الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقض قصة الإسراء والمعراج في النص الإلهي

هيبت بافي حلبجة

2022 / 4 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في موضوع الإسراء والمعراج ، لابد من الإحاطة بالجوانب الأربعة التالية وهي : الجانب الإلهي أي الآيات المذكورة في النص الإلهي ، الجانب الثاني وهو ماورد في السيرة والفقه ، والجانب الثالث هو المتعلق بمحددات هذا الحدث ، حدث الإسراء والمعراج ، والجانب الأخير وهو ماوجه الضرورة لحدوث هذا الحدث .
المقدمة الأولى : يقول إله الكون في سورة الإسراء : سبحان الذي أسرى بعبده ليلاٌ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير . سورة الإسراء الآية 1 .
ويقول في سورة النجم : والنجم إذا هوى . ماضل صاحبكم وماغوى . وماينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى . علمه شديد القوى . ذو مرة فأستوى . وهو بالأفق الأعلى . ثم دنا فتدلى . فكان قاب قوسين أو أدنى . فأوحى إلى عبده ما أوحى . ما كذب الفؤاد مارأى . أفتمارونه على ما يرى . ولقد رآه نزلة أخرى . عند سدرة المنتهى . عندها جنة المأوى . إذ يغشى السدرة ما يغشى . مازاغ البصر وما طغى . لقد رأى من آيات ربه الكبرى . سورة النجم الآيات 1ـ 18 .
المقدمة الثانية : وفيما يخص السيرة والفقه ، بعد وفاة أبو طالب عم الرسول ، وووفاة زوجته خديجة بنت خويلد ، إغتم غماٌ لامثيل له ، أكفهرت السماء في عينيه وإندمست ، وبينما كان يغط في نوم عميق في ذات ليلة ، إنفرج سقف الدار وهبط إليه جبرائيل ومعه دابة تسمى البراق ، والبوراق مفردة كوردية زرادشتية تعني أسرع مافي الكون .
وشق جبرائيل صدر الرسول حسياٌ ، وأخذ قلبه وغسله في إناء من الذهب ، لإن أرقى الأواني في الجنة هي من الذهب ، بماء من الزمزم ، أطهر ماء على وجه الكرة الأرضية ، ثم ملأ جبرائيل قلب الرسول بالرحمة وبالطاعة .
وحينما هم الرسول أن يمتطي البراق تشامست ، أي أبت ، وشموس هي مفردة كوردية زرادشتية تعني الدابة البرية غير الداجنة وتستعمل حتى هذه الساعة ، عندها قال لها جبرائيل : والله لم يركبك أشرف وأفضل من محمد ، فأستكانت ، فأمتطاها الرسول ، وسار بها من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وحين وصوله ربط الرسول البراق بحلقة الأنبياء ، أي ربط رسنها بالحلقة المكرسة للأنبياء ، ثم صلى ركعتين بمفرده ، وبعدها أم الرسول الأنبياء ، كل الأنبياء ، في الصلاة . وفي النهاية قدم له جبرائيل ثلاثة أكواب من خمر ، من عسل ، من لبن ، فأختار الرسول اللبن ، فقال له جبرائيل : أنت وقومك على الفطرة .
وهكذا إنتهت رحلة الإسراء ، وبدأت رحلة المعراج ، حيث بقي البراق هناك ، وعرج محمد بصحبة جبرائيل إلى السماء ، ففي السماء الأولى ، فتحت الأبواب ، فقال آدم عليه السلام : من . فقال جبرائيل : أنا جبرائيل . فقال له ومن معك . قال محمد . فقال وهل بعث ، أي هل بعث نبياٌ . فقال جبرائيل : نعم لقد بعث . فقال أهلا بالأبن الصالح والنبي الصالح . فقال الرسول لجبرائيل : من هذا . فقال له : هذا أبوك آدم .
وتكرر ذات الحديث في السماء الثانية مع أولاد خالة الرسول ، عيسى بن مريم ، ويحيى بن زكريا ، فقالا له أهلا بالأخ الصالح والنبي الصالح . وفي السماء الثالثة كان يوسف . وفي السماء الرابعة كان أدريس . وفي السماء الخامسة كان هارون . وفي السماء السادسة كان موسى . وفي السماء السابعة كان إبراهيم ، مسنداٌ ظهره إلى البيت المعمور .
وعند سدرة المنتهى ، أوجب الإله الصلاة ، أي فرضها على المسلمين ، وفرض خمسين صلاة ، فقال موسى : إني أختبرت قومي فهم لن يطيقون هذا العدد فإرجع إلى ربك وأطلب منه التخفيف ، فظل يرجع ويرجع ، من عند موسى إلى ربه ، حتى خفف الإله عدد الصلاة إلى خمسة . وهكذا إنتهت رحلة المعراج .
المقدمة الثالثة : والآن ماهي محددات قصة الإسراء والمعراج ، من الضرورة أن نمايز هنا مابين محتوى الحدث ومفهوم الظاهرة ، من الضروري أن نفارق مابينهما في النقاط التالية :
النقطة الأولى : إن الحدث يحدث لمرة واحدة وبصورة إعتباطية ، وحتى لو تكرر الأمر مليار مرة ، ففي كل مرة يحدث مرة واحدة وبصورة إعتباطية ، بعكس الظاهرة التي إن حدثت ، ولن تحدث إلا إذا توافرت شروطها الباطنية البنيوية ، فالمطر لاينهمر إلا إذا توافرت أسباب حدوثه ، بينما حدث الإسراء والمعراج لايقتضي ذلك .
النقطة الثانية : إن الظاهرة هي جزء من الكل ، ولايتحقق حدوث الجزء إلا ضمن شروط موافقة الكل ، فالمطر لاينهمر لإنه يريد أن ينهمر إنما لامحيض من موافقة شروط الكل لشروط هطول المطر ، بعكس الحدث الذي هو ليس جزءاٌ من الكل ، أي يفترض تحققة بمعزل مطلق عن شروط المحيط ، فسبحان الذي أسرى بعبده بغض النظر عن أي شيء ، حتى بغض البصر عن حالة الرسول .
النقطة الثالثة : إن غاية الظاهرة هي في حدوثها الفعلي الداخلي ، فالمطر يهطل وكأن الدنيا هي التي أجمعت على شروط الإنهمار ، بينما إن غاية الحدث هنا هي في شكلها الخارجي ، هي في حدوثها من حيث الشكل ، لإنه لاينتمي إلى بنيان مايحيط به .
النقطة الرابعة : إن مفهوم الإرادة متباين في جذورها في الحالتين ، في حالة الظاهرة تميل الإرادة نحو تحقق في المبنى والأساس ، بينما تميل الإرادة في حالة الحدث نحو تحققها بالضرورة من الخارج ، من طرف لاينتمي إلى المبنى والأساس .
المقدمة الرابعة : هو ماوجه الضرورة لحدوث حدث الإسراء والمعراج ، هنا أيضاٌ لامناص من إدراك النقاط التالية :
النقطة الأولى : لابد أن يتوفر عنصر الضرورة في هذا الحدث ، وإلا لتحول الأمر إلى حالة مزاجية بحتة ، حالة تفرض نفسها على فاعلها من زاوية أن تكتمل دائرة ما يصبو إليه هذا الفاعل ، فعنصر الضرورة تمثل حالة معنوية ومادية في إضفاء المعنى الحقيقي لتلك الدائرة .
النقطة الثانية : ينبغي أن تكون الضرورة مطلقة غير نسبية ، وإلا لكان الحدث مجرد حالة بسيطة ساذجة من المشاعر والأحاسيس ، فالحالة النسبية لاتفرض حالها على مجمل مايخطر على بال الفاعل ، بعكس الضرورة المطلقة التي تتخطى حالة التبرير والإستفسار إلى حالة هي حالة المفهوم الإنطولوجي ، وحالة هي محتوى الحدث كحدث أصيل وأصلي .
النقطة الثالثة : من المؤكد أن تكون الضرورة كاملة غير ناقصة ، وإلا كنا أمام ضرورة ليست ضرورة فهي ، وفي مجال الإسراء والمعراج ، ضرورة من حيث هي ضرورة ، وليس من حيث إن الفاعل يتطلب منها أن تكون ضرورة .
النقطة الرابعة : من المحقق ان تكون الضرورة غائية في الحدوث نفسه ، فلو لم تكن كذلك ، لأصبح الحدث مجرد حالة عنوان منعزل لذاته ، كما لو يرسم فنان ما عيون إمرأة جميلة دون أن يتماهى ذلك مع خلفية القصد من اللوحة نفسها . فالغائية ليس شرطاٌ من الخارج تماماٌ بل لابد من أن يتمتع بخاصية باطنية في أس ومبنى الإسراء والمعراج .
النقطة الخامسة : من الجوهري أن تكون هذه الضرورة هي المطلوبة بحيث لايمكن إستبدالها بضرورة أخرى تنوب عنها ، مع شرط أولي أن تكون هذه الضرورة هي الأنسب والأقوى لما هو مطلوب من الحالة الأساسية ، أو من الترتيب العام .
نكتفي بهذا القدر ونبدي إعتراضنا كالآتي :
أولاٌ : في العلاقة مابين الرسول من جهة ، ومابين مفهوم النبوة من جهة ثانية ، ومابين مرض الرسول ، مرض الفص الصدغي الأمامي ، مرض الصرع ، من جهة ثالثة . إن الرسول كان يعلم علم اليقين المطلق إنه ليس بنبي مرسل ، وإنه مريض بداء الصرع ، سنقدم الشواهد على ذلك بعد حين . وبعد أن مات أبو طالب عمه ، وكذلك خديجة زوجته ، أحس إن النبوة قد ضاعت منه ، وإنه لن يكون سيد القوم ، سيد القبائل ، فأججت هذه الفكرة مكامن شعوره الداخلي الباطني ، ومن خلال ماتحت الشعور أراد الرسول أن ينتقم لوضعه المزري القادم .
وحينما غلبه النعاس ولم يزل مستيقظاٌ ، طفح إلى ساحة شعوره إرهاص قوي ، إرهاص واضح ، إرهاص هو الفانتاسم بعينه أي الإستيهام بذاته ، وتخيل الرسول بكامل وعيه الباطني المنتقم : فإنفرج سقف الدار وهبط إليه جبرائيل بدابة أسمها البراق ، الدلالة الأولى للفانتاسم ، وكأن جبرائيل لايستطيع أن يأتيه من الباب ، لكن للفانتاسم شروطه فيما تحت الشعور .
وبما إن الرسول كان يعرف قصة صعود زرادشت إلى السماء على ظهر دابة بيضاء أسمها البوراق ، فكان لابد من هذه الدابة ، والبوراق في اللغة الزرادشتية الكوردية تعني أسرع كائن في الوجود ، ثم أستخدم صفتها الكوردية الملاصقة لها وهي شموس ، والدابة الشموس هي صعبة المراس ولايمكن إمتطاءها مطلقاٌ ، لذلك أستخدم شعوره الباطني هذه الصفة كي يؤكد جبرائيل على إن الرسول هو أشرف خلق الله ، حينها إستكانت البوراق وكأنها كانت تعرف العربية بأصولها .
ثم بدأت الدلالة الأكيدة على الفانتاسم وهي إنه ربط دابته على حلقة الأنبياء ، إنه نبي بدون شك ، ثم تكتمل السيادة حينما يأم الأنبياء للصلاة ، فهو سيدهم ، وبالتالي هو سيد الكون .
