الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من هو المعبود في الحقيقة ؟

عبد اللطيف بن سالم

2022 / 4 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من هو المعبود في الحقيقة " الله " أم " الإنسان " في المطلق ؟
لنر ذلك بالحجج والأدلة الممكنة .
" عملية قلب الوضع " التي يعيش بها المرء منذ ظهور الأديان في العالم .
إنها عملية نفسية- اجتماعية نعيش بها من حيث ندري وفي أغلب الأحيان من حيث لا ندري ، نقوم بها تُجاه المعبود كما نقوم بها تجاه المولود ابنة كان أو ولدا وهي ما يمكن تسميتُها ب " عملية قلب الوضع " حيث يرى المرء نفسه في معبوده فينسب له كل ما يريد ويرغب في أن يكون له كما يرى نفسه في ولده فينسب له كل ما يريد ويرغب في أن يكون له ، ولذلك نرى أن ما يُسمى في الإسلام بأسماء "الله" الحسنى ما هي في الواقع إلا صفات بشرية نرغب في الحصول عليها في حياتنا الإنسانية فإذا لم نكن حاصلين عليها في الواقع نتمنى أن نراها مجسمة في " الصورة " أي على صفحة المرآة ، وهل ما نراه في المرآة حقيقة واقعة ؟ كذلك ما نرغب في أن نراه من الصفات في الله أو في الولد ليس هو بالأمر الواقعي إنما هو مجرد تدبير من المخيلة البشرية وبالتالي فليس هذا المعبود إلا ذواتنا مجسمة وهميا في ما نعبد والمعبود بالتالي ما هو إلا مُجرد صورة لنا ليس لها وجود حقيقي في الواقع .
انظروا :
منذ أقدم الديانات التي ظهرت في العالم وضعيّة كانت أو سماوية كما يصوّرونها لا تعدو أن تكون انعكاسا لصورة الإنسان في المطلق أي في ما يمكن أن يكون يتصوّره ممثلا لشخصيته الاجتماعية والذاتية في آن واحد .وما كانت الديانات منذ ظهورها إلا وسيلة للتماسك الاجتماعي من أجل التعاون والتعايش معا كما لو كانت ميثاقا لتبادل المصالح بين أفراد المجتمع ثم تحول ذلك تدريجيا إلى إيمان بجملة مبادئ ذات مرجعية موحدة في أي تجمّع وبالتالي فهؤلاء المستثمرون في الدين يعرفون ذلك حق المعرفة فكان لهم أن يدبروا نشر تلك الجملة من المبادئ بين الناس ليستغلوهم في الحاضر وفي المستقبل الآتي مثل ما فعل كل أصحاب الديانات القديمة منها والحديثة الوضعية منها والسماوية كما يظهر للكثير منا تسميتها رغم أنها كلها صناعة بشرية مؤكدة لا ريب فيها .
وما عسى أن تكون هذه المرجعية ؟ ما هي إلا ذلك الإنسان في مختلف مراحل تاريخه أو لنقل بتعبير أوضح ( ذلك الإنسان المطلوب من الناس أن يكون ، الإنسان الهدف ...):
_ هذا بوذا كما نراه كان مجسّما في شخص بشري متكامل وقوي كما كان يريد الإنسان أن يرى نفسه في ذلك الزمن رغم أنه قد كان لبوذا هذا أصل في الواقع ،كان هو نفسه شخصا حيا يعيش بين البشر ثم صار لاحقا بمثابة المعبود في الواقع وهكذا نرى دائما المراوحة بين الإنسان ونفسه أو بينه وبين شبيهه المفضل لديه .
_ وهذا إله زرادشت قد كان بنفس الأوصاف البشرية المرغوبة في ذلك الزمن أيضا كريما رحمانا رحيما سلاما مؤمنا عزيزا جبارا إلى غير ذلك من الصفات المطلوبة والتي يطمع إنسان تلك المرحلة في الحصول عليها في الغالب ولم تكن متوفرة لديه دائما فيتصورها موجودة في إله زرادشت المؤمل .
_ أما أوثان عصر ما قبل ظهور الإسلام المسمّى بالعصر الجاهلي مثل هُبل واللاة والعُزى ومناة وغيرها فقد كانت كلها مجسُّمة لأشخاص بشرية والمؤمنون بها في ذلك الزمن يرون فيها أشخاصهم وأرواحهم وإنهم إذ يحومون حول الكعبة المسكونة بتلك الآلهة فإنهم في الحقيقة يحُومون أو يهُومون حول أنفسهم .
_ أما آلهة اليونان القديم وكانت عديدة فهي حتى وإن لم تكن مرئية أحيانا فقد كانت ممثلة في أغلب الأحيان في تماثيل في أشكال بشرية أيضا من مثل زيوس رئيس الآلهة وأبولو إله الشعر والفنون وفينوس وأوسايدن إلاه البحر وعشتروت وأثينا وغيرها من الآلهة الكثيرين ذكورا كانوا وإناثا حتى أن اليونانيين في ذلك الوقت كانوا يتصورونهم يتخاصمون في ما بينهم ويتحاربون أيضا وينتصر بعضهم على بعض مثل ما يحدث أحيانا بين البشر وذلك في مثل حرب طروادة التي حدثنا عنها هوميروس الشاعر اليوناني الكبير في ملحمته الشهيرة" الإلياذة والأوديسا " وغيرها من الحروب التي كانت تشارك فيها الآلهة أحيانا مع اليونانيين أنفسهم في حروبهم في ما بينهم في مثل هاركيل وأخيل وابولو وأوديس وغيرهم والذين كثيرا ما قدمهم لنا المؤرخون والروائيون في صور بشرية .
_ و"الله " أخيرا وربما ليس آخرا فهو"الحي القيوم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر… إلخ « وهي كما نرى كلها صفات لا يمكن أن تكون لإله ( لا يتزمّن ولا يتمكّن ) كما يقول المفسرون وأصحاب المذاهب في شرحهم للفكر القرآني أي أنه لا يُحد بزمان ولا بمكان ،بل هي كلها صفات بشرية يتمني المؤمنون بهذا الإلاه أن يكونوا حاصلين عليها في ذواتهم فإذا لم يقدروا على الحصول عليها في حيواتهم تمثلوها في معبودهم وبقوا يسعون وراءها دائما أو يرونها فيه في اعتقادهم كما هو حالهم منذ ظهور هذه الأديان المشار إليها بالسماوية افتراضا وليس واقعا والتي هي كلها صناعة بشرية بدليل التشابه الموجود في مسارات أصحابها والتشابه المجود أيضا في مواضيعها وتشربعاتها وأن الإله في كل دين منها منذ ظهورها كان على صورة إنسان في الواقع أو في الخيال الواهم .
فعملية " قلب الوضع "هذه هي - في أن نرى أنفسنا في معبودنا كما نراها في أبنائنا ( أليس الابن كما يُقال عنه عادة نسخة من أبيه ؟ ) ولم لا نقول أيضا ب ( أن المعبود نسخة من عابده وبالتالي فهو هو الموجود قبله وما المعبود هذا إلا خيالا له ) ولهذا ترانا ننادي الابن أو البنت ب ( بابا ) من حيث ندري أو من حيث لا ندري لأن هذا الإحساس متأصل في طبيعتنا منذ وُجدنا على سطح هذه الأرض وبالتالي فالله هذا موجود فينا منذ ولادتنا إذا لم نقل منذ اللحظة الأولى في تكوّننا وبالتالي فإن ( بابا) ما هي إلا الأب متجسما وهميا في إبنه كما هو الإنسان متجسم وهميا في معبوده منذ الأزل كما رأيناه في جميع مراحل تاريخه مجسما – كما رأينا – في معبوده مهما كان نوعه أي في معتقده ولا حاجة لنا الآن لأن نذهب بعيدا لنجعل من المعبود هذا كائنا مستقلا عنا وصاحب قوى خارقة ومعجزات لا نقدر عليها كما يعتقد بعض المؤمنين ، فكل ذلك هو من ترهات بعض الأذكياء حتى لا نقول الخبثاء المستثمرين في الغباء وقديما كنت أقول دوما :( إن جحافل الظلام أكثر عددا وعدة من فصائل النور في كل العصور ) ولا غرابة في ذلك ما دام الأصل في الوجود الظلمةُ كما يعتقد ويُخبرنا بذلك العديد من علماء الفلك والكوسمولوجيا المحدثون .
وبالتالي فلا غرابة أيضا أخيرا وليس آخرا في أن نرى من المستثمرين في الغيب لتحقيق مصالحهم في هذه الدنيا من سمّوا أنفسهم أنبياء ومن سمّوا أنفسهم رٌسلا ومن سلالاتهم أيضا هذه الشيوخ المرتزقة بالدين منذ زمان بعيد، وهؤلاء المسمّون ب " الأولياء الصالحين " وأضف إليهم شيوخ هذه الحركات السياسية المتنكرة في ثوب دين أو قل المتجلببة بالدين كذبا وبهتانا لخداع الآخرين البسطاء ومحدودي القدرة على التدبر و التفكير .
ولا يخفى على العقلاء اليوم في أن هناك الكثير، الكثير من الخبثاء المستثمرين في الغباء بما فيهم القوى العظمى المتكالبة على السيطرة والهيمنة على العالم بواسطة الرغبة في نشر ما يُعرف بالعولمة بكل الطرق الممكنة وإفرازاتها مما صار يُعرف بالحركات الدينية المنعوتة عندها بالمتطرفة والإرهابية وهي تستغلها سرا في قضاء مآربها وحاجاتها الاستراتيجية و تحقيق رغبتها في تدمير المناطق العربية والإسلامية عامة وإشعال النار في الهلال الأخضر بعد إطاحتها بالاتحاد السوفياتي منذ مدة والذي كان موصوفا عندها عادة باللون الأحمر .


هذا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز


.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية




.. الخلود بين الدين والعلم


.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل




.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي