الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتباه

سعد سوسه

2022 / 4 / 28
التربية والتعليم والبحث العلمي


مقدمة .
يستمد الإنسان تفاعله مع البيئة من خلال مصادر المعلومات العديدة المحيطة به . والتي تتضمن أنواعا مختلفة وهائلة من المثيرات وحتى يستطيع التوافق مع البيئة فانه يحتاج إلى أن يتفحص حسيا أو بصريا ما يحيط به بسرعة وبدقة وان يحتفظ في ذهنه ببعض التفصيلات أو أن يستجيب برد فعل مناسب لبعضها ، وذلك يستلزم تركيز الانتباه وتكوين مدى من الانتباه يتسع لأكبر عدد من المنبهات في وحدة زمنية . ( 1 ) .
يعد الانتباه من الموضوعات التي شغلت الفلاسفة والمفكرين منذ أمد بعيد وتبلور هذا بشكل خاص خلال المناقشات التي دارت بين الفلاسفة اليونانيين في عصر الفلسفة اليونانية إذ أكدوا أن الإنسان كائن عقلاني ينطوي نشاطه على ثلاثة أنواع هي المعرفة التي تتضمن القدرة على الإحساس والانتباه والتذكر والتصور والإرادة التي تعني أن الإنسان مسؤول عن خياراته وسلوكه وأخيرًا الإنفعال ( 2 ) .
لقد شهد القرن التاسع عشر البدايات التجريبية الأولى للانتباه . فقد حاول جيفونز Gevons عام ( 1871 ) دراسة الانتباه من خلال حفنة من البقول ألقاها على منضدة محاولاً تحديد مقدار ما يستوعبه منها بنظرة واحدة ، فـوجد أنه كلما زاد عدد البـقول زاد عدد الأخطاء . ( 3 ) .
كما أشار العالم فونت Wundt عام ( 1879 ) إلى أن الانتباه عرف من صيغة وضوح الشعور مؤكدًا أن على علماء النفس دراسة العمليات الأولية للشعور لأن مجال الشعور يرتبط إرتباطًا مباشرًا بالقدرة على التخيل ( vision ) أما كالتون Calton الذي يعد من الرواد الذين حاولوا قياس القدرات العقلية والحسية فقد إستطاع عام ( 1884 ) جذب أكثر من تسعة آلاف زائر لمعرض لندن الدولي إلى مختبـره في أرض المعـرض إذ أدهش الزائـرين بتجاربه . وبين أن هنــاك ( 17 ) قدرة مختلفة يمكن قياسها لدى الإنسان منها القدرة على سماع أو تمييز نغمة محددة من بين نغمات متكررة ومتنوعة . وفي عام ( 1885 ) إكتشف كالتون أن النغمات العالية والمتكررة تصبح أصعب عند السمع خصوصًا لدى الأفراد الذين هم في أعمار فوق المراهقة .
وأشار تـتـشنـر ( Titchener ) عام ( 1892 ) إلى أن العمليات الأولية للشعور تتمثل في الإنتباه والنوايا والأهداف وقد تبنى تتشنر التفكير المنطقي معدًا الإنتباه علامة مميزة للخبرة الحسية .
أما وليم جيمس ( William James ) مؤسس المدرسة الوظيفية أكد الدلالة الوظيفية ( -function-al Significant ) لعملية الإنتباه مشيرًا إلى أن المثيرات الكثيرة موجودة في الشعور ( الإحساس ) إلا أنها لم تدخل بشكل مناسب إلى خبرة الشخص لأنه لم يكن مهتمًا في تسجيل هذه المثيرات وتمييزها وفهمها وإدراكها مؤكدُا أن كل شخص يعرف ما هو الانتباه ، أنه حيازة أو أخذ الشيء المثير بواسطة العقل بصورة واضحة وجلية وان عملية تدريب الفكر على وضع الفكرة في بؤرة ( مركز ) الشعور يدل ضمنا على تحديد مدى الانتباه لدى الفرد من جهة والتفاعل مع الآخرين بكفاية من جهة أخرى .
ويؤكد جيمس أن ( التأثيرات الآتية للانتباه تجعلنا ندرك Perceive ونفهم Conceive ونميز Distinguish ونتذكر Remember بصورة أفضل ما نستطيع )
بدأ الإهتمام الفعلي في موضوع الانتباه في بداية القرن العشرين فظهرت أولى المناقشات والأفكار والآراء حوله ، وذلك من خلال الأعمال المبكرة للعالم بلسبوري Pillsbury عام ( 1908 ) . لكن السنوات اللاحقة شهدت إهمالاً واضحًا لموضوع الانتباه .
وذلك بسبب ظهور المدرسة السلوكية التقليدية في الولايات المتحدة الأمريكية التي أهملت العمليات العقلية بشكل عام . إذ أشار هب Hebb عام ( 1949) أن السلوكية قد أكدت على السيطرة الحسية التامة للسلوك فليس هناك أي أثر للمفاهيم العقلية مثل الإنتباه .
وكان ظهور مدرسة الجشتطلت على يد بعض المهتمين وتناولهم لموضوع الإدراك قد مهد الطريق إلى فكرة أن الأشياء غير الملائمة وغير المناسبة تؤدي أثرًا في الإنتباه فضلاً عن الإختلاف الواضح في أنموذج الجهاز العصبي التابع لمدرسة الجشتطلت عن أنموذج الجهاز العصبي لـشيرنكتون ( Sherrington ) التابع للسلوكـيين . وقـد أثرت هـذه الأفكار في الاتـجاه المعرفـي في علم النفس .
أن السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية شهدت فترة تمييز موضوع الإنتباه من حيث درجة الاهتمام به والفهم الأفضل لمكانته ضمن النظريات العامة للسلوك .
كما بين ( باريت Barret ) أن العمليات العقلية هي عمليات معرفية تعد عوامل متضمنة في السلوك ومؤثرة فيه وأن عملية معالجة المثيرات الحسية تتم من خلال اكتشاف المثير واستقباله عبر الأجهزة الحسية ثم الانتباه إليه وإدراكه وخزنه في الذاكرة واستعادته في المواقف اللاحقة .
وقد قدم علماء النفس المعرفيون جهودا كبيرة لدراسة العمليات العقلية وأعطوا اهـتمامًـا عاليًـا لـدراسـة الانـتبـاه محاولـين إيجـاد تـعريف ملائم له .
ولمعرفة أثر الضوضاء في الانتباه قام كل من ( نيل و وستبيري Neil & Westberry ) عام ( 1987 ) بدراسة تكونت من تجربتين ، الأولى تناولت أثر عرض مثيرات متعارضة ( ضوضاء ) في الإنتباه الإنتقائي الذي يقاس من خلال تسجيل زمن رد الفعل ( Reaction Time ) إذ إستعمل البـاحـث أداة ستروب ( Stroop ) المتكونة من مجموعة من المثيرات ( حروف – أشكال ) مطبوعة بألوان مختلفة عرضت على عينة من ( 16 ) طالبًا وطالبة . وباستعمال أسلوب تحليل التباين الثلاثي توصلت الدراسة إلى أن المثيرات المتعارضة ( الضوضاء ) كان لها زمن رد فعل أطول من المثيرات غير المتعارضة ، مما يشير إلى أن زمن الانتباه الانتقائي في الظروف المثيرة للضوضاء يكون أطول من زمن الانتباه الانتقائي في الظروف غير المثيرة للضوضاء .
أما التجربة الثانية فقد إستهدفت التعرف على أثر وجود فواصل زمنية بين المثيرات في دقة الانتباه الانتقائي . وقد وضع ( 12 ) طالبًا جامعيًا لتصميم تجريبي عرض فيه مثيرات مختلفة ( متغير مستقل ) بينهما فواصل زمنية ودراسة أثر ذلك في دقة رد الفعل ( متغير تابع ) . وباستعمال أسلوب تحليل التباين توصلت الدراسة إلى أن وجود الفواصل الزمنية بين المثيرات يؤثر وبصورة دالة معنويا في دقة رد الفعل ( الانتباه الانتقائي ) وأن الإنتباه الإنتقائي للمثيرات المتعارضة يكون أقل دقة من الانتباه الانتقائي للمثيرات المتسقة . وأن الذكور أفضل من الإناث في الإنتباه الإنتقائي .
وفي دراسة أخرى قام بها ( بتروسيلي Petrucelli ) عام ( 1987 ) أستهدفت التعرف على الآلية التي يؤثر من خلالها كل من الصخب والموسيقى في أداء مهمات تتطلب انتباها انتقائيا .
وفي دراسة ( تيبل Teibel ) عام ( 1988 ) والتي استهدفت تقديم البراهين والدلائل التي تثبت أن المفحوصين يستطيعون النجاح في الانتباه الانتقائي لمصدر واحد من المعلومات بينما يكونون غير واعين للمعلومات المرفوضة المرافقة لها . ولتحقيق هذا الهدف قام الباحث بتصميم تجريبي عرض فيه أرقاما ثنائية لمدة وجيزة جدا عبر جهاز عرض الصور الـ( تكستوسكوب ) ( Tochistoscope ) وهو عبارة عن جهاز لعرض المثيرات المختلفة ( صور ، كلمات ، أرقام ، ...... ) على وفق مدد زمنية محددة لقياس الانتباه الانتقائي ومدى الإدراك البصري .
ويقاس الانتباه الانتقائي من خلال حساب زمن الرجع (Reaction Time ) لكل استجابة . وتوصلت الدراسة إلى أن المفحوص عندما ينتبه بصوره انتقائية للأرقام الثنائية فان عملية الانتقاء ( الاداء ) تكون مستقلة تمامًا عن مدى وجود ( أرقام أو كلمات غير ذات صلة بالأرقام أو الكلمات المنتبه لها ) . ولعرفة اثر العمر في الانتباه الانتقائي قام ( شرودر (Shroder عام ( 1988) بدراسة افترضت أن زمن الاستجابة ( رد الفعل ) وزمن العتبة ( Threshold ) ينخفض مع تقدم العمر. وقد تكونت عينة البحث من ( 16) متطوعا . ( 8 ) منهم كان معدل أعمارهم ( 25 ) سنة و( 8 ) الباقين كل معدل أعمارهم ( 70) سنة .
وقد قيس زمن الاستجابة ( زمن الرجع ) في تحديد أماكن وأشكال مثيرات محددة. وتوصلت الدراسة إلى أن العمر يؤثر تأثيرا معنويا في الإنتباه الإنتقائي ، وإن العمليـات العقليـة الخـاصة بالإنتباه تتأثـر بطبيعة التغـيرات العمرية للأفراد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التعبئة الطلابية التضامنية مع الفلسطينيين تمتد إلى مزيد من ا


.. غزة لأول مرة بدون امتحانات ثانوية عامة بسبب استمرار الحرب ال




.. هرباً من واقع الحرب.. أطفال يتدربون على الدبكة الفلسطينية في


.. مراسل الجزيرة: إطلاق نار من المنزل المهدوم باتجاه جيش الاحتل




.. مديرة الاتصالات السابقة بالبيت الأبيض تبكي في محاكمة ترمب أث