ولايكتفي الشعور الباطني المهزوم بالإسراء ، إنما لابد من المعراج إلى السماء ، التي تفتح أبوابها لتهتف : أهلاٌ بالأبن الصالح والنبي الصالح ، أو أهلاٌ بالأخ الصالح والنبي الصالح . ثم يخترق أسرار السماء في البيت المعمور ، وجنة المأوى ، وسدرة المنتهى ، حيث يرى الإله ، حيث يرى نور السموات والأرض . ومن البدهي إن كل هذا حدث في شعوره الباطني وهو بكامل وعيه ، أي تجلى في ساحة وعيه بإرادة خاصة منه ، فهو المؤلف وخالق هذا التصور ، ثم غط بعدها في نوم وسبات عميق يغمر كل جوانحه ، ويضفي سكينة مطلقة على عقله ووعيه وأحاسيسه ومشاعره : فهو يجسد الإله ويمثله بل هو الإله نفسه ، هو سيد الكون ، الكل يهتف بأسمه .
وهنا من الأساسي والرئيسي أن نقدم الشواهد على إن الرسول يعلم تماماٌ إنه شخص مصاب بالصرع كما إنه ليس نبياٌ مرسلاٌ :
الشاهد الأول : حينما أتى إليه دحية الكلبي ليقنعه بغزو بني قريظة لما يملكون من مال ، ذهب وفضة ، فقالت له عائشة : ما حدث . فيقول لها أرايته . فتقول أجل . فيقول إنه جبرائيل بهيئة دحية الكلبي . فهل جبرائيل مضطر أن يأتي بثوب بشر ومضطر أن يقنع الرسول بالغزو من أجل المال ولمدة دامت أكثر من ساعة . ولو لم يكن هو دحية الكلبي نفسه ، فلماذا يقول دحية الكلبي للرسول ، بعد الإنتهاء من الغزو : أين مكافأتي ، فيقول له الرسول خذ ما تشاء . فهل هذا كان جبرائيلاٌ يطلب مكافأته من الرسول .
الشاهد الثاني : وفي قصة إحد كتاب النص الإلهي ، كان يغير في نهاية الآيات ، أي عوضاٌ أن يكتب مثلاٌ : وهو السميع العليم ، يكتب وهو الغفور الرحيم . فقال للرسول : يارسول الله إني أغير في النهايات . فقال له الرسول : لايهم ذلك . فأرتد هذا الكاتب عن الإسلام .
الشاهد الثالث : كان الرسول إذا ما أتاه جبرائيل بالآيات يفقد وعيه ويغط كما يغط البعير ويسيل لعابه على ذقنه ، ويحدث ذلك أمام الملأ ، فكانت عائشة تقول : إنه جبرائيل . والسؤال هل من المعقول أن تنزل الآيات إليه وهو في حالة الصرع ، وفاقداٌ للوعي ، ويغط كما يغط البعير ، ويسيل رضابه ، وكل هذا من أعراض مرض الصرع . ثم لماذا يأتي إليه جبرائيل بهيئة دحية الكلبي وهنا يأتيه ليغيبه غن الدنيا تماماٌ .
الشاهد الرابع : لو كان الأمر كذلك ، كلما أتاه جبرائيل ، فإن من المعلوم إنه قد حدث له ذلك وهو في السن السادس من عمره ، أي فقد وعيه وغط كما يغط البعير وسال لعابه ، فهل كان جبرائيل هو السبب ويبشره بالنبوة ، وكيف يكون السبب والرسول بقي نصرانياٌ حتى سن الأربعين ، وتزوج من خديجة وهو على هذا المذهب .
الشاهد الخامس : كان الرسول يبحث هنا وهناك عن أشعار وترجمات أمية بن أبي الصلت ، ولما نزلت آية الإخلاص : قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاٌ أحد . سمعت أبنة أمية وقالت لصاحباتها : ما هذه . فقلن هذه آية نزلت للتو . فهرعت إلى الرسول وقالت له : ماهذه . فقال لها وهو يدرك تماماٌ إن هذا من ترجمات أبيها عن الزرادشتية : إن هذه آية . فقالت : لكن والدي كان يرددها لنا منذ المنذ . فقال وهو يدرك حجم المأزق : إن أباك كان نبياٌ فقده قومه .
أي إن الرسول كان يعلم علم العارف بنفسه إنه ليس نبياٌ مرسلاٌ . نكتفي بهذه الشواهد مع العلم ثمت شواهد بالعشرات والعشرات .
ثانياٌ : في موضوع المعراج ، يعرج الرسول في السماوات السبعة ، وفي كل سماء نبي أو نبيان ، وحينما تنفتح أبواب كل سماء ، يقول النبي الساكن فيها : من . فيقول جبرائيل : جبرائيل . فيقول ومن معك . فيقول إنه محمد . فيقول أو قد بعث . فيقول جبرائيل : نعم . فيقول النبي الذي في تلك السماء أهلاٌ بالأخ الصالح أو الأبن الصالح والنبي الصالح . إن هذا التصور يتضمن جملة من التناقضات لإنه ينم عن تخيل إستيهامي ، فانتاسمي مطلق :
فمن ناحية إن الأنبياء لايعرفون جبرائيل كما لايعرفون الرسول ، وهذا واضح من قولهم ، من ، ومن معك ، بالرغم إنه قد صلى بهم وأمهم في المسجد الأقصى قبل قليل . ومن ناحية ثانية يقولون : أو قد بعث . وكأنهم لم يلتقوا به قبل قليل في المسجد الأقصى ، ثم ألم يجتمعوا ، أصلاٌ ، في المسجد الأقصى كي يصلي بهم الرسول ويلتقي بهم . ومن ناحية ثالثة هم يعلمون إن الرسول ينبغي أن يبعث ، لكن الرسول نفسه لم يعلم بذلك إلا حينما أشارت خديجة إلى إنه مثل ناموس موسى وكان عمره آنئذ أربعين سنة . ومن ناحية رابعة إذا كان الرسول قد عرج إلى السماوات مرة واحدة في عمره ، فإن الأنبياء يعرجون إلى السماء ويهبطون إلى الأرض مرات ومرات ، فلقد كانوا قبل قليل في المسجد الأقصى وهاهم الآن ، وقبل وصول الرسول ، في مواقعهم في السماوات . ومن ناحية خامسة يقولون له : أهلاٌ بالنبي الصالح . كيف عرفوا ذلك . هل سمعوا بالغزوات ، سيما غزوة بني قريظة وقتل أهلها . هل سمعوا بقصة صفية بنت حيي . هل سمعوا بالنهب والسبي وماملكت إيمانكم . هل سمعوا بقصة وطأ حرائر أوطاس ، وهل يسمح هؤلاء الأنبياء أن يفعلوا ما فعله الرسول : أو إمرأة وهبت نفسها للنبي فهي خالصة لك من دون المسلمين . ومن ناحية سادسة هل مازال هؤلاء الأنبياء في مواقعهم ، كل نبي في السماء المخصصة له وكإنه حارس لها ، أفلا يدل ذلك على إن الأمر كله مجرد إستيهام لشعور باطني على ساحة الوعي .
ثالثاٌ : وحينما مايزنا مابين الظاهرة والحدث في موضوع الإسراء والمعراج ، كان القصد هو إن الحدث هنا هو خارج سياق العقل ، خارج سياق المنطق ، خارج سياق الأسباب الإستدلالية من إستنباط وإستنتاج . بعكس الظاهرة التي هي تتمتع ، من حيث المبدأ ، بأسباب حدوثها . والسؤال الجوهري الأصيل هو : ماهو معيار الحدث حينما يكون خارج أسباب حدوثه ، ليس ثمت إلا إجابة واحدة ، وواحدة فقط ، وهي ينبغي أن يحدث الحدث حدوثاٌ في الفعل ، وبشرط حدوثه أمام طرف غريب عن الحدث نفسه ، وهكذا وبهما يكتسب الحدث مصداقيته ، فمعجزة نبينا موسى عليه السلام حدثت على مرأى الآخرين ، وكذلك معجزة نبينا عيسى عليه السلام حدثت على مرأى الآخرين .
دون هذا الركن وهذا الشرط لايمكن للحدث أن يدلل على تحققه حتى لو حدث في سياق خاص مغلق ، فهل تحقق ذلك في قصة الإسراء والمعراج ، بالتأكيد كلا ، فالرسول كان نائماٌ ، أو ينوي الرقاد ، وخطر على شعوره ضمن حدود وعيه وهو مازال مستيقظاٌ ، كنوع من الإنتقام لوضعه المزري ، جملة هذه الخواطر ليختال على حقيقة أمره في مسألة النبوة . فإستيهام الرسول هو عينه حينما يتصور مهندس فاشل إنه قد أنجز قصراٌ فريداٌ يشار إليه بالبنان ، أو طبيب يتصور إنه قد أجرى عملية للتو لايقدر عليها أمهر الأطباء ، أو محامي يتصور إنه دافع أربعة ساعات عن قضية معقدة شائكة أمام هيئة المحكمة وجمهور غفير ليحصد بعدها تصفيق دام لعشرة دقائق .
وثمة حالة خاصة ، وهي الإستدلال على وقوع الحادثة من الخلف ، أي بعد وقوعها من خلال حيثياتها ، وليس من خلال رؤية وقوعها في الفعل ومشاهدة ذلك مباشرة ، لكن حتى هذا الإحتمال صادره إله الرسول : حينما أكد ، من ناحية ، بصدد قصة الإسراء : سبحان الذي أسرى بعبده ليلاٌ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، فهاهو يمدح بنفسه وبعظمته . وحينما أكد ، من ناحية أخرى ، بصدد قصة المعراج : أفتمارونه فيما يرى ، ولم يقل أفتمارونه فيما رأيتم ، أنتم .
رابعاٌ : ثم هناك شاهد أكيد على إن تلك الآيات المتعلقة بالإسراء والمعراج ليست إلا آيات بشرية وإن القصة برمتها ليست إلا إرهاصات شعورية : فهاهو إله الكون يقول : سبحان الذي أسرى بعبده ليلاٌ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع العليم . سورة الإسراء الآية 1 .
ويقول في سورة النجم : والنجم إذا هوى ... ولقد رأى من آيات ربه الكبرى . سورة النجم الآية 1 والآية 18 .
وهنا وبغض النظر إذا كان المقصود في هذه الآيات هو الرسول أم غيره ، فإننا نساير إطروحات السيرة والفقه ، وواضح من سياق هذه الآيات كلها ، من الآية الأولى إلى الأخيرة ، إن العامل النفسي للرسول يطغى على تأليف هذه الآيات : فهاهو إله الكون ، بما إنه إله الكون ، يؤكد للآخرين : ولقد رآى من آيات ربه الكبرى . لنريه من آياتنا . لإنه رسولي وهو أشرف خلقي . في حين لو كانت هذه الآيات ، والقصة نفسها ، لإله الكون ، لقال بكل وضوح من خلال حدث الإسراء والمعراج : لنريكم ، أنتم ، من آياتنا إنه هو السميع العليم . ولقد رأيتم ، أنتم ، من آيات ربكم الكبرى . لكن هذا الإله ، وبالتناقض ، يريد ان يثبت ذاته الإلهية أمام الرسول ، ويريد أن يؤكد له إنه هو الرسول الأول والأخير ، فالرسول هو الذي دون هذه الآيات .
خامساٌ : وفقط للإستئناس ، وفي سورة النجم ، المتعلقة بحدث المعراج ، أفرأيتم اللات والعزى . ومناة الثالثة الأخرى . ألكم الذكر وله الأنثى . تلك إذا قسمة ضيزى . سورة النجم الآيات 19 ـ 22 . ويستطرد الإله : وكم من ملك في السموات لاتغني شفاعتهم شيئاٌ إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى . سورة النجم الآية 26 .
ومن يدقق في مبنى هذه الآيات يدرك بسهولة إنها آيات أرضية وليست سماوية ، فهو يقول : ألكم الذكر وله الأنثى ، أي الأنثى لله ، تلك إذا قسمة ضيزى ، أي قسمة غير عادلة ، فياترى ماهي القسمة العادلة ، أن يكون الوضع على الشكل التالي : لله الذكر ولكم الأنثى ، تلكم إذاٌ قسمة عادلة !!!! .
ومن ناحية أخرى ، وكم ملك في السموات ، ومن بينهم اللات والعزى والمناة ، لاتغني شفاعتهم إلا إذا شاء الله ، وهذه كارثة حقيقية :
فمن زاوية إن هذه الأصنام وغيرها هي في السموات ، رغم إنها أصنام أرضية . ومن زاوية أخرى ترتجى شفاعتهن إذا شاء الله ، أي إذا إستنجدت ، أنت بصنم مثل اللات والعزى والمناة ، فيحق لك ذلك دون إله الكون ، ولكن لن يستجاب لدعواك لهن إلا إذا شاء إله الكون ، أي يمكن لك ذلك ويمكن لإله الكون أن يستجيب لهن شفاعتهن ، فهل من الممكن أن يصدر ذلك من إله حقيقي ، إله يجيز طلب الشفاعة من صنم !!! .
سادساٌ : إذا ما تركنا الجانب النفسي الباطني وهو المتعلق بالرسول ، وذهبنا إلى الجانب الموضوعي للقصة وهو المتعلق بالإله ، وأفترضنا إن قصة الإسراء والمعراج صادقة وهي كاذبة بالقطع ، فماهو وجه الضرورة فيها ، تلك الضرورة التي قلنا عنها ، ضرورة مطلقة ، كلية ، غائية ، مطلوبة لذاتها :
فمن زاوية : ألم يكن من الأفضل أن تجتمع الأنبياء في المسجد الحرام ، طالما إنهم هبطوا من السماء إلى الأرض ، وطالما إن الرسول كان موجوداٌ ، أصلاٌ ، في المسجد الحرام . وبما إن الحدث قد حدث في المسجد الأقصى فينبغي أن تتوفر تلك الضرورة في المسجد الإقصى دون المسجد الحرام ، وإذا كان الأمر على هذه الشاكلة ، فكان لابد ، بل ومن صلب العقيدة ، أن تكون شعيرة الحج حيث يكون المسجد الأقصى وليس حيث المسجد الحرام لنفس المعيار الديني لتلك الضرورة .
ومن زاوية أخرى : طالما إن رحلة المعراج قد بدأت من المسجد الأقصى إلى السموات السبعة وإلى حيث الإله ، فإن هذا المسجد ينبغي ان يتمتع بخاصية تخصه هو دون غيره ، والذي يعزز مضمون هذه الفكرة هو إن الأنبياء والرسول قد صلوا في هذا المسجد ولم يصلوا في المسجد الحرام . وهذا يفضي إلى إستنتاج وهو : إن هذه الخاصية تتجاوز مضمون الصلاة لتدل على أمر ديني أهم ، وإلا لحدث الصلاة في المسجد الحرام .
ومن زاوية ثالثة : طالما إن الرسول قد أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الإقصى ، ومن هناك بدأت رحلة المعراج ، فهذا يعني ، ومن منظار تلك الضرورة : إن نبوة الرسول بدأت من المسجد الحرام حينما صلى بالأنبياء ، وحينما عرج إلى السموات ، وهناك في السموات أصبح رسولاٌ حقيقياٌ ، أخذ شهادة الولادة ، ولادة الرسالة ، ولادة النبوة ، أي أخذ شهادة إعتراف السماء به . وهذا يعني ، تماماٌ ، إن الرسول كان ، هو نفسه تلك الضرورة ، وإنه قد أصبح شريكاٌ للإله ، بل وإنه قد أصبح هو الإله الفعلي للكون . وإلى اللقاء في الحلقة السابعة والعشرين بعد المائة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - النجم اذا هوى... والغرانيق العلا
سلام صادق بلو ( 2023 / 3 / 24 - 19:14 )
كيف يذكر القرآن الاسراء صراحة ولا يذكر المعراج، البعض يزعم أن سورة النجم ذكرت واقعة المعراج صاحبة الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى، والتي نزلت في السنة الخامسة لبدء الإسلام او البعثة وترتيب نزولها 23، والتي على إثرها عاد المهاجرون من الحبشة، بينما حادثة الأسراء حدثت في السنة الثانية عشر لبدء الإسلام وترتيب نزولها 50،يعني بعد نزول سورة النجم ب 26 سورة، فكيف تكون سورة النجم هي الدليل على المعراج، فهل قام رسول الاسلام بالمعراج قبل الاسراء ام ماذا،والمصيبة ان الايات التى تنفى حدوث المعراج هي من سورة الاسراء{أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ-;- فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ-;- تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ}، واذا قرات تفاسير سورة النجم فلا علاقة لها بالمعراج الاسطوري الخرافي.


2 - الرد على سلام صادق بلو
ابو ازهر الشامي ( 2023 / 7 / 15 - 16:48 )
-
كيف يذكر القرآن الاسراء صراحة ولا يذكر المعراج
-
كما لم يذكر الكتاب المقدس معراج مريم للسماء
ولكن يؤمن به الكاثوليك
-
البعض يزعم أن سورة النجم ذكرت واقعة المعراج صاحبة الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى
-
قصة الغرانيق عند جمهور علماء السنة لا تثبت وهذا قول
1
ابن خزيمة
2
ابن حزم الاندلسي
3
البيهقي
4
ابو حامد الغزالي
5
فخر الدين الرازي
6
ابو منصور الماتريدي
7
ابن كثير
8
القرطبي
9
ابن حيان الغرناطي
10
الشوكاني
وغيرهم الكثير

-
والتي نزلت في السنة الخامسة لبدء الإسلام او البعثة وترتيب نزولها 23، والتي على إثرها عاد المهاجرون من الحبشة، بينما حادثة الأسراء حدثت في السنة الثانية عشر لبدء الإسلام وترتيب نزولها 50،يعني بعد نزول سورة النجم ب 26 سورة، فكيف تكون سورة النجم هي الدليل على المعراج، فهل قام رسول الاسلام بالمعراج قبل الاسراء ام ماذا،
-
لان القران لم ينزل على شكل سور كاملة اصلا
وانام مجموعة ايات
فهنالك ايات من سورة النجم نزلت بعد ايات من سورة الاسراء وهكذا
فمن قال ان السورة تنزل كاملة مجمعة من اول اية لاخر اية اصلا


3 - تكملة
ابو ازهر الشامي ( 2023 / 7 / 15 - 16:49 )
-
اذا،والمصيبة ان الايات التى تنفى حدوث المعراج هي من سورة الاسراء{أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ-;- فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ-;- تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ}، واذا قرات تفاسير سورة النجم فلا علاقة لها بالمعراج الاسطوري الخرافي.
-
ولكن معراج المسيح وامه وغيرها من شخصيات مسيحية
حقيقي
اما قراءة التفاسير فغير متأكد من اي تفاسير

اخر الافلام

.. روسيا تعلن استهداف خطوط توصيل الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا |


.. أنصار الله: دفاعاتنا الجوية أسقطت طائرة مسيرة أمريكية بأجواء




.. ??تعرف على خريطة الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية


.. حزب الله يعلن تنفيذه 4 هجمات ضد مواقع إسرائيلية قبالة الحدود




.. وزير الدفاع الأميركي يقول إن على إيران أن تشكك بفعالية أنظمة