الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طبيعة الإنتباه

سعد سوسه

2022 / 4 / 30
التربية والتعليم والبحث العلمي


يزخر العالم المحيط بنا بالكثير من المنبهات والمثيرات التي تجذب إنتباهنا في كل لحظة من لحظات الوعي ، كما أن جسم الإنسان نفسه يعد مصدرا للكثير من المنبهات الصادرة من الأعضاء الحسية والأجهزة الداخلية كالعضلات والمفاصل والأحشاء هذا فضلا عن الأفكار والخواطر التي ترد إلى الذهن . لكن الفرد لا ينتبه إلى هذه المنبهات كلها التي يستلمها في كل لحظة بل يختار وينتقي المثيرات والمنبهات التي تهمه فقط وتحقق حاجاته ومتطلبات وجوده ، وتسمى عملية الإنتقاء هذه الإنتباه ( Attention ) .
أن الإنتباه يمكن أن يتوزع عبر مثيرات مختلفة أو يتكثف ويتركز . إذ أشار بورن Bourne إلى أن تركيز الإنتباه يؤثر في وعي الفرد لذاته ولعالمه الخارجي ، فالإنتباه يمكن أن يتوجه نحو ذات الفرد أي نحو أحاسيسه وأفكاره وميوله ودوافعه ورغباته واتجاهاته ومعتقداته أو أن يتجه نحو البيئة المحيطة به وهذا يؤثر بالتبعية في طبيعة التفاعل الإجتماعي للفرد وفي سلوكـه اليومي .
ويرى تيرنس Terence أن الإنتباه عملية معقدة جدا تتضمن إنتقاء المعلومات المتوافرة وتنظيمها لعمل إستجابة مناسبة . وهذه المعلومات أما أن تؤخذ من الذاكرة أو من البيئة المحيطة للفرد ليكون إستجابة تأخذ شكل السلوك الظاهر أو الوعي الشعوري وأشارت الدراسات إلى أن الجهاز العصبي لا بد من أن تكون لديه وسيلة للتسجيل يخزن فيها المعلومات الحسية بشكل مؤقت وبدون نظام أو ترتيب . ومن المثيرات التي تغزو حواسنا في لحظة ما فنحن ننتبه فقط إلى تلك التي تقرر عملياتنا العقلية العليا التي تكون ذات صلة بالعمليات النفسية المؤثرة فينا في تلك اللحظة ( 4 ) .
إن الإنتباه والإدراك وإن كانتا عملتين متلازمتين بحيث يشكلان معا لبنة أساسية في عملية تفاعل الفرد مع بيئته منهما القاعدة الأساسية التي تستند إليها سائر العمليات العقلية وشتى الأنشطة الجسدية والحركية وأنماط السلوكيات المختلفة في المواقف الإجتماعية والتعليمية والعملية إذ لولا الإنتباه لما إستطاع الفرد أن يعي أو يتذكر أو يتخيل أو يتعلم أو يؤدي عملا دقيقا ولكي يدرك الفرد امرا ما ( أو يفكر في مسألة معقدة ) لا بد له من أن ينبته إليه ، فالفرد يدرك عادة ما ينتبه إليه وأنه بفعل الإنتباه يصبح الإدراك أكثر وضوحا ودقة ، كما يتم الإحتفاظ بالصور والأفكار في الوعي والى أن يتم الإنتهاء من العمل ويتحقق الهدف المنشـــود . ( 5( وإذا كان علماء النفس قد اهتموا بتعريف عملية الإدراك التي ينشط فيها الإنتباه عندما افترضت بعض الدراسات العلمية أن الإنتباه فعُال في عدة حالات وبخاصة عند استقبال المعلومات من عضو الحس ومن ثم عند تخزين وتفسير المعطيات الحسية حيث يقرر الفرد ما إذا كان سوف يستجيب لها أو يتأهب لها بالفعل . إن العلاقة الوثيقة بين الإنتباه والإدراك تتضح في أشكاله الراقية مثل الإنتباه الإرادي فالعجز عن الإنتباه هو عجز عن الإدراك في الوقت نفسه ومن ثم عجز أو اضطراب في السلوك وفي التوافق الإجتماعي والتكيف بصورة عامة وقد أشارت البحوث والدراسات السريرية في هذا المجال إلى أن إضطرابات الإنتباه تترافق دائما مع إضطرابات الإدراك الحسي فالتلازم بين الإنتباه والإدراك من أجل تحقيق عملية الإدراك وضمان نجاحها ، فالإنتباه هو تركيز الشعور في شيء ما بينما الإدراك هو تحديد خصائص هذا الشيء وتعيين هويته ( 6 ( . ولا يدرك الإنسان منبها إلا بعد أن ينتبه إليه ومن هنا فإن الإنتباه يسبق الإدراك ويشير إلى الإهتمام بمنبهات أو معلومات محددة في البيئة بوصفه عملية إنتقالية تتحدد في بؤرة الشعور أما الإدراك فيتركز حول ما ينتبه إليه الفرد مما يؤدي إلى وعي وشعور زائدين بــــــــــــالمثير.
ويمكن القول إن الإنتباه يتوسط عملتي الإحســـاس ( Sensation ) والإدراك ( Perception ) فإذا كان الإحساس هو عملية إكتشاف وتسلم المثيرات المختلفة عبر الأجهزة الحسية ونقلها إلى الدماغ ، فإن الإنتباه يتضمن وضع هذه المثيرات ( المعلومات ) في مركز الشعور ( مركز الوعي ) أما الإدراك فهو عملية تفسير المعنى وتأويله وإضفائه على المعلومات المنتبـــــــــه لها إن العمليات الثلاث الإحساس والإنتباه والإدراك هي عمليات مترابطة ومتتابعة فلا يمكن الإنتباه إلى شيء ما لم يكن هناك منبه أو مثير يقوم باستشارة الخلايا العصبية المتخصصة الموجودة في الأجهزة الحسية المختلفة مثـل حاسة البصر (vision ) والسمع ( hearing ) والشـــــم ( smelling ) والتذوق ( oifaction ) والحواس المتعلقة بالجلد ( كالإحساس باللمس touch والضغط pressure والحرارة warmth والبرودة cold والألم pain والحاسة الدهليزية restibular) ( 7 ) .
أذ تقوم ما يسمى باكتشاف المثيرات والمنبهات فلكل حاسة من الحواس عنصر إكتشاف أو ما يسمى بالمستقبل ( Receptor ) وهو مجموعة من الخلايا تستجيب لنوع معين من المتغيرات من دون غيرها . فهناك خلايا خاصة في الأذن مصممة لتسجيل الذبذبات الصوتية وهناك خلايا عصبية خاصة بالعين حساسة للضوء . وهكذا ، أن أجهزة الإستقبال تعمل عمل أجهزة التحويل إذ تحول المنبهات الصوتية والمرئية والذوقية وغيرها التي أشارت أو نبضات كهروكيميائية تذهب إلى الدماغ وبالتحديد إلى التكوين الشبكي Reticular Formation الذي يرتبط مباشرة بالقشرة الدماغية إذ يعمل على ملايين من الرسائل الحسية من مختلف أجزاء الجسم وتحديد أي الرسائل تذهب إلى القشرة الدماغية، وأي الرسائل يعالجها التكوين الشبكي على ان الغالبية العظمى من الرسائل الحسية يتم التعامل معها قبل ان تصل الى القشرة الدماغية لكي لا يحصل لها إعياء .
ويعتقد العلماء ان التكوين الشبكي يعد اكثر اجزاء الجسم حساسية لتأثير المواد المخدرة يتكون التكوين الشبكي من جهازين احدهما صاعد يسمى الجهاز الشبكي المنشـط ( Reticular Activity System ) الذي يستلم الرسائل من المستقبلات ويرسلها الى القشرة الدماغية في صيغة اشارات متدفقة ومنتشرة والجهاز الثاني هابط حركي يقوم بتسلم الاوامر من القشرة ويرسلها الى العضلات المختلفة لتنفيذ الأوامر . ويعمل التكوين الشبكي على تنبيه القشرة الدماغية نحو المثيرات المختلفة وبالتالي فله دور مهم في في عملية الانتباه .
منذ الثمانينات من القرن الماضي تطورت تقنيات مهمة لفهم عملية الانتباه . هذه التقنيات أعطتنا قهم مفصل بشكل اكبر للأسس البيولوجية للانتباه مما يسمح للباحثين النفسيين تطوير نظرياتهم .
هذه الدراسات كشفت لنا شبكة من المناطق عبر الدماغ مسؤولة عن اشكال مختلفة من الانتباه مثال على ذلك عندما يتطلب الانتباه اكتشاف هدف في موقف يتضمن تداخل Interference مثل الاداء على مهمات ستروبstroop فان منطقة باتجاه المقدمة من القشرة الدماغية تبدأ بالنشاط وتتحفز .
قدم مايكل بوزنر Michael Posner من جامعة اوريغون معلومات كثيرة عن منطقة في الدماغ مسؤولة عن انواع مختلفة من الانتباه .
هناك تقنية لمعرفة طبيعة الانتباه من خلال التغيرات البيولوجية المصاحبة لعملية الانتباه تسمى تقنية تدفق الدم الدماغي المناطقي The regional cerebral blood – flow technique وذلك عن طريق قياس المتغيرات في جريان او تدفق الدم في القشرة الدماغية أثناء نشاط الجهاز العصبي حيث تظهر زيادة في تدفق الدم في مناطق معينة من القشرة الدماغية عندما ينتبه الفرد لاكتشاف موقع معين .
كما أن هناك طريقة أخرى مهمة في البحث عن الأسس البيولوجية للانتباه تتضمن دراسات سريرية على أفراد يعانون من ضرر أو تلف في الدماغ بسبب السكتة الدماغية أو الحوادث او الأورام في الدماغ .
إن الذين يعانون من تلف في الطبقة العليا اليمنى من الدماغ يعانون من مشاكل في رؤية منبه بصري جديد يقع في الجانب الأيسر من مجال رؤيتهم والذين يعانون من تلف في المنطقة العليا اليسرى من الدماغ لديهم مشاكل وصعوبة في رؤية منبه بصري في الجانب الأيمن من مجال رؤيتهم.
الرسم التخطيطي يوضح قسم محدد من القشرة الدماغية يعنى بالانتباه البصري حيث يبدو أن تلك المنطقة من الدماغ تختلف بشكل واضح عن القشرة الأولية البصرية المهمة في عملية الإدراك والمعنية بالتعرف على الحروف في الكلمات .
ان المصاحبات البيولوجية للانتباه تتحدد في تمدد الأوعية الدموية الموجودة في الرأس وانقباض الأوعية الدموية الخارجية وبعض التغيرات في الاستجابات الكهروكيميائية للدماغ وتغير في تقلص العضلات لا سيما في منطقة الرقبة والأكتاف وارتفاع في معدل دقات القلب وكثرة التعرق في الجسم وهذه الاستجابات كلها تعمل على تهيئة الكائن للانتباه من خلال تسهيل استقبال المثير بصورة كفوءة وفعالة وتهيئة الفرد للاستجابة بسرعة لا سيما اذا كانت هذه الاستجابة مطلوبــــة.( 8 )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. ”قاتل من أجل الكرامة“.. مسيرة في المغرب تصر على وقف حرب الا




.. مظاهرة في جامعة السوربون بباريس تندد بالحرب على غزة وتتهم ال


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المشاركين في الاعتصام الطلابي




.. بعد تدميره.. قوات الاحتلال تمشط محيط المنزل المحاصر في بلدة