الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 53

ضياء الشكرجي

2022 / 5 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وَإِذ جَعَلنَا البَيتَ مَثابَةً لِّلنّاسِ وَأَمنًا وَّاتَّخِذوا مِن مِّقامِ إِبراهيمَ مُصَلًّى وَّعَهِدنا إِلى إِبراهيمَ وَإسماعيلَ أَن طَهِّرا بَيتِيَ لِلطّائِفينَ وَالعاكِفينَ وَالرُّكَّعِ السُّجودِ (125)
وتنتقل بنا هذه الآيات من إبراهيم وولده إسماعيل إلى الكعبة في مكة التي هي موطن محمد الذي اضطر الهجرة منه ثم عاد فاتحا منتصرا، والتي جعلها لاحقا قبلة المسلمين في صلاتهم وفي عدد من طقوسهم. ومن هنا كان لا بد من إضفاء القدسية التاريخية على مكة والكعبة، فهي التي بناهما إبراهيم وإسماعيل، بل تذهب الروايات إلى أنهما أعادا بناءها، إذ كان بناؤها الأول على يد أول إنسان وأول نبي، ألا هو آدم. تمنح الكعبة - وتسمى هنا «البيت» - مجموعة صفات، فهي مثابة للناس، والمثابة تعني فيما تعني مكان الرجوع أو التوبة، أو مكان استحقاق الثواب والأجر من الله، أو المكان الذي يعود الناس ليجتمعوا فيه في كل موسم حج، أو هي ساترة كالثوب الذي يستر الجسد، وحامية له كحماية لابسه من البرد والحر، أو هي الزينة الباطنية والمعنوية كما الثوب يمثل فيما يمثل الزينة الظاهرية والمادية. والصفة الثانية للبيت، بيت الله، الكعبة، هي الأمن، ثم في هذا البيت مقام إبراهيم. ثم يريد الله لهذا البيت أن يجعله مصلى للناس، ولذا يجب أن يكون مطهرا غير ملوث، كي يمارس العابدون طقوسهم من طواف وعكوف وركوع وسجود. وسنجد في موقع لاحق تطبيقا معنويا لحفظ طهارة البيت، بعدم دخوله من المشركين، ذلك لأنهم «نَجَسٌ».
وَإِذ قالَ إِبراهيمُ رَبِّ اجعَل هاذَا البَلَدَ آمِنًا وَّارزُق أَهلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَن آمَنَ مِنهُم بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَليلًا ثُمَّ أَضطَرُّهُ إِلى عَذابِ النّارِ وَبِئسَ النَّصيرُ (126)
إبراهيم تطلع إلى توسيع رقعة الأمن، من جعله للبيت حصرا إلى شموله البلد، أي ما يسمى بالبلد الحرام، ولا ندري سعة هذا البلد، أهو مكة، أو أوسع منها، أو هو عموم الجزيرة العربية. ثم يدعو إبراهيم لأهل هذا البلد برزق الله إياهم من الثمرات، لكنه لم يرد أن يشمل دعاءه بالأمن والرزق من الثمرات لعموم أهل هذا البلد، بل حصرهما للمؤمنين، لأن إبراهيم هو الذي أعلن للذين لم يؤمنوا بدعوته من قومه أنه قد بدت بينه وبينهم العداوة والبغضاء وأبّدهما ما لم يؤمنوا بما آمن أو دعا للإيمان به. ثم تحول هذا المبدأ إلى أساس طلب من المسلمين أن يعتمدوه في علاقتهم مع غير المسلمين، إذ أمرهم القرآن أن يتخذوا إبراهيم أسوة حسنة لهم في هذه القضية بالذات. ويأتي جواب الله لدعاء إبراهيم بأن «وَمَن كَفَرَ»، وكأنه هنا قد استجاب لعاء إبراهيم، مستثنيا من أهل هذا البلد من كفر، أي من لم يؤمن، «فَأُمَتِّعُهُ قَليلًا»، أي لا يحرمه في الحياة الدنيا من الرزق من الثمرات، بعكس ما أراده إبراهيم محتكرا للمؤمنين حصرا، ثم بعد تمتيع الكافر قليلا في الدنيا، «ثُمَّ أَضطَرُّهُ إِلى عَذابِ النّارِ وَبِئسَ النَّصيرُ». مرة أخرى نتساءل ما ذنب إنسان لم يستطع أن يقتنع بما يضمن له الإيمان به الخلود في الجنة، بينما إذا يكون من سوء حظه أنه لم يستطع، ولا يجب أن يكون لا يريد، أن يقتنع، أن تكون عدم استطاعته الاقتناع، وهو أمر جبري غالبا، سببا لخلوده في عذاب جهنم وبئس المصير. لنتصور أننا نحضر جمهورا لإلقاء محاضرة فلسفية غاية في التعقيد، ومن الجمهور من هم أذكياء أو من أصحاب الاختصاص، فيفهمون معظم مضامين المحاضرة الفلسفية، فيثابون بما لا عين رأت ولا أذن سمعت، وفي الجمهور أشخاص أميون لا يفهمون من الفلسفة شيئا، أو هم محدودو الذكاء والقدرة على الإدراك والاستيعاب، فيعرضون لأشد وأبشع أنواع العذاب، وبلا انقطاع ولا تخفيف.
وَإِذ يَرفَعُ إِبراهيمُ القَواعِدَ مِنَ البَيتِ وَإِسماعيلُ رَبَّنا تَقَبَّل مِنّا إِنَّكَ أَنتَ السَّميعُ العَليمُ (127)
حسب رواية القرآن فإن إبراهيم وإسماعيل هما اللذان بنيا الكعبة، أو أعادا بناءها، فحسب ما يعتقد المسلمون، كان آدم أول من بنى الكعبة، وإن كان هذا ما لم يأتِ القرآن على ذكره، ولكن الذي يؤكد قرآنيا أن المقصود هنا إعادة بناء الكعبة، هو ما ورد في القرآن على لسان إبراهيم، عندما ذهب بهاجر وابنه منها إسماعيل إلى الجزيرة العربية، نادى ربه حسب القرآن بقوله: «رَّبَّنا إِنّي أَسكَنتُ مِن ذُرِّيَّتي بِوادٍ غَيرِ ذي زَرعٍ عِندَ بَيتِكَ المُحَرَّمِ»، إذن تسميته بـ(بيت الله المحرم) يشير إلى أن اعتبار الكعبة بيت الله الحرام كان سابقا لهذا الحدث برفع أسس البيت. وقاما بهذا البناء بنية العبادة لله، والقربة إليه، من هنا جاء في الدعاء «رَبَّنا تَقَبَّل مِنّا». وواضح ما لإعطاء هذه المنزلة لإبراهيم وإسماعيل من أهمية في تدعيم الإسلام، لأن مؤسس الدين الجديد، قدم نفسه سليلا لإسماعيل وإبراهيم، وخلاف العهد القديم اعتبر إسماعيل نبيا، ليكون هو أيضا سليل الأنبياء، وكأن استحقاق النبوة شأن وراثي. الملاحظ في القرآن إنه كلما ورد دعاء، وخاصة الدعاء بالقبول، يختم الدعاء بعبارة «إِنَّكَ أَنتَ السَّميعُ العَليمُ»، أو « إِنَّكَ سَميعٌ عَليمٌ»، فإذا كانت عبارة «إِنَّكَ أَنتَ السَّميعُ» تناسب الدعاء، بمعنى إن الله يسمع دعاء الداعين، فلا ندري ما مناسبة «العَليمُ» هنا، ولِمَ لَمْ تستخدم «إِنَّكَ أَنتَ السَّميعُ المُجيبُ»، ولعل مؤلف القرآن قصد بذلك إن الله يعلم بنية الداعي، فيستجيب لمن صدقت نيته، مع إن الواقع يرينا أن الاستجابة ليست حاصلة بالبداهة بمجرد الدعاء، مهما صدقت نية الداعي وصدق إيمانه وحسنت سريرته واستقامت سيرته، إذن هو يعلم لاعتبارات أخرى، من يريد أن يلبي دعاءه، مستحقا كان أو غير مستحق، ومن لا يلبي له ذلك، حتى لو استحق الإجابة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حتة من الجنة شلالات ونوافير وورد اجمل كادرات تصوير في معرض


.. 180-Al-Baqarah




.. 183-Al-Baqarah


.. 184-Al-Baqarah




.. 186-Al-Baqarah