الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طائر اللقلاق في التنجيم والميثولوجيا الأمازيغية بجبال الأطلس الكبير الشرقي

لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)

2022 / 4 / 29
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


في جبال الأطلس الكبير الشرقي المغربية اعتقاد بفعالية التطير وجدواه. ولقد تبين أخذ المثال من طائر اللقلاق في صلته بالتنجيم الزراعي بالوسط الأمازيغي. ولما كانت جبال الأطلس الكبير الشرقي المغربية سكانها يتخبطون في أهوال تخلف التنمية، لغياب العدالة المجالية، فإنهم أكثر الناس يقينا بالرجم بالغيب (Divination)، بواسطة صوت الطائر أو طيرانه، أو بواسطة الأحلام، أو بالتردد على المشعوذين. واللقلاق طائر توافرت له إمكانية التعشيش في وقت متأخر، بعد انتشار مآذن المساجد بكل القرى المبثوثة على ضفتي واد زيز وكير وغريس. والمئذنة خير مكان آمن للقلاق لأن المؤذن لم يعد يصعد إلى السطح في موعد الآذان، لاعتماد لاقط الصوت ومكبرها.ومما يفيد أن اللقلاق يهوى مآذن المساجد أن عمالا قاموا بتجديد صباغة مسجد تيليشت شمال غرب مركز الريش بإقليم ميدلت، يوم الثلاثاء 19 من شهر أكتوبر من العام 1999، وفي يومها خربوا عش اللقلاق الذي بناه في أواسط شهر فبراير من العام 1997، ولما رجع اللقلاق في شهر فبراير من العام 2000 نشأ يبني عشه بنفس المكان، ومنذ وقتها استقر اللقلاق، ونشأت فراخه تبني الأعشاش في أعمدة الكهرباء المجاورة لذلك المسجد. وللتذكير فقد لوحظت أزواج اللقلاق تستقر في المغرب ابتداء من سنة 1996. سأتناول في هذا المقال منزلة اللقلاق في التقويم الفلاحي، واللقلاق في الميثولوجيا الأمازيغية بجبال الأطلس الكبير الشرقي.
تصادف منزلة سعد الأخبياء عودة بعض أزواج الطائر، قبل سنة 1996 من مشتاها. ذلك أنه بعد هذه المنزلة تخرج الزواحف كلها من جحوره، وقيل في ذلك باللسان الدارج المغربي: «سعد الاخبياء يخرج اللي تخبا، ويطبع الضب للكدية وتفرح الامة باللي تربى»، أي: في منزلة سعد الأخبياء تخرج الزواحف والضفادع الذي قضت بياتها طيلة فصل الشتاء، ويصعد الضب التل، وتفرح الآمة بحيوانات التي تربها، لأن فصل البرد قد مضى. لكن بعض الأزواج تخطئ الموعد وتعود قبل يوم 30 من شهر يناير بالتقويم الجولياني. ولأنها تعود قبل الموعد فهي تموت جوعا مادامت تتغذى بالزواحف والضفادع وكل الأخبياء، وقد يهلكها وقع البرد الشديد فتموت. وتسمى المنزلة التي تقتل اللقلاق جوعا وبردا تمغارت أي: المرأة العجوز. وللتسمية قصة ممتعة.
في قديم الزمان تمكنت امرأة عجوز أرملة أن تكسب عجلا في إسطبلها. وما كانت تنتظر أن يحيى طيلة شهر يناير لوقع البرد ولقلة الغذاء. لكن القدر كذب ظن المرأة وصمد العجل ولم يمت. وفي يوم 30 من شهر يناير فرحت المرأة وقالت لعجلها: افرح يا عجلُ [منادى مبني على الضم في محل نصب لأنه نكرة مقصودة] لقد مضى شهر يناير، ودخل الربيع. غضب شهر يناير واستأجر يوما واحدا من شهر فبراير وعاد ليقتل عجل المرأة العجوز ويقتل اللقلاق الذي أخطأ الموعد. والواقع أن منزلة سعد الأخبياء هي نفسها منزلة منزلة تمغارت. ولأن اللقلاق طائر يخطئ في عدّ الأيام والشهور فهو رمز للغباوة والجهل.
يحكى أن أسدا صادف لقلاقا يتجول بحثا عن الكلأ، فطلب منه أن يتنظف حلقه بمنقره، أملا في ترقيق صوته وتلطيفه. ولما انتهى من المهمة طالب اللقلاق الأسد أن يتسأجره ويجزيه أجرَه، قال له الأسد بالأمازيغية:
Acm a brraj ahyuT ddu att ssarat
Acm a brraj ahyuT ddu att ssarat
mayd n isiggin s ahrsinw yuvuld ?
mayd n isiggin s ahrsinw yuvuld ?
تفسيره:
انصرف يا لقلاق ياغبي
من الذي زار حلقي وعاد
سالما من الموت سوى أنت؟
وتعلن عودة اللقلاق كذلك انتهاء جني خضرة اللفت. وقيل في ذلك بالأمازيغية:
Yulid 3ammi brraj a llaft mami tahlit
معناه:
طلع عمي براج
لا شأن لك يا خضرة اللفت.
وبالفعل ففي شهر فبراير تشرع اللفت في الإزهار وتنمو قصبتها، ويظهر التويج الذي يستهلك كل منافع الخضرة، ويجردها من المادة الغذائية. واللفت خضرة المسغبة يعتمد عليها الإنسان طيلة فصل الشتاء. توضع الخضرة على أطباق الكسكس وتعطي الحريرة طعما جيدا. لذلك تجفف اللفت ويجري الحفاظ عليها إلى يوم ذي مسغبة.
وبصدد اللقلاق وصلته بالميثولوجيا الأمازيغية أذكر أني جلست يوم الخميس 07 من شهر أبريل من العام 2022، بجوار أحد الفلاحين، بجماعة امزيزل وبدون مقدمة قال: آرأيت ذلك اللقلاق الذي يبحث عن الحشرات في الحقل أمامنا إنه غير ناصع البياض، أتدري لماذا؟ أجبته بالنفي. قال إن اللقلاق أظهر الحزن على السنة الزراعية الجافة. لذلك فضلت الوقوف عند الطيور ذات الصلة بالميصولوجيا الأمازيغية لأن اللقلاق طائر المناخ، ويمكن أن أضيف إنه طائر التغيرات المناخية. وسأتحدث عن اللقلاق الأبيض الذي يعمر جبال الأطلس الكبير الشرقي، واسمه العلمي، (Ciconia ciconia)، واسمه بالأمازيغية، أبلارج، وأبراج، وأسوو، وسافو، وإبليرج بالقبايلية. قبل سنة 1996 كان الطير يهاجر شتاء إلى أفريقيا جنوب الصحراء ويعود صيفا وهو طائر توافرت له إمكانية التعشيش مجددا، وفي وقت متأخر، بعد أن قضى جفاف الثمانينيات على أشجار الصفصاف الأبيض الباسقة «Alba pupla». لقد تجددت إمكانيات التعشيش في وقت متأخر بعد خروج السكان من القرى المحصنة (القصر) وانقطاع رجال الدين لجمع التبرعات والمساعدات لإحداث مساجد ذات مآذن عالية. وانقطعت الدولة للشأن الديني بعد أن غشي الأمن هذا المجال عقب الأحداث الإرهابية التي شهدتها مدينة الدار البيضاء يوم 16 من شهر مايو من العام 2003.
وأذكر أن الطيور المهاجرة حينما تعبر الصحراء الكبرى عائدة إلى أوروبا يتوقف بعضها للاستراحة في المغرب، ولا أعتقد أن جنوب شرق المغرب يتوافر على تلك الإمكانية هذه السنة بفعل الجفاف القطري. وكلنا يتساءل عن طائر الصرد أو الدقناش هذه الأيام ولم تشخصه العين بالمرة. يسمى طائر الصرد بالأمازيغية «أوقن» أو «غيط». إنه نادر للغاية؟ ذلك أن الجفاف نشأ يعم الربوع، ولن يجد الصرد غذاءه ولو لمدة يوم.
لا أحد يقدر أن يفسر كيف استقر اللقلاق ولم يعد مهاجرا ابتداء من سنة 1996؟ وللأسف فاللقلاق بات يُرى في المزابل، ولم يعد يبحث عن الضفادع بواد زيز أو كير بفعل الجفاف. هناك من يقول إن الطائر لم يعد يكسب قوة عبور الصحراء الكبرى لأن مادته الغذائية ملوثة بعد الإقدام على استعمال المبيدات.
لقد أطلق اسم أبراج على الطائر لأنه يتعشش في الأبرج. فبعد اندراس أبراج القرى المحصنة قصد اللقلاق أشجار الصفصاف الأبيض وبعد ذلك انتشرت مآذن المساجد في كل مكان. ومع الجفاف حلت الزابل محل المسطحات المائية الرطبة، والتدهور البيئي مستمرلأن الغرب الرأسمالي دمّر الكرة الأرضية وبرز التأثير عميقا في المناطق التي تتخبط في أهوال تخلف التنمية.
ويعنينا من اللقلاق لباسه الثقافي. كان اللقلاق في غابر الزمان عريسا أو رجلا عروسا، يرتدي سلهاما أسود اللون وجلبابا أبيض، وخُضبت رجلاه بالحناء ويداه وهو في استعداد لليلة الدخلة. وحدث أن طوعت له نفسه الاستحمام باللبن بدل الماء، فتغيرت خلقتُه وهيأتُه البشرية، ومُسخ على شكل طائر محافظا على السلوك البشري بالتعشيش في الأبراج أو في أحواش القرى وبساتينها حيث يقصد أشجار الجوز (الدوج) والصفصاف الأبيض. وهذا العريس الزائغ لاتزال آثار الحناء في رجليه واضحة وفي منقاره، وأما اللون الأسود فففيه تقديران أحدهما أنه لون السلهام البارز في ذيله وجناحيه، والجلباب الأبيض واضح في صدره وكلما توفق الخيال السكان وأصاب في استخراج الأسطورة وتركيبها في عناصر واقعية، فالأسطورة، هنا، ميثة (Le mythe). ورغم زيغه حظي الطائر باحترام السكان، فانعدم من يقنصه، وندر من يطرده في النهر، أو يفزعه في الحقل أو البرج. إنه طائر لا يجري التطير به ولا علاقة له بالتفاؤل والتشاؤم. قد تكون لليهودية الأمازيغية مساهمة في إنشاء الأسطورة لحضور البرنس الأسود، وعنصر الزيغ عن مجال التعود والتقاليد. فما علاقة اللبن باللون الأسود في جسم الطائر؟
ذلك هو التقدير الثاني. كلنا يعلم مكانة اللبن لدى المغاربة، حيث يستقبلون به الضيوف، وهناك أوساط تقدهم للعرائس قبل دخول بيت الزوجية، وتفرض عليها المضمضة باللبن، وإفراغه في يديها اليمنى وإلقائه على موكبها. وإذا حصل أن سقطت قطرات اللبن على جسد أحدهم فإنها تتحول إلى بقع سوداء في جلده، هنالك يُفهم لماذا اللون الأسود في جسم الطائر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن.. هل سيؤسس -الدعم السريع- دولة في د


.. صحف بريطانية: هل هذه آخر مأساة يتعرض لها المهاجرون غير الشرع




.. البنتاغون: لا تزال لدينا مخاوف بخصوص خطط إسرائيل لتنفيذ اجتي


.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال




.. صوت مجلس الشيوخ الأميركي لصالح مساعدات بقيمة 95 مليار دولار