الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 51

ضياء الشكرجي

2022 / 5 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وَقالَ الَّذينَ لا يَعلَمونَ لَولا أَن يُّكَلِّمَنَا اللهُ أَو تَأتِيَنا آيَةٌ كَذالِكَ قالَ الَّذينَ مِن قَبلِهِم مِّثلَ قَولِهِم تَشابَهَت قُلوبُهُم قَد بَيَّنَا الآياتِ لِقَومٍ يّوقِنونَ (118) إِنّا أَرسَلناكَ بَشيرًا وَّنَذيرًا وَّلا تُسأَلُ عَن أَصحابِ الجَحيمِ (119)
بكل تأكيد لا يلام أولئك الذين لا يستطيعون أن يستوعبوا الأدلة على وجود الله، فيطلبون من الذين دعوهم للإيمان، من الذين قاولوا لهم أنهم بعثوا إليهم أنبياء ورسلا، مبلغين عنه، ومنذرين ومبشرين، فمنهم من طلب الدليل على نبوتهم، ربما رغم إيمانه بالله، ومنهم من طلب الدليل على وجود الله نفسه. هنا تتكلم الآية عن نموذج ساذج وسطحي من هؤلاء، فهم على بساطة تفكيرهم ومحدودية عقولهم، يطلبون، من أجل أن يقروا بالإيمان بالله، أن يكلمهم الله، لكنهم تداركوا، وأرادوا كبديل آخر لتكليم الله لهم، أن يظهر لهم أي آية، والآية تعني هنا المعجزة، أي الظاهرة الخارقة للعادة، أو قد تعني أي إشارة أو دليل ملموس. لا يبعد إن البعض قالها من قبيل التهكم من الأنبياء المفترضين، أو منهم من فعل ذلك من قبيل المعاندة أو المشاكسة. بكل تأكيد كان بعضهم من العقلاء الذين لم يجدوا الكثير مما جاء به الأنبياء المفترضون معقولا ومقبولا، على الأقل بالنسبة لهم. لكن نبي الإسلام لا يفرق بين هذه الحالات المختلفة، بل يعتبر كل من لم يؤمن بدعواه أنه نبي مرسل، هو من أصحاب الجحيم. فالإنسان لا يملك إلا أحد ثلاثة خيارات، أن يقتنع ويذعن ويؤمن بمحمد، ألا يقتنع فلا يؤمن، فتنتظره جحيم الله خالدا فيها، أو يتظاهر بالإيمان من غير اقتناع، أي أن يعطى خيار أن يكون (منافقا)، ثم ستتابع اللعنات عليه بلعن المنافقين، ناهيك عن مقاتلة غير المسلمين، مما سيأتي تناوله في مكانه أو أماكنه. وتصف الآية الأخيرة نبي الإسلام بالبشير والنذير، أي مبشر المؤمنين به بنعيم الجنة الخالد، ومنذرا غير المؤمنين به بعذاب الجحيم الخالد أيضا.
وَلَن تَرضى عَنكَ اليَهودُ وَلَا النَّصارى قُل إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعتَ أَهواءَهُم بَعدَ الَّذي جاءَكَ مِنَ العِلمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَّلِيٍّ وَّلا نَصيرٍ (120)
هذه الآية تتحدث عن موقف كل من اليهود والنصارى (مسيحيي الجزيرة العربية وقتذاك) منه. ولا يبعد أن يكون فعلا هذا موقفهم أو موقف أكثرهم أو بعضهم آنذاك، لأن القرآن عودنا تعميم ما لا تعميم فيه، ولذا يصعب معرفة أين كان طرحه يمثل الواقع آنذاك فعلا، أو هو يمثل تفسير محمد لمواقفهم، بعدم استجابتهم بدعوته، كي يلتحقوا بالدين الجديد، أو هي حالات مفردة قام بتعميمها. لكن لنسلم بصحة ما تطرحه هذه الآية. عندها نقول وهذا هو موقف المسلمين وموقف مؤسس القرآن الذي لم يكن مستعدا للرضا عن أتباع الديانات الأخرى إلا إذا اتبعوا دينه. عقائدهم وقناعاتهم بالنسبة له ليست إلا أهواء، وعقيدته علم جاءه من الله، وقناعته هدى. ويسمي هداه وحده بهدى الله، لأن الأديان لا تؤمن بالنسبية، فإما هدى أو ضلال، إما إيمان أو كفر.
الَّذينَ آتَيناهُمُ الكِتابَ يَتلونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُلائِكَ يُؤمِنونَ بِهِ وَمَن يَّكفُر بِهِ فَأُلائِكَ هُمُ الخاسِرونَ (121)
القرآن يقر بوجود كتب قبله، وبالأخص يؤكد على توراة موسى وإنجيل عيسى، كما يتحدث أحيانا عن صحف إبراهيم وزبور داوود. لكن هذه الكتب التي يخبر القرآن عن كونها إلهية المصدر والإيحاء، ليست هي نفس الكتب الموجودة بين أيدي أتباع الديانات الأخرى. فغريب أن يتكلم القرآن من جهة عن كتب الله عند أهل الكتاب حسب تسميته، ومن جهة أخرى لا يؤمن بالكتب التي بين أيديهم. تقول هذه الآية إن «الَّذينَ آتَيناهُمُ الكِتابَ يَتلونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ»، لكن لا ندري ما المقصود بضمير المفعول المتصل الذي تقع عليه تلاوته حق التلاوة، أهو الكتاب الذي بين أيديهم، أم هو القرآن الذي أشارت الآية السابقة إليه ناعتة إياه بالعلم بقول «الَّذي جاءَكَ مِنَ العِلمِ». فلو قصد الكتاب الذي بين أيديهم، لكان ينبغي إيراده بصيغة الجمع، أو المثنى، لأن لكل من اليهود والنصارى (المسيحيين) كتابا غير الذي عند الفريق الثاني. والذي يؤيد أن المقصود هو القرآن، والذي قال عن الذين أوتوا الكتاب أنهم «يُؤمِنونَ بِهِ»، هو إلحاق الجملة بجملة معطوفة عليها بأن «مَن يَّكفُر بِهِ فَأُلائِكَ هُمُ الخاسِرونَ». إذن يجري الكلام هنا عن أولئك اليهود والمسيحيين الذين تحولوا إلى الإسلام، وأصبحوا يتلون القرآن (حق تلاوته)، وليس ما لديهم من إنجيل وتوراة. وإلا فالذين لا يؤمنون بقرآن مؤسس الإسلام فمصيرهم أنهم «هُمُ الخاسِرونَ»، والخسارة المعنية هي الخسارة الأخروية أي الخلود في عذاب نار جهنم، فالمصطلح القرآني «الخاسِرونَ» إنما يقابله المصطلح المضاد «الفائِزونَ» أو «المُفلِحونَ»، وهو ما يعني الفوز والفلاح الأخروي بالخلود في نعيم الجنة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah