الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تشتت الانتباه 2

سعد سوسه

2022 / 5 / 12
التربية والتعليم والبحث العلمي


إذ تعد المعرفة بحدود الطاقة الإستبعابية للإنتباه أحد جوانب فهم عمليات الإنتباه ، فبالإمكان أن نتوقع من الأطفال تعلم الإنتباه بصورة إنتقائية وتعلم ما يتعلق بتشتت الإنتباه وعدم الإنتبـاه وقد ‘تستغل المعرفة بشأن الإنتباه لأداء وظيفتين عامتين هما التنظيم الذاتي لسلوك الإنتباه والإستدلال على خبرة إدراكية أو المعرفة لدى الشخص الآخر .
فالإنتباه ينمو ويتطور تبعاً لحاجات الفرد واتساع نطاق إهتماماتهِ ورغباته لذا يكون محدوداً لدى الطفل ، وإن جل ما يهتم به الطفل حاجاته الفسيولوجية ، أما الحاجات النفسية فيتركها على الكبار يؤمنونـها له ، لذا فإن دائرة الإنتباه لديه تكون محدودة وضيقة وبؤرة الإنتباه الشعوري لا تكون قد اكتسبت خصائص الإلتفات الإرادي لمكونات البيئة ، لذا فتعويد الطفل على الإنتباه للبيئة ومثيراتـها مهم فهو يكسبه خبرة في تقوية إنتباهه وإلا فإن تشتت الإنتباه يستمر معه للكــبر ( 11 ) ، فإذا كان مصدر التنبيه صوتياً فقد نضع يدنا خلف أذنينا أو نستدير بحيث تكون إحدى الأ‘ذنين بإتجاه الصوت ونحاول عدم الحركة ، وأحياناً حبس الأنفاس لكي نسمع أخفت الأصوات وهـذه الأوضاع الجسدية ترافقها تغيرات فيزيولوجية ‘تكون فيما بينها نمطاً متسقاً يدعى المنعكس الموجه ، ويحدث عند الإنسان والحيوان على حدٍ سواء ويتمثل في توســع الأوعية الدموية في الرأس وتضيق في الأوعية الدموية المارة في الأحشاء وتغيرات في الأمــواج الكهربائية للدماغ وتوتر عضلي وتغير في نسب ضربات القلب والتنفس وتغير في النشـــاط الكهربائي الجلدي وذلك بـهدف سهولة استقبال المنبه وتـهيئة العضوية للإستجابة السريعة إذا كان ذلك مطلوباً ، وتعد هذه التغيرات والأوضاع وسائل لقياس درجة الإنتباه ( 12 )
ويشير مصطلح تشتت الإنتباه إلى الوضع الذي يتجه فيه الإنتباه إلى موضوع لا يتلاءم مع الأنشطة الصفية ويظهر ذلك عندما يشتت الإنتباه (يتفرق) بين موضوعاتٍ متعددة أو عندما ينحـرف الإنتباه نحو موضوع غير مناسب أو عندما يتشتت بسبب وجود أفكار أو مشاعر متضاربة ( 13 ) ، وتعد هذه الحالة من مشكلات الأطفال الذين يعانون من ضعف القدرة على الإنتباه بصورة مطلقة وإنما إنتباههم إلى أشياء أخرى أحب إلى نفوسهم من تلك التي ينبغي الإنتباه إليها وحصر الإنتباه في بؤرة معينة تقع ضمن الإهتمام بذلك الشيء ، فالإنتباه والإهتمام جانبان لشــيء واحد ( 14 ) .
و يؤكد دويل وهو أحد المهتمين بدراسة الإنتباه إلى أن الاهتمام هو إنتباه كامـن والإنتباه إهتمام نشط فهماً واحداً ويزداد تشتت الإنتباه عند الأطفال الذين يعانون من مشكلات أسرية ، فقد أظهرت دراسة أوبرين ، إن الأطفال الذين يعانون من صراعات ومشكلات أسريــة وعدم توافق بين الوالدين ، يظهر عليهم تشتت في الإنتباه الذاتي وقدر أكبر للإستجابة للمثيرات البيئية ، كما أن عدم الإنتباه هو الآخر يعكس حالة تشتت الإنتباه إذ تحدث صعوبات في تركيز الإنتباه ومواصلته خاصة في الإنتباه الإنتقائي ولا يقف عند هذا الحد بل يؤثر على جوانب أخرى مثل النمو الاجتماعي ، والتكيف مع الأقران ، فقد أظهرت دراسة وجود علاقة وثيقة بين التأخر في النمو الاجتماعي وتشتت الإنتباه وانخفاض نسبة الذكاء وبذلك تزداد آثار تشتت الانتباه السلبية مما يخلق صعوبات لدى المعلم في إدارة الصف .
ان قصر فترة الإنتباه وسهولة تشتته من المشكلات الصفية الرئيسة تضاف إلى مشكلات العناد ، ومشكلات التفاعل مع الزملاء ، ومشكلات النشاط إن هذه المشكلات التي يظهرها التلاميذ لا تأتي عفوياً بل تستهدف تحقيق غايةٍ ما، كما صنف ( دريكوس ) وزملاؤه الأهداف التي تحققها إثارة المشكلات الصفية من قبل بعض التلامذة ومن هذه الأهداف جذب الإنتباه ، ويظهر هذا الهدف عند التلاميذ الذين يعانون من الخجل والإعتمادية ( 15 ) ، وعند الذين يرغبون بأن يتقبلهم أقرانـهم من ذوي التحصيل العالي والشخصية القيادية والمهارات الاجتماعية والتكيف مع الآخرين ، إلا إن بعضهم قد يفشل بجذب الإنتباه إليه فيعمد بقصد أو دون قصد القيام بالتشويش والإزعاج داخل الصف ‘بغية تحويل إنتباه الطلبة إليهِ . إذ تحقق لهم هذه السلوكات الخروج من جو الملل والرتابة والجمود نتيجة للإطالة والشرح أكثر من (15) دقيقة ليتحول إنتباههم وتفكيرهم نحو شيء آخر يثير إهتمامهم أكثر من الدرس( 16 ) وهذا ما أكدته دراسات في تحديد أبرز المشكلات الصفية التي تواجه المعلمين في صفوفهم والتي كان من بينها ( عدم إنتباه التلاميذ ، والبطء في إنجاز المهمات المكلفين بها ، والتكلم بدون استئذان ) ودعى لاي إلى ضرورة إيجاد الحلول السريعة لها.
وقد تباينت الدراسات في العوامل المؤثرة في تشتت ، أظهرت دراسة كول ، إن أطفال الصف الثاني الابتدائي يظهرون تشتت في الإنتباه عندما لا يحتاجون إلى السيطرة على إنتباههم في بعض المواد الدراسية وأكدت دراسة فرنون ودارنر إن للصوت تأثير ضعيف على حل المسائل الحسابية وقراءة مادة في علم النفس وإن الأصوات غير المرتبطة بالفعالية وذات ذبذباتٍ عالية تشتت الإنتباه ، في حين أن الأصوات ذات العلاقة بالفعالية قد تؤدي إلى الإستحواذ على الإنتباه . ( 17 ) وقد أظهرت دراسة أمان 1986 ، إن الأطفال الأسوياء ذوي النشاط الزائد يعانون من تشتت الإنتباه ويرتبط هذا التشتت بالاندفاعية ( وقد يحدث أحياناً أن يكون مصدر التشتت هو المعلم وليس الطالب وذلك حين يقوم ببعض السلوكات غير المقصودة بشكلٍ مبالغ فيه كماً ونوعاً كعادة النقر المستمر بالقلم ، أو لمس المدرس لشعرهِ ( 18 ) وهذا ما أظهرته دراسة وونـك ، إن من بين مشتتات إنتباه التلامذة في الصف هو ما يتعلق بالمعلمة فالعادات التي تظهرها في الكلام والمظهر الخارجي المتمثل بألوان الملابس وفخامتها ، وتصفيف الشعر ، وماكياج الوجه ، والإكسسوارات ، والنظارات … الخ ، تعد كلها مشتتات لإنتباه التلامذة.
كما قد يعمد المعلم إلى استخدام التغيير في نبراتهِ الصوتية والمشي والحديث الخافت ، واستخدام مثيرات أو وسائل لفظية وغير لفظية تخاطب حواس التلميذ المختلفة عن طريق القصة أو وصف وضع غير مألوف أو طرح أسئلة مثيرة للتفكي أو استخدام تقنيات حديثة كالحاسوب والخرائط والفانوس ( 19 ) ، كل هذه العوامل تعمل بمثابة عوامل جذب إنتباه التلامذة في غرفة الصف ، ولكن عندما تكون أكثر من المعتاد سوف تكون عوامــل مشتتة للإنـتـبـــاه .
وقد توصل كول إلى أن التلاميذ الذين يؤدون واجبات في الرياضيات والقراءة لا يتأثرون كثيراً بمشتتات الإنتباه أثناء الدراسة ويعود ذلك إلى الدقة التي يتطلبها الحساب أو الإستيعاب القرائي مما يدل على أن عملية الإنتباه تتسم بالمرونة وقابليتها على التكيف والتعديل.
ويرى كارول أن الإنتباه هو المكون أو العملية التي تنشأ عن توقعات الفرد لنمط وعدد المثيرات المطلوبة أي المطلوب إعدادها وتجهيزها خلال أداء الفرد المهمة والإنتباه وفقاً لهذا يعد من المكونات المعرفية للذكاء المستخدمة بالاستجابة على أسئلة الاختبارات ، ويرى ستيرنبرغ إن توزيع الإنتباه يقع ضمن عملية ما بعد أو ما وراء المكونات أو ما وراء العمليات المعرفية ، ونستنتج من ذلك إن الإنتباه يقع ضمن الذكاء الإنساني فما من عملية عقلية ذكية إلا ويشكل الإنتباه فيها حجر الأساس إذ أننا ‘نكون معارفنا عن العالم من خلال إنتباهنا للمثيرات الموجودة في البيئة وبذلك يمكننا التمييز والإدراك والوعي بـهذه المثيرات أو المواقف . ومجمل هذا القول " بأن تشتت الإنتباه متغير معرفي يقع في الإتجاه المعاكس لسير الخط الذكائي للإنسان عبر عملياتهِ المعرفية غير أن الباحثة لم تجد دراسة تشير إلى كم ومقدار العلاقة بين الذكاء وتشتت الإنتباه ولهذا السبب جاءت الدراسة الحالية لتميط اللثام نحو فحوى هذه العلاقة ، فالذكاء هو حصيلة الخبرات التعليمية للفرد والتي تراكمت على نحو شبه منظم خلال مراحل نمو الفرد المختلفة إذ يبدو الذكاء نوعاً من تتابع أو تسلسل وظائف النمو الثابتة ( 20 ) ، وللذكاء تأثير كبير في الناس بمختلف مراحل حياتـهم وهو من المظاهر الإنسانية الملحوظة ( 21 ) .
المصادر
1 . النجيحي ، محمد لبيب ، ( 1963 ) : أصول علم النفس ، الدار القومية للطباعة والنشر ، القاهرة .
2 . المليجي ، حلمي ، ( 1970 ) : علم النفس المعاصر ، دار النهضة العربية ، بيروت
3 . حمدي ، نزيه ، ( 1988 ) : برامج في تعديل السلوك ، ط1 ، عمان .
4 . بوز ، كهيلا ، ( 1992 ) : ضرورات الإنتباه عند طلاب المرحلة الثانوية ، المجلة العربية للتربية ، المجلد 12 ، العدد 1 .
5 . بدير ، كريمان ، ( 1993 ) : علم النفس المعرفي ، عالم الكتب ، القاهرة .
6 . الخولي ، وليم ، ( 1976 ) : الموسوعة المختصرة في علم النفس والطب العقلي ، دار المعارف ، ط1 ، القاهرة .
7 . كيرك ، سامؤيل، وكالفنت، جيمس، ( 1984): صعوبات التعلم الأكاديمية والنمائية، مكتبة الصفحات الذهبية، الرياض.
8 . جابر ، جابر عبد الحميد ، وكفافي ، علاء الدين ، ( 1990 ) : معجم علم النفس والطب النفسي ، دار النهضة العربية ، ج3 ، القاهرة .
9 . بلقيس ، أحمد ، ومرعي ، توفيق ، ( 1998 ) : الميسر في علم النفس التربوي ، دار الفرقان ، عمان 10 . جابر ، جابر عبد الحميد ، وكفافي ، علاء الدين ، مصدر سابق .
11 . حمدي ، نزيه ، مصدر سابق .
12 . الوقفي، راضي، (1998): مقدمة في علم النفس ، دار الشروق للنشر، ط3، عمان.
13 . حمدي ، نزيه ، ( 1988 ) ، مصدر سابق .
14 . ويتنج ، آرنوف ، ( 1983 ) : ملخصات شوم ، ترجمة عادل عز الدين الأشول، دار ماكجروهيل للنشر ، القاهرة .
15 . الخطيب ، جمال ، ( 1987 ) : تعديل السلوك القوانين والإجراءت ، الجامعة الأردنية .
16 . المساعيد ، أحمد ، ( 2000 ) : النظام الصفي والعوامل المؤثرة فيه ، مجلة رسالة المعلم ، المجلد 40 ، العدد (1و 2 ).
17 . محمود ، محمد مهدي ، وعيسى ، مصطفى ، ( 1985 ) : دراسة تجريبية عن أثر الضوضاء على عملية التعلم ، مجلة آداب المستنصرية ، العدد11 .
18 . توق ، محي الدين ، وعدس عبد الرحمن ، وقطامي ، يوسف ، ( 2001 ) : أسس علم النفس التربوي ،دار الفكر ، عمان .
19 . المحاسنة ، محمد سلامة ، ( 2000 ) : الدافعية وأثرها في التعلم ، مجلة رسالة المعلم ، المجلد (40 ) ، العدديين (1 و 2 ).
20 . نشواتي، عبد المجيد ، ( 1985 ) : علم النفس التربوي ، دار الفرقان، ط2، عمان .
21 . حسان ، شفيق فلاح ، ( 1989 ) : أساليب علم النفس التطوري ، دار الجيل ، مكتبة الرائد العلمية ،








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: الكوفية الفلسطينية تتحول لرمز دولي للتضامن مع المدنيي


.. مراسلنا يكشف تفاصيل المرحلة الرابعة من تصعيد الحوثيين ضد الس




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. برز ما ورد في الصحف والمواقع العالمية بشأن الحرب الإسرائيلية




.. غارات إسرائيلية على حي الجنينة في مدينة رفح