الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول كتاب - تهويد المعرفة -

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2022 / 5 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ـ ---------------
أوقعت الصدفة المَحضة بين يدي كتاباً صغيرَ الحجم بعنوان : " تهويد المعرفة" للكاتب السوري الراحل ممدوح عدوان.
وللإمانة فقد احتوى المتن في صفحات هذا النص القصير، على جهد رائع وعميق، من حيث السرد ، و التعليقات الرشيقة على متواليات الردود، بالنسبة إلى كثير من الأحداث التاريخية القديمة والحديثة والمعاصرة، وذلك عبر تنسيق شيّق، وسرد سلس بعض الشيء،
ولهذا أستطيع القول : أن لا غرابة لديّ ، في أنه نجح في جعل كثير من روّاد القراءة، في الشرق العربي والاسلامي بالذات، منفعلين به غبطةً وسروراً، وربما مزهوين بأنهم قد قبضوا بين صفحاته على تلابيب كامل الحقيقة، التي لطالما كان - ومازال - يخفيها عنهم ذاك الآخر القوي المنتصر بالخديعة و العالم المتقدم برزايا الوقيعة..
تهويد المعرفة " هو كتيب دليل الفطين، الذي يريد الكاتب منها دائماً، إيهام القارئ ، من خلال إدهاشه بالكشف عن جهل مريع فيه، و إيهامه بالعثور على الحقيقة الكبرى، في فضح وكر الشر الأوحد في هذا العالم ، الذي غيّر الفهم الديني والتاريخي وعبث بالجغرافيا، المتمثل في قوم "اليهود" حصراً ..
و كما كان الحال مع كتاب "برتوكولات صهيون" ذائع الصيت، سيخلص القارئ العادي معه - بالضرورة - إلى نتيجة خرافية، مفادها أن قوم اليهود هم الفعلة الأذكياء على طول الخط التاريخي، العباقرة المخططين، والدهاقنة المنتصرين دوماً، وهم وحدهم دون العالمين، الذين يتحكمون بعقل العالم برمته، ويُسيّرون ناصية المعرفة الإنسانية ككل .
لقد جاء الكتيب- في تقديري- أقرب إلى لغة الرأي الصحفي والتحليل السياسي في الربط والتحليل ..
وذلك بما أورد من كميات هائلة من معلومات الجزم والثقة، على شاكلة أفكار مجتزأة، جمعت بين الرأي الشخصي والبحث الفكري، و من خلال قصاقيص لدراسات مبعثرة من هنا وهناك، يصعب على أي مُتشكك بسيط متابعة مصادرها، ناهيك عن إمتلاك المقدرة على كشف تهافتها، والسبب أنها ترهق فهم القارئ بصب كميات جمّة، من الشذرات المعرفية والابداعية المبتسرة في الرصف والتناول ..
بكلمات أخرى : الكتيب هو عبارة عن كلام مرسل على عواهنه ، رغم كل ما يحمل من غزارة تجميعية، لكثير من الافكار الموظفة جيداً، كي تخدم جوهر المقول الناقد والرافض للآخر المقصود على طول الخط في هذا العمل .
والمتكئ على إنكار سطوة الواقع الحاضر ، وأخطاء الذات كوسيلة نفسية دفاعية هدفها تجنب الحقيقة غير المريحة. متناسياً تماماً ، أن هذا الإنكار هو اهم و اخطر عقبة أمام التقدم الحقيقي لأي مجموعة بشرية نريد بالفعل أن تفهم و تنهض .
وهي بلا شك تلامس الحماسة التي يضخها الكاتب في ذهن القارئ جرّاء معظم الانتقاءات والمقتبسات عن الفلاسفة والكتاب . رغم استهتاره بكثير من سياق الكلام للأحداث الواردة، ومجانبته للصواب في فهم كثير من العبارات المقتطعة للأبحاث والدراسات، لهذا الكاتب أو ذاك الفيلسوف، وأخص بالذكر ، تهافته المريع في إيراد فهم الفيلسوف "هيغل" عن المسيحية والشرق .
قصارى القول :
أنا مع العبارة العاقلة التي تقول أن ليس كل شيء مؤامرة.. ولكن _في المقابل _ نفي المؤامرة نهائيا هو مؤامرة).. وبالتالي نحن لايمكننا أن نلغي التفكير المؤامراتي في سياقات ومسارات العلاقات البشرية . ..
لكن أنا أدعو فقط، لأن نكون حصيفين وحكماء في فهم أوجه الصراع بين بني الانسان .
لندرك جيداً كيف يمضي مجرى الواقع بشكل عام .
في المنطق يقال أذا صدقت الجزئية لايمكننا أن نجزم بصدق الكلية .. بمعنى أذا رأينا حادثة ما أو واقعة ما ، صادقة حقاً، فلا يمكننا القول - عقلاً - أن كل مثيلاتها من الحوادث، ستكون صادقة حكماً .. بل يجب - منطقياً - أن يكون حكمنا على الحوادث الكلية تلك، معطلاً أو أن نحكم بأنها مجهولة (أي أننا لا نستطيع الحكم عليا بالصدق أو الكذب . أما القفز إلى القول والاستنتاج أن الحوادث الكلية هي صادقة بالضرورة ، فقط لان الجزئية تمتعت بصوابية وواقعية وصدق ، هو حتماً حكمٌ فاسدٌ بل وخاطئ تماماً .
لهذا نقول أن كتيب "تهويد المعرفة" هو طرح فكري انفعالي، فيه عور موضوعي جلي، ويندرج تحت أرجوزة المعرفة المؤامراتية العالمية، وكشف دهاليز المخبوء الأحق في الفكر والمعرفة .
وفي تقديري هو لا يختلف كثيراً عن الرأي المقابل الذي يقارعه، في التدليس والطمس ..
لذا أجده يصلح لأن يكون بياناً اعلامياً، هدفه تجييش فكري مضاد في فهم فصيل تعبوي، أو لنقل هو مجرد رأي ساذج ، يحكمه انطباع سياسي من العالم الثالث، وإنفعال مكتوب، يتبنى قضية عادلة، لكن - للاسف - يدافع عنها بأدلة ضعيفة أو بمجرد التشكيك والرفض أو الانكار، و إنجازا مثالياً للهروب من مواجهة الواقع، و عدم الاقرار بمسؤولية الذات، عن الفشل والعجز والخسارة، و التخلف في فهم حق النفس، وفهم حق الآخر المنتصر إلى حين، بمشروعه بكل وضوح ..
فلا القوم المقصودين هم أذكى العالمين, وأساس حراك الوجود أو حجر الزاوية ، ولا بقية أقوام الناس، هي أدنى، أو ستبقى غافلة للأبد، بحكم جينات الوراثة أو أصحاب الهاوية..
الأمر بما فيه ، أن هناك واقع موضوعي معقد،
يُهدي أسرار وجوده ونمائه، لمن يُجيد حسن تدبيره ،
ويجعل العقل إماماً ، ويتبع سبل العلم في صلاحه و تعميره .
zakariakurdi








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و