الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عيد العمال العالمي ... الأسباب والجذور التأريخية

جمعه عباس بندي
كاتب وباحث وأكاديمي وقانوني

(Dr.jumaa Abbas Hassan Bandy)

2022 / 5 / 2
الحركة العمالية والنقابية


تمهيد:
تحتفل أكثرية دول العالم في الأول من (آيار ـ مايو) من كل عام، بيوم عيد العمال العالمي أو (يوم العمل أو عيد الربيع والعمل )، وهو في الأساس يعود الى النشاطات والحركات العمالية المنتمية الى الأحزاب والنقابات الشيوعية ـ الإشتراكية، المنادية الى التضامن والتعاطف والإلتفاف حول حقوق هذه الطبقة الرئيسية في كل المجتمعات الغربية منها والشرقية.
والغاية من هذه الإحتفالات العمالية هو إحياء النضالات والتضحيات التي قدمها الطبقة الكادحة العاملة في جميع أنحاء المعمورة، حتى وصلوا الى هذه النتائج على مستوى التشريعات والقوانين والأنظمة والحقوق، من تنظيم ساعات العمل ونوع العمل ومستلزماته وتحديد السن الأدنى الصالحة للعمل وجعل طبيعة العمل الى علاقة تعاقدية ـ تنظيمية وإدارية ومالية ـ بين العامل وصاحب العمل.

أولا: الجذور التأريخية ليوم العمال:
يعود جذور الحركة العمالية المنادية بحقوقها وخاصة المتمثلة في تحديد ساعات العمل الى عام 1840 حيث منحت في هذا العام (نيوزلندا) عمالها، العمل لمدة (8) ساعات في اليوم، كما وتعتبر (أستراليا) أول دولة وضعت يوما للإحتفال بيوم العمال، وكان في (21 نيسان) من عام 1856، بينما حددت نيوزلندا يوم (28 أكتوبر) من عام 1890 أول يوم للإحتفال بعيد العمال النيوزلندي، ومن هذه البقع النائية في المحيط الهادي أنتقلت عدوى وفكرة حقوق العمال وتحديد ساعات العمل الى أمريكا ومنها الى أوروبا والى العالم.
بينما تعتبر (5 سبتمبر ـ أيلول) من عام 1882 أول يوم لعيد العمال في أمريكا، كما وتعتبر كندا أول دولة شرعت قانون الإتحاد التجاري في عام 1872 الذي وفر الحماية والصفة القانونية للعمال ولنشاط الإتحاد نفسه.
ومما سبق يتبين بأن فكرة الإحتفال بعيد العمال قد سبقت المؤتمر الدولي للإشتراكية في هولندا عام 1904 والذي أعتمد الأول من أيار كأول يوم للإحتفال بعيد العمال العالمي، ولكن في نفس الوقت يرجع الفضل إليه في تعميم هذا اليوم دوليا وجعله عيدا عالميا للعمال.

ثانيا: أمريكا ويوم العمال العالمي:
نتيجة للثورة الصناعية في أمريكا في 1812، وبالذات في مدينة شيكاغو، والحرب الأهلية في أمريكا (1861 ـ 1865)، والكساد الكبير (1882 ـ 1886)، تحول حياة شريحة العمال في أمريكا إلى شبه جحيم، حيث تتراوح عدد ساعات العمل اليومي بين10ـ 16ساعة، ولمدة 6 أيام في الأسبوع، وبأجر يومي لا يزيد على (دولار ونصف الدولار)، دون أي إهتمام لمعايير السلامة الصحية والأمنية للعمال وخاصة للنساء والأطفال، عدا طرد كل عامل منتمي الى نقابات العمل، وترهيبهم من قبل قوات أمن خاصة تابعة لأصحاب العمل.

وبسبب هذه التعسفات القاسية والتجاوزات الظالمة، ظهورت حركة ((8 ساعات يوميا))، كإحدى الحركات العمالية ـ الإجتماعية التي تناضل بغية تنظيم ساعات العمل ومنع الإنتهاكات على العمال، ومن أي مصدر كان.
ومن الجدير بالذكر: يعتبر روبرت أوين (1771-1858) ـ أحد مؤسسي الإشتراكية الطوباوية ـ ، أول من صاغ شعار: ((8 ساعات عمل، 8 ساعات راحة، 8 ساعات ترفيه)).
وفي عام 1866تبنت (رابطة العمال الدولية) مشروعية طلب العمال في تحديد ساعات العمل بـ 8 ساعات في اليوم، وجعل من هذا المطلب الأساس والشرط البدائي والحيوي لتحسين الظروف الحياتية لشريحة العمال، حيث صرحت، أن: ((الحد القانوني ليوم العمل هو شرط أولي، وبدون توفيره ستفشل جميع المحاولات لتحسين ظروف الطبقة العاملة وتحريرها)).

وإنطلاقا من هذه المبادئ، يقول الفيلسوف والدكتور كارل ماركس (1818 ـ 1883)، في كتابه: (رأس المال ـ 1867): (( إن الإنتاج الرأسمالي يتسبب، من خلال تمديد يوم العمل، لا في تدهور قوة العمل البشري، عن طريق سلبه الظروف المعنوية والمادية الطبيعية للنمو والنشاط فحسب، وإنما يتسبب أيضا في استنفاد وموت هذه القوة العاملة نفسها)).
وفي أكتوبر عام 1884، إجتمعت النقابات والإتحادات العمالية في مدينة شيكاغو الأمريكية، وقررت أن:((ثمانية (8) ساعات عمل تشكل يوم عمل قانوني، إعتبارا من 1 مايو 1886 وصاعدا، مع توصية كافة المنظمات العمالية بجميع أنحاء الولاية القضائية بتوجيه القوانين التي تتوافق مع هذا القرار)).
للعلم: في عام 1847قلصت بريطانيا العظمى ساعات العمل بالنسبة (للنساء والأطفال) الى عشر (10) ساعات في اليوم، بينما قلصت فرنسا ساعات العمل الى إثنتي عشر (12) ساعة في اليوم، في عام 1848.

ثالثا: علاقة أحداث هايماركت في أمريكا باليوم العمال العالمي:
في الأول من (مايو ـ أيار) من عام 1886، نظمت "فرسان العمل" إضرابا ومظاهرات عاما في مدينة شيكاغو بشارع ميشيغان، بقيادة كل من رئيسه ألبرت بارسونز (1848ـ1887)، وزوجته لوسي وطفلاهما مظاهرة من 80 ألف شخص، وخلال أيام قليلة أنظم إليها أكثر من (350) ألف عامل، مطالبين كافة حقوقهم المالية والتنظيمة، وفق شعار: ((ثماني ساعات عمل، ثماني ساعات نوم، ثماني ساعات فراغ للراحة والإستمتاع))، وفعلا نجحوا في إيقاف الحركة الإقتصادية في المدينة، مما دفع الشرطة الى تفرقتهم عن طريق إطلاق النار، وبالنتيجة قتلت عدداً من المتظاهرين.

و احتجاجا على هذا العنف من قبل رجال الشرطة، أزداد عدد المحتجين والمضربين والمتظاهرين، وفي يوم (4 مايو ـ أيار) أنفجرت قنبلة في ساحة هايماركت، أدت الى مقتل عدد من رجال الشرطة، وإصابة الكثيرين، وعلى أثرها هاجمت الشرطة على المتظاهرين بالنيران وقتلت الكثير منهم، وأصيب في هذا الهجوم أكثر من 200 متظاهر بجروح بليغة، بالإضافة الى ذلك تم إلقاء القبض على عدد منهم بتهمة التحريض على أعمال العنف، وحكم على خمس (5) منهم بالإعدام، ومن ضمنهم أوغست سبايز وألبرت بارسونز.

وأثناء تنفيذ حكم الإعدام بالمتهمين، قرأت زوجة سبايز خطابا مكتوبا من زوجها الى إبنه الصغير جيم، جاء فيه: (( ولدي الصغيرعندما تكبر وتصبح شابا وتحقق أمنية عمري ستعرف لماذا أموت، ليس عندي ما أقوله لك أكثر من أننى بريء، وأموت من أجل قضية شريفة ولهذا لا أخاف الموت وعندما تكبر ستفخر بابيك وتحكى قصته لأصدقائك)).
وفعلا ـ فيما بعد ـ ظهرت براءتهم، لكون القنبلة كانت خطة مدبرة من رجال الشرطة أنفسهم، وخلال التحقيقات إعترف أحد عناصر الشرطة: بأن من رمى القنبلة كان أحد عناصرهم.

وفي ديسمبر عام 1888، حدد الإتحاد الأمريكي للعمل في مدينة سانت لويس ساعات العمل، وجعل الأول من (مايو ـ أيار) من عام 1890، موعدا لتقليص ساعات العمل الى ثمانية (8) ساعات يومية.
وفي عام 1894 بلغ الحركة العمالية الأمريكية ذروة قوتها، مما دفع الرئيس الأمريكي غروفر كليفلاند (1837ـ1908)، إلى التصالح مع الحركات العمالية، ومن ثم تشريع عيد العمال، وجعله عطلة رسمية في أمريكا، إحياءا لذكرى إستشهاد (أوغست سبايز وألبرت بارسونز) وأصحابهما، اللذين أعدموا بتهمة باطلة لم يقترفوها.

رابعا: أسباب إعتماد الأول من (أيار ـ مايو) يوما عالميا للعمال:
تجاوزت أحداث ساحة هايماركت العنفية ـ الدموية حدود أميركا، ففي عام 1889أعلن رابطة العمال الدولية ـ الأممية الثانية ـ في باريس الفرنسية، الأول من (مايو ـ أيار) من كل عام عيدا للعمال العالمي.
وفي عام 1958 قرر الكونكرس الأميركي الأول من (مايو ـ أيار)، يوما لتخليد ساحة (هايماركت)، وعلى أثره أعلن الرئيس الأميركي ـ آنذاك ـ أيزنهاور (1890 ـ 1969) الأول من (مايو ـ أيار) إجازة رسمية في البلاد.
ووفق هذه السياقات التأريخية يقول المؤرخ (ويليام ج أدلمان): (( لا يوجد حدث واحد في تاريخ العمل في إلينوي والولايات المتحدة وحتى في العالم، أكثر من قضية شيكاغو هايماركت))، ولذلك يعتبرها النواة الأولى في تعين الأول من (مايو ـ أيار) كيوم عالمي لعيد العمال.
ومن الجدير بالإضافة: ((في عام 1955 باركت الكنيسة الكاثوليكية الأول من مايو عيدا للعمال، وأعتبرت القديس يوسف بارا أو يوسف النجار شفيعا للعمال والحرفيين)).

وختاما، نقول:
اليوم (1 مايو ـ أيار) في وطني سيستريح كل فئات المجتمع، بمناسة عيد العمال العالمي، إلا فئة العمال، فلا راحة لهم ... وأعباء الحياة كثيرة وكبيرة أمامهم وعلى أكتافهم وداخل قلوبهم.
أيها العامل:
من فضلك ناولني يدك البيضاء، كي أقبلها، إكراما لما تقدمه للإنسانية من الإنجازات في بناء الحضارة، فإن كان غيرك يبنى البشر، فأنت تجسد هذا البناء، ببناء الحجر، وما الحضارة إلا بناء الحجر مع بناء البشر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استمرار اعتصام طلاب جامعة جورج واشنطن في مخيم داعم لغزة


.. المغرب.. معدلات البطالة تصل لمستويات قياسية




.. أخبار الصباح | لندن: ضربة مزدوجة من العمال للمحافظين.. وترمب


.. رغم تهديدات إدارتها.. طلاب جامعة مانشستر البريطانية يواصلون




.. بعد التوصل لاتفاقيات مع جامعاتهم.. طلبة أميركيون ينهون اعتصا