الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 49

ضياء الشكرجي

2022 / 4 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وَأَقيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّموا مِن خَيرٍ لِّأَنفُسِكُم تَجِدوهُ عِندَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِما تَعمَلونَ بَصيرٌ (110)
هنا يتوجه الخطاب إلى المسلمين، حيث تدعوهم هذه الآية إلى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ثم تعدهم بأنهم إذا فعلوا ذلك فإنما لفائدتهم هم، إذ سيكتب لهم ثوابا من عند الله. وبكل تأكيد لا يمكن لفاعل الخير إلا أن يجد جزاءه ثوابا ونعيما من الله في الحياة بعد هذه الحياة. لكن بكل تأكيد لا يكون الثواب من الله حكرا على ملة محددة دون غيرها، وأتباع دين محدد دون غيره. ثم إن العدل الإلهي يستوجب أن يثاب فاعل الخير غير المنتظر للثواب أكثر من الذي يفعله بمقابل ما ينتظره من ثواب ونعيم وجنات وقصور وأنهار وحور عين. وفي كل الأحوال تبقى الأعمال بحسب النوايا والدوافع، وبحسب المؤثرات المباشرة وغير المباشرة، وحسب علم الله الدقيق بنسبة عناصر الجبر إلى عناصر الاختيار عند كل فاعل خير أو فاعل سوء. ووفق موازين الإلهي فلسفيا وليس دينيا، لا يكون الثواب بمقدار عبادة الإنسان لله، بالمعنى الديني الخاص للعبادة، بل بمقدار استقامته وحسن أخلاقه وإنسانيته.
وَقالوا لَن يَّدخُلَ الجَنَّةَ إِلّا مَن كانَ هودًا أَو نَصارى تِلكَ أَمانِيُّهُم قُل هاتوا بُرهانَكُم إِن كُنتُم صادِقينَ (111)
هذا ما نجده أيضا عند المسلمين، فهم أيضا يعتقدون أن الجنة لا يدخلها غير المسلمين، بل غير الملتزمين أو المتدينين، بل يذهب بعضهم إلى احتكار الجنة لفرقته التي ينتمي إليها من فرق المسلمين، فكثير من السنة يرون أن الجنة لا يدخلها إلا أهل السنة والجماعة، وكثير من الشيعة يرون أن الجنة فقط للموالين لأهل البيت والمؤمنين بولاية علي بن أبي طالب وبالأئمة المعصومين. وهذا ما حصل أيضا داخل اليهود وداخل المسيحيين، عندما تفرق كل منهم في فرق ومذاهب واتجاهات، وحرب الثلاثين سنة بين الكاثوليك والپروتستانت في أوروپا. نعم، بحق تطالب الآية المدعين بذلك بالبرهان على صحة دعواهم، وهكذا هم المسلمون مطالبون بالبرهان على صحة دعواهم على أنهم «خير أمة أخرجت للناس»، وأن الجنة لا تفتح أبوابها إلا لمن شهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وآمن بالله وكتبه وملائكته، إلى آخر ما يجب الإنسان أن يؤمن به، كي يمنح سمة الدخول إلى الجنة.
بَلى مَن أَسلَمَ وَجهَهُ للهِ وَهُوَ مُحسِنٌ فَلَهُ أَجرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ (112)
هذه الآية تتدارك لتطمئن قسما من الناس بأن «لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ»، ذلك إذا حققوا شرطين، الأول يكونوا ممن «أَسلَمَ وَجهَهُ للهِ»، والثاني أن يكون ممن «هُوَ مُحسِنٌ»، أي أن يعمل الأعمال الحسنة أو الصالحة. يبقى يجب أن نعرف بالضبط ما يقصد مؤلف القرآن بالشرط الأول أي أن يسلم الإنسان وجهه لله. إذا أخذنا هذه الآية بمعزل عن النصوص الأخرى في القرآن، يمكن أن نفهم إمكان انطباق ذلك على كل من يؤمن بالله، ولكن الإيمان لا يكفي، بل أن يضاف إليه أن يسلم وجهه لله، تعبيرا عن تجذر الإيمان واستحضار ذكر الله في كل ساعات حياته. لكن هناك العديد من النصوص القرآنية التي تتوعد كل غير المؤمنين بالإسلام، بما فيهم المؤمنين بالله، بالعذاب الأبدي في نار جهنم. علاوة على أن الله بعدله يجب أن يثيب المحسن لإحسانه، بقطع النظر عما يؤمن أو لا يؤمن به، فحتى الملحد المحسن يحبه الله ويثيبه.
وَقالتِ اليَهودُ لَيسَتِ النَّصارى عَلى شَيءٍ وَّقالتِ النَّصارى لَيسَتِ اليَهودُ عَلى شَيءٍ وَّهُم يَتلونَ الكِتابَ كَذالِكَ قالَ الَّذينَ لا يَعلَمونَ مِثلَ قَولِهِم فَاللهُ يَحكُمُ بَينَهُم يَومَ القِيامَةِ فيما كانوا فيهِ يَختَلِفونَ (113)
دائما يدين القرآن أقواما آخرين على ممارسات وأقوال واعتقادات، نجد مثلها تماما عند المسلمين. فلیس الیهود وحدهم الذين يقولون «لَيسَتِ النَّصارى [ولا المسلمون] عَلى شَيءٍ»، ولا (النصارى) وحدهم الذين يقولون «لَيسَتِ اليَهودُ [ولا المسلمون] عَلى شَيءٍ»، بل المسلمون هم أيضا يقولون «لَيسَتِ النَّصارى [و] لَيسَتِ اليَهودُ عَلى شَيءٍ»، بل هكذا «قالتِ السُّنَّةُ لَيسَتِ الشّيعَةُ عَلى شَيءٍ، وَّقالتِ الشّيعَةُ لَيسَتِ السُّنَّةُ عَلى شَيءٍ، وَّهُم يَتلونَ الكِتابَ [الذي يؤمن كلاهما به وهو القرآن]». صحيح «فَاللهُ يَحكُمُ بَينَهُم [...] فيما كانوا فيهِ يَختَلِفونَ»، وهذا ما يجب أن يقال لكل من يدعي أنه وحده على حق، وأنه وحده الذي يستحق الثواب والنعيم في جنات الخلد. وحقا وصفت الآية الذين يقولون مثل هذا القول أنهم من «الَّذينَ لا يَعلَمونَ» من كل دعاة احتكار الحق والحقيقة والنعيم الأخروي الخالد، سواء كانوا مسلمين أو يهودا أو مسيحيين أو من أي دين آخر، لكن المشكلة إن أكثر «الَّذينَ لا يَعلَمونَ» لا يعلمون أنهم «لا يَعلَمونَ»، بل يظنون غالبا أو يدعون هم وحدهم الذين يعلمون، بل «الَّذينَ لا يَعلَمونَ» لا بد أن يشمل القائلين بهذا القول حتى الرسل والأنبياء المفترضين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حتة من الجنة شلالات ونوافير وورد اجمل كادرات تصوير في معرض


.. 180-Al-Baqarah




.. 183-Al-Baqarah


.. 184-Al-Baqarah




.. 186-Al-Baqarah