهم هذه الآية بالكفر، ولا ندري هل المقصود هنا الكفر بمعناه الحقيقي، أم هو بمعناه المجازي، أي الكفر بالسلوك لا بالعقيدة، وهو ما يميزه عادة القرآن عن الكفر بنعته بالفسق. المهم تذكر الآية أنهم كفروا أو عصوا، ومن مصاديق معصيتهم أو كفرهم تعليمهم الناس السحر، وذلك لكون السحر محرما في الإسلام، أو على الأقل ذلك السحر الذي يساء استخدامه في إضرار مزاوله بغيره من الناس. ولكن سرعان ما تقوم هذه الآية بقفزة من الكلام عن شياطين سليمان الذين هم من الجن، إلى كائنين من الملائكة، هما الملكان هاروت وماروت، اللذان كانا يعلمان الناس السحر أيضا، ولكن لا يمكن للملائكة أن يكونوا كما الشياطين من الكافرين. إذن هذا التعليم كان من قبل هاروت وماروت بأمر الله أو بإذنه. حقا غريبة قصص الكتب (المقدسة) أو (السماوية) أو (الإلهية)، فهاذان المخلوقان الملائكيان الغريبان صاحبا الاسمين الغريبين، يعلمان الناس أشياء من أجل زحلقتهم، ثم ينبهان الناس الذين يعلمانهم ما يعلمانهم، فيعترفان لهم أنهم جاؤوا كفتنة لهم، أو كوسيلة زحلقة أو إزلال عن الطريق القويم، والفتنة تعني الاختبار الصعب، الذي يفتتن به الخاضع للاختبار أو الامتحان، واستعملت كلمة الفتنة في القرآن أيضا بمعنى العذاب الشديد. المهم يقولان لمن يعلمانه «إِنَّما نَحنُ فِتنَةٌ»، ثم يحذرانه أن «لا تَكفُر»، والكفر يأتي هنا بالمعنى المجازي وهو ما يسمى بالكفر العملي، أي بسلوك المعصية، وهو ما ينعت عادة بالفسق، ومع هذا يعلمان الناس ما هو مُضِرّ، على سبيل المثال كيف «يُفَرِّقونَ بَينَ المَرءِ وَزَوجِهِ»، ولكن الضرر لا يقع على «أَحَدٍ إِلّا بِإِذنِ اللهِ». إذن الله هو الذي أراد الضرر بمن تضرر من ذلك، وأبعد الضرر عمن لم يرد أن يصيبه الضرر، رغم إتقان المتعلِّمين وسائل الإضرار من الملكين، فلماذا كل هذا الجهد، فليضر الله من يريد أن يضره، وليبعد الضرر عمن لا يريد له الضرر. سيقولون إنه الامتحان. الله يعلم الخبيث من الطيب، ولا حاجة لكل هذه السيناريوهات الغريبة العجيبة. ما نفع هذه الأسطورة، هل تساعد على تعميق الإيمان في قلوب المصدقين بها؟ وهل سيكون من نوع الإيمان الذي يزيد الإنسان استقامة وطيبة وعدلا وإنصافا وعطاء ونفعا للناس وإنسانية، أو هو مجرد إيمان يجعل الإنسان غارقا في الغيبيات، معطلا عقله، شاغلا وقته في العبادات والطقوس، من غير أن تنهاه عبادته عن الكذب والغش والتزوير والتطفيف وأكل حق الناس، أو تنهاه كما يعبر القرآن عن الفحشاء والمنكر والبغي. هل يريد مؤلف القرآن أن يختبرنا في هذه القصص العجيبة واللامعقولة، بحيث نستحق اللعنات والعذاب الأخروي في حال لم تتعقلها عقولنا، حتى لو كان بسبب سذاجة ومحدودية وغباء عقولنا، مما لا خيار لنا فيه نحن البشر المساكين، الذين خلقنا الله كما يعبر القرآن، وبحق من ضعف، والذين مهما استزدنا علما نبقى ينطبق علينا قول القرآن وبحق أيضا «وَما أوتيتُم مِنَ العِلمِ إِلّا قَليلًا». لماذا بعث الله هاذين الملكين المريبين ليجعل الناس «يَتَعَلَّمونَ ما يَضُرُّهُم وَلا يَنفَعُهُم»، ونحن البشر الذين تكلم عنهم الله حسب دعوى مؤلف القرآن «أَكثَرُهُم لا يَعقِلونَ»، « أَكثَرُهُم لا يُؤمِنونَ»، « أَكثَرُهُمُ الفاسِقونَ».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حتة من الجنة شلالات ونوافير وورد اجمل كادرات تصوير في معرض


.. 180-Al-Baqarah




.. 183-Al-Baqarah


.. 184-Al-Baqarah




.. 186-Al-Baqarah