الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جامعة الازهر وتجديد الخطاب الديني

حسن نبو

2022 / 5 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مضى حوالي قرن من الزمن تقريبا على الدعوى التي اطلقها الشيخ الازهري "علي عبد الرازق" التي طالب فيها اعادة قراءة نظام الخلافة الاسلامية بمنظور ديني جديد . ففي كتابه الشهير الذي الفه سنة 1925 تحت عنوان "الاسلام واصول الحكم" اعتبر الشيخ عبد الرازق ان الخلافة لاتستند على اي دليل شرعي ، وبالتالي فإنها ليست مكونا من مكونات العقيدة الاسلامية ولايجوز إلباس ثوب القدسية عليها وان الله ترك للمسلمين حرية اقامة هيكلية الدولة بشرط ان تحقق هذه الهيكلية المقاصد الكلية للشريعة الاسلامية التي هي: حفظ النفس والعقل والنسل والمال والحاجات ...الخ . واضاف: ان الخلافة هي اختراع بشري وليس فرضا الهيا او واجبا شرعيا ، وانتقد ادلة الفقهاء على اقامتها . وبين ان وظيفة الشريعة هي حماية المصالح الدينية للبشر ، اما حماية المصالح الدنيوية للبشر فهي وظيفة السياسة .

لم يمر ماقاله الشيخ عبد الرازق حول نظام الخلافة مرور الكرام . فسرعان ماثارت الأزهر على افكاره ، وشكلت على الفور لجنة من كبار علماءها لمحاكته بتهمة مخالفة كتابه للقرآن والسنة النبويةواجماع الأمة التي تعتبر الاسلام دين ودولة وليس مجرد رسالة روحية .

وبنتيجة المحاكمة فصلت اللجنة الشيخ علي عبد الرازق من الازهر وحرمته من شهادته العالمية واخرجته من زمرة علماء الاسلام ومنعته من تولي اي منصب ديني وأمرت بمصادرة كتابه ومنعه من الانتشار .

كانت محاكمة الازهر للشيخ علي عبد الرازق في الحقيقة رسالة واضحة من الأزهر للجميع بأنها لاتقبل توجيه اي نقد للتراث الاسلامي الذي تم تأسيسه في القرن الثاني الهجري ، وانها تنظر الى هذا التراث على انه كنز وفخر بكل مافيه وميراث للأمة الاسلامية باعتباره مستمد من القرآن والسنة ..الخ .

مع بداية سبعينيات القرن الماضي،  ظهر مايسمى بالصحوة الاسلامية في المجتمعات العربية ، هذه الصحوة نشرت على نطاق واسع نوعا من التدين لم يكن معروفا في المنطقة ، هذا التدين اوجد التشدد في الدين والتقوقع حول المذهب و شوَّه الوعي والثقافة والتعليم الى حد كبير واشاع انماط من التفكيرالمعادي للمنطق ولقيم العصر على نطاق واسع ، فأعيدت الحياة الى العديد من التعاليم الدينية التي لم تعد مقبولة في عصرنا كالأحاديث والتي تشرعن العبودية وسبايا الحروب ورجم الزاني والزانية المحصنين وقطع يد السارق وضرب المرأة من قبل الزوج ...الخ . ليس هذا فحسب ، بل لجأت أجزاءكبيرة من تيارات الصحوة الاسلامية الى ممارسة العنف والارهاب على مستوى العالم واتخذتهما وسيلة اساسية في نشاطها . وقد نبهت هذه المفاهيم  الى ضرورة تجديد هذا الخطاب مجددا .

كان رد فعل الازهر سلبيا تجاه الدعوات المطالبة بتجديد الخطاب والفكر الاسلامي ، عبرت عنه الازهر  في العديد من المؤتمرات والحوارات التي اقيمت لمناقشة تجديد الخطاب الديني  ، في سنة 2020 اقامت جامعة القاهرة مؤتمرا تحت عنوان " التجديد والحداثة في الدين" دعا فيه رئيس الجامعة الدكتور "محمد عثمان الخشت" الى ضرورة تجديد علم الاصول وليس احياؤها ، اي: تجديد طريقة فهمنا للدين التي يمكن ان تتغير بظهور الادلة على تجديدها وتغيير المصالح ، وأكد ان الشرع يسير مع المصلحة العامة اينما سارت لأن الدين جاء لرعاية مصالح الناس وفق شروط عصرهم ، واضاف : ان واقع العلوم الدينية المعتمد على النقل والاستنساخ دون تحليل نقدي علمي يستعيد كل المعارك القديمة ، ولايؤدي الى تكوين رؤية جديدة للعالم ، واردف: ان هذه الرؤية الجديدة لاتتحقق بترميم الخطاب الديني القديم ، بل بتأسيس فقه جديد بمفاهيم حديثة لتحقيق عصر ديني جديد .

وقد رد شيخ الازهر الدكتور "أحمد الطيب" على الدكتور الخشت قائلا: ان الحرب على التراث بذريعة الارهاب هي شيئ مصنوع تماما من خارجنا لتفويت الفرص علينا ،  وان الحداثيين حين يصرعوننا بهذا الكلام هم يزايدون على التراث . واضاف: ان التجديد مقولة تراثية وليست حداثية وان التراث الذي توجهون النقد له خلق امة كاملة وسمح للمسلمين بالوصول الى الاندلس والصين وان الفتنة الحالية سياسية وليست تراثية .

وفي عام 2015  هاجم شيخ الازهر الدكتور احمد الطيب الغرب في مؤتمر عقد في مصر تحت عنوان "رؤية الدعاة حول تجديد الخطاب الديني وتفكيك الفكر المتطرف" حيث قال : ان الغرب تفكك وتخلف وعاد الى الوراء عندما تمرد على الدين في القرون الوسطى وأدار له ظهره ، وان المسلمين عندما ابدعوا وانتجوا حضارة كانوا يسندون ظهورهم الى تعاليم القرآن والسنة، وان تراجع المسلمين حاليا هو بسبب ابتعادهم عن مصادر القوة في الدين الاسلامي .

اعتبر الكثير من المفكرين ان الصاق صفات مثل التخلف والتفكك والعودة الى الوراء بالغرب ماهو الا قصور في رؤية الانجازات العظيمة التي حققها الغرب والتي تحققت بعد  فصل الدين عن الدولة في المجتمعات الغربية . وان تراجع المسلمين الحالي لايكمن في ابتعادهم عن مصادر القوة في الدين الاسلامي ، بل يكمن في عدم قدرتهم على ايجاد خطاب ديني جديد يدفعهم الى تبني الحضارة الحديثة في جوانبها العلمية والفلسفية والقانونية والفكرية ...الخ .

وهناك الكثير  من المحطات التي اعربت فيها الازهر عن موقفها السلبي من تجديد الخطاب الديني سواء من خلال شيخ الازهر الدكتور احمد الطيب او من خلال شيوخ آخرين من الأزهر .

ورغم موقف الأزهر المناهض لأي تجديد حقيقي للخطاب الديني ومحاولاتها بحصر التجديد في تفعيل مقاصد الشريعة وقواعد التشريع الكلية بعيدا عن انتقاد التراث وتقديم قراءة جديدة للمعتقدات والمفاهيم الدينية والاخلاقية من خلال الاعتماد على المعرفة والعلم والعقل . استمرت الأصوات المطالبة بتجديد الخطاب الديني بالتوسع والانتشار، ولم يعد طرح تجديد الخطاب الديني محصورا ببعض المفكرين ، بل اصبح خيارا العديد من الحكومات ايضا .

اعتقد ان الازهر باتت تدرك جيدا ان تجديد الخطاب والفكر الديني أصبح أمراً واقعاً سيشق طريقه عاجلا ام آجلا ، ولهذا اضطر شيخ الازهر الأكبر الدكتور احمد الطيب ان يدلي قبل ايام بتصريح حول تجديد الخطاب الديني يخالف كل مواقفه السابقه المتشنجة حول هذه القضية ، قلب هذا التصريح الطاولة على رأس العديد من علماء الدين داخل الازهر وخارجها . حيث قال: لاتوجد في القرآن اديان مختلفة لكن توجد رسالة الهية تعبر عن الدين الإلهي الواحد ، وأن هناك وحدة تربط نبي الاسلام بغيره من الانبياء وهو الأخوة ، مستشهدا بقول النبي: انا اولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة ، واضاف : ان الانياء ابناء علات اي : كلهم من اب واحد ، امهاتهم شتى ودينهم واحد ، وان القرآن يذكر الانجيل والتوراة بعبارات في غاية الاحترام ، ويعترف بأثرهما القوي في هداية البشر من التيه والضلال ، وان الله يصف في القرآن ان التوراة والانجيل هما هدى ونور ، وان القرآن يصف نفسه بأنه الكتاب المصدق لما سبقه من الكتابين المقدسين اي : التوراة والانجيل...الخ .

وقد اعتبر الكثيرون ان ماقاله شيخ الازهر الاكبر يمهد لاقتلاع مازرع من فتنة ومارسخ من فرقة في المجتمع على اساس فوقية المسلم على غير المسلم ، ويضع حدا لتكفير غير المسلمين .

السؤال الذي يطرح نفسه  : هل ستتمكن الأزهر من القيام بترجمة ماقاله شيخ الازهر على ارض الواقع فيما يتعلق بتغيير مناهجها المؤسسة على مقولات التراث الاسلامي المولد للنسخة الاسلامية المتداولة حاليا ، ام ستحاول الالتاف على هذه الاقوال ؟ أم ان ماقاله شيخ الأزهر مجرد كلام لن يجد طريقه الى التنفيذ ؟

اعتقد ان المجال اصبح اكثر ضيقا على الازهر لمعاداة تجديد الخطاب الديني ، فكل المؤشرات توحي ان التجديد آت لامحالة .

لابد من البحث عن خطاب ديني جديد قيم الاعتدال والتسامح ويحاصر الغلو والتطرف الديني والطائفي والمذهبي المرتكز على افكار سلفية تخنق الابداع وتحد من حرية الرأي والتعبير وينفتح على العالم ..الخ.

المراجع

1- كيف نظر علي عبد الرازق الى الخلافة؟ / أمين حمزاوي

2- لماذا فشلت جامعة الازهر في تجديد الخطاب الديني؟/ د توفيق حميد

3- هل تغيرت رؤية شيخ الازهر بشأن تجديد التراث والخطاب الديني/ محمد مغاور








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين


.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ




.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح


.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا




.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم