الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عودة روسيا إلى الركح العالمي 2

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2022 / 4 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تطرقت الورقة السابقة - عودة روسيا إلى الركح العالمي الجزء 1- إلى تطلع روسيا بشكل متزايد إلى إفريقيا لإظهار القوة والنفوذ. وكيف مثل هذا المسعى الروسي تحديًا، في وقت ظلت فيه تحديًا حيث تسعى الولايات المتحدة تسعى إلى تعزيز الديمقراطية والسلام والازدهار. وكيف، بعد عقود من الغياب، عادت روسيا للظهور مرة أخرى في القارة الأفريقية عبر اعتماد بوتين على مجموعة متنوعة من أدوات وأساليب تزعج الرأي العام الدولي وتثير مخاوف متصاعدة باعتبارها تعلن جهرة موجة جديدة من منافسة القوى العظمى في إفريقيا، بل وعلى الصعيد العالمي.
ويهتم الجزء الثاني كيف سعت موسكو إلى إعادة وضع قدمها في القارة السمراء وهل تفوقت في مسعاها ؟

إنشاء عالم متعدد الأقطاب
تلعب إفريقيا دورًا كبيرًا في استراتيجية بوتين، لا سيما في سعي روسيا الطويل الأمد لإقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب. وتأكد هذا السعي بوضوح مع البحث الحثيث عن شركاء محتملين في الجهود المبذولة لتخفيف تأثير الولايات المتحدة وحلفائها في الهيئات الدولية. وينطبق الشيء نفسه على الاتحاد الأفريقي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومنظمات التنمية الأفريقية مثل البنك الأفريقي للاستيراد والتصدير.
طبعا، تعتبر الأمم المتحدة من أهم ساحات الصراع لمثل هذه الجهود الدبلوماسية الروسية. تمثل إفريقيا حوالي ربع الدول الأعضاء ، مما يساعد على تفسير الدافع وراء الزيارات المتكررة إلى إفريقيا من قبل كبار المسؤولين الروس ، والعديد من "اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية" الموقعة مع البلدان الأفريقية ، وعروض تخفيف ديونها. لقد أثبت تخفيف عبء الديون فعاليتها كأداة مفيدة ، مما يسمح لروسيا بالاعتماد على دعم الشركاء الأفارقة في الأصوات الرئيسية للأمم المتحدة مثل قرار الجمعية العامة 2014 الذي ينتقد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم .فقد صوتت 29 دولة أفريقية ضد ذلك أو امتنعت عن التصويت عليه وستة لم يحضروا للتصويت. كما اعتمدت روسيا أيضًا على شركائها الأفارقة لدعم موقفها بشأن عمليات التصويت الرئيسية في الأمم المتحدة بشأن سوريا وقرار ديسمبر 2018 الذي يدين عسكرة روسيا لشبه جزيرة القرم والبحر الأسود وبحر آزوف. وكان لهذه الدول دور ملفت للنظر، في عرقلة الجهود الدولية لتعزيز حقوق الإنسان والحكم الديمقراطي من خلال المنظمات والوكالات التابعة للأمم المتحدة.
يتم تخصيص ثلاث مقاعد بالتناوب لأفريقيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ولما شغلت هذه المقاعد كل من جنوب إفريقيا وغينيا الاستوائية وساحل العاج. وفي يناير 2019 ، دخلت روسيا في شراكة مع الدول الثلاثة في مجلس الأمن لإحباط جهود الأمم المتحدة لفحص نتائج الانتخابات المتنازع عليها في جمهورية الكونغو الديمقراطية ، على الرغم من نداء من شخصيات معارضة كونغولية لإجراء تحقيق ومشاركة دولية أكبر في النزاع . و في أبريل الموالي ، منعت روسيا و تلك الدول مشروع قرار صاغته المملكة المتحدة لمجلس الأمن دعا إلى وقف إطلاق النار في ليبيا وأدان تصرفات أمير الحرب الليبي خليفة حفتر .كما دعمت روسيا جهود الدول الثلاثة لعرقلة بيان الأمم المتحدة بشأن الانقلاب في السودان. وساهمت دعوة روسيا لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة ودعواتها للأفارقة لحل القضايا الأفريقية، في تنامي التآزر فيما بينها.
لطالما احتلت جنوب إفريقيا مكانة خاصة بين الدول الأفريقية التي ظلت روسيا تتودد إليها. كما لعب الاتحاد السوفيتي دورًا حاسمًا خلال الصراع ضد الفصل العنصري وأقام علاقات وثيقة مع حزب المؤتمر الوطني الأفريقي والجماعات المسلحة الأخرى. كما زار بوتين جنوب إفريقيا ثلاث مرات منذ عام 2006 ، وأدى الصعود السياسي لجاكوب زوما ، رئيس المخابرات السابق في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي ، إلى خلق فترة شهر العسل بين البلدين.
ظل الاتحاد الإفريقي هدفًا مهمًا للتواصل الدبلوماسي والأمني الروسي في إفريقيا وأداة للدبلوماسية الروسية لموازنة النفوذ الأمريكي والأوروبي في إفريقيا. إن دعوة روسيا لحلول حفظ السلام الأفريقية للنزاعات الأفريقية في الاتحاد الأفريقي تدعم دفاعها في الأمم المتحدة عن مبدأ عدم التدخل وأولوية سيادة الدولة، وانتقادها للولايات المتحدة لانتهاكها هذه المبادئ في أماكن أخرى من العالم.
لقد سهّلت مشاركة روسيا في بعثات حفظ السلام الأفريقية أو المهمات التدريبية علاقاتها مع الجيوش الأفريقية وكذلك خدمة مبيعات الأسلحة. ومع ذلك، فإن مشاركة روسيا الفعلية في عمليات حفظ السلام الأفريقية أصغر مما يُعتقد عمومًا.
وقد سهّل الاتحاد الأفريقي مشاركة روسيا كمراقب في مختلف محادثات السلام الأفريقية. ففي سنة 2019 ، توسطت موسكو في اتفاق سلام بين حكومة جمهورية إفريقيا الوسطى وجماعات متمردة مسلحة. قدمت سنوات من تنمية الاتحاد الأفريقي لروسيا الشرعية والغطاء السياسي اللازم لدورها في اتفاقية السلام.

استخدام الأدوات العسكرية والأمنية التقليدية
لطالما كانت إفريقيا سوقًا رئيسية لصناعة الأسلحة السوفيتية والروسية ، وتسهل صادرات الأسلحة إلى إفريقيا الجهود الدبلوماسية الأوسع لروسيا لتنمية العلاقات العسكرية والسياسية والأمنية وتوسيع نفوذها في القارة. إنها تجعل من الممكن إقامة علاقات طويلة الأمد والحفاظ عليها مع القادة العسكريين والسياسيين الصاعدين، وتساعدها على التنافس على النفوذ مع الولايات المتحدة وفرنسا والصين.
أما في شمال إفريقيا، ظلت الجزائر الوجهة الأكثر أهمية للأسلحة الروسية المتقدمة. وفقًا لبيانات من معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام ، قامت روسيا بتوريد الأسلحة إلى ثمانية عشر دولة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى على مدى السنوات العشر الماضية: أنغولا ، بوركينا فاسو ، الكاميرون ، تشاد ، جمهورية الكونغو الديمقراطية ، غينيا الاستوائية ، إثيوبيا ، غانا ، غينيا ، كينيا ، مالي ، نيجيريا ، رواندا ، جنوب إفريقيا ، جنوب السودان ، السودان ، أوغندا ، وزامبيا.
وتقدم الأسلحة الروسية الصنع جملة من المزايا للعملاء في البلدان الأفريقية. فهي تميل إلى أن تكون أرخص من نظيراتها الغربية. علما أن العديد من الجيوش الأفريقية تمتلك مخزونات من الحقبة السوفيتية تتوافق مع الأسلحة الروسية الحديثة. كما أنه، غالبًا ما تتضمن عقود الأسلحة الروسية بنودا لتحديث أو إصلاح المعدات التي تعود إلى الحقبة السوفيتية.
تقدم مبيعات الأسلحة الروسية أيضا ميزة إضافية تتمثل في عدم مراعاة شروط حقوق الإنسان. فمثلا لجأت نيجيريا إلى موسكو بعد أن منعت إدارة باراك أوباما مرارًا وتكرارًا شحنات الأسلحة إلى ذلك البلد. فروسيا لا تجعل مبيعات الأسلحة أو التعاون العسكري مرهونًا بالالتزام بالمعايير الديمقراطية ولا تمانع في التعامل مع منتهكي الحقوق.
ولعب المدربون المدنيون والعسكريون الروس المنتسبون إلى مجموعة - فاغنر، وهي منظمة شبه عسكرية مرتبطة بوكالة الاستخبارات العسكرية الروسية. وحسب جملة من الخبراء في الشأن الروسي، إن مجموعة – فاغنر- ليست شركة عسكرية خاصة حقيقية ، بل هي امتداد شبه خاص لمؤسسة الأمن العسكري الروسية ، وتتكون من ما يناهز 5000 مقاتل ، لا يلتزمون بالمعايير الدولية. فقد ورد في جملة من التقارير، أن مجموعة - فاغنر- نشطت أيضًا في ليبيا والسودان وقامت بتدريب القوات السودانية. ونفذ بوتين أنشطته العسكرية والأمنية حصريًا بمساعدة المتعاقدين / المرتزقة.

في الوقت الحالي، يعد التواجد العسكري الروسي في القارة السمراء محدودًا. لكن قبل هجوم بوتين على أكرانيا، أكدت مؤشرات متزايدة على أن موسكو كانت تتطلع إلى الحصول على قواعد بحرية أو لوجستية في شرق إفريقيا يمكنها أن تساعد في دعم العمليات الروسية في أماكن أخرى من المنطقة وبناء منصة لجمع المعلومات الاستخبارية لمراقبة أنشطة القوات الأمريكية أو الصينية أو الفرنسية أو اليابانية . ولم تنجح المناشدات الروسية لجيبوتي لاستضافة قاعدة، لكن –لافروف-، سبق وأعلن عن خطط لبناء مركز لوجستي عسكري في إريتريا .
فمنذ سنة 2014، وقعت روسيا تسعة عشر اتفاقية تعاون عسكري مع دول أفريقية، وتشمل أنشطة مثل تبادل المعلومات، والتعاون في مكافحة الإرهاب، والمبيعات العسكرية، والتدريب الأمني. ومع ذلك، يبدو أن الجزء الأكبر منها يظل رمزيا.
عموما، يؤكد النشاط الدبلوماسي والتجاري والعسكري والأمني في إفريقيا مطالبة روسيا بدور أكبر على الركح العالمي عوض ينحصر في مجرد قوة "إقليمية".

على عكس الاتحاد السوفيتي خلال حقبة ما بعد الاستعمار، ليس في جعبة روسيا أيديولوجية "جذابة" لعرضها على شركائها في إفريقيا. وظلت المعارضة المشتركة لترويج الولايات المتحدة والدول الغربية للديمقراطية مفيدة لروسيا في بناء علاقات مع بعض البلدان في إفريقيا، مثل زيمبابوي أو السودان أو مصر. ومع ذلك ، يبدو أن العديد من هذه العلاقات تسترشد باعتبارات الملاءمة ، لكنها متواضعة في نطاقها نسبيًا - وتقتصر عادةً على مبيعات الأسلحة ، أو شكل من أشكال المساعدة الأمنية ، أو الصفقات التجارية حيث يمكن للشركات الروسية الاستفادة من تقييد الشركات الغربية بسبب عقوبات حكوماتهم. هذا لا يعني أن هذه العلاقات لا يمكن أن تستمر، لكنها مقيدة بحقيقة أن روسيا لا تستطيع أن توفر سوى موارد متواضعة لدعمها.
فقد ظلت روسيا تحرص على إيجاد شركاء في سعيها المستمر منذ عقود لإضعاف قوة الولايات المتحدة وإنشاء عالم متعدد الأقطاب. وهي تستخدم مجموعة متنوعة من الأدوات ، لا سيما الإعفاء من الديون ومبيعات الأسلحة ، لكسب الأصوات في الهيئات الدولية الرئيسية ولعب دور مفسد للولايات المتحدة أو حلفائها في القضايا الدولية الرئيسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد