الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 55

ضياء الشكرجي

2022 / 5 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وَإِذ قالَ لَهُ رَبُّهُو أَسلِم قالَ أَسلَمتُ لِرَبِّ العالَمينَ (131)
(الإسلام) كمصدر للفعل (أَسلَمَ، يُسلِمُ)، فهو (مُسلِمٌ) لله، يرد في القرآن بمعنيين، بالمعنى الإيماني القلبي العرفاني، كما في هذه الآية، ويمثل أعلى درجات الإيمان، والمعنى الشكلي الظاهري الحقوقي، بمعنى مجرد الانتماء إلى المسلمين كأمة، وذلك بمجرد توفر الشرط الظاهري للانتماء، إما بنطقه بالشهادتين، إذا كان متحولا إلى الإسلام، ولم يكن مسلما من قبل، وإما بكونه مولودا من أبوين مسلمين، بل يكفي أن يكون من أب مسلم، حتى لو لم تكن أمه مسلمة، وهذا بعكس الديانة اليهويدية التي تشترط يهودية الأم لاعتبار المولود يهوديا. وكلامنا هنا عن المستوى الإيماني العرفاني، أي الدرجة العليا من الإيمان. فـ(الإسلام) كمصدر للفعل (أَسلَمَ، يُسلِمُ)، فهو (مُسلِمٌ)، يختلف عن (التسليم) كمصدر للفعل (سَلَّمَ، يُسَلِّمُ)، فهو (مُسلِّمٌ)، حيث يكون الإسلام بدفعة واحدة، بينما التسليم هو عبارة عن عملية تدرج نحو بلوغ الدرجة العليا. من الناحية العرفانية، فالإسلام أبلغ، لأنه يمكن أن يفهم، بأن الإنسان بمجرد أن يؤمن بالله، يُسلِمُ لله إسلاما، وذلك دفعة واحدة، ولكن من الناحية الواقعية، يفترض، إذا سلّمنا بكون الإسلام هو دين الله، أن يتدرج المؤمن به من درجة إلى درجة أعلى منها، وهكذا. ربما اختيار الإسلام دون التسليم له علاقة بعدم اعتماد الأديان لمبدأ النسبية، ولكن أحيانا يقع النص القرآني في مطب النسبية، ونقول (مطب)، لأنه يكون مطبا بمفاهيم الدين نفسه ومتبنياته. ونذكر مثالين للنسبية، الأول «لا تَقولوا آمَنّا بَل قولوا أَسلَمنا»، والثاني «يا أَيُّهَا الإِنسانُ إِنَّك كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدحًا»، هذا طبعا إذا كان مؤلف القرآن قد عنى بالنصين ما نفهمه منهما. نرجع إلى الآية التي تصور أمرا إلهيا واضحا محددا قصير العبارة موجها إلى إبراهيم، بكلمة واحدة فقط: «أَسلِم»، وجوابا فوريا تلقائيا، بلا تردد منه «أَسلَمتُ لِرَبِّ العالَمينَ».
وَوَصّى بِها إِبراهيمُ بَنيهِ وَيَعقوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصطَفى لَكُمُ الدّينَ فَلا تَموتُنَّ إِلّا وَأَنُتم مُّسلِمونَ (132)
الإيمان وعدم الإيمان هما قضية اقتناع أو عدم اقتناع، ولكنه يتحول إلى توريث وتوصية وإلى قضية أسرة، بل النبوة هي قضية أسرة وقضية توريث، وبالتدريج نقترب من جعل الله نفسه إلى قضية أسرة.
أَم كُنتُم شُهَداءَ إِذ حَضَرَ يَعقوبَ المَوتُ إِذ قالَ لِبَنيهِ ما تَعبُدونَ مِن بَعدي قالوا نَعبُدُ إِلاهَكَ وَإِلاهَ آبائِكَ إِبراهيمَ وَإسماعيلَ وَإِسحاقَ إِلاهًا وّاحِدًا وَّنَحنُ لَهُو مُسلِمونَ (133)
في هذه الآية تتضح أكثر ملامح تحويل الله إلى قضية أسرة، سيكون من الآن إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب. لكن من جهة أخرى يمكن أن نفهم هذه الوصية الأبوية هي وصية إسلام وعبادة وتوحيد. فالله هنا هو إله يعقوب وإله (آبائه) إبراهيم وإسماعيل ويعقوب. ولا نفهم كيف عُدَّ إسماعيل من آباء يعقوب، في الوقت الذي نعرف أنه عمه أو نصف عمه، إذ إنه الأخ غير الشقيق لأبيه إسحاق. لكن إيراد اسم إسماعيل هنا أمر في غاية الأهمية لمؤلف القرآن ومؤسس الإسلام، كونه ينحدر منه، ولكن أن يوضع اسمه تحت عنوان (آباء يعقوب) غير دقيق، وكان بالإمكان التخلص من هذا الخطأ، بل كان عدم الوقوع فيه حتميا، لو كان المؤلف حقا هو الله.
تِلكَ أُمَّةٌ قَد خَلَت لَها ما كَسَبَت وَلَكُم مّا كَسَبتُم وَلا تُسألونَ عَمّا كانوا يَفعَلونَ (134)
هنا يخط القرآن خطا فاصلا بين أمتين، أمة بني إسرئيل التي قد خلت وانقضت وانتهى دورها، وأمة آمنت بمحمد ويراد لها أن تنفصل عن التي قبلها، التي «قَد خَلَت»، فـ«لَها ما كَسَبَت [من خير وشر]» وللأمة الجديدة، الأمة المؤسَّسة «وَلَكُم مّا كَسَبتُم»، ولكل أمة فعلها وأداؤها، ولا تُسأَل تلك عن هذه ولا هذه عن تلك، بمعنى عدم تحمل أمة مسؤولية أمة أخرى، وهذا صحيح منطقيا ويفترض أن يكون من البديهيات.
وَقالوا كونوا هودًا أَو نَصارى تَهتَدوا قُل بَل مِلَّةَ إِبراهيمَ حَنيفًا وَّما كانَ مِنَ المُشرِكينَ (135)
هنا يصح توجيه عبارة «أَتَأمُرونَ النّاسَ بِالبِرِّ وَتَنسَون أَنفُسَكُم وَأَنتُم تَتلونَ الكِتابَ» الموجهة من القرآن إلى بني إسرائيل؛ يصح توجيهها إلى مؤلف القرآن، وهنا يمكن مخاطبته بالمثل بقول «قُلتَ كونوا مُسلِمينَ تَهتَدوا، وَنَقولُ بَل مُنَزِّهينَ للهِ مِن كُلِّ دينٍ». أحرامٌ على طرف، حلالٌ على طرف؟ هكذا هي الأديان كلها، كل منها يدعي وحده أنه يمثل الهدى والحق والإيمان، وكل ما عداه يمثل الضلال والباطل والكفر، حيث لا تقر الأديان بالنسبية، ليكون هناك هدى نسبي وضلال نسبي، ويكون إيمان نسبي وكفر نسبي، وحق نسبي وباطل نسبي. ودليل أنه يستنكر على اليهود والمسيحيين قولهم هذا ويقول مثله، سيأتينا في الآيتين اللاحقتين، لاسيما الآية 137 بقول «فَإِن آمَنوا بِمِثلِ ما آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهتَدَوا وَإِن تَوَلَّوا فَهُم في شِقاقٍ».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah