الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظريات الانتباه

سعد سوسه

2022 / 5 / 4
التربية والتعليم والبحث العلمي


نظريات الانتباه : -
شهدت الفترة التي اعقبت الحرب العالمية الثانية اهتماما كبيرا بموضوع الانتباه اذ تركزت البحوث بشكل خاص الكيفية التي يستطيع فيها الفرد الانتباه الى مثير معين بين عدة مثيرات فالذي يحدث في حفلات الاعراس او الكوكتيل مثلا هو ان الفرد يستطيع سماع كلمات محاورة بوضوح على الرغم من الاصوات العالية والصخب في الحفلة .
قام ( شيري ( Cherry عام (1953) والذي يعد رائد دراسات الانتباه بدراسة في هذا الموضوع من خلال تجربته الاستماع المـــــــــــــزدوج ( Dichotic Listening ) والتي فتحت افاقا علمية واسعة مهدت لظهور نظريات ونماذج عديدة مختلفة في موضوع الانتباه . اذ قام باعطاء المفحوصين رسالتين سمعتين مختلفتين عبر سماعة اذن ( Headphone ) في ان واحد . كل رسالة الى اذن وطلب من المفحوص ان يركز انتباهه الى احدى الرسالتين من خلال ترديد محتوى الرسالة مع اهمال الرسالة الاخرى وتوصل شيري الى ان المفحوصين لم يستطيعوا إخباره شيء عن محتوى الرسالة غير المنتـــبه لها .
لكنهم تمكنوا من معرفة الصوت رجالي كان ام نسائي ومعرفة ما اذا كانت الرسالة قد تحولت من صوت انسان ( Voice ) الى نغمة نقية ( Pure tone ) لكنهم لم يلاحظوا اذا ما كانت الرسالة قد تغيرت مـــن الانكليزية الى الفرنسية .
وقد كانت نتائج هذه التجربة ظهور العديد من النظريات التي حاولت تفسير الانتباه وهي : -
1- نظرية المصفاة( Filter Theory ) لبرودنت ( Broadbent ) 1958 تركزت هذه النظرية على فكرة اساسية هي ان انتباه الانسان للمثيرات والمعلومات القادمة عبر القنوات الحسية محدد (-limit-ed ) وانتقائي ( Selective ) وان هناك مصفاة ( filter ) داخل الانسان يبعد او يحذف المنبهات او المثيرات او المعلومات التي ينتبه لها .
وهذا الانتقال يحصل من جانب القنوات الحسية التي تكوُن قناة منفصلة لنقل المعلومات الى المصفاة واذا حدث ان استقبل الفرد مثيرين سمعيين مختلفيين في آن واحد فان الاذان تكوُن قناتين منفصلتين واحدة لكل مثير استنادا الى الخصائص الفيزيائية لهذا المثير او ذاك .
ويصف برود بنت نظريته من خلال تشبيه عملية انتقاء مثير معين من مجموعة من المثيرات بأنبوب يشبه حرف ( Y ) اذ يشير الى ان نمطاً واحداً من المثيرات فقط هو الذي يمر عبر الأنبوب في لحظة واحدة وان دخول مثيرين في اللحظة نفسها يعني ان احدهما سوف يمر ( ينتبه له ) والاخر سوف يهمـــل . يؤكد برود بنت على المبادىء الاتية في توضيح نظريته :-
1 – ان النظام الادراكي ( Perceptual system ) للانسان لا يستطيع استيعاب الكم الهائل من المنبهات والمعلومات القادمة عبر الحواس في كل لحظة فهو ذو سعة محدودة (-limit-ed capacity ) ومن ثم يحتاج الى نوع من التصفية والتقنين والانتقاء للمنبهات .
2 – ان المستقبلات الحسية تستلم المثيرات المختلفة ( سمعية ، بصرية ، جلدية ، شمية ، .... الى اخره ) ثم تحللها بصورة اولية وترسلها الى مخزن الذاكرة قصيرة المدى ( Short – term .memory ) اذ تبقى لمدة قصيرة ثم تنتقل الى جهاز المصفاة الانتقائية ( Selective Filter ) التي تعمل بمثابة مصد وقتي للمعلومات .
3 – تقوم المصفاة الانتقائية بسلسلة من عمليات التحليل المركزي لهذه المعلومات اذ يتم انتقاء معلومات محددة يحتاجها الفرد وإهمال معلومات اخرى غير مقيدة فهو
– يعمل على فرز المعلومات المفيدة من غير المفيدة .
- يعمل بنظام الكل او اللاشيء ( all- or-none ) . اما ان ينتبه الى المعلومة او تهمل تماما .
4 – تنتقل المعلومات من المصفاة الانتقالية ( لا تمر اكثر من معلومة واحدة في آن واحد ) الى جهاز النظام الادراكي ذي السعة او القابلية المحدودة . اذ تحدث عمليات التفسير او التأويل واضفاء المعاني والدلالات والتشفير ويشبه برود بنت هذا الجهاز بمعالج كومبيوتر مركزي اذ تحدث فيه عمليات التنظيم والمعالجة المعلوماتية .
ويرى برود بنت ان العمليات الخاصة في كل من مخزن الذاكرة قصيرة المدى والمصفاة الانتقائية وجهاز السعة او القابلية المحدودة تحدث في آن واحد وبصورة متزامنة اذ يتم التحليل الأولي للمعلومات ( المنبهات ) في الذاكرة قصيرة المدى ثم تتم عملية انتقاء المعلومات المهمة من المصفاة الانتقائية وبعدها تضفى المعاني والتفسيرات والتشفير في جهاز القابلية المحدودة حيث تحدث عملية التعرف (Recognition ) . ولما كان جهاز القابلية المحدودة لا يستوعب اكثر من معلومة واحدة من قناة واحدة في آن واحد فأن المصفاة الانتقائية الواقعة بين مخزن الذاكرة القصيرة المدى وبين جهاز المحدودة يسمح بالانتباه فقط لمصدر واحد من المعلومات . فمثلا ما يحدث في المناسبات او حفلة الكوكتيل ( Cocktail party ) هو ان تقوم الاحساسات باستقبال العديد من المثيرات السمعية والبصرية وترسلها الى مخزن الذاكرة قصيرة المدى اذ تخزن لمدة قصيرة( بضعة ثوان في الاغلب ) لكن الانتباه يتم لمثير واحد فقط حيث يسحب من المخزن الى المصفاة الانتقائية ومن ثم الى جهاز القابلية ذي السعة المحدودة لتتم عملية التعرف .
2 – نظرية تريزمان ( Treisman Theory ) 1960 :
لم تستطع نظرية المصفاة لبرود بنت ان تفسر حقيقة ان بعض المعاني والمعلومات قد تمر من المصفاة عبر القناة غير المنتبه لها فعلى الرغم من ان المفحوص لا ينتبه الى القناة او الرسالة غير المنتبه لها الا ان هناك بعض المعلومات يمكن ان تتسرب في الوعي ( الشعور ) . اذ بيُن ( موراي Moray ) عام ( 1959 ) ان المفحوصين في المهمات الثنائية يلاحظون ان اسماءهم الخاصة قد ذكرت في القناة غير المنتبه لها .
اشــارت ( تريزمان Treisman ) عــام ( 1960 ) الى ان هناك احتمالية عالية لان يردد المفحوص الكلمات الواردة في الرسالة غير المنتبه لها لا سيما اذا كان محتوى كلماتها مشابه لمحتوى الكلمات الواردة في الرسالة المنتبه لها والتي يرددها المفحوص . ان وجهة النظر التي تقول ان بعض المعلومات وليس كلها تمر من خلال كل القنوات ادت الى تقديم تريزمان أنموذج التخفيف او الاضعاف ( Attenuation Model ) اذ افترضت :
- ان المصفاة الانتقائية لا تعمل بطريقة الكل او اللاشيء ( all-or-none ) أي اما ان يحصل انتباه وانتقاء للمعلومة او المثير او ان تهمل وتختفي ( decay ) كما اقترح برود بنت انما هناك احتمال قائم في ان بعض المعلومات غير المنتبه لها يمكن ان تمر عبر المصفاة .
- ان مفهوم التخفيف او الاضعاف يفترض ان الرسالة غير المنتبـه لها ( تخفف او تضعف ) ولكن لا تهمل او تبعد ابدا . وهكذا فان المصفاة على وفق هذه النظرية لا تقلل من كمية المعلومات المتوافرة في القناة غير المنتبه لها وانما لا تسمح لهذه المعلومات من ان تحلل بصورة كاملة . وعندما ينتبه الفرد الى موضوع محدد فانه يقوم بتحليل مفردات هذا الموضوع كلها . اما المعلومات القادمة من القناة الاخرى فانه في الحقيقة لا يعالج اكثر من (10%) منها وهي نسبة كافية لكي يستطيع الفرد سماع اسمه او أي معلومة مهمة بالنســــبة له .
ترى تريزمان ان الانتباه يعمل على مستويين الاول هو ان الانتباه يمكن ان يحدث عبر القنوات الحسية ( كما هو في انموذج برود بنت ) اذ ان المصفاة تنتقي صوتا معينا من بين اصوات متعددة من خلال تحليل الخصائص الفيزيائية للصوت فتكوُن قناة خاصة بها .
اما المستوى الثاني فهو مستوى المعاني ( Meaning ) ، اذ ينبغي للمفحوص ان يتعرف على المثيرات قبل ان يرفضها او ينتقيها .
فمثلا لو اعطيت قائمة من الكلمات لمجموعة من الافراد ودربوا على تذكر كلمات محددة من بين الكلمات المكتوبة في القائمة فانهم سوف يتعرفون على كل كلمة قبل ان يقرروا فيما اذا كان عليهم اعادتها مرة ثانية . ونحن في العادة نتذكر المعاني والافكار من دون ان تعرف هوية مصدرها .
وهذا النوع من الانتباه يسمى انموذج الانتفاء المبكر ( An Early Selective Model ) لان الجزء المهم والمحدد من المعلومات الاتية ( وليس كلها ) يعمل اتصالا مباشرا مع الذاكرة ، اما المعلومات غير المهمة ، فانها تخفف تماما .
يرى ( نايسرNeisser ) ان اكثر السلوك هو نتيجة لمرحلتين متتابعتين من معالجة المعلومات .
المرحلة الاولى هي مرحلة ما قبل الانتباه ( Preattentive ) التي تتحدد فيها الخصائص والسمات الكلية للمثيرات مثلا يمكن عزل شكل معين عن ارضيته ويعني هذا ان الاكتشاف ( detected ) قد حصل من دون التعرف ( recognized ) في عملية فصل الشكل عن محيطه .
اما المرحلة الثانية من مراحل معالجة المعلومات فهي مرحلة التحليل بواسطة التركيب ( Analysis – by- Synthesis ) وهذه العملية البنائية هي ما يسميها ( نايسر ) بآلية او ميكانزم الانتباه .
وبيَن ( نايسر ) ان عملية الانتباه ( التحليل بواسطة التركيب ) يمكن ان تركز كاملة على قناة واحدة بغض النظر عن المعلومات الواردة في القناة الاخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البيت الأبيض: واشنطن لم تتسلم خطة إسرائيلية شاملة تتعلق بعمل


.. اتفاق الرياض وواشنطن يواجه تعنتا إسرائيليا




.. إسرائيل وحماس تتبادلان الاتهامات بشأن تعطيل التوصل إلى اتفاق


.. خطة نتياهو لتحالف عربي يدير القطاع




.. عناصر من القسام يخوضون اشتباكات في منزل محاصر بدير الغصون في