الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موقف عبدالجبار الرفاعي من التربية

حيدر جواد السهلاني
كاتب وباحث من العراق

2022 / 4 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


" التربية هي الوسيلة الوحيدة التي يملكها الإنسان لتحقيق التطور الاجتماعي، وهي الوحيدة التي تسمح بترقية ذكائنا وأخلاقنا، غوستاف لوبون، روح التربية، ص25".
المقدمة:
التربية هي مجموعة القيم الأخلاقية المستمدة من القواعد الدينية، والعادات الاجتماعية، والتي تساهم في توجيه سلوك الأفراد داخل مجتمعهم، وتعرف أيضاً، بأنها: المؤثرات التي تؤثر على الأفراد، ضمن البيئة التي يتواجدون فيها، وتقسم إلى العائلة، والمحيط الخارجي، وتعد التربية من أهم دعائم تطور المجتمعات، والاعتناء بالتربية يحقق طفرة نوعية في المجتمع وخير مثال على ذلك دولة اليابان، فاليابانيون من أكثر الدول اعتناءاً بالتربية، فالتربية هي اساس بناء المجتمع، لكن للأسف في بلدان العربية وخاصة البلدان التي تحكمها الجمهورية، تكون التربية فيها لا تؤثر في المجتمع، ولا تواكب التطور والتحول الاجتماعي، فلذلك اصبحت التربية عندنا عبارة عن شهادة تأخذ لغرض الحصول على مجال وظيفي لا أكثر ولا أقل، وذلك بسبب أنها تركز فقط على التلقين والحفظ ولا تركز ولا تعلم الطلبة كيفية الأبداع وتساعدهم على اظهار أفضل ما موجود عندهم وتنمي طاقاتهم ، وبذلك تنتج لنا مجتمع متلقي ويتأثر بكل شيء دخيل مهما كان جيد أو غير جيد، ولهذا تبقى عاجزة في تغيير سلوكيات المجتمع، ولكي نصل إلى نهضة حقيقية تساهم في بناء وتربية المجتمع، نحتاج إلى تعليم وتربية معتمدة على قواعد صحيحة وملائمة لنفسيته وعاداته وآماله وأطواره المختلفة، وينسب إلى سقراط قول في التربية " كيف تطلب مني أعلمك وأنت لا تحبني" في الحقيقة أن التربية وخاصة في الوطن العربي قائمة على مبدأ فرض الاستاذ هيبته، وهي عدم التعامل بلطف مع تلاميذه، أو ذكر الاستاذ بعض مناقبه وكيف مر هو بصعوبات واستطاع أن يتخطاها، وهنا يدخل قضية المقارنة والتي هي لا تساهم في التربية الصحيحة بأي شكل من الأشكال، أضف إلى ذلك تطبيق مبدأ يقال عنه بريطاني وهو اشعار الطلبة مهما تفوقوا بأنهم غير متفوقين، وبذلك يتولد أفضل ما لديهم، كل هذه المبادئ لا تنفع برأينا، بل المبدأ التربوي الوحيد والأكيد في تنمية الذكاء عند الطلبة هو زرع المحبة والثقة بين الأستاذ والطالب.
التربية:
التربية في اللغة العربية مصدر للفعل( ربى)، وهناك عدة معاني للتربية منها:
1_ ما يفيد الزيادة والنماء.
2_ يفيد التغذية والرعاية فربى.
3_ يفيد الاصلاح وتولي الأمر والسياسة، فرب تعني أصلح وساس.
أما كلمة التربية (Education) في اللغتين الإنجليزية والفرنسية، تعود اصولها إلى الكلمة اللاتينية (Educer) والتي تدل على التهذيب، والدلالة على الطعام وعلى تربية النباتات والحيوانات، ثم أخذ المعنى اللغوي يتضح وتحدد أبعاده في ضوء التراث الفكري والإنساني، والتطورات الفكرية والعلمية التي شهدتها الدول الأوربية عقب عصر النهضة.
التربية تختلف من مجتمع إلى مجتمع آخر وذلك بسبب كونها:
1_ أداة مجتمعية تتشكل وتتلون بحسب واقع كل مجتمع.
2_ العمليات التي تلخص الماضي وتعكسه إلى الحاضر، وتحوي تفاصيل الحاضر وتغييره وتسيره إلى المستقبل وتشكله.
3_ الاعتماد في بناء مكوناتها ومحتوياتها على مصادر متنوعة علمية وغير علمية.
4_ مادتها المتغيرة وأساليبه المتجددة.
5_ تداخل عملياتها مع مؤسسات آخري.
6_ مقوماته الثقافية أو قيمه وأسلوب حياته.
7_ مرحلة التقدم التي يمر بها.
8_ تحدياته التي يواجها من أجل التنمية والتقدم توجهه الاقتصادية.
9_ حاجاته ومطالبه الحالية والمستقبلية.
10_ مستوى اعتماده على العلم والتكنولوجيا.(1)
من تعريفات التربية:
التربية، هي عملية تضم الأفعال والتأثيرات التي تستهدف نمو الفرد في جميع جوانب شخصيته، وتسير به نحو كمال وظائفه عن طريق التكيف مع ما يحيط به، ومن حيث ما تحتاجه هذه الوظائف من أنماط سلوك وقدرات.
التربية، هي العمل المنسق المقصود الهادف إلى نقل المعرفة، وخلق القابليات، وتكوين الإنسان، والسعي به في طريق الكمال من جميع النواحي وعلى مدى الحياة.
– أفلاطون(427- 347 ق م) التربية، هي ان تضفي علي الجسم والنفس كل الجمال والكمال.
– ارسطو (384-322 ق م) التربية، هي إعداد للعقل كما تعد الأرض للبذر.
–ابو حامد الغزالي (1055-1111) التربية، هي صناعة التعليم وهي من أشرف الصناعات التي يستطيع الإنسان أن يحترفها.
– جون جاك روسو (1712-1773) التربية، هي أن تعمل علي تهيئة الفرص الإنسانية.
_ رفاعة الطهطاوي (1801-1873 م) التربية ،هي التي تبني خلق الطفل على ما يليق بالمجتمع الفاضل، وتنمي فيه جميع الفضائل التي تصونه من الرذائل، وتمكنه من مجاوزة ذاته للتعاون مع أقرانه على فعل الخير.
– جون ستيوارت ميل(1806-1873) التربية، تشمل التأثيرات التي تتركها في الفرد كل من القوانين، نظام الحكم، الفنون، العادات والتقاليد.
_ هربرت سبنسر (1820-1903 م) التربية، هي إعداد الفرد ليحيى حياة كاملة.
_ إميل دوركايم(1858_1917)التربية، هي الفعل الذي تمارسه الأجيال الراشدة على الأجيال الصغيرة التي لم تصبح بعد للحياة الاجتماعية، وموضوعها إثارة و تنمية عدد من الاستعدادات الجسدية و الفكرية و الأخلاقية عند الطفل.
_ غوستاف لوبون(1841_1931) التربية، هي الفن الذي يمكن من إدخال الشعوري في اللاشعوري.
_جود ديوي (1859-1952 م) التربية، هي عملية التكيف أو التفاعل بين الفرد وبيئته التي يعيش فيها.
اهمية التربية:
هناك أهمية كبيرة لدور التربية في المجتمعات على اختلافها، فقد أصبحت التربية استراتيجية وطنية لشعوب العالم، يتم وضع الميزانيات والخطط والكوادر البشرية من السياسات والبلدان لتحقيق الأهداف المرجو أن يسير الأفراد عليها من خلال التربية، وتبرز أهميتها في جوانب متعددة منها أنها عامل مهم من عوامل التنمية الاجتماعية، حيث تربي الفرد على تحمل مسؤولياته الاجتماعية، ومعرفة حقوقه وواجباته، و مهمة في التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية والقومية من خلال توحيد القوى والاتجاهات في المجتمع لخلق وحدة فكرية تؤدي إلى ترابط المجتمع وتماسك أفراده، وأيضاً عامل مهم من عوامل التنمية الاقتصادية، عن طريق تكوين أفراد مؤهلين واستثمار القوى البشرية وإعدادها وتأهيلها للعمل في الاقتصاد، وهي عامل مهم في بناء الدولة العصرية الحديثة التي تتماشى مع الحضارة، وتواكب التقدم العلمي والتكنولوجي، ويعيش الفرد فيها حياة كريمة برفاهية وعدالة اجتماعية بين جميع الأفراد، وأيضاً عامل مهم من عوامل إرساء الديمقراطية الصحيحة، حيث تدل الأفراد على حقوقهم المدنية والسياسية، وتحرير الأفكار من الجهل ليؤمن الأفراد بالرأي والرأي الآخر، ودور المشاركة الفعالة في تطوير المجتمع، وعامل مهم في التوازن البيئي، وذلك من خلال دور التربية البيئية التي تثقف الفرد في تعامله مع البيئة والطبيعة من حوله، حيث إن البيئة تعرضت لمخاطر كبيرة من التلوث البيئي الذي قام به الإنسان، لذا أصبحت التربية تولي البيئة المكانة اللازمة في نفوس الأفراد للمحافظة عليها، وتكوين الإنسان البيئي الصالح.(2)
أهداف التربية:
تهتم التربية بالوصول إلى التوازن بفكر الإنسان وأحاسيسه وانفعالاته وجسده وأخلاقه ليكون مواطناً صالحاً متفقاً مع نفسه ومع المجتمع، وتهتم بتأهيل الفرد دينياً ودنيوياً، حيث توجهت التربية مع التطور الزمني للتوجه الديني والروحاني لدى الأفراد، مع الأخذ بعين الاعتبار الحاجات الإنسانية والدنيوية، و تعليم الفرد وتدريبه على كيفية العمل وكسب الرزق، كونها العملية التي تؤهل الفرد للحياة وتجعله متكيفاً مع البيئة المحيطة به، و نقل الأنماط السلوكية والحفاظ عليها من دون تغيير من جيل إلى آخر، فتعد التربية هي الوسيلة التربوية التي يتبعها أغلب الأهالي في تربية أبنائهم، وتهدف إلى تدريبهم على الأمور الأساسية في الحياة، من أجل أن يتعلموها ويتقنوا القيام بها، مثال تدريب الطفل على تناول الطعام بنفسه، و التكيف مع البيئة المحيطة.
تم اقتراح العديد من الأهداف من قبل الفلاسفة والمنظرين التربويين ، و تشمل تنمية الفضول والاستعداد للاستفسار ورعاية الإبداع و إنتاج المعرفة و تعزيز التفاهم و التفكير والشعور والتنمية وتحقيق الذات، ومن هذه الأهداف هي جعل الإنسان كائناً اجتماعياً، و تعليم الأفراد المحافظة على الأخلاق، و تنشئة الأفراد على الالتزام بالتعاليم الدينية، و تشجيع المحافظة على التاريخ الحضاري، والمساهمة في دمج الأفراد مع مجتمعهم، و تساهم في تنمية الأفراد، من خلال المشاركة بكافة المجالات المجتمعية، والتي تعمل على تطوير مهاراتهم العلمية والعملية، و تساعد في المحافظة على التراث المجتمعي، فتشجع الأفراد على احترام العادات، والتقاليد المرتبطة بمجتمعهم، و تبني سلوك الأفراد، من خلال ربط التربية مع القيم والأخلاق الدينية.
من أهداف التربية:
1_ تعليم أبناء المجتمع العلوم والمعارف.
2_ اكسابهم انماط السلوك وقيم المجتمع وتقاليده.
3_ تزويدهم بالخبرات والمهارات.
4_ تكيفهم مع البيئة الاجتماعية وتفاعلهم معها.
5_ تنمية جوانب شخصية الأفراد في النواحي العقلية والجسمية والوجدانية والاجتماعية.
6_ اعدادهم للمهن والوظائف وكسب العيش.
7_ اعداد الأبناء لتشكيل المستقبل.
خصائص ومبادئ التربية:
التربية لا تقتصر على جانب واحد من جوانب الشخصية بل هي تتناول جميع الجوانب الشخصية، الجسمية، العقلية، والوجدانية والاجتماعية والنفسية والخلقية، ومن هذه الخصائص، الاستمرارية، وتعني عدم اقتصارها على مرحلة عمرية معينة من عمر الإنسان، بل هي عملية مستمرة معه من الولادة إلى الوفاة، وهي عملية إضافة وتجدد الخبرات، إذ أصبحت التربية بمفهومها المستمر هو ما تنادي به المنظمات الدولية تحت شعار التربية المستديمة والتربية طوال الحياة، وأيضاً من الخصائص، التربية عملية فردية واجتماعية، فهي لا تقتصر على الفرد بل تتعداه إلى المجتمع، فهي من جانب الفرد تفتح شخصيته، وتنمية استعداده وميوله وقدراته ومفاهيمه ومعارفه وأفكاره ومهاراته وإحداث غير المرغوب في سلوكه، وهي من جانب المجتمع تحاول أن تنمي أفراده وتجعل منهم مواطنين صالحين، فهي بذلك عملية فردية واجتماعية في آن واحد.
تقوم التربية على عدة مبادئ مهمة، وهي تعتبر الركيزة الأولى في حياة الإنسان، و تهتم بتوجيه الأفراد للتمييز بين الأمور الصحيحة، والخاطئة، و تعد جزءاً من الثقافة الإنسانية، بسبب ارتباطها بالمفاهيم البشرية، و ترتبط مع المؤسسات التربوية، والمدارس في توجيه سلوك الطلاب.(3)
الفلسفة والتربية:
يطلق مصطلح فلسفة التربية على الطريقة التي من خلالها يتم تطبيق منهج الفلسفة ونظرياتها على التربية، وذلك بسبب دورها في تحديد الطريق المتعلق بالتربية، وتعديلها، ونقدها، وتنسيقها، وذلك لتواكب المشاكل والصراعات الثقافية، كما يعنى بها الجهد المستعمل في تنفيذ الأفكار الفلسفية في بيئة التربية، والبحث عن القيم والمعرفة، وتنفيذ الفروض المترتبة عليها، بالإضافة إلى ذلك فإنها تعمل على التنسيق المتعلق بالعمليات التربوية، وجعلها تتناسب مع المجتمع وطبيعته ومشاكله، كما يشار في هذا المصطلح أيضاً إلى مجموعة الأنشطة والعمليات التي تساعد المجتمع على التقدم والتطور، وذلك من خلال الاعتماد على المعارف والأهداف المكتسبة، والتي تساعده على البقاء، وتعزز القدرة على طرح وإعداد الأسئلة الخاصة بالتربية، ودعم التنفيذ والبحث، وبناء طرق فكرية حديثة لدعم النمو التربوي، والتخلص من التناقض بين الجانب التطبيقي والجانب العملي في المجال التربوي، وبناء فكرة شاملة عن البرامج التعليمية، ودعم المشاركة بالنقد والحوار، وتحقيق الفهم المطلوب للأبعاد التربوية، الأمر الذي يساعد في تعديل الأخطاء، وتحديد عوامل التطور والنمو في المجتمعات التربوية، وضبط وتنظيم الفكر التربوي.
العلاقة بين الفلسفة والتربية، علاقة وثيقة لا تنفصل عراها مطلقاً، فالفلسفة فكر والتربية تطبيق لهذا الفكر، ولا انفصال بين الفكر والتطبيق، والفكر يواجه التطبيق ويوضح مساره وهدفه والتطبيق يختبر الفكر ويثريه، والفلسفة بطبيعتها التأملية الناقدة تقوم بمهمة النظرة الكلية الشاملة لأبعاد حياة المجتمع وتقويمه بتراثه وخبراته، وتقديم البديل على اسس عقلية، والتربية بطبيعتها التطبيقية تقوم بترجمة البديل الفلسفي إلى عادات واتجاهات سلوكية في المجتمع، وبذلك الفلسفة توجه العملية التربوية من جهة، كما أن التربية تخدم الفلسفة وتصححها من جهة ثانية، ثم يحدث تفاعل وتغذية بين الطرفين، بما يؤدي إلى تكاملها وتلازمها معاً، لدرجة يمكن القول أن الفلسفة بدون تربية جوفاء، والتربية بدون فلسفة عمياء.
خصائص فلسفة التربية:
تمتاز فلسفة التربية بامتلاكها مجموعة من الخصائص والسمات التي تميزها عن أنواع الفلسفة الأخرى، ومنها:
1_الإرشاد والتوجيه، تعمل الفلسفة التربوية على توضيح ما يعيق إتمام العملية التربوية من المشاكل والإجراءات والمعوقات، كما أنها تكشف عن أهم الطرق والحلول التي تساعد في حل المشاكل.
2_الوصف، تصف أبعاد المشكلة وصفاً دقيقاً، وذلك لمعرفة أسبابها ومعالجتها بأفضل الطرق، والحصول على نتائج جيدة.
3_التأمل، يطلق هذا المصطلح والذي يصف إحدى خصائص فلسفة التربية إلى النظر بعناية واهتمام إلى كافة العناصر التربوية وأجزائها، والتي تتضمن المعرفة، والطبيعة البشرية.
4_النقد، تعد واحدة من الخصائص المميزة والتي لا تتواجد في كافة أنواع الفلسفة، حيث يمكن توجيه النقد للتربية بالاعتماد على المعلومات المتوفرة.
5_التحليل والتركيب، يتم ذلك من خلال تسليط الضوء على كافة الأمور والتفاصيل التي يمكن استعمالها وتوظيفها للتحقق من النتائج المترتبة على فلسفة التربية، ويمكن تحديدها في النظريات، والقوانين، والتشريعات، والأفكار.
6_ فهم التربية في شمولها وتكامل عناصرها وتفسيرها في ضوء عمليات اختبار الأهداف والسياسة التربوية واصدار الأحكام الكلية.
7_ تعيين الأهداف والغايات التربوية التي ينبغي تحقيقها واختيار الوسائل المناسبة.
8_ دراسة المواقف الفلسفية وترجمتها إلى نظريات تربوية وفحص النظريات المختلفة واتساقها مع المثل التربوي، وتختبر المفاهيم والحقائق وتوضح المعاني وتناقش القضايا الكبرى وارتباطها بمواد الدراسة.
9_ الكشف عن المعرفة والعمل على استمرارها وتجديدها وتنميتها من حيث الأسس التي تستند إليها المعرفة في العملية التعليمية وطرق اكتسابها.
10_ دراسة القيم التي ينبغي أن يلتزم بها المعلمون، وما أنواع هذه القيم وعلاقتها بمقومات المجتمع، وعوامل التغيير المختلفة واصدار الأحكام القيمية على نتائج العمل التربوي.(4)
التربية عند الفلاسفة:
افلاطون:
محور كتابات أفلاطون وخاصة في كتاب (الجمهورية) تبدأ بتهيئة الفرد، لأن يصبح عضواً صالحاً في المجتمع لتحقيق الغاية الكبرى، وهي السعادة القصوى، والتربية عنده تقوم على أعداد الجسم والروح معاً لبلوغ الجمال والكمال، وركز على تنمية الذوق الجمالي لدى الطفل عن طريق التربية الموسيقية وتقوية الجانب البدني بالتركيز على التربية البدنية، واعتقد افلاطون أن التربية هي الأساس في بناء الدولة، فقد كتب كتابة السياسي( الجمهورية) ودعى إلى نظام تربوي يتكيف مع وضع أثينا في ذلك الوقت، ومن أفكاره في التربية، وهي تعليم الابتدائي يقتصر على طبقة الحراس حتى سن الثامنة عشرة، يتبعه سنتين من التدريب العسكري الإجباري ثم يتبعه تعليم عالي للمؤهلين، وفي حين جعل التعليم الابتدائي الروح مستجيبة للبيئة، ساعد التعليم العالي الروح للوصول إلى الحقيقة التي تنيرها، و يتلقى الذكور والإناث نفس النوع من التعليم، و يتألف التعليم الابتدائي من الموسيقى والرياضة البدنية، ويهدف لتدريب و مزج الصفات اللطيفة و العنيفة في الفرد لخلق شخصية متوازنة.(5)
ارسطو:
ينظر أرسطو للطبيعة البشرية، و العادة ، و العقل كقوى تتهذب بالتعليم، والتربية عند ارسطو، هي حمل الفرد على تحمل كل ما هو مفيد وضروري في الحياة لتحقيق السعادة، لذلك دعى إلى اعداد العقل لاكتساب العلم والمعرفة، وقد وضع أهمية كبيرة للموازنة بين النواحي النظرية والعملية لمناهج التعليم، و المواد التي ذكر أهميتها صراحة تضمنت القراءة، والكتابة، والرياضيات، التربية البدنية، والأدب، والتاريخ، وذكر أيضاً أهمية المسرح، كأحد المهمات الرئيسية للتعليم عند أرسطو.(6)
ابن سينا:
يرى أبن سينا أن الأطفال يتعلمون بشكل أفضل في الفصول بدلاً من الدروس الفردية التي يعطيها المدرسين الخصوصيين، وأعطى أسباباً عدة لهذه الدعوى، مستشهداً بقيمة المنافسة و المحاكاة بين الطلاب وكذلك فائدة جماعات المجادلة و النقاش، وأنه يجب إرسال الأطفال إلى الكتاتيب من سن السادسة لتلقي التعليم الابتدائي حتى بلوغهم سن الرابعة عشرة، و يجب تعليمهم القرآن الكريم خلال ذلك الوقت، بالإضافة إلى الميتافيزيقيا الإسلامية ، و اللغة ، و الأدب ، والأخلاق الإسلامية ، والمهارات اليدوية، وبعد سن الرابعة عشرة يعطى للأطفال حرية اختيار المواد التي يرغبونها ليتخصصوا فيها، سواء كانت القراءة، المهارات اليدوية، الأدب، فن الوعظ، الطب، علم الهندسة، التجارة، الصناعة، أو أي مادة أو تخصص يرغبون بممارسته في وظيفتهم المستقبلية، إذ هذه مرحلة انتقالية يجب التحلي خلالها بالمرونة فيما يتعلق بالسن الذي يتخرج فيه الطلاب، حيث يجب أن يؤخذ في الاعتبار التطور العاطفي لدى الطلاب وموادهم المختارة.(7)
الغزالي:
يعتقد الغزالي أن التربية هي الفارق و الفاصل بين الإنسان والحيوان، فهي الأساس والمنطلق والضرورة في صلاح الفرد و في صلاح المجتمع، والسبيل إلى تحقيق التمدن والسعادة للإنسان والارتقاء من الحيوانية إلى الإنسانية، وشبه الغزالي المربي بالفلاح، فالفلاح يخرج إلى الحقل يوميا لينزع الشوك الفاسد ليبقي على الصالح، وكذلك المربي.(8)
جان جاك روسو:
إميل كلمة فرنسية وتعني التربية أو التعليم، وهو كتاب من تأليف روسو، وشكل هذا الكتاب نقلة نوعية في الممارسات التربوية، بحيث انتقلت هذه الممارسة من الخطاب النظري الفلسفي إلى ما هو تطبيقي، أي التوجه نحو خدمة الفرد والمتعلم بصفة عامة أكثر من الاهتمام بالخطاب النظري، وذكر روسو في كتابه أن الأطفال جميعهم كائنات مصممة بشكل مثالي، وعلى استعداد للتعلم من محيطهم ليصبحوا كبار صالحين، لكنهم غالباً ما يفشلون في ذلك بسبب التأثير الضار للمجتمع الفاسد، و دعا روسو إلى طريقة تعليمية تشتمل على ابعاد الطفل من المجتمع، و تكييفه بالتعاقب من خلال تغييرات في بيئته و نصب الأفخاخ ليتجاوزها ووضع الألغاز ليحلها، ودعا إلى أن يكون البالغين دائماً صادقين مع الأطفال، وتهدف التربية عند روسو إلى تحقيق أقصى نمو طبيعي للفرد، مما يؤدي إلى حياة متوازنة ومتناغمة، ومساعدة الطفل على أن يعيش حياة ممتعة ومفيدة وطبيعية.
يقسم روسو التعليم إلى خمسة مراحل:
المرحلة الأولى ، و تبدأ من بعد الفطام أي من عمر العامين، وفي هذه المرحلة يضع عدداً من المبادئ، والتي تعطي الأطفال مزيداً من الحرية الحقيقية ، والسماح لهم ببذل المزيد من الجهد لأنفسهم، فيتم تعليمهم منذ الطفولة لتحديد رغباتهم في حدود سلطتهم، فإنهم بالكاد سيشعرون بالرغبة في أي شيء ليس في وسعهم.
المرحلة الثانية، و تبدأ هذه المرحلة من عمر 2 لعمر 12 عاماً، في هذا العمر يتلقى الطفل تعليماً يسمى التعليم السلبي (لا تعليماً أخلاقياً، ولا تعليماً شفهياً)، في هذا التعليم له قاعدة مهمة وهي أن لا تدخر الوقت بل اخسره، ويجب ترك العقل دون إزعاج حتى تتطور مكنوناته، أي أن التعليم في هذه المرحلة هو تطوير الصفات الجسدية للأطفال وخاصة الحواس، ولكن ليس العقول.
المرحلة الثالثة، هي مرحلة ما قبل المراهقة (من عمر 12 لعمر 15 سنة)، شبه روسو الطفل في هذه المرحلة بالمتوحش النبيل في العقد الاجتماعي، وتزداد قوة الطفل بسرعة أكبر بكثير من احتياجاته، أما النشاط لدى الطفل في هذه المرحلة فيأخذ شكلاً عقلياً، لذلك هناك قدرة على الاهتمام المستمر، وفي هذه الحالة يجب على المربي أن يستجيب وفقاً لذلك.
المرحلة الرابعة، هي مرحلة البلوغ (من عمر 15 لعمر 20 سنة)، يعتقد روسو أنه بهذا العمر يكون العقل متطوراً بشكل جيد، وسيكون قادراً على التعامل مع المشاعر الخطيرة للمراهقة، ومع القضايا الأخلاقية والدين.
المرحلة الخامسة، مرحلة الشباب (من عمر 20 إلى عمر 25)، هنا المهمة النهائية هي تعليم الزوجين الشابين الحقوق والواجبات الزوجية.(9)
كانت:
لم يكتب كانت كتاباً في التربية، بل أنه كلف بتدريس التربية في الجامعة، وسجل كراسة فيها تأملاته ومحاضراته في هذه المادة، ويؤمن بأن التربية عبارة عن معرفة تراكمية وأن كل جيل يضيف مبادئ للتربية، وكل جيل يترك تجاربه ومعارفه للجيل الثاني، ويقول " كل جيل يتعلم ممن سبقوه، ويكون مؤهلاً لأقامه تربية تنمى على نحو نمائي ومناسب للاستعدادات الطبيعية في الإنسان".
يقسم كانت التربية إلى:
1_ الترويض والتنوير، وتتم التربية هنا عن طريق الأسرة، وتهدف إلى التكوين الأخلاقي.
2_ تربية خاصة وعامة، وتتم عن طريق المدرسة وتحصيل العلم، وتهدف لاستكمال التربية.
أهداف التربية عند كانت:
1_ التهذيب، ويقوم هنا في كبح التوحش.
2_ التثقيف، ويشمل التعليم ومختلف صنوف التحصيل من مهارة وغيرها.
3_ تحصيل الفطنة، وتعليمه أن يكون فطناً ويتكيف مع المجتمع.
4_ تكوين الأخلاق، يجب أن يكون الإنسان صالحاً.(10)
رفاعة رافع الطهطاوي:
التربية السليمة هي أساس نهوض الأمة، وترقيها في الحضارة والعمران، ولذلك فإن الأمة التي تحسن تربية أبنائها وبناتها هي أمة سعيدة متقدمة تستطيع الحصول على حريتها، وللحصول على هذه النهضة والحرية شدد كثيراً على التحصيل العلمي الديني والعصري، ومن الجدير بالذكر أن الطهطاوي يعتبر الرائد الحقيقي لحركة تحرير المرأة في مصر، وهو أول من دعا إلى النهضة النسائية، وتعليم البنات أسوة بالبنين، وطالب باحترام المرأة في جميع الأوضاع والتساوي بينها وبين الرجل، حيث تمتلك أعضاء كأعضائه، وحاجتها كحاجته، وعدم احترام النساء في نظر الطهطاوي دليل على الطبيعة البربرية، وقد شدد على تربية البنين والبنات، وقد ألف كتاب (المرشد الأمين في تربية البنات والبنين) لهذا الغرض، و طالب فيه بتربية دينية أخلاقية تهدف إلى إصلاح المجتمع، ومن ناحية التعليم، فقد كان من مؤيدي تعليم المرأة، وكان يعتقد أن معرفة النساء القراءة والكتابة واتصافهن بالأخلاق الحميدة والاطلاع على العلوم والمعارف المفيدة هو من أجمل الصفات، وأن المرأة إذا اتصفت بالأدب فذلك يغنيها عن الجمال الذي لا يدوم طويلًا، وإذا كانت المرأة متأدبة ومتعلمة، فإن ذلك يؤثر كثيراً على أولادها.(11)
جون ديوي:
يرى ديوي أن الفلسفة هي النظرية العامة للتربية، وأن الواقع التربوي هو مجال تطبيقها، وينادي بأن تكون التربية وممارساتها من أهم القضايا التي يجب أن يركز عليها الفيلسوف، لأن التربية هي الطريق للوصول إلى الأهداف الفلسفية التي لها تأثير في حياة الإنسان، ويعتبر ديوي أن التربية هي الفلسفة الحقيقية، وأن مهمة التربية بحسب ديوي هي اعداد الفرد للحياة، فالتربية بداية ليست مجرد وسيلة نحصل بها على المعارف، بل هي عملية تربوية تهتم بالجانب النفسي والاجتماعي، ووضع الاهداف التربوية على وفق المجتمع، والتربية التي يطالب بها ديوي تتميز بانها تركز على الاهتمام بالتعبير عن الذات، وقد دعى ديوي الى تجديد التربية لأنه يرى أن التربية التقليدية قد قتلت روح الابتكار، وقيدت حرية الفرد واهملت دور المتعلم في العملية التربوية و تنتج خبرات ضارة في التربية وهذه الخبرات تعيق النمو، و تؤدي الى تشتت الفكر وعدم التركيز، بينما الغرض من التربية هو تحقيق النمو وزيادته وايجاد السبل الكفيلة في الوصول الى هذا الهدف، وهنا يظهر الاساس الذي يعتمده ديوي وهو مفهوم الخبرة باعتبارها مرشدا في العملية التربوية.(12)
التربية عند عبد الجبار الرفاعي:
يعتقد الرفاعي أن التربية لدينا تعتمد التلقين والتكرار ، و التلقين المستمر يصنع قوالب ذهنية مغلقة راسخة، ويشل العقل ويعطل التفكير، ويطفئ الروح، ويميت الايمان الحر، و بالتلقين والتكرار تتحول الأوهام إلى حقائق راسخة في المتخيل، و الحقيقة ما يحسبها الذهن حقيقية، وما تبدو له حقيقية، وإن لم تكن كذلك في الواقع، إذ معظم الصراعات والحروب والمجازر البشرية سببتها أوهام خلقها المتخيل، والتربية الصحيحة تقوم على حياة تجربة عملية لا تتكشف للإنسان إلا بالعيش فيها والصبر على اختباراتها القاسية، وخوض مساراتها الوعرة، والوقوف على محطاتها المختلفة، والتغلب على منعطفاتها الشاقة، والنجاة من مباغتاتها المريعة، فالحياة توجد بالتجارب والاختبارات والممارسات والأفعال والمواقف، ولا تكون بالتساؤلات الساذجة والإجابات المبسطة والتوصيات الجاهزة، ولا بالتمنيات المعلبة، والرغبات والأحلام، والكلمات الرخوة، إذ لا يمكن اختزال الإنسان و عيشه في الحياة بإجابات ونتائج سريعة واضحة، فالإنسان خليط من عناصر وصفات وخصائص وحالات متناقضة، والفهم الواقعي للطبيعة الإنسانية يكشف للإنسان عن شيء من أسرار ذاته المجهولة لديه، مضافاً إلى أنه يصوب أحكامه على الغير، ويجعل مواقفه من مفارقات مواقفهم منصفة، ورأيه في ثغرات سلوكهم أكثر للموضوعية، ولا يمكن تحقق هذا الفهم إلا بالتمسك بالعقلانية النقدية، واعتماد مناهج التفكير العلمي ومعطياته الفائقة الأهمية، لأن العقلانية تتميز بنقدها لطرائق تفكيرها، وتمحيصها المتواصل لما تعتمده من المناهج، وما تنتهي إليه من النتائج، وغربلتها كل مرة، واختبارها المتكرر لصلاحية أدواتها، و تفضح العقلانية النقدية أخطاء التفكير العلمي، وتكشف عن ثغراته على الدوام، وذلك ما يدعو كل عاقل للوثوق بإمكاناتها، واعتماد فهمها في تفسير طبيعة الكائن البشري، وفهم حقائق الحياة.
يرى الرفاعي أنه في التربية يكون الكائن البشري فاعلاً، في الترويض ، ويكون الكائن البشري منفعلاً، فالتربية تبتني على مسلمة ترى كل إنسان نسخة ذات تميز وفرادة، وتمتلك طاقة جوانية ينبغي أن تنبعث، كي تتشكل شخصيته المستقلة، و الترويض يبتني على مسلمة ترى الناس أشياء تأخذ شكل القالب الذي تنسكب فيه، لذلك ينبغي أن يصير الكل نسخة واحدة، ومتماثلة ملامحها، ومتشابهة مواصفاتها، إذ الترويض عملية تدجين تنقض فلسفة التربية وأهدافها في بناء الإنسان وتأمين سلامته النفسية، وتكريس سكينته الروحية، وإحياء ضميره الأخلاقي، وتحطيم أغلال عقله وفك قيود تفكيره، و تنشد التربية إيقاظ الطاقة الكامنة في روح وقلب وعقل هذا الكائن، فيما ينشد الترويض تنميط شخصيته وسكبها على شكل قالب متحجر لا يتبدل.
يعتقد الرفاعي أن التربية تنشد إيقاظ عقل التلميذ، وتحرير وعيه من الأغلال المبكرة، وتحفيزه على ابتكار الأسئلة، وطرحِها من دون وجل مهما كانت، وتنمية قدرته على التفكير بكل شيء، ومن الخطأ تربية الطفل على الخوف من الخطأ، ومن أسوأ الأخطاء توبيخه وعقابه على خطأه ، وتدجين الطفل على تحصيل اليقين السريع بلا حوار ونقد، ويقيد عقله ويغلق تفكيره، ويضعف قدرة ذهنه على توليد الأسئلة الخلاقة، ويجعله مولعاً بمحاكاة غيره واستنساخه، إذ الطفل مكتشف يقظ للعالم، ويتطلع لاكتشاف كل شيء، وينمو ويتسع وعيه بنمو واتساع آفاق اكتشافاته، وعندما يكتشف الطفل الخطأَ يكون قادراً بالتدريج على اكتشاف ذاته وما يتصل بحياته، و تبدأ اكتشافاته برصد أخطائه الصغيرة، وتتطور خبرته بالتدريج لرصد الأخطاء الكبيرة، وتقع هذه المهمة على المعلم كما يعتقد الرفاعي، إذ مهمة المعلم توسيع آفاق التفكير العقلاني للتلميذ وتنميته،‏ وتدريبه على الحوار والنقد، كي يكتشف التلميذ الأخطاء بنفسه، ‏ويهتدي إلى الصواب، ‏لا أن يقتاده المعلم كأعمى، ‏لأن ذلك ينتهي إلى سبات عقله، ‌‏وعجزه عن التفكير ‏النقدي، وتعطيل ملكة الإبداع لديه، فالمعلم الناجح هو من يكتشف نوع موهبة تلميذه، ويحفز الطاقات العقلية والنفسية والعاطفية المختبئة داخله، ويمكنه من بنائها وتنميتها واستثمارها.
تبدأ التربية بترسيخ الشعور لدى الطفل بحقه في الخطأ، إذ من لا يعترف بأخطائه لا يتعلم، والمجتمع الذي لا يتربى فيه الأفراد على الاعتراف بالخطأ منذ الطفولة، يشيع فيه الكذب والرياء والازدواجية والنفاق السلوكي، والمنطق العلمي يفرض علينا أن نعترف بأخطائنا، ونعمل باستمرار على كشفها، كي نستطيع تقويمها ‏ومعالجتها، إذ ‏لو كان السياسي يمتلك شجاعة الاعتراف بالخطأ لما انهارت بعض الدول ولما ضاعت بعض الأوطان، لو كان المثقف يمتلك شجاعة الاعتراف بالخطأ لما طغت النرجسية والعجرفة والتملق في كتابات من يزعمون أنهم مثقفون، لو كان الزوج والزوجة والأبناء والأرحام يمتلكون شجاعة الاعتراف بالخطأ لما انهارت عوائل كثيرة، وتمزقت علاقات رحم قريبة، لو كان المعلمون والتلامذة يمتلكون شجاعة الاعتراف بالخطأ لما تقوضت العملية التربوية في أوطاننا، لو كان الناس يمتلكون شجاعة الاعتراف بالخطأ لما شهدت كثير من العلاقات الاجتماعية أزمات حادة، ولتراجع الكذب والنفاق والنميمة في علاقاتهم، وعاش كثير من الناس بسلام، ومن أخطاء التربية منع الأبناء من الوقوع في الخطأ، وإشعارهم أن الخطأ عاهة، وتخويفهم من آثاره الوخيمة عليهم وتعنيفهم أحياناً، فالتخويف والتعنيف يتراكم ويترسب بالتدريج في اللاشعور، فيكبل تفكيرهم، ويجعلهم مذعورين مترددين في الإعلان عن أي سؤال أو رأي، وهنا يذكر الرفاعي ويدلل على أن الخطأ والعفو عن الخطأ ورد في القرآن الكريم، فقد وردت كلمة المغفرة ومشتقاتها 234 مرة في القرآن الكريم، وكلمة التوبة ومشتقاتها 87 مرة، وكلمة العفو ومشتقاتها 27 مرة، وبذلك يعتقد الرفاعي بضرورة تربية الطلبة على أن الخطأ وارد وهو سبيل بناء الإنسان وتنمية قدراته العقلية والجسمية.
يعتقد الرفاعي أن الحب والثقة بين الاستاذ والتلميذ تمثل إكسير العملية التربوية والتعليمية، و تخفق التربية والتعليم عندما يفتقر الأستاذ للذكاء العاطفي، ويعجز عن التعامل مع تلامذته بأبوة أخلاقية مشفقة، و أحياناً تكون الكلمة سر الحياة، وأحياناً تكون الكلمة رصاصة قاتلة، و‏ تشجيع التلميذ ‏والاعتراف بمنجزه مهما كان ضئيلاً، ويمده بطاقة خلاقة توقد مواهبه الكامنة، و ‏إهمال التلميذ وعدم تشجيعه، يعطل مواهبه وربما يميتها، و ‏الأخطر من ذلك الازدراء بما ينجزه التلميذ، فإنه يشعره بالعجز التام، ‏وربما ينتهي إلى إعاقة ذهنية لدى التلامذة العاطفيين جداً، فلا بد من وجود كما يسميه الرفاعي الذكاء العاطفي، فهو مهارة الاعتراف بالآخر وتثمين منجزه مهما كان صغيراً، وهو وعي بكيفية التحكم إيجابياً بلطف لا بتسلط وقهر لمشاعر الآخرين، و براعة في اكتشاف بواعث التفاعل والرغبة الكامنة لدى الإنسان، وإتقان وسائل التأثير العاطفي عليه وما يدعوه للانجذاب للآخر، ومعرفة مواطن انفعاله وتحسسه وغضبه، وتجنب ما يتسبب في امتعاضه ونفوره، و‏ هو خبرة عملية تتراكم وتتكرس بالممارسة، وتسقيها المراجعة النقدية لأسلوب التحدث والسلوك والمواقف المتنوعة عند معاشرة الإنسان، والندم على ما يرتكبه الإنسان من أخطاء في العلاقات الاجتماعية، وتدريب الذات على الخلاص منها، عبر الأساليب التربوية والنفسية والأخلاقية.
من أخطاء التربية كما يعتقد الرفاعي، هو الجهل بطبيعة الإنسان، فالإنسان ليس بوسعه أن يفعل إلا ما بوسعه أن يفعله، والإنسان لا يستجيب إلا إلى ما يمكنه الاستجابة له، إذ طبيعة الإنسان لا تخضع لقرارات يفرضها على نفسه بهذه الكيفية الساذجة، و القرارات والمواقف التي تفوق قدرة الإنسان لا يطيقها، ولا يمكنه أن ينفذها إلا أن تفرض عليه بالإكراه والعنف والتعذيب، ولا يطيق إلا ما تستجيب له بنيته النفسية، وطاقته العصبية، ونمط تربيته، ومستوى وعيه للحياة، وقدراته المتنوعة، وأهمها قدرته على التحكم بإرادته، وقدرته على تحمل ما يتنكر له استعداده الشخصي، وأن ما يسمى بـ (التنمية البشرية) أو (تطوير الذات) أو (علم الطاقة)، هي مفاهيم غير علمية، وعبارات متعجلة مبسطة، وشعارات سطحية مكررة، تتلاعب بمشاعر الناس، و أضحى ركام هذه الكتابات مبتذلاً، ويأكل وقت القراء غير الخبراء، وتستنزف توصياتها الواهنة تفكيرهم، ولغتها الرثة بيانهم، و تفشت هذه الكتابات التي تجهل الطبيعة الإنسانية كالوباء بين القراء في السنوات الأخيرة، وأوهمت عدداً منهم بأنها تعالج كل متاعبهم النفسية، وأكثر هذه الكتابات هزيل، لا يقع فيها إلا الناس المغفلون، الذين لا يفكرون بتأمل وروية وتدقيق، ولا يمكن أبداً أن تغوي العقول الحكيمة اليقظة، إذ هذه الكتابات والتوصيات تجهل التناقضات الذاتية في الإنسان، وتتعاطى معه كأنه كائن ميكانيكي.( لا يوضح لنا الرفاعي سبب نقده لرواد التنمية البشرية، أو العلم التحفيزي كما نعتقد بأنه أكثر دلالة عليه من التنمية البشرية، إذ نرى أن هذا علم قائم على التحفيز والرضى بما يصيب الإنسان من أبتلاء وليس معناه الخضوع للمصائب، وهذا العلم ذكر في القرآن الكريم كثيراً، فعند النظر إلى القرآن الكريم نجد الكثير من القصص التي تدل على وقوع الإنسان في مصائب، ولكنه يبقى يجاهد ويؤمن بالله( جل جلاله) أنه سينقذه ومثال على ذلك قصة النبي أيوب وقصة النبي يوسف "عليهم السلام"، فعلى الإنسان أن يعي أنه سيواجه الكثير من المصائب، وما عليه سوى الإيمان بالله( جل جلاله) وأن لا يخضع للمصائب بل عليه مقاومة كل المصائب وكل الطاقات السلبية التي يصاب بها، فجميع البشر معرضون وأصيبوا بهذه المصائب).
يدعو الرفاعي إلى:
1_ التربية على الحق في الاختلاف.
2_ التربية على الحق في الخطأ.
3_ التربية على الحق في الاعتراف والاعتذار.
4_ تحرير الفرد من الإذعان والخضوع والعبودية الطوعية.(13)
الهوامش:
1_ ينظر غوستاف لوبون: روح التربية، ترجمة طه حسين، مؤسسة هنداوي، القاهرة، 2012، ص11. وينظر أيضاً احمد علي الحاج محمد: في فلسفة التربية نظرياً وتطبيقاً، دار المناهج للنشر والتوزيع، الأردن، ط1، 2014، ص17_18_20_21.
2_ ينظر احمد علي الحاج محمد: في فلسفة التربية، ص29_30.
3_ ينظر المصدر نفسه، ص22_23.
4_ ينظر المصدر نفسه، ص12_53_54_55_68. وينظر أيضاً ماجد عرسان الكيلاني: فلسفة التربية الإسلامية، دار البشائر الاسلامية، بيروت، ط1، 1987، ص14_15. وينظر أيضاً عمر احمد سعيد: فلسفة التربية في ضوء القرآن الكريم، ضمن المؤتمر العالمي للقرآن الكريم، الخرطوم، 2011، ص245_246_247.
5_ ينظر احمد علي الحاج محمد: في فلسفة التربية، ص87_88.
6_ ينظر المصدر نفسه، ص91_92.
7_ ينظر سعيد اسماعيل علي: الفكر التربوي العربي الحديث، عالم المعرفة(113)، الكويت، ص11_12.
8_ ينظر المصدر نفسه، ص10.
9_ ينظر نجيب المستكاوي: جان جاك روسو (حياته، مؤلفاته، غرامياته)، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1989، من ص325 إلى ص368. وينظر أيضاً جان جاك روسو: إميل أو تربية الطفل من المهد إلى الرشد، ترجمة نظمي لوقا، الشركة العربية للطباعة والنشر.
10_ ينظر عبدالرحمن بدوي: فلسفة الدين والتربية عند كانت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 1980، ص103_122_123_124_126.
11_ ينظر سعيد اسماعيل علي: الفكر التربوي العربي الحديث، ص173_174_175.
12_ ينظر احمد علي الحاج محمد: في فلسفة التربية، ص100_101_102_103_110.
13_ ينظر عبدالجبار الرفاعي: الحق في الخطأ ضرورة تربوية، بحث منشور على شبكة الأنترنيت في موقع الحوار المتمدن، 2021. وينظر أيضاً عبدالجبار الرفاعي: التربية تغذيها العواطف قبل العقل، بحث منشور على شبكة الأنترنيت في موقع الحوار المتمدن، 2022.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السفينة -بيليم- حاملة الشعلة الأولمبية تقترب من شواطئ مرسيلي


.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية ردا على احتمال إرسال -جنود م




.. السيارات الكهربائية : حرب تجارية بين الصين و أوروبا.. لكن هل


.. ماذا رشح عن اجتماع رئيسة المفوضية الأوروبية مع الرئيسين الصي




.. جاءه الرد سريعًا.. شاهد رجلا يصوب مسدسه تجاه قس داخل كنيسة